أساطير الشفاعة الحنبلية بعد البخارى( ب4 ف 1 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أساطير الشفاعة الحنبلية بعد البخارى( ب4 ف 1 )

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

 الباب الرابع : إنتشار الاعتقاد فى أساطير الشفاعة

الفصل الأول :  أساطيرالشفاعة الحنبلية بعد البخارى

أولا : أساطير الشفاعة الحنبلية قبل البخارى

1 ـ الحنابلة هم مخترعو وناشرو أساطير الشفاعة فى تاريخ المسلمين ( المحمديين ). نقصد بالحنابلة المتخصصين فى صناعة وإفتراء ونشر الحديث ( النبوى والقدسى ) وفى صناعة ونشرالمنامات . يدخل فى الحنابلة من كان سابقا لابن حنبل مثل المؤرخ ابن سعد ت 230 صاحب الطبقات الكبرى ، لأنه صاحب أول موسوعة تاريخية مرتبة حسب طبقات رواة الأحاديث فى المدن من التابعين وتابعيهم حتى الصحابة الى النبى عليه السلام ، ويدخل فيهم أئمة الحديث بعد ابن حنبل كالبخارى ومسلم والترمذى وغيرهم والذين لم يكونوا ضمن عوام الحنابلة الذين سيطروا بتشددهم وارهابهم على الشارع العباسى .

2 ـ وقلنا إنه لم تأت أحاديث الشفاعة فى (سيرة ابن إسحاق ) وقد توفى محمد بن اسحاق عام 152 ولا فى سيرة ابن هشام التى لخّصها عن ابن اسحاق . وقد توفى ابن هشام عام 218 . وورد حديث يتيم عنها فى ( موطأ مالك ) وقد مات الامام مالك عام 179 هجرية ومات تلميذه محمد بن الحسن الشيبانى اشهر من كتب موطأ مالك عام 189 هجرية . ولم تأت روايات الشفاعة فى كتابات الشافعى المتوفى عام 204 هجرية سوى جملة صغيرة فى الرسالة ، يقول فيها عن النبى : (والشافعُ المشفَّعُ في الأخرى‏.‏ ). وخلا تاريخ الطبرى والسيرة التى كتبها عن النبى والخلفاء الراشدين وغير الراشدين من أى إشارة للشفاعة ، مع تكرار كلمة ( تشفع ) ومشتقاتها فى الموضوعات السياسية ، أى ( تشفع فلان عند فلان ) .

3 ـ وسبق إبن سعد بإشارات قليلة عن الشفاعة فى ( الطبقات الكبرى) . وقد عاش ابن سعد فى العصر العباسى الأول بين عامى( 168 : 230 ) هجرية ، وقد عاصره البخارى المولود عام 194 والمتوفى عام 256 هجرية . أى أدرك البخارى المؤرخ ابن سعد وعاصر شهرته ووفاته ، وعاش البخارى بعد ابن سعد 26 عاما . وقد اعتمد البخارى على كتاب ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد ونقل عنه دون أن يشير اليه ، بل إخترع أسانيد مختلفة عن أسانيد ابن سعد . ولكن لم ينقل البخارى عن ابن سعد تلك الشذرات القليلة عن الشفاعة لأن البخارى توسّع فيها وأتى بما لم يقله أحد من قبله فى أساطير الشفاعة. يعنى إن البخارى هو مخترع أحاديث الشفاعة والتى وقع فى هواها أئمة المحمديين بعده ، بدءا من الطبرى المتوفى عام 310 الى عصرنا البائس .

4 ـ ونذكر الإشارات الضئيلة فى ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد ت 230 .

فى ترجمة حمزة عم الرسول ، ينسب ابن سعد للنبى قولا طويلا مُملا سمجا ، منه (إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون فيها مطعما وملبسا ومركبا أو قال مراكب فيكتبون إلى أهلهم هلموا إلينا فإنكم بأرض جردة والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. ). ومعروف أنه عليه السلام لم يكن يعلم الغيب وليس له أن يتحدث عن غيب المستقبل . وواضح ان صانع الحديث مهموم بحال المدينة بعد أن زالت عنها الأضواء الى بغداد والكوفة والبصرى ودمشق والفسطاط وخراسان ..الخ . وهذا الحديث ضمن سلسلة من الأحاديث التى تخصصت فى تمجيد المدينة واعتبرتها حرما ثانيا ، وأسست لها تقديسا وربطته بالحج الى ( قبر النبى ) المزعوم طلبا لشفاعته المزعومة.

وحديث أخر جاء فى ترجمة عبد الله بن سهيل بن عمرو :( وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل باليمامة شهيدا وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. فلما حج أبو بكر في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله، فقال سهيل: لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  يشفع الشهيد لسبعين من أهله  . فأنا أرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي. ) . ومعروف أن سهيل بن عمرو تأخر اسلامه ، وعاش فى مكة دون صُحبة للنبى . والحديث يضع على لسانه ( لقد بلغنى ) أى إنه لم يسمع ذلك بنفسه .

وذكر ابن سعد حديث : ( إن الرجل من أمتي ليشفع لمثل ربيعة ومضر ). وهو حديث متطرف فى مبالغته.  

إلا إن ابن سعد يأتى برواية هامة تثبت أن كعب الأحبار اليهودى هو أول مصدر لأساطير الشفاعة عند المحمديين . وأنها لم تكن معروفة لدى الصحابة وأقارب النبى قبل إسلام كعب الأحبار فى خلافة عمر بن الخطاب . جاء هذا فى ترجمة ( المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ) ابن عم النبى . (أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين أن كعبا أخذ بيد المغيرة بن نوفل فقال :"اشفع لي يوم القيامة.!" قال فانتزع يده من يده وقال : "وما أنا ؟ إنما أنا رجل من المسلمين.!"  قال فأخذ بيده فغمزها غمزا شديدا وقال :"ما من مؤمن من آل محمد إلا وله شفاعة يوم القيامة."  ثم قال اذكر هذا بهذا . )( أخبرنا خالد بن مخلد قال حدثني الحكم بن الصلت المؤذن قال حدثني عبد الملك بن المغيرة بن نوفل قال حدثني أبي قال : أخذ بيدي كعب الأحبار فعصرها ثم قال: " أختبيء هذه عندك لتذكرها يوم القيامة ." قال : "وما أذكر منها ؟ " قال : "والذي نفسي بيده ليبدأن محمد بالشفاعة يوم القيامة بالأقرب فالأقرب ).

ثانيا : أساطير الشفاعة فى الملل والنحل  

1 ـ خلال العصر العباسى الثانى ( 232 : 685 هجرية ) راجت الكتابات المتخصصة التى تسجل معتقدات وتاريخ الملل والنحل والطوائف بين المسلمين . ومعروف أن الخلافات بدأت سياسية بين الصحابة ووصلت الى التقاتل بين (على ) وخصومه فنشأ التشيع ، ثم الخوارج ، وتتابعت الفرق والطوائف وتحول الخلاف السياسى الحربى فى العصر العباسى الى شقاق فى الدين ، وتفرّع الخلاف وتشعب داخل كل طائفة وفى كل ملّة ونحلة . وتم تسجيل هذا فى العصر العباسى الثانى.وبتأثير الحنابلة وصناعتهم أحاديث الشفاعة فى القرن الثالث الهجرى وما تلاه دخل الجدل حول الشفاعة بين أرباب الملل والنحل فى القرون التالية .

2 ـ وابو الحسن الاشعرى ( ت 330  ) أشهر من كتب فى ( الملل والنحل ) وقد كان من المعتزلة ثم إنشق عنهم وإنضم للسنيين وتبعه أبو منصور الماتوريدى . وتكونت الأشاعرة والماترويدية كفرقتين فيما يسمى بعلم الكلام أو ( اللاهوت ) ضد المعتزلة . ومع إنتمائهما السّنى إلا إن متشددى الحنابلة السنيين بثقافتهم العامية وإنغلاقهم لا يستريحون للاشاعرة ومنهجهم الجدلى ، ويفضّل الحنابلة التقليديون وضع أرائهم فى حديث أو منام يكون أكثر تأثيرا فى أتباعهم العوام .يقول ابو الحسن الأشعرى فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ) عن الشفاعة : ( إختلفوا فى شفاعة النبى هل هى لأهل الكبائر من أمته : أنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله . وقال بعضهم الشفاعة للمؤمنين أن يزادوا فى منازلهم . ) ثم يقول عن طائفته :( وقال أهل السُّنة والاستقامة بشفاعة رسول الله ( ص ) لأهل الكبائر ) ( مقالات الاسلاميين ) ( 2 /  166 ). هنا ينحاز الأشعرى الى طائفته ويسميها ( أهل السُّنة والاستقامة )

3 ـ وعلى منواله كتب ابن حزم الظاهرى الاندلسى (ت 456 )( الفصل فى الملل والنحل) وفى ج 4 / 85 ) يقول عن الشفاعة : ( اختلف الناس فى الشفاعة فانكرها قوم وهم المعتزلة والخوارج وكل من تبع ، أن لا يخرج أحد من النار بعد دخوله فيها . وذهب أهل السنة والأشعرية والكرامية وبعض الرافضة الى القول بالشفاعة ) ويؤمن ابن حزم بالشفاعة . وقد دافع عن وجهة نظره .

ونفس الحال مع الشهرستانى ت (548 ) القائل فى كتابه ( الملل والنحل ) : ( وصاحب الكبيرة‏:‏ إذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى‏:‏ إما أن يغفر له برحمته وإما أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال‏:‏ ‏"‏ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ‏"‏‏.) .

رابعا : ابن الجوزى بطل الافتراء فى أساطير الشفاعة فى القرن السادس الهجرى

1 ـ يمتاز ابن الجوزى بكثرة مؤلفاته وتنوعها بين التاريخ الحديث والفقه بنوعيه ( الفقه النظرى والفقه الوعظى ) ومؤلفات فيما يسمى بالنسخ وفى الأحاديث الموضوعة وفى النوادر والأقاصيص . كما إنه عمل واعظا وقصّاصا وخطيبا فى مسجده  مقصودا من آلاف العوام ، ومقربا من بعض الخلفاء العباسيين . وبالتالى تعرض لمحنة فى عهد الخليفة الناصر العباسى.ثم إنه عاش طويلا( 510 : 597 ) مستمرا فى إنتاجه ونشاطه . يعيب ابن الجوزى أنه أدخل القصص المصنوع فى تاريخه وصنع له إسنادا وجعله روايات وحقائق تاريخية ، وأنه تعصب لمذهبه الحنبلى فصاغ روايات مكذوبة وجعلها تاريخا كما قام بتحقير خصوم مذهبه فى التأريخ لهم ، وهكذا فعل مع المعتزلة والصوفية ،بينما قام بتمجيد وتقديس أئمة السنيين والحنابلة وتجاهل سيئاتهم وجرائمهم فى تاريخه . وهذا يظهر جليا فى تاريخ ( المنتظم ) و ( صفوة الصفوة ) و ( مناقب أحمد بن حنبل ).

يهمنا هنا أنه أشهر من قام بالترويج لأحاديث الشفاعة فى عصره وفى كتبه فراجت أكثر من بعده، وقد سبك اساطير الشفاعة وأدخلها فى تأريخه لبعض المشاهير .

2 ـ وأول حديث له عن الشفاعة فى ترجمة ( شبيب بن شيبة  ت 164 هجرية )، يقول : ( توفي ابن لبعض المهالبة فأتاه شبيب بن شيبة المنقري يعزيه ، وعنده بكر بن حبيب السهمي فقال شبيب‏:‏ بلغنا أن الطفل لا يزال محتبطًا على باب الجنة يشفع لأبويه ) .

3 ـ وبعض الأساطير التى سبكها ابن الجوزى لم يتورع عن كتابتها فى تاريخه ، لذا إمتلأ ( المنتظم ) بأساطير المنامات ، وتميّز تاريخ المنتظم بأنه يقسّم التأريخ لكل سنة الى قسمين : الأول للحوادث التى تجرى فى العام ، ثم أشهر من مات فى هذا العام . ويفرد إهتماما خاصا للعلماء والزُّهاد والعُبّاد وأهل الحديث والفقه يجعلهم على قدم المساوة بالخلفاء والسلاطين من حيث الاهتمام ، بل ويملأ تاريخهم بالمنامات وأساطير الكرامات تعويضا عن إفتقادهم للجاه السياسى . ولذلك كان إسناده الشفاعة لبعضهم لتكون له مكانة فى الآخرة تعويضا عن مكانته الضائعة فى الدنيا . فى ترجمته ليزيد بن هارون ت 194 يقول ابن الجوزى فى ( المنتظم وفيات  206 ): (  حدَثني أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان فقال أحدهما‏:‏ يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له‏:‏ يا أبا خالد ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وشفعني وعاتبني ‏.‏ فقلت له‏:‏ غفر لك وشفعك قد عرفت. ففيم عاتبك؟ قال‏:‏ قال لي‏:‏ يا يزيد أتحدّث عن جرير بن عثمان ؟‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رب ما علمت إلا خيرًا ‏.‏قال‏:‏ يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب ‏.‏ ). وهى نفس الرواية فى مناقب احمد بن حنبل.

بل إن بعض المنامات التى نسبها لابن حنبل فى ( مناقب ابن حنبل ) قام بنسبتها أيضا ليزيد بن هارون فى ( المنتظم ) وصنع لها إسنادا ، فقد أدمن ابن الجوزى الكذب فى المنامات وفى الأحاديث دون أن يشعر بتناقضه مع نفسه . يحكى هذا المنام : ( قال الآخر‏:‏ وأنا واللهّ رأيت يزيد بن هارون في المنام ‏.‏ فقلت له‏:‏ هل أتاك منكر ونكير؟ ‏.‏ قال‏:‏ إي والله وسألاني من ربك وما دينك ومن نبيك فقلت‏:‏ ألمثليِ يقال هذا ؟!‏.‏وأنا كنت أعلم الناس بهذا في الدنيا فقالا لي‏:‏ صدقت فنم نومة العروس لا بأس عليك‏.‏ !)

4 ـ والتناقض واضح فى كتابات ابن الجوزى على مستوى المؤلفات وعلى مستوى التفصيلات . فهو من أكبر صُنّاع الأحاديث وأكبر مروجيها ، وفى نفس الوقت يكتب فى الأحاديث الموضوعة مجلدا ضخما ( الموضوعات من الأحاديث المرفوعات ). وفى الوقت الذى يروّج فيه لشفاعة النبى والأئمة السنيين نراه يقف بالمرصاد لمزاعم خصومه الصوفية فى شفاعة أوليائهم . وقد خصّص معظم كتابه ( تلبيس ابليس ) فى الهجوم على الصوفية وفضحهم والرد عليهم. فيهاجم الشبلى الامام الصوفى لأنه  قال : أن الله سبحانه وتعالى قال  ( ولسوف يعطيك ربك فترضى) والله لا رضي محمد  وفي النار من أمته أحد.  ثم قال : أن محمدا يشفع في أمته وأشفع بعده في النار حتى لا يبقى فيها أحد )  وفى معرض انتقاده للصوفية يقول (

ومن تلبيسه عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من اولاد أبو بكر وهذا يقول أنا من اولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو الحسين أو يقول أنا قريب النسب من فلان العالم أو من فلان الزاهد . وهؤلاء يبنون أمرهم على أمرين . أحدهما : أن يقولون من أحب إنسانا أحب أولاده وأهله ، والثاني أن هؤلاء لهم شفاعة وأحق من شفعوا فيه أهلهم وأولادهم.  وكلا الأمرين غلط أما المحبة فليس محبة الله عز وجل كمحبة الآدمين وإنما يحب من أطاعه، فإن أهل الكتاب من أولاد يعقوب ولم ينتفعوا بآبائهم . ولو كانت محبة الأب يسرى لسرى إلى البعض أيضا . وأما الشفاعة فقد قال الله تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن أرتضى ) ولما أراد نوح حمل ابنه في السفينة قيل له إنه ليس من أهلك . ولم يشفع إبراهيم في أبيه ، ولا نبينا في أمته ، وقد قال لفاطمة رضي الله عنها : لا أغني عنك من الله شيئا . ومن ظن أنه ينجو بنجاة أبيه كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه . )

5 ـ هنا يتناقض ابن الجوزى مع نفسه إذ ينكر شفاعة النبى وغيره . وقد قال ابن الجوزى فى ( صفوة الصفوة ) عن النبى تحت عنوان : ( ذكر فضلة على الأنبياء وعلو قدره )( عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أُعطيت خمسا لم يُعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي ادركته الصلاة فليصل ، وأُحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبُعثت إلى الناس عامة ."أخرجاه في الصحيحين. ) واستمر ابن الجوزى فى سرد أحاديث مماثلة من البخارى ومسلم . منها : ( وعن أنس قال قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم اتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن من انت فاقول محمد فيقول بك امرت لا افتح لأحد قبلك انفرد باخراجه مسلم. وعن أنس ان النبي. صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا خطيبهم إذا وفدوا وانا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وانا اكرم ولد ادم على ربي ولا فخر رواه الترمذي.)  ( وقد روى مسلم في افراده من حديث أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس يشفع يوم القيامة وانا أكثر الانبياء تبعا يوم القيامة وانا أول من يقرع باب الجنة. )( وفي افراده من حديث ابي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا سيد ولد ادم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع ومشفع. )

ويكرر مناما ورد فى مناقب ابن حنبل ، يذكره فى كتاب ( صفوة الصفوة ) يقول ابن الجوزى : ( وقال أحمد ابن الفتح رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت له : يا أبا نصر ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ورحمني وأباحني الجنة بأسرها، وقال لي : " كُل من جميع ثمارها واشرب من انهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا "فقلت له : فاين اخوك أحمد بن حنبل ؟ قال : هو قائم على باب الجنة يشفع لاهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق . ).

ويفترى ابن الجوزى فى ( صفوة الصفوة ) مناما فاجرا لم يذكره فى ( مناقب ابن حنبل ) يقول فى ترجمة ابن الموفق ت 265 : ( وعن محمد بن اسحاق السراج قال سمعت علي بن الموفق يقول حججت نيفا وخمسين حجة فنظرت الى اهل الموقف وضجيج اصواتهم فقلت اللهم ان كان في هؤلاء احد لم يتقبل حجة فقد وهبت حجتي له فرحت الى مزدلفة فبت بها ف رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي : يا علي يا ابن الموفق تتسخى علي? قد غفرت لاهل الموقف ولامثالهم وشفعت كل واحد منهم في اهل بيته وعشيرته وذريته وأنا أهل التقوى واهل المغفرة. ) ويقول ( وعن احمد بن عبد الله الحفار قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا ابا عبد الله ما فعل الله بك ؟ قال حباني وأعطاني وقربني وأدناني . قال قلت الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله بك قال الساعة تركته في زلال يريد العرش. ). الزلال يعنى سفينة نهرية ، أى إن صاحبنا ركب سفينة وسافر بها الى العرش .!

ويقول فى ترجمة ( يزيد بن هارون ) بعض ما قاله عنه فى المنتظم ( ... عن الحسن بن عرفة قال: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان? فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار...) وهذه من نوعية رياء أولئك المتظاهرين بالعبادة ، وتاريخهم فى كتابات ابن الجوزى تطفح بمبالغات غير معقولة عن عبادتهم . ونستمر مع ابن الجوزى وهو يقول عن يزيد بن هارون : (.. أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان، فقال أحدهما: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ما فعل الله بك? قال: غفر لي وشفعني وعاتبني. قال: قلت غفر لك وشفعك قد عرفت، ففيم عاتبك? قال: قال لي يا يزيد أتحدّث عن حريز بن عثمان? قال: قلت يا رب ما علمت إلا خيرا. قال: يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب. ) ( قال: وقال الآخر: وأنا رأيت يزيد بن هارون في المنام? فقلت له: هل أتاك منكر ونكير? قال: إي والله، وسألاني من ربك? وما دينك? ومن نبيك? قال: قلت: ألمثلي يقال هذا وأنا أعلم الناس هذا في دار الدنيا? فقالا لي: صدقت فنم نومة العروس لا بؤس عليك... حوثرة بن محمد المقري قال: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت: ما فعل الله بك? تقبل مني الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ووهب لي التبعات. قلت: وما كان بعد ذلك? قال: هل يكون من الكريم إلا الكرم? غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة. قلت: بم نلت? قال: بمجالس الذكر وقول الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر.)

 أخيرا

وأثمرت جهود ابن الجوزى فى نشر أساطير الشفاعة فى القرون التالية حتى أصبحت لدى المحمديين اساس الدين ، وحتى لقد نسوا أنها من الأمور المختلف حولها كما ذكر الأشعرى والشهرستانى وابن حزم . أدت أكاذيب الحنابلة الى التعمية حول الخلافات حول الشفاعة فأصبحت لدى العوام ودعاة وشيوخ العوام معلوما من الدين بالضرورة و لا خلاف حولها.

وفى عام 1985 أحالتنى جامعة الأزهر للتحقيق لأننى أنكرت شفاعة النبى فى خمسة كتب ألّفتها ، وهى فى رأيهم من المعلوم من الدين بالضرورة . وهكذا دفعت ثمن اكاذيب الحنابلة و البخارى وابن الجوزى .

اجمالي القراءات 11046