( 7) ( عسكرة) العوام فى الصراع بين الأمين والمأمون ب3 ف 5 / 7

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٨ - نوفمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة :

1 ـ صاحب الأيدلوجية السياسية يبحث عن قوة عسكرية تقيم له دولة ، وإذا كانت ايدلوجيته دينية بحث عن قوة عسكرية تؤمن بهذه الايدلوجية لتؤسس له دولة دينية . ونجح العباسيون فى نشر ( الُّسُّنّة ) بين السكان فإعتنقوا الإسلام باسم ( السنّة ). وأصبح للعباسيين كهنوت دينى ورجال دين من السنيين . ثم تمرّد بعضهم على الدولة العباسية بسبب خلق القرآن . ونشأت ( معارضة دينية ) قوبلت بالشّدة بسبب خطورتها السياسية ، لأنها فى النهاية ستستخدم المزايدة الدينية للحصول على مشاركة فى السلطة والثروة على حساب الخليفة العباسى الذى يحتكر السلطة والثروة . هذه المعارضة الدينية إحتاجت الى قوة عسكرية تواجه بها الجيش العسكرى المحترف للدولة، فوجدوا ضالتهم فى العوام وأرباب السوابق  فنشرت  بينهم ايدلوجيتها السّنية المتطرفة ( الحنبلية ) فتحول العوام فى العصر العباسى الثانى ( حنابلة ) تسيدوا الشارع وتحكموا فيه تزمتا وإنحلالا وأرهابا ، الى أن ضعفوا وحل محلهم دين التصوف بدءا من القرن السادس الهجرى .

2 ـ الناشطون من العوام قبل أن يتحولوا الى حنابلة كان يطلق عليهم ( العيّارون ) أى قطّاع الطرق الذين إحترفوا الاجرام والشغب ، ثم ( عسكرتهم ) الظروف السياسية فى الصراع بين الأمين والمأمون ،فإصطبغ إجرامهم وشغبهم بصبغة حربية سياسية هى الدفاع عن بغداد وقت هجوم قوات المأمون عليها وبهدف أهم هو السلب والنهب . ثم فيما بعد ، ( تحنبل ) العوام ، أى وتحولوا من ( عيارين ) الى ( حنابلة ) ، وبعد ضعفهم ( كحنابلة ) عاد الى العوام الناشطين المجرمين لقب (العيارين )، وصار للعيارين نفوذ سياسى قبيل سقوط الدولة العباسية ، ليس الآن محل بحثه .

3 ـ المهم أن جسارة وبطولات العوام والعيارين فى الدفاع عن بغداد لفتت أنظار قادة الحنابلة المعارضين ، فعملوا على إعتناقهم السنّة المتشددة . فصنعوا لهم حديث ( من رأى منكم منكرا ) ليكون لهم تشريعا فى بسط نفوذهم وتحكمهم فى الشارع ، وصاغوا لهم مصطلح ( أمة محمد ) ليكونوا قادة لأمّة محمد فى مواجهة ( أمة المسيح ) فى الداخل والخارج ، ولأن الرعاع والعوام أدمنوا الشغب والنهب والسلب والاغتصاب وفنون  الانحلال الخلقى فقد صاغوا لهم أحاديث الشفاعة التى يتشفع فيها ( محمد ) فى ( أمة محمد ) . ولأن الشيعة كانوا يعبدون الحسين ويقدسون قبر الحسين لذا تم فى عصر المتوكل هدم قصر الحسين وتأسيس قبر مقدس لابن حنبل ليحل محل قبر الحسين، وجعلوا ابن حنبل إلاها أكبر من الحسين . والعوام التى لا تعقل ولا تؤمن بالله إلا وهى مشركة تفضّل تجسيد الاله فى قبر أو صنم ملموس فأقام الحنابلة قبورا مقدسة للفقهاء حتى لأبى حنيفة ليجتذبوا أهواء العوام . وبهذا أرضى الحنابلة أهواء العوام فتحنبل العوام ، ومارسوا كل أنواع التسلط والانحلال كفريضة دينية .

4 ـ بإيجاز :  دخل العوام فى السّنة افواجا فى العصر العباسى الأول ، ثم دخلوا فى السنّة الجنبلية المتشددة أفواجا وأفواجا وأفواجا فى العصر العباسى الثانى . وإذا أردتم نماذج حيّة واقعية للحنابلة العباسيين فى عصرنا فانظروا للوهابيين والسلفيين والاخوان وكل منظمات الارهاب ما ظهر منها ومابطن . فالعالم يتقدم الى الأمام ، ونحن نتقدم للخلف ..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

5 ـ  ونتتبع تحول العوام للعسكرة .  ونبدأ هنا بالمحطة الأولى وهى المعارك بين جيش المأمون وجيش الأمين حول ثم داخل مدينة بغداد . ودور الغوغاء وأرباب السوابق فيها ، أو العيارون بمصطلح العصر العباسى .

أولا : أول ظهور عسكرى للغوغاء وقطّاع الطرق ( العيارين ) فى فتنة ( المأمون والأمين )

1 ـ حجّ الرشيد عام 186 وكتب ولاية العهد لأبنائه على التوالى ( محمدالأمين، ثم عبد الله المأمون ، ثم القاسم المؤتمن ). تولى الأمين عام 193 وتفاقم الخلاف بين الأمين والمأمون فى العام التالى مباشرة ، وتطور ، فأعلن الأمين خلع أخيه المأمون من ولاية العهد وأعلن الحرب عليه ، واشتعلت بينهما الحرب. وفيها إنهزم جيش الأمين وتقهقر ، وتقدم جيش المأمون فحاصر الأمين فى العاصمة بغداد عام  197 . وعجز جيش الأمين عن الدفاع عنها وتخلى عنه معظم جيشه فدخل جيش المأمون بعض أحياء بغداد ، وهنا قام عوام بغداد بالدفاع عن مدينتهم فأتوا بالعجائب ، إذ كانوا يحاربون عُراة وبأسلحة بُدائية ، وقد أطلقوا عليهم لقب ( العُراة ) . وقد أرهق هؤلاء ( العراة )جيش المامون .

2 ـ ومعنى أنهم كانوا يحاربون ( عُراة ) أن لديهم من الشجاعة والمهارة فى القتال والخفّة فى الحركة بحيث كانوا يواجهون بأجسادهم العارية جيش المأمون المثقل بالدروع والخوذات ومختلف الأسلحة فى معارك إستمرت مدة طويلة بين كرّ وفرّ فى شوارع وأزقة بغداد وقتها . وحكى المسعودى عنهم العجائب فى فدائيتهم ومهارتهم الحربية . وقد انتصروا فى أحد المعارك وكان عددهم مائة الف. ولكن فى النهاية إنهزموا وقُتل منهم عشرة آلاف بعد أن تخلى عن الأمين جيشه وأنصاره .: وإنبهر بشجاعتهم أحد قواد جيش المأمون الخراسانيين فقال: ( ليس هؤلاء بناس ، هؤلاء شياطين )( تاريخ المسعودى 2 / 316 ، 318 ، 319 ــ ).

3 ـ وتأكيدا لهذا يحكى الطبرى:( أن قائدا من قواد أهل خراسان ممن كان مع طاهر من أهل النجدة والبأس خرج يوما إلى القتال ، فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم ، فقال لأصحابه : "ما يقاتلنا إلا من أرى"،إستهانة بأمرهم واحتقارا لهم . فقيل له : " نعم هؤلاء الذين ترى هم الآفة " .فقال:" أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء وتخيمون عنهم وأنتم في السلاح الظاهر والعدة القوة ولكم ما لكم من الشجاعة والنجدة.! وما عسى أن يبلغ كيد من أرى من هؤلاء؟  ولا سلاح معهم ولا عدة لهم ولا جنة تقيهم. ". فأوتر قوسه وتقدم ، وأبصره بعضهم فقصد نحوه ، وفي يده بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة . فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيّار ، فوقع في باريته أو قريبا منه ، فيأخذه فيجعله في موضع من باريته، قد هيأه لذلك ، وجعله شبيها بالجعبة . وجعل كلما وقع سهم أخذه، وصاح:"دانق"، إي ثمن النشابة دانق قد أحرزه. ولم يزل تلك حالة الخراساني وحال العيار حتى أنفذ الخراساني سهامه. ثم حمل على العيار ليضربه بسيفه فأخرج من مخلاته حجرا فجعله في مقلاع ورماه فما أخطأ به عينه ، ثم ثنّاه بآخر فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحاميه .وكر راجعا وهو يقول : "ليس هؤلاء بإنس ". ! ) .( الطبرى 8 / 457 : 458 )

ثانيا : الحسن الهرش زعيم العيارين ينضم للأمين قائدا لجيشه      

1 : وقاد هذه المعارك الحسن الهرش زعيم العيارين فى العراق . ونتتبعه بين سطور تاريخ الطبرى .

2 ـ فى البداية عام 197 إنشقّ عن الخليفة الأمين أخوه القاسم ( المؤتمن ) ولحق بالمأمون فى فارس بينما حاصر جيش المأمون بغداد بقيادة طاهر. وتناوب الجيشان الضرب بالمجانيق والعرادات يقتلون بها أهل بغداد عشوائيا .

3 : مع تقدم جيش المأمون يحتل بغداد جزءا جزءا دبّ الوهن فى جيش الأمين وقادته وظهر صمود العوام فى القتال: ( فذلوا وانكسروا وإنقادوا ، وذلّت الأجناد وتواكلت عن القتال ، إلّا باعة الطريق والعُراة وأهل السجون والأوباش والرعاع والطرارين وأهل السوق .).و ( الطرارون ) هم قطاع الطرق .

4 ـ وبإباحة السلب والنهب لهم إنضم ( الهرش ) قائد العيارين وقتها ومعه الرقيق الأفارقة. يقول الطبرى:( وكان حاتم بن الصقر قد أباحهم النهب ، وخرج الهرش والأفارقة، فكان طاهر يقاتلهم لا يفتر عن ذلك ولا يملُّه ولا يني فيه ).

5 ـ وباستمرار الحرب ملّ جيش محمد الأمين ، وبدأ بعض قادة جيشه ينضمون الى طاهر بجنودهم وسلاحهم ومجانيقهم ( ليلة السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائة ) واستأمن إلى طاهر أيضا رئيس الشرطة ( محمد بن عيسى ) الذى ( كان يقاتل مع الأفارقة وأهل السجون والأوباش ) . كان رئيس لاالشرطة يقاتل معهم ، ثم تركهم وخان سيده الخليفة الأمين . ومع يأس الأمين ظل العيارون والغوغاء يقاتلون بزعامة الهرش . يقول الطبرى :( وأقبلت الغواة من العيارين وباعة الطرق والأجناد فاقتتلوا ...إلى ارتفاع النهار.. ولم تكن وقعة قبلها ولا بعدها أشد على طاهر وأصحابه منها ولا أكثر قتيلا وجريحا معقورا من أصحاب طاهر من تلك الوقعة . فأكثرت الشعراء فيها القول من الشعر ، وذكر ما كان فيها من شدة الحرب . وقاتل فيها الغوغاء والرعاع ) .    

6ـ وكثّف طاهر إتّصالاته مع كبار العباسيين والقواد فى معسكر محمد الأمين لينفضوا عنه فاستجاب معظمهم ، خصوصا وقد إستحوذ طاهر على أملاكهم وضياعهم ، فأقبل الأمين على اللهو والشرب يأسا ، وأوكل الأمور الى قائده ابن نهيك و( الهرش ) زعيم العيارين ، يقول الطبرى : ( أقبل محمد على اللهو والشرب ، ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش ) . وبقيادة الهرش للجيش التابع للأمين أصبح السلب والنهب سائدا، وضحاياه من الجميع من مسلمين وغير مسلمين ومن فقراء وأغنياء ، يقول الطبرى :( .. فكان لصوصها وفُسّاقها يسلبون من قدروا عليه من الرجال والنساء والضعفاء من أهل الملة والذمة،  فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شيء من سائر بلاد الحروب . ) أى حدث من السلب والنهب ما لم يحدث من قبل فى الحروب . وطال الأمر على ذلك ، فهرب من إستطاع من معسكر الهرش والأمين الى معسكر طاهر : يقول الطبرى : ( ولما طال ذلك بالناس ، وضاقت بغداد بأهلها ، خرج عنها من كانت به قوة بعد الغرم الفادح والمضايقة الموجعة والخطر العظيم ) ، فقد كان طاهر حريصا على حفظ الأمن فى الأحياء التى يسيطر عليها فى بغداد : ( فأخذ طاهر أصحابه بخلاف ذلك،  واشتد فيه وغلظ على أهل الريب . وأمر محمد بن أبي خالد بحفظ الضعفاء والنساء وتجويزهم وتسهيل أمرهم ، فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أيدي أصحاب الهرش وصار الى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع ، وأمن ، وأظهرت المرأة ما معها من ذهب وفضة أومتاع أو بزّ ( أى حرير ) . حتى قيل إن مثل أصحاب طاهر ومثل أصحاب الهرش وذويه ومثل الناس إذا تخلصوا مثل السور الذي قال الله تعالى ذكره : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ   ) .

7 ـ ووصل سوء الحال بمحمد الأمين أن إحترف السلب والنهب مستعينا بالحسن الهرش زعيم قطّاع الطرق أو العيارين ، يذكر الطبرى : ( أن محمدا أمر زريحا غلامه بتتبع الأموال وطلبها عند اهل الودائع وغيرهم ، وأمر الهرش بطاعته،  فكان يهجم على الناس في منازلهم ويبيتهم ليلا ( أى يهجم عليهم ليلا ) ، ويأخذ بالظنة ، فجبى بذلك السبب أموالا كثيرة ، وأهلك خلقا ، فهرب الناس بعلة الحج ، وفر الأغنياء )

8 ـ  ووضح سقوط الأمين فطلب الهرش الصلح مع طاهر ، فرفض طاهر ، فظل الهرش مع الأمين الى النهاية بعد أن يأس من الصلح مع طاهر .يقول الطبرى: ( وذكر أن الهرش خرج ومعه الغوغاء والغزاة ولفيفهم حتى صار إلى جزيرة العباس وخرجت عصابة من أصحاب طاهر فاقتتلوا قتالا شديدا . ). وقبيل قتله هرب محمد الأمين يحاول النجاة بنفسه ففشل ، وكان الهرش لا يزال يقاتل : ( وثبت على قتال طاهر حاتم بن الصقر والهرش والأفارقة ) ( وخرج محمد بأمه وولده إلى مدينة أبي جعفر وتفرق عنه عامة جنده وخصيانه وجواريه في السكك والطرق لا يلوي منهم أحد على أحد . ) وفى النهاية تفرّق جيش العيارين، أو على حدّ قول الطبرى:( وتفرق الغوغاء والسفلة .).

أخيرا  : نلاحظ الآتى :

1 ـ لم يستسلم الهرش بعد مقتل الأمين وتولى المأمون الخلافة عام 198، فقد أعلن قاطع الطريق هذا الثورة على العباسيين .!!  يقول الطبرى : ( وضعت الحرب بين محمد وعبد الله ابني هارون الرشيد أوزارها ، واستوسق الناس بالمشرق والعراق والحجاز لعبد الله المأمون بالطاعة. )ثم يقول عن الهرش:(  وفيها خرج الحسن الهرش في ذي الحجة منها ، يدعو إلى الرضى من آل محمد بزعمه ، في سفلة الناس وجماعة كثيرة من الأعراب ، ..فجبى الأموال وأغار على التجار وانتهب القرى واستاق المواشي . ). أى بدأ الهرش قاطع طريق ، ثم أصبح زعيم قطاع الطرق ، أو العيارين ، ثم أصبح قائد جيش عباسى ( للأمين ) ثم أصبح ثائرا عليهم وقد إتّخذ شعارا دينيا هو نفس شعار العباسيين ( الرضى من آل محمد ) يستحل به السلب والنهب . وفى كل الأحوال فعين الهرش على المال .  

2 ـ والمال هو المقصود الأعظم ، سواء لدى الهرش أوالمأمون أو الأمين أو أى كافر بيوم الدين . يروى الطبرى أن الأمين فى أواخر أيامه ( أمر ببيع ما بقي في الخزائن التي كانت أنهبت ، فكتم ولاتها ما فيها ، لتُسرق . ( أى ليسرقوها بعد قتله ) فتضايق على محمد أمره . وفقد ما كان عنده . وطلب الناسُ الأرزاق ، فقال يوما وقد ضجر مما يرد عليه : وددت أن الله عز وجل قتل الفريقين جميعا وأراح الناس منهم،  فما منهم إلا عدو ، ممّن معنا وممّن علينا . أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي . ) . الأمين يعتبر بيت المال ماله الخاص ، وأن أتباعه يطمعون فى سلب ماله الخاص ، بينما يريد أعداؤه سلب حياته . ويعتبر الفريقين أعداءا له .  

3 ـ الفارق بين الحسن الهرش وخلفاء بنى العباس أن الهرش كان فى البداية زعيم قطاع الطرق وصريحا فى سلبه ونهبه ، بلا إستخدام لشعار دينى  . فلما إحتكّ بالعباسيين تعلم منهم ( اصول الصنعة ) أى ( أن تسلب وتنهب باسم الدين ) فإستعار منهم شعار ( الرضى من آل محمد ) شعارهم الأصلى يستخدمه ضدهم بكل سذاجه ، ولأنّ تاريخه فى السلب والنهب حاضر وشاهد وطازج ولا يزال لزجا ، ولأن دماء ضحاياه لم تجفّ بعد ، فكان لا بد أن يفشل ، وغاب بين سطور التاريخ فلم نعثر عليه بعدها . ( الطبرى : 8 / 448 ، 451 ، 456 ، 463 ، 468 ، 474 ، 482 ، 511 ، 527 )

4 ـ الغريب أننا نجد ( ابن الهرش ) بين عوام أهل الحديث  الفقهاء الرافضين لرأى المأمون فى ( خلق القرآن ) وضمن طبقة ابن حنبل . ( الطبرى 8 / 637 ، 645 ) . ولأنه هذا الاسم ( الهرش ) نادر فنتوقع أن يكون هذا الرجل ابنا للحسن الهرش . ولو صحّ هذا فإن الابن ترك مهنة أبيه ، واحترف مهنة الكذب على الله جل وعلا ورسوله ، وهى شرُّ وأضل سبيلا .

5 ـ وفى كل الأحوال فإن ملحمة ( الهرش ) المنسية بين سطور التاريخ العباسى تعتبر مرحلة فى تحول اللصوص وقطاع الطرق العاديين من سلب الأموال و الوصول للثروة والسلطة ( علمانيا ) بلا شعار دينى الى السلب والنهب والقتل ( دينيا ) أى باستخدام الدين الأرضى السائد . أى مرحلة من مراحل تحول ( العيارين ) الى ( حنابلة ) .

6 ـ ونأتى للمرحلة التالية فى عصر المأمون أيضا .

انتظرونا .مقدمة :
1 ـ صاحب الأيدلوجية السياسية يبحث عن قوة عسكرية تقيم له دولة ، وإذا كانت ايدلوجيته دينية بحث عن قوة عسكرية تؤمن بهذه الايدلوجية لتؤسس له دولة دينية . ونجح العباسيون فى نشر ( الُّسُّنّة ) بين السكان فإعتنقوا الإسلام باسم ( السنّة ). وأصبح للعباسيين كهنوت دينى ورجال دين من السنيين . ثم تمرّد بعضهم على الدولة العباسية بسبب خلق القرآن . ونشأت ( معارضة دينية ) قوبلت بالشّدة بسبب خطورتها السياسية ، لأنها فى النهاية ستستخدم المزايدة الدينية للحصول على مشاركة فى السلطة والثروة على حساب الخليفة العباسى الذى يحتكر السلطة والثروة . هذه المعارضة الدينية إحتاجت الى قوة عسكرية تواجه بها الجيش العسكرى المحترف للدولة، فوجدوا ضالتهم فى العوام وأرباب السوابق فنشرت بينهم ايدلوجيتها السّنية المتطرفة ( الحنبلية ) فتحول العوام فى العصر العباسى الثانى ( حنابلة ) تسيدوا الشارع وتحكموا فيه تزمتا وإنحلالا وأرهابا ، الى أن ضعفوا وحل محلهم دين التصوف بدءا من القرن السادس الهجرى .
2 ـ الناشطون من العوام قبل أن يتحولوا الى حنابلة كان يطلق عليهم ( العيّارون ) أى قطّاع الطرق الذين إحترفوا الاجرام والشغب ، ثم ( عسكرتهم ) الظروف السياسية فى الصراع بين الأمين والمأمون ،فإصطبغ إجرامهم وشغبهم بصبغة حربية سياسية هى الدفاع عن بغداد وقت هجوم قوات المأمون عليها وبهدف أهم هو السلب والنهب . ثم فيما بعد ، ( تحنبل ) العوام ، أى وتحولوا من ( عيارين ) الى ( حنابلة ) ، وبعد ضعفهم ( كحنابلة ) عاد الى العوام الناشطين المجرمين لقب (العيارين )، وصار للعيارين نفوذ سياسى قبيل سقوط الدولة العباسية ، ليس الآن محل بحثه .
3 ـ المهم أن جسارة وبطولات العوام والعيارين فى الدفاع عن بغداد لفتت أنظار قادة الحنابلة المعارضين ، فعملوا على إعتناقهم السنّة المتشددة . فصنعوا لهم حديث ( من رأى منكم منكرا ) ليكون لهم تشريعا فى بسط نفوذهم وتحكمهم فى الشارع ، وصاغوا لهم مصطلح ( أمة محمد ) ليكونوا قادة لأمّة محمد فى مواجهة ( أمة المسيح ) فى الداخل والخارج ، ولأن الرعاع والعوام أدمنوا الشغب والنهب والسلب والاغتصاب وفنون الانحلال الخلقى فقد صاغوا لهم أحاديث الشفاعة التى يتشفع فيها ( محمد ) فى ( أمة محمد ) . ولأن الشيعة كانوا يعبدون الحسين ويقدسون قبر الحسين لذا تم فى عصر المتوكل هدم قصر الحسين وتأسيس قبر مقدس لابن حنبل ليحل محل قبر الحسين، وجعلوا ابن حنبل إلاها أكبر من الحسين . والعوام التى لا تعقل ولا تؤمن بالله إلا وهى مشركة تفضّل تجسيد الاله فى قبر أو صنم ملموس فأقام الحنابلة قبورا مقدسة للفقهاء حتى لأبى حنيفة ليجتذبوا أهواء العوام . وبهذا أرضى الحنابلة أهواء العوام فتحنبل العوام ، ومارسوا كل أنواع التسلط والانحلال كفريضة دينية .
4 ـ بإيجاز : دخل العوام فى السّنة افواجا فى العصر العباسى الأول ، ثم دخلوا فى السنّة الجنبلية المتشددة أفواجا وأفواجا وأفواجا فى العصر العباسى الثانى . وإذا أردتم نماذج حيّة واقعية للحنابلة العباسيين فى عصرنا فانظروا للوهابيين والسلفيين والاخوان وكل منظمات الارهاب ما ظهر منها ومابطن . فالعالم يتقدم الى الأمام ، ونحن نتقدم للخلف ..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
5 ـ ونتتبع تحول العوام للعسكرة . ونبدأ هنا بالمحطة الأولى وهى المعارك بين جيش المأمون وجيش الأمين حول ثم داخل مدينة بغداد . ودور الغوغاء وأرباب السوابق فيها ، أو العيارون بمصطلح العصر العباسى .
أولا : أول ظهور عسكرى للغوغاء وقطّاع الطرق ( العيارين ) فى فتنة ( المأمون والأمين )
1 ـ حجّ الرشيد عام 186 وكتب ولاية العهد لأبنائه على التوالى ( محمدالأمين، ثم عبد الله المأمون ، ثم القاسم المؤتمن ). تولى الأمين عام 193 وتفاقم الخلاف بين الأمين والمأمون فى العام التالى مباشرة ، وتطور ، فأعلن الأمين خلع أخيه المأمون من ولاية العهد وأعلن الحرب عليه ، واشتعلت بينهما الحرب. وفيها إنهزم جيش الأمين وتقهقر ، وتقدم جيش المأمون فحاصر الأمين فى العاصمة بغداد عام 197 . وعجز جيش الأمين عن الدفاع عنها وتخلى عنه معظم جيشه فدخل جيش المأمون بعض أحياء بغداد ، وهنا قام عوام بغداد بالدفاع عن مدينتهم فأتوا بالعجائب ، إذ كانوا يحاربون عُراة وبأسلحة بُدائية ، وقد أطلقوا عليهم لقب ( العُراة ) . وقد أرهق هؤلاء ( العراة )جيش المامون .
2 ـ ومعنى أنهم كانوا يحاربون ( عُراة ) أن لديهم من الشجاعة والمهارة فى القتال والخفّة فى الحركة بحيث كانوا يواجهون بأجسادهم العارية جيش المأمون المثقل بالدروع والخوذات ومختلف الأسلحة فى معارك إستمرت مدة طويلة بين كرّ وفرّ فى شوارع وأزقة بغداد وقتها . وحكى المسعودى عنهم العجائب فى فدائيتهم ومهارتهم الحربية . وقد انتصروا فى أحد المعارك وكان عددهم مائة الف. ولكن فى النهاية إنهزموا وقُتل منهم عشرة آلاف بعد أن تخلى عن الأمين جيشه وأنصاره .: وإنبهر بشجاعتهم أحد قواد جيش المأمون الخراسانيين فقال: ( ليس هؤلاء بناس ، هؤلاء شياطين )( تاريخ المسعودى 2 / 316 ، 318 ، 319 ــ ).
3 ـ وتأكيدا لهذا يحكى الطبرى:( أن قائدا من قواد أهل خراسان ممن كان مع طاهر من أهل النجدة والبأس خرج يوما إلى القتال ، فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم ، فقال لأصحابه : "ما يقاتلنا إلا من أرى"،إستهانة بأمرهم واحتقارا لهم . فقيل له : " نعم هؤلاء الذين ترى هم الآفة " .فقال:" أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء وتخيمون عنهم وأنتم في السلاح الظاهر والعدة القوة ولكم ما لكم من الشجاعة والنجدة.! وما عسى أن يبلغ كيد من أرى من هؤلاء؟ ولا سلاح معهم ولا عدة لهم ولا جنة تقيهم. ". فأوتر قوسه وتقدم ، وأبصره بعضهم فقصد نحوه ، وفي يده بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة . فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيّار ، فوقع في باريته أو قريبا منه ، فيأخذه فيجعله في موضع من باريته، قد هيأه لذلك ، وجعله شبيها بالجعبة . وجعل كلما وقع سهم أخذه، وصاح:"دانق"، إي ثمن النشابة دانق قد أحرزه. ولم يزل تلك حالة الخراساني وحال العيار حتى أنفذ الخراساني سهامه. ثم حمل على العيار ليضربه بسيفه فأخرج من مخلاته حجرا فجعله في مقلاع ورماه فما أخطأ به عينه ، ثم ثنّاه بآخر فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحاميه .وكر راجعا وهو يقول : "ليس هؤلاء بإنس ". ! ) .( الطبرى 8 / 457 : 458 )
ثانيا : الحسن الهرش زعيم العيارين ينضم للأمين قائدا لجيشه
1 : وقاد هذه المعارك الحسن الهرش زعيم العيارين فى العراق . ونتتبعه بين سطور تاريخ الطبرى .
2 ـ فى البداية عام 197 إنشقّ عن الخليفة الأمين أخوه القاسم ( المؤتمن ) ولحق بالمأمون فى فارس بينما حاصر جيش المأمون بغداد بقيادة طاهر. وتناوب الجيشان الضرب بالمجانيق والعرادات يقتلون بها أهل بغداد عشوائيا .
3 : مع تقدم جيش المأمون يحتل بغداد جزءا جزءا دبّ الوهن فى جيش الأمين وقادته وظهر صمود العوام فى القتال: ( فذلوا وانكسروا وإنقادوا ، وذلّت الأجناد وتواكلت عن القتال ، إلّا باعة الطريق والعُراة وأهل السجون والأوباش والرعاع والطرارين وأهل السوق .).و ( الطرارون ) هم قطاع الطرق .
4 ـ وبإباحة السلب والنهب لهم إنضم ( الهرش ) قائد العيارين وقتها ومعه الرقيق الأفارقة. يقول الطبرى:( وكان حاتم بن الصقر قد أباحهم النهب ، وخرج الهرش والأفارقة، فكان طاهر يقاتلهم لا يفتر عن ذلك ولا يملُّه ولا يني فيه ).
5 ـ وباستمرار الحرب ملّ جيش محمد الأمين ، وبدأ بعض قادة جيشه ينضمون الى طاهر بجنودهم وسلاحهم ومجانيقهم ( ليلة السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائة ) واستأمن إلى طاهر أيضا رئيس الشرطة ( محمد بن عيسى ) الذى ( كان يقاتل مع الأفارقة وأهل السجون والأوباش ) . كان رئيس لاالشرطة يقاتل معهم ، ثم تركهم وخان سيده الخليفة الأمين . ومع يأس الأمين ظل العيارون والغوغاء يقاتلون بزعامة الهرش . يقول الطبرى :( وأقبلت الغواة من العيارين وباعة الطرق والأجناد فاقتتلوا ...إلى ارتفاع النهار.. ولم تكن وقعة قبلها ولا بعدها أشد على طاهر وأصحابه منها ولا أكثر قتيلا وجريحا معقورا من أصحاب طاهر من تلك الوقعة . فأكثرت الشعراء فيها القول من الشعر ، وذكر ما كان فيها من شدة الحرب . وقاتل فيها الغوغاء والرعاع ) .
6ـ وكثّف طاهر إتّصالاته مع كبار العباسيين والقواد فى معسكر محمد الأمين لينفضوا عنه فاستجاب معظمهم ، خصوصا وقد إستحوذ طاهر على أملاكهم وضياعهم ، فأقبل الأمين على اللهو والشرب يأسا ، وأوكل الأمور الى قائده ابن نهيك و( الهرش ) زعيم العيارين ، يقول الطبرى : ( أقبل محمد على اللهو والشرب ، ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش ) . وبقيادة الهرش للجيش التابع للأمين أصبح السلب والنهب سائدا، وضحاياه من الجميع من مسلمين وغير مسلمين ومن فقراء وأغنياء ، يقول الطبرى :( .. فكان لصوصها وفُسّاقها يسلبون من قدروا عليه من الرجال والنساء والضعفاء من أهل الملة والذمة، فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شيء من سائر بلاد الحروب . ) أى حدث من السلب والنهب ما لم يحدث من قبل فى الحروب . وطال الأمر على ذلك ، فهرب من إستطاع من معسكر الهرش والأمين الى معسكر طاهر : يقول الطبرى : ( ولما طال ذلك بالناس ، وضاقت بغداد بأهلها ، خرج عنها من كانت به قوة بعد الغرم الفادح والمضايقة الموجعة والخطر العظيم ) ، فقد كان طاهر حريصا على حفظ الأمن فى الأحياء التى يسيطر عليها فى بغداد : ( فأخذ طاهر أصحابه بخلاف ذلك، واشتد فيه وغلظ على أهل الريب . وأمر محمد بن أبي خالد بحفظ الضعفاء والنساء وتجويزهم وتسهيل أمرهم ، فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أيدي أصحاب الهرش وصار الى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع ، وأمن ، وأظهرت المرأة ما معها من ذهب وفضة أومتاع أو بزّ ( أى حرير ) . حتى قيل إن مثل أصحاب طاهر ومثل أصحاب الهرش وذويه ومثل الناس إذا تخلصوا مثل السور الذي قال الله تعالى ذكره : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) .
7 ـ ووصل سوء الحال بمحمد الأمين أن إحترف السلب والنهب مستعينا بالحسن الهرش زعيم قطّاع الطرق أو العيارين ، يذكر الطبرى : ( أن محمدا أمر زريحا غلامه بتتبع الأموال وطلبها عند اهل الودائع وغيرهم ، وأمر الهرش بطاعته، فكان يهجم على الناس في منازلهم ويبيتهم ليلا ( أى يهجم عليهم ليلا ) ، ويأخذ بالظنة ، فجبى بذلك السبب أموالا كثيرة ، وأهلك خلقا ، فهرب الناس بعلة الحج ، وفر الأغنياء )
8 ـ ووضح سقوط الأمين فطلب الهرش الصلح مع طاهر ، فرفض طاهر ، فظل الهرش مع الأمين الى النهاية بعد أن يأس من الصلح مع طاهر .يقول الطبرى: ( وذكر أن الهرش خرج ومعه الغوغاء والغزاة ولفيفهم حتى صار إلى جزيرة العباس وخرجت عصابة من أصحاب طاهر فاقتتلوا قتالا شديدا . ). وقبيل قتله هرب محمد الأمين يحاول النجاة بنفسه ففشل ، وكان الهرش لا يزال يقاتل : ( وثبت على قتال طاهر حاتم بن الصقر والهرش والأفارقة ) ( وخرج محمد بأمه وولده إلى مدينة أبي جعفر وتفرق عنه عامة جنده وخصيانه وجواريه في السكك والطرق لا يلوي منهم أحد على أحد . ) وفى النهاية تفرّق جيش العيارين، أو على حدّ قول الطبرى:( وتفرق الغوغاء والسفلة .).
أخيرا : نلاحظ الآتى :
1 ـ لم يستسلم الهرش بعد مقتل الأمين وتولى المأمون الخلافة عام 198، فقد أعلن قاطع الطريق هذا الثورة على العباسيين .!! يقول الطبرى : ( وضعت الحرب بين محمد وعبد الله ابني هارون الرشيد أوزارها ، واستوسق الناس بالمشرق والعراق والحجاز لعبد الله المأمون بالطاعة. )ثم يقول عن الهرش:( وفيها خرج الحسن الهرش في ذي الحجة منها ، يدعو إلى الرضى من آل محمد بزعمه ، في سفلة الناس وجماعة كثيرة من الأعراب ، ..فجبى الأموال وأغار على التجار وانتهب القرى واستاق المواشي . ). أى بدأ الهرش قاطع طريق ، ثم أصبح زعيم قطاع الطرق ، أو العيارين ، ثم أصبح قائد جيش عباسى ( للأمين ) ثم أصبح ثائرا عليهم وقد إتّخذ شعارا دينيا هو نفس شعار العباسيين ( الرضى من آل محمد ) يستحل به السلب والنهب . وفى كل الأحوال فعين الهرش على المال .
2 ـ والمال هو المقصود الأعظم ، سواء لدى الهرش أوالمأمون أو الأمين أو أى كافر بيوم الدين . يروى الطبرى أن الأمين فى أواخر أيامه ( أمر ببيع ما بقي في الخزائن التي كانت أنهبت ، فكتم ولاتها ما فيها ، لتُسرق . ( أى ليسرقوها بعد قتله ) فتضايق على محمد أمره . وفقد ما كان عنده . وطلب الناسُ الأرزاق ، فقال يوما وقد ضجر مما يرد عليه : وددت أن الله عز وجل قتل الفريقين جميعا وأراح الناس منهم، فما منهم إلا عدو ، ممّن معنا وممّن علينا . أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي . ) . الأمين يعتبر بيت المال ماله الخاص ، وأن أتباعه يطمعون فى سلب ماله الخاص ، بينما يريد أعداؤه سلب حياته . ويعتبر الفريقين أعداءا له .
3 ـ الفارق بين الحسن الهرش وخلفاء بنى العباس أن الهرش كان فى البداية زعيم قطاع الطرق وصريحا فى سلبه ونهبه ، بلا إستخدام لشعار دينى . فلما إحتكّ بالعباسيين تعلم منهم ( اصول الصنعة ) أى ( أن تسلب وتنهب باسم الدين ) فإستعار منهم شعار ( الرضى من آل محمد ) شعارهم الأصلى يستخدمه ضدهم بكل سذاجه ، ولأنّ تاريخه فى السلب والنهب حاضر وشاهد وطازج ولا يزال لزجا ، ولأن دماء ضحاياه لم تجفّ بعد ، فكان لا بد أن يفشل ، وغاب بين سطور التاريخ فلم نعثر عليه بعدها . ( الطبرى : 8 / 448 ، 451 ، 456 ، 463 ، 468 ، 474 ، 482 ، 511 ، 527 )
4 ـ الغريب أننا نجد ( ابن الهرش ) بين عوام أهل الحديث الفقهاء الرافضين لرأى المأمون فى ( خلق القرآن ) وضمن طبقة ابن حنبل . ( الطبرى 8 / 637 ، 645 ) . ولأنه هذا الاسم ( الهرش ) نادر فنتوقع أن يكون هذا الرجل ابنا للحسن الهرش . ولو صحّ هذا فإن الابن ترك مهنة أبيه ، واحترف مهنة الكذب على الله جل وعلا ورسوله ، وهى شرُّ وأضل سبيلا .
5 ـ وفى كل الأحوال فإن ملحمة ( الهرش ) المنسية بين سطور التاريخ العباسى تعتبر مرحلة فى تحول اللصوص وقطاع الطرق العاديين من سلب الأموال و الوصول للثروة والسلطة ( علمانيا ) بلا شعار دينى الى السلب والنهب والقتل ( دينيا ) أى باستخدام الدين الأرضى السائد . أى مرحلة من مراحل تحول ( العيارين ) الى ( حنابلة ) .
6 ـ ونأتى للمرحلة التالية فى عصر المأمون أيضا .
انتظرونا .  

اجمالي القراءات 12712