صناعة شخصية زائفة لابن حنبل : الجزء الثانى
إبن حنبل كان من عوام أهل الحديث ولم يكن فقيها ب3 ف 5 / 6

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

الباب الثالث :  تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى

الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة :

صناعة شخصية زائفة لابن حنبل : الجزء الثانى

( 6) إبن حنبل كان من عوام أهل الحديث ولم يكن فقيها    ب3 ف 5 / 6

مقدمة

1 ـ كان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي من رفاق أبى جعفر المنصور فى طلب (علم الحديث ). قال‏ عن المنصور:‏ ( كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة ، فأدخلني يومًا إلى منزله ، وقدم طعامًا ومريقة من حبوب ليس فيها لحم ، ثم قدم إلي زبيبًا ، ثم قال‏:‏ يا جارية عندك حلواء ؟ قالت‏:‏ لا . قال‏:‏ ولا التمر ؟ قالت‏:‏ ولا التمر . فاستلقى ثم تلى هذه الآية‏:‏ ‏‏ ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )‏‏.‏ فما ولي الخلافة دخلت عليه، فقال‏:‏ يا عبد الرحمن بلغني أنك كنت تفد لبني أمية قال‏:‏ قلت‏:‏ أجل كنت أفد لهم وأفد إليهم‏.‏ قال‏:‏ فكيف رأيت سلطاني من سلطانهم ؟ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين والله ما رأيت من سلطانهم من الجور والظلم إلا رأيته في سلطانك . ).

هنا رفيق سابق للمنصور وصديق سابق له ، وقد قال له كلمة حق ، هى أن الظلم الذى كان فى بنى أمية أعاده العباسيون . ولقد برّر له المنصور الظلم بأنه لا يجد الأعوان فاستشهد له صديقه بمقالة عمر بن عبد العزيز ( السلطان كالسوق ) ، أى فالذى يريد أن يشترى الجواهر لن يذهب الى سوق المواشى أو سوق الخضروات ، والسلطان الورع لن يجتمع حوله النصّابون الفاجرون . وبالتالى فلا بد ان تكون حاشية السلطان الجائرة على شاكلته فى الجور ، وخصوصا إذا كان سلطانا فى دولة دينية يقيم سلطانه على كهنوت دينى ، عندها لا بد أن يكون رجال كهنوته أخبث منه لأنهم يفتون له بالظلم ويبررون له ظلمه بأحاديث مفتراة . ولذلك فإن أباجعفر المنصور لم يثق بصديقه القديم وزميله القديم فى ( طلب الحديث ) ، مع أن هذا الزميل القديم لم تكن سيرته ناصعة البياض ، فقد كان ( يفد ) أى يأتى وافدا يزور بنى أميه فى سلطانهم ، أى يعمل فى خدمتهم ويحصل على عطائهم مع علمه بظلمهم ، ثم أنه ايضا كان يطلب (علم الحديث ) أى يحترف التزوير . ولكن أبا جعفر المنصور لم ير فى صديقه القديم المؤهلات الكافية لأن يجعله ضمن رجال كهنوته ، لأن أبا جعفر يشترط فى رجال الكهنوت الطاعة التامة وعدم الانتقاد  .

ولم يكن صديق أبى جعفر المنصور الوحيد الذى خاب أمله فى العباسيين ، ففى سنة 133 ثار عليهم فى خراسان سويد ابن شيخ المهري الذى قال ‏:‏ ( ما على هذا اتبعنا آل محمد على ، أن نسفك الدماء ونعمل بغير الحق ) ، وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفًا . وانهزم ولقى حتفه .

2 ـ وهناك صنف من رجال الكهنوت جاهزون لخدمة السلطان القائم يغيرون آراءهم تبعا لهواه مثل الأوزاعى فقيه الأمويين ، والذى أسرع بعد سقوطهم بتغيير جلده وعرض خدماته على العباسيين فاصبح من رجال كهنوتهم ، وحظى بمكانة رفيعة فى الدولتين الأموية والعباسية . هذا يذكرنا بشيوخ الأزهر فى عصرنا الذن يتبارون فى الافتاء لكل سلطان بما يهوى ، إذا أرد عبد الناصر الحرب هتفوا له ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) وإذا أراد السادات الصلح قالوا له : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا . ) وإذا قال مبارك ( التوريث ) تغنوا له بالتوريث،وإذا قال ( التمديد ) رقصوا على موسيقى التمديد . وقبلهم قال أحد الإخوان المسلمين يمدح إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء قبل الثورة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ )  .!

أولا : لم يكن أبن حنبل من قادة الكهنوت السّنى فى عصره

1 ـ ولم يكن ابن حنبل يصلح لأن يكون من هذا الصنف . ليس فقط لأنه كما قلنا : ( لا يمكن أن يتأقلم مع البروتوكول العباسى ومكائده ، كما كان بضيق أفقه وتمسكه بنصوص الأحاديث التى يحفظها  لا يصلح للتعامل السياسى مع خليفة ماجن سكير كالخليفة المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مثلا مع محظية المتوكل ( قبيحة ) أم المعتز ولىّ العهد وصاحبة النفوذ فى عصر المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مع قادة العسكر الأتراك المتحكمين فى خلافة المتوكل ) . ولكن لأنه لم يكن من قادة أهل الحديث الذين يتخصصون فى تأليف وصناعة الأحاديث ، بل كان من عوام المحدثين ينقل عن القادة مخترعى الحديث مصدقا لهم ، وأنهم فعلا ( سمعوها من فلان عن فلان ) .

2 ـ فأهل الحديث كانوا نوعين : قادة يصنعون الأحاديث ويجعلون لها إسنادا كاذبا ، ثم عوام أهل الحديث الناشرين لهذا الافك بين الناس . اولئك القادة كانوا ممن وافقوا من قبل على القول بخلق القرآن وتجنبوا مصير ابن حنبل لأنهم كانوا أصحاب مهنة وأحرزا مكانة بهذه المهنة ، ولا بد أن يحافظوا عليها .  والفارق هائل  بين الأئمة ممن يصنع الحديث وينشره والعوام ممن يجمع الحديث مؤمنا به .

ثانيا : الدليل على أن إبن حنبل كان من عوام أهل الحديث

1 ـ أنه لم يرد له ذكر فى فتنة خلق القرآن فى الصّف الأول من القضاة وكبار المحدثين ، بل جاء ذكره مؤخرا بين عوام المحدثين ، وفوجىء الجميع برفضه وإصراره على الرفض بعد أن أسرع الكبار بالموافقة فتعرض للضرب ، وبالضرب أصبح له ذكر فى التاريخ وشهرة فى العصر فاقت فيما بعد قادة أهل الحديث .

2 ـ أنه فى التحقيق معه بحضور الخليفة المعتصم لم تكن له حُجّة إلا قول واحد يكرره أمامهم بلا تغيير : (أعطونى شيئا من كتاب الله أو من سنة رسول الله ) . يطلب منهم أن يستشهدوا بآية قرآنية تقول بالنّص إن القرآن مخلوق أو بحديث يقول هذا النّص . أى كان يمكن إقناعه بسهولة لو تطوّع أحد المعتزلة وإفترى له حديثا وجعل له إسنادا كأن يقول مثلا ( حدثنى فلان عن فلان عن فلان عن فلان ان الرسول قال : القرآن مخلوق ) .إذا قيل هذا الحديث لانتهت مشكلة ابن حنبل لأنه كان سيصدق به . فابن حنبل كان يؤمن إيمانا مطلقا بالحديث على انه سُنّة رسول الله .

3 ـ بل إنّ إبن حنبل كان يؤمن أن الاسلام لا يكفى وحده دينا ، بل لا بد أن تكون معه ( السُّنّة )، أى يبلغ إيمانه بتلك الأحاديث أكثر من إيمانه بالقرآن والاسلام . وهذا ما جاء فى مناقبه التى حكاها ابن الجوزى ومنها أنه قيل له ( أحياك الله على الاسلام ، فقال : وعلى السّنة ) ( ب 21 ص 177 ) ، ويعتبر من ينتقد الحديث زنديقا ، ويعتبر أهل الحديث أحبار رسول الله ،ويعتبر عوام المحدثين ( سُرُج الاسلام ) أى مصابيح الاسلام ، وبدونهم لا يكون للاسلام مصابيح !. وقد كانوا فى عهده يملأون الشوارع يحملون المحابر التى يكتبون بها الحديث.  ويرى أنّ من عظّمهم تعظّم فى عين رسول الله ، ومن مات على الاسلام والسّنّة مات على الخير كله . ( ب 22 ص 179 : 180 ). وفى باب 23 يذكر ابن الجوزى إعراضه عن ( أهل البدع ) ونهيه عن كلامهم وقدحه فيهم .

4 ـ إنّ الذى يخترع الأحاديث ويصنعها لا يمكن أن يؤمن بها ، لأنه ببساطة هو أول من يعرف أنها كاذبة وأنه المخترع لها والصانع لها. أمّا الذى يرويها عن مخترعها مصدقا لها فهو الذى يجعلها دينا ، بل يرتفع بها فوق الدين الحق كما كان يفعل ابن حنبل .

ثالثا : ابن حنبل لم يكن ضمن من أرسلهم المتوكل لنشر الأحاديث

1 ـ إلا إن الدليل الأكبر على ان ابن حنبل لم يكن من قادة أهل الحديث هو أن الخليفة المتوكل لم يستعن به فى نشر الحديث فى آفاق دولته ، بل أوكل المهمة للقادة المعتبرين . فبعد إستخلافه بعامين جعل الخليفة المتوكل الأحاديث والسّنة الدين الرسمى للدولة ، وأرسل قادة أهل الحديث الى  الآفاق يبشرون بالأحاديث وينشرونها . يقول ابن الجوزى فى المنتظم فى احداث عام 234 : ( وفي هذه السنة‏ أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ..وفيها‏:‏ أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين . وكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل وإبراهيم بن عبد الله الهروي وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس ، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس،وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ، ( أى رؤية الله فى يوم القيامة خلافا لرأى المعتزلة ) . فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ، ووضع له منبر ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفًا ‏.‏ وجلس أبو بكر بن أبي شيبة فى مجلس الرصافة فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا .) ويقول ابن الجوزى أيضا : ( في سنة أربع وثلاثين ومائتين نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء منهم‏:‏ محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري . وأمرهم أن يحدثوا . ووصلهم ‏.‏ ) أى أعطاهم الأموال .

2 ـ نلاحظ هنا أن ابن حنبل لم يكن بينهم ، مع إنه كان وقتها مطلق السراح متمتعا بالشهرة والاحترام بعد الاضطهاد الذى عاناه من قبل . ولكن ظل بعيدا عن حاشية المتوكل الى أن مات فى عهد المتوكل عام 241 .

3 ـ ونلاحظ ان أهل الحديث هنا ينقسمون الى نوعين : قادة يخترعون الحديث ، وعوام أهل الحديث الذين يستمعون اليهم بالآلاف . وكان يُنصب للقائد منبر ، ويجتمع حوله عوام أهل الحديث بعشرات الألوف يكتبون عنه ما يقول كما لو كان ينطق بوحى السماء !.

4 ـ  ونلاحظ أخيرا أن أولئك الأئمة الذين بعث بهم الخليفة المتوكل لم يتعرضوا الى أى إضطهاد فى عصر المأمون والمعتصم والواثق . أى إنهم سارعوا بتأييد الخلفاء والسمع والطاعة ولم يُظهروا أى خلاف أو أى إمتعاض ، لذا إحتفظوا بمكانتهم لأنهم أحنوا رءوسهم للعاصفة ، ثم كانوا جاهزين لخدمة المتوكل حين غيّر رأيه وإنحاز للسّنّة ضد المعتزلة .

5 ـ ونتصور أنهم بعودتهم للأضواء والنفوذ فى خلافة المتوكل كانوا يخشون من الدعاية التى حظى بها ابن حنبل والمكانة التى وصل اليها بسبب ما حدث له حين تمسّك ( بالسّنة ) بينما ( خانوها ) هم . ونتصور خشيتهم من أن يصبح ابن حنبل منافسا قويا لهم  فى العهد الجديد . وبالتالى نتصور أن يحيكوا الدسائس عند المتوكل حتى يُبعدوه عن قصر الخلافة . وهذا التوقع المنطقى حدث فعلا . فقد أتّهم ابن حنبل لدى الخليفة المتوكل بأنه يأوى أحد العلويين المطلوبين ، فأرسل المتوكل باعتقال ابن حنبل ، فحملوه اليه وفتشوا بيته فتبينت براءته ، وأفرج المتوكل عنه . وبهذا تأكّد لقادة الكهنوت السّنى أن ابن حنبل هو الذى سيؤثر الابتعاد عن الخليفة والمشاكل حسب طبيعته المعروفة .

6 ـ ونلاحظ أن آل شيبة ـ أحفاد القاضى العباسى أبى شيبة ـ  كانوا قادة أهل الحديث فى هذا الوقت . وأصلهم فارسى من ( خوست ) وكانوا أبرز من عهد اليهم المتوكل بنشر ( الٍسُّنّة ) ، ومن ضمنها بالطبع أحاديث تصب فى صالح العباسيين سياسيا ، وليس مجرد حرب المعتزلة وتأييد منهج السنيين . ومنهم ( عثمان بن أبى شيبة : ت 239  ) وهو شيخ البخارى ومسلم وأبى داود وابن ماجة وكثيرين . أما أبو بكر ابن أبى شيبة ( ت 235 ) فقد كان شيخا لابن حنبل مع انه كان من أقران ابن حنبل فى السّن والمولد. ومن تلامذته البخارى ومسلم وأبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي و محمد بن سعد الكاتب. هذا نموذج لعائلات إحترفت الكهنوت وحقّقت به مكانة وحافظت على هذه المكانة . وليس مثل ابن حنبل الذى كان والده شخصا مجهولا من منطقة الرى الفارسية ، جاء الى بغداد بزوجته الحامل فولدت له ابنه ( أحمد بن حنبل ) فى وسط فقير من أحياء بغداد وقتئذ .

رابعا : ابن حنبل لم يكن فقيها .

1 ـ ونلاحظ ايضا أن البخارى الذى ذاع صيته فيما بعد لأسباب مختلفة لم يرد ذكره فى فتنة القول بخلق القرآن من عصر المأمون الى عصر الواثق ، ولم يحظ بالشهرة فى عصر المتوكل الذى سيطر عليه الكهنوت السّنى . وقد تميّز البخارى بسبك الحديث أى صناعته ، كما تخصص بكتابته ونشره . فتفوق على ابن حنبل الذى لم يكتب شيئا ، ولم يكن له رأى ، وحتى كتاب ( المسند ) الذى كتبه ابنه عبد الله ونسبه اليه ، هذا الكتاب لا يمتّ للفقه بأى صلة .  

2 ـ وقد تميز ( صحيح البخارى ) و ( صحيح مسلم ) على ( مُسند أحمد ) بأنهما تم تقسيمهما على حساب الموضوع ، أى أحاديث باب الطهارة ، وباب العبادات والمعاملات وهكذا . وقد سبق بهذا من دوّن ( موطأ ) مالك . فجاء تقسيم أحاديث الموطّا حسب الموضوعات . وبعده كان يجب أن يأتى ( مسند أحمد ) أكثر تطورا ، ولكنه جاء أكثر تخلفا إذ إكتفى بجمع عشوائى للأحاديث حسب الراوى الصحابى ، دون نظر لموضوع الحديث نفسه . أى مجرد جمع بلا علم وبلا فقه .

3 ـ وبمناسبة الفقه ، فهو يعنى قرآنيا ( الفهم والتعقل والاعتبار والنّظر ) و ( تفقهون ) يعنى تفهمون وتعقلون . وبالتالى فعلم ( الفقه ) ينبغى أن يعنى النظر فى آيات التشريع القرآنية واستخلاص الأحكام منها . وبدأ مالك بتجاهل القرآن الكريم فى الموطأ ، إذ قصره على الأحاديث، وكان يقسّمها حسب الموضوعات فجمع بين الأحاديث والفقه ، وكان رائدا فيهما . ثم جاء الشافعى فكان هو المؤسس الحقيقى للدين السّنّى الأرضى الوضعى . فقد أملى كتابه الضخم ( الأم ) فى سبعة أجزاء ، وسار على منهج الموطأ ، ولكن توسع فى الاسناد وفى اختراع آلاف الأحاديث ، والاستشهاد بآيات قرآنية ينتقيها ويجعلها تتفق مع هواه . وتميز الشافعى  فى ( الأم ) بالتفريع والتأصيل والشرح والتعليل . ثم وضع دستور وتقعيد وتنظير ( أصول الفقه ) فى ( الرسالة ). وكتب آخرون فى موضوعات فقهية وأصولية كالشيبانى وأبى يوسف صاحبى أبى حنيفة . وجاء ( مسند أحمد )متخلفا عن هذا كله لأنه مجرد جمع لأحاديث من أفواة من صنعها ، دون اهتمام بموضوعاتها الفقهية ، أى كان مجرد ( بروفة ) أو ( مسودة ) تحتاج الى من يقوم بتقسيم هذه الأحاديث وتفريعها حسب الموضوعات ، لأن الأحاديث لم تكن أبدا هدفا فى حد ذاتهالنبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى
الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة :
صناعة شخصية زائفة لابن حنبل : الجزء الثانى
( 6) إبن حنبل كان من عوام أهل الحديث ولم يكن فقيها ب3 ف 5 / 6

مقدمة
1 ـ كان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي من رفاق أبى جعفر المنصور فى طلب (علم الحديث ).
قال‏ عن المنصور:‏ ( كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة ، فأدخلني يومًا إلى منزله ، وقدم طعامًا ومريقة من حبوب ليس فيها لحم ، ثم قدم إلي زبيبًا ، ثم قال‏:‏ يا جارية عندك حلواء ؟ قالت‏:‏ لا . قال‏:‏ ولا التمر ؟ قالت‏:‏ ولا التمر . فاستلقى ثم تلى هذه الآية‏:‏ ‏‏ ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )‏‏.‏ فما ولي الخلافة دخلت عليه، فقال‏:‏ يا عبد الرحمن بلغني أنك كنت تفد لبني أمية قال‏:‏ قلت‏:‏ أجل كنت أفد لهم وأفد إليهم‏.‏ قال‏:‏ فكيف رأيت سلطاني من سلطانهم ؟ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين والله ما رأيت من سلطانهم من الجور والظلم إلا رأيته في سلطانك . ).
هنا رفيق سابق للمنصور وصديق سابق له ، وقد قال له كلمة حق ، هى أن الظلم الذى كان فى بنى أمية أعاده العباسيون . ولقد برّر له المنصور الظلم بأنه لا يجد الأعوان فاستشهد له صديقه بمقالة عمر بن عبد العزيز ( السلطان كالسوق ) ، أى فالذى يريد أن يشترى الجواهر لن يذهب الى سوق المواشى أو سوق الخضروات ، والسلطان الورع لن يجتمع حوله النصّابون الفاجرون . وبالتالى فلا بد ان تكون حاشية السلطان الجائرة على شاكلته فى الجور ، وخصوصا إذا كان سلطانا فى دولة دينية يقيم سلطانه على كهنوت دينى ، عندها لا بد أن يكون رجال كهنوته أخبث منه لأنهم يفتون له بالظلم ويبررون له ظلمه بأحاديث مفتراة . ولذلك فإن أباجعفر المنصور لم يثق بصديقه القديم وزميله القديم فى ( طلب الحديث ) ، مع أن هذا الزميل القديم لم تكن سيرته ناصعة البياض ، فقد كان ( يفد ) أى يأتى وافدا يزور بنى أميه فى سلطانهم ، أى يعمل فى خدمتهم ويحصل على عطائهم مع علمه بظلمهم ، ثم أنه ايضا كان يطلب (علم الحديث ) أى يحترف التزوير . ولكن أبا جعفر المنصور لم ير فى صديقه القديم المؤهلات الكافية لأن يجعله ضمن رجال كهنوته ، لأن أبا جعفر يشترط فى رجال الكهنوت الطاعة التامة وعدم الانتقاد .
ولم يكن صديق أبى جعفر المنصور الوحيد الذى خاب أمله فى العباسيين ، ففى سنة 133 ثار عليهم فى خراسان سويد ابن شيخ المهري الذى قال ‏:‏ ( ما على هذا اتبعنا آل محمد على ، أن نسفك الدماء ونعمل بغير الحق ) ، وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفًا . وانهزم ولقى حتفه .
2 ـ وهناك صنف من رجال الكهنوت جاهزون لخدمة السلطان القائم يغيرون آراءهم تبعا لهواه مثل الأوزاعى فقيه الأمويين ، والذى أسرع بعد سقوطهم بتغيير جلده وعرض خدماته على العباسيين فاصبح من رجال كهنوتهم ، وحظى بمكانة رفيعة فى الدولتين الأموية والعباسية . هذا يذكرنا بشيوخ الأزهر فى عصرنا الذن يتبارون فى الافتاء لكل سلطان بما يهوى ، إذا أرد عبد الناصر الحرب هتفوا له ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) وإذا أراد السادات الصلح قالوا له : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا . ) وإذا قال مبارك ( التوريث ) تغنوا له بالتوريث،وإذا قال ( التمديد ) رقصوا على موسيقى التمديد . وقبلهم قال أحد الإخوان المسلمين يمدح إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء قبل الثورة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ) .!
أولا : لم يكن أبن حنبل من قادة الكهنوت السّنى فى عصره
1 ـ ولم يكن ابن حنبل يصلح لأن يكون من هذا الصنف . ليس فقط لأنه كما قلنا : ( لا يمكن أن يتأقلم مع البروتوكول العباسى ومكائده ، كما كان بضيق أفقه وتمسكه بنصوص الأحاديث التى يحفظها لا يصلح للتعامل السياسى مع خليفة ماجن سكير كالخليفة المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مثلا مع محظية المتوكل ( قبيحة ) أم المعتز ولىّ العهد وصاحبة النفوذ فى عصر المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مع قادة العسكر الأتراك المتحكمين فى خلافة المتوكل ) . ولكن لأنه لم يكن من قادة أهل الحديث الذين يتخصصون فى تأليف وصناعة الأحاديث ، بل كان من عوام المحدثين ينقل عن القادة مخترعى الحديث مصدقا لهم ، وأنهم فعلا ( سمعوها من فلان عن فلان ) .
2 ـ فأهل الحديث كانوا نوعين : قادة يصنعون الأحاديث ويجعلون لها إسنادا كاذبا ، ثم عوام أهل الحديث الناشرين لهذا الافك بين الناس . اولئك القادة كانوا ممن وافقوا من قبل على القول بخلق القرآن وتجنبوا مصير ابن حنبل لأنهم كانوا أصحاب مهنة وأحرزا مكانة بهذه المهنة ، ولا بد أن يحافظوا عليها . والفارق هائل بين الأئمة ممن يصنع الحديث وينشره والعوام ممن يجمع الحديث مؤمنا به .
ثانيا : الدليل على أن إبن حنبل كان من عوام أهل الحديث
1 ـ أنه لم يرد له ذكر فى فتنة خلق القرآن فى الصّف الأول من القضاة وكبار المحدثين ، بل جاء ذكره مؤخرا بين عوام المحدثين ، وفوجىء الجميع برفضه وإصراره على الرفض بعد أن أسرع الكبار بالموافقة فتعرض للضرب ، وبالضرب أصبح له ذكر فى التاريخ وشهرة فى العصر فاقت فيما بعد قادة أهل الحديث .
2 ـ أنه فى التحقيق معه بحضور الخليفة المعتصم لم تكن له حُجّة إلا قول واحد يكرره أمامهم بلا تغيير : (أعطونى شيئا من كتاب الله أو من سنة رسول الله ) . يطلب منهم أن يستشهدوا بآية قرآنية تقول بالنّص إن القرآن مخلوق أو بحديث يقول هذا النّص . أى كان يمكن إقناعه بسهولة لو تطوّع أحد المعتزلة وإفترى له حديثا وجعل له إسنادا كأن يقول مثلا ( حدثنى فلان عن فلان عن فلان عن فلان ان الرسول قال : القرآن مخلوق ) .إذا قيل هذا الحديث لانتهت مشكلة ابن حنبل لأنه كان سيصدق به . فابن حنبل كان يؤمن إيمانا مطلقا بالحديث على انه سُنّة رسول الله .
3 ـ بل إنّ إبن حنبل كان يؤمن أن الاسلام لا يكفى وحده دينا ، بل لا بد أن تكون معه ( السُّنّة )، أى يبلغ إيمانه بتلك الأحاديث أكثر من إيمانه بالقرآن والاسلام . وهذا ما جاء فى مناقبه التى حكاها ابن الجوزى ومنها أنه قيل له ( أحياك الله على الاسلام ، فقال : وعلى السّنة ) ( ب 21 ص 177 ) ، ويعتبر من ينتقد الحديث زنديقا ، ويعتبر أهل الحديث أحبار رسول الله ،ويعتبر عوام المحدثين ( سُرُج الاسلام ) أى مصابيح الاسلام ، وبدونهم لا يكون للاسلام مصابيح !. وقد كانوا فى عهده يملأون الشوارع يحملون المحابر التى يكتبون بها الحديث. ويرى أنّ من عظّمهم تعظّم فى عين رسول الله ، ومن مات على الاسلام والسّنّة مات على الخير كله . ( ب 22 ص 179 : 180 ). وفى باب 23 يذكر ابن الجوزى إعراضه عن ( أهل البدع ) ونهيه عن كلامهم وقدحه فيهم .
4 ـ إنّ الذى يخترع الأحاديث ويصنعها لا يمكن أن يؤمن بها ، لأنه ببساطة هو أول من يعرف أنها كاذبة وأنه المخترع لها والصانع لها. أمّا الذى يرويها عن مخترعها مصدقا لها فهو الذى يجعلها دينا ، بل يرتفع بها فوق الدين الحق كما كان يفعل ابن حنبل .
ثالثا : ابن حنبل لم يكن ضمن من أرسلهم المتوكل لنشر الأحاديث
1 ـ إلا إن الدليل الأكبر على ان ابن حنبل لم يكن من قادة أهل الحديث هو أن الخليفة المتوكل لم يستعن به فى نشر الحديث فى آفاق دولته ، بل أوكل المهمة للقادة المعتبرين . فبعد إستخلافه بعامين جعل الخليفة المتوكل الأحاديث والسّنة الدين الرسمى للدولة ، وأرسل قادة أهل الحديث الى الآفاق يبشرون بالأحاديث وينشرونها . يقول ابن الجوزى فى المنتظم فى احداث عام 234 : ( وفي هذه السنة‏ أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ..وفيها‏:‏ أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين . وكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل وإبراهيم بن عبد الله الهروي وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس ، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس،وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ، ( أى رؤية الله فى يوم القيامة خلافا لرأى المعتزلة ) . فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ، ووضع له منبر ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفًا ‏.‏ وجلس أبو بكر بن أبي شيبة فى مجلس الرصافة فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا .) ويقول ابن الجوزى أيضا : ( في سنة أربع وثلاثين ومائتين نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء منهم‏:‏ محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري . وأمرهم أن يحدثوا . ووصلهم ‏.‏ ) أى أعطاهم الأموال .
2 ـ نلاحظ هنا أن ابن حنبل لم يكن بينهم ، مع إنه كان وقتها مطلق السراح متمتعا بالشهرة والاحترام بعد الاضطهاد الذى عاناه من قبل . ولكن ظل بعيدا عن حاشية المتوكل الى أن مات فى عهد المتوكل عام 241 .
3 ـ ونلاحظ ان أهل الحديث هنا ينقسمون الى نوعين : قادة يخترعون الحديث ، وعوام أهل الحديث الذين يستمعون اليهم بالآلاف . وكان يُنصب للقائد منبر ، ويجتمع حوله عوام أهل الحديث بعشرات الألوف يكتبون عنه ما يقول كما لو كان ينطق بوحى السماء !.
4 ـ ونلاحظ أخيرا أن أولئك الأئمة الذين بعث بهم الخليفة المتوكل لم يتعرضوا الى أى إضطهاد فى عصر المأمون والمعتصم والواثق . أى إنهم سارعوا بتأييد الخلفاء والسمع والطاعة ولم يُظهروا أى خلاف أو أى إمتعاض ، لذا إحتفظوا بمكانتهم لأنهم أحنوا رءوسهم للعاصفة ، ثم كانوا جاهزين لخدمة المتوكل حين غيّر رأيه وإنحاز للسّنّة ضد المعتزلة .
5 ـ ونتصور أنهم بعودتهم للأضواء والنفوذ فى خلافة المتوكل كانوا يخشون من الدعاية التى حظى بها ابن حنبل والمكانة التى وصل اليها بسبب ما حدث له حين تمسّك ( بالسّنة ) بينما ( خانوها ) هم . ونتصور خشيتهم من أن يصبح ابن حنبل منافسا قويا لهم فى العهد الجديد . وبالتالى نتصور أن يحيكوا الدسائس عند المتوكل حتى يُبعدوه عن قصر الخلافة . وهذا التوقع المنطقى حدث فعلا . فقد أتّهم ابن حنبل لدى الخليفة المتوكل بأنه يأوى أحد العلويين المطلوبين ، فأرسل المتوكل باعتقال ابن حنبل ، فحملوه اليه وفتشوا بيته فتبينت براءته ، وأفرج المتوكل عنه . وبهذا تأكّد لقادة الكهنوت السّنى أن ابن حنبل هو الذى سيؤثر الابتعاد عن الخليفة والمشاكل حسب طبيعته المعروفة .
6 ـ ونلاحظ أن آل شيبة ـ أحفاد القاضى العباسى أبى شيبة ـ كانوا قادة أهل الحديث فى هذا الوقت . وأصلهم فارسى من ( خوست ) وكانوا أبرز من عهد اليهم المتوكل بنشر ( الٍسُّنّة ) ، ومن ضمنها بالطبع أحاديث تصب فى صالح العباسيين سياسيا ، وليس مجرد حرب المعتزلة وتأييد منهج السنيين . ومنهم ( عثمان بن أبى شيبة : ت 239 ) وهو شيخ البخارى ومسلم وأبى داود وابن ماجة وكثيرين . أما أبو بكر ابن أبى شيبة ( ت 235 ) فقد كان شيخا لابن حنبل مع انه كان من أقران ابن حنبل فى السّن والمولد. ومن تلامذته البخارى ومسلم وأبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي و محمد بن سعد الكاتب. هذا نموذج لعائلات إحترفت الكهنوت وحقّقت به مكانة وحافظت على هذه المكانة . وليس مثل ابن حنبل الذى كان والده شخصا مجهولا من منطقة الرى الفارسية ، جاء الى بغداد بزوجته الحامل فولدت له ابنه ( أحمد بن حنبل ) فى وسط فقير من أحياء بغداد وقتئذ .
رابعا : ابن حنبل لم يكن فقيها .
1 ـ ونلاحظ ايضا أن البخارى الذى ذاع صيته فيما بعد لأسباب مختلفة لم يرد ذكره فى فتنة القول بخلق القرآن من عصر المأمون الى عصر الواثق ، ولم يحظ بالشهرة فى عصر المتوكل الذى سيطر عليه الكهنوت السّنى . وقد تميّز البخارى بسبك الحديث أى صناعته ، كما تخصص بكتابته ونشره . فتفوق على ابن حنبل الذى لم يكتب شيئا ، ولم يكن له رأى ، وحتى كتاب ( المسند ) الذى كتبه ابنه عبد الله ونسبه اليه ، هذا الكتاب لا يمتّ للفقه بأى صلة .
2 ـ وقد تميز ( صحيح البخارى ) و ( صحيح مسلم ) على ( مُسند أحمد ) بأنهما تم تقسيمهما على حساب الموضوع ، أى أحاديث باب الطهارة ، وباب العبادات والمعاملات وهكذا . وقد سبق بهذا من دوّن ( موطأ ) مالك . فجاء تقسيم أحاديث الموطّا حسب الموضوعات . وبعده كان يجب أن يأتى ( مسند أحمد ) أكثر تطورا ، ولكنه جاء أكثر تخلفا إذ إكتفى بجمع عشوائى للأحاديث حسب الراوى الصحابى ، دون نظر لموضوع الحديث نفسه . أى مجرد جمع بلا علم وبلا فقه .
3 ـ وبمناسبة الفقه ، فهو يعنى قرآنيا ( الفهم والتعقل والاعتبار والنّظر ) و ( تفقهون ) يعنى تفهمون وتعقلون . وبالتالى فعلم ( الفقه ) ينبغى أن يعنى النظر فى آيات التشريع القرآنية واستخلاص الأحكام منها . وبدأ مالك بتجاهل القرآن الكريم فى الموطأ ، إذ قصره على الأحاديث، وكان يقسّمها حسب الموضوعات فجمع بين الأحاديث والفقه ، وكان رائدا فيهما . ثم جاء الشافعى فكان هو المؤسس الحقيقى للدين السّنّى الأرضى الوضعى . فقد أملى كتابه الضخم ( الأم ) فى سبعة أجزاء ، وسار على منهج الموطأ ، ولكن توسع فى الاسناد وفى اختراع آلاف الأحاديث ، والاستشهاد بآيات قرآنية ينتقيها ويجعلها تتفق مع هواه . وتميز الشافعى فى ( الأم ) بالتفريع والتأصيل والشرح والتعليل . ثم وضع دستور وتقعيد وتنظير ( أصول الفقه ) فى ( الرسالة ). وكتب آخرون فى موضوعات فقهية وأصولية كالشيبانى وأبى يوسف صاحبى أبى حنيفة . وجاء ( مسند أحمد ) متخلفا عن هذا كله لأنه مجرد جمع لأحاديث من أفواة من صنعها ، دون اهتمام بموضوعاتها الفقهية ، أى كان مجرد ( بروفة ) أو ( مسودة ) تحتاج الى من يقوم بتقسيم هذه الأحاديث وتفريعها حسب الموضوعات ، لأن الأحاديث لم تكن أبدا هدفا فى حد ذاتها ، ولكن لأغراض موضوعية سياسية ودينية تؤسس دين السّنة وتفريعاته العقيدية والتشريعية والتاريخية والنفسيرية ..الخ .
4 ـ ومع هذا ، فقد أصبح ابن حنبل ـ رغم أنفه ـ صاحب مذهب فقهى ، وذلك طبقا للشخصية التى صنعوها له ، وطبقا لآراء كثيرة نسبوها له زورا وبهتانا بعد موته . وبعضهم كان يزعم أنه سأله كذا وكذا ، وأنه أجاب بكذ وكذا . وقد قام ( عبد القادر أحمد عطا ) بتجميع ما يخص النساء من هذه الآراء فى كتاب أسماه ( أحكام النساء ) للإمام أحمد بن حنبل . وفيه تحريم النظر الى خُف المرأة ، والمرأة كلها عورة حتى ظفرها ، وكراهية الباروكة ، وكراهية كسب الماشطة وكراهية حفّ الوجه، و قتل تارك الصلاة وتكفيره واستتابته ، وقتل تارك الفرائض ومن يستحل الخمر : ( أحكام النساء 27 : 31 ، 33 : 47 ، 11 ، 16 ، 67 ـ ، 74 : 79 ) ا ، ولكن لأغراض موضوعية سياسية ودينية تؤسس دين السّنة وتفريعاته العقيدية والتشريعية والتاريخية والنفسيرية ..الخ .

4 ـ ومع هذا ، فقد أصبح ابن حنبل ـ رغم أنفه ـ صاحب مذهب فقهى ، وذلك طبقا للشخصية التى صنعوها له ، وطبقا لآراء كثيرة نسبوها له زورا وبهتانا بعد موته . وبعضهم كان يزعم أنه سأله كذا وكذا ، وأنه أجاب بكذ وكذا . وقد قام ( عبد القادر أحمد عطا ) بتجميع ما يخص النساء من هذه الآراء فى كتاب أسماه ( أحكام النساء ) للإمام أحمد بن حنبل . وفيه تحريم النظر الى خُف المرأة ، والمرأة كلها عورة حتى ظفرها ، وكراهية الباروكة ، وكراهية كسب الماشطة وكراهية حفّ الوجه، و قتل تارك الصلاة وتكفيره واستتابته ، وقتل تارك الفرائض ومن يستحل الخمر : ( أحكام النساء 27 : 31 ، 33 : 47 ، 11 ، 16 ، 67 ـ ، 74 : 79 ) 

اجمالي القراءات 12874