المقام المحمود ليس شفاعة النبى ب3 ف 2

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى
الفصل الثانى : المقام المحمود ليس شفاعة النبى
مقدمة
عجز أئمة المحمديين عن تحريف ألفاظ القرآن لأنه محفوظ من لدن الله جل وعلا فاتجهوا الى تحريف معانى القرآن عن طريق ما يّعرف بالتفسير ، وقاموا بتأليف أساطير الشفاعة فى صورة أحاديث نسبوها زورا للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر. وبهذه الأحاديث توجهوا للتلاعب بالقرآن الكريم وتحريف معانيه. ووجدوا ضالتهم فى الايات المتشابهات كالآيات الى تجعل الشفاعة بإذن الله جل وعلا ورضاه . وقد تعرضنا لهذا من قبل . كما دخلوا بأساطيرهم المصنوعة عن الشفاعة فى تحريفهم لمعنى ( المقام المحمود ) فى قوله جل وعلا للنبى ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) ، وزعموا أن المقام المحمود هو الشفاعة العُظمى . ونرد على هذا الزعم .
أولا : المقام المحمود هو الجنة :
1 ـ تفسير القرآن هو بالقرآن ، فالقرآن يفسّر بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ، ومن خلاله نفهم معانى ألفاظه . هذا هو المنهج العلمى فى التعامل البحثى مع أى مصدر تراثى ومع القرآن الكريم أيضا. أى أن تلتزم بمصطلحات الكتاب فى فهم ما يأتى فى هذا الكتاب . أما إذا فهمت مفردات الكتاب حسب المألوف فى عصرك فهذا خطأ علمى وبحثى . أكثر من هذا أن تنتقى آيات معينة لتُخرج معناها من السياق الخاص والسياق العام ، وتضع لها تفسيرا من خلال تراثك أنت متجاهلا عشرات الآيات الأخرى التى تخالفك فهذا يقع ضمن الجرائم البحثية و قلب الحقائق . وهذا بالنسبة للقرآن الكريم من أكبر الكبائر . وأئمة المحمديين الذين وقعوا فى هذه الجريمة يزدادون بقراءتهم للقرآن خسارة بينما يزداد المؤمنون بالقرآن شفاءا ورحمة . يقول جل وعلا فى سورة الاسراء : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)). ومن الإعجاز الالهى فى القرآن الكريم أن تأتى الآية الكريمة( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)) مباشرة بعد موضوع ( المقام المحمود ) ، كإشارة الى ما سيقع فيه الظالمون المحمديون من إستغلال لمصطلح ( المقام المحمود ) فى إثبات أسطورة الشفاعة للنبى محمد خلافا للقرآن الكريم .
2 ـ إنّ السياق الخاص بالمقام المحمود فى سورة الاسراء يقول فى خطاب موجّه للنبى وللمؤمنين معه :
( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)الاسراء ). وكل المؤمنون مُطالبون بإقامة الصلاة من قبيل طلوع الشمس (الفجر) الى ما بعد العشاء ، أى أوقات اليقظة ، عليهم فيها أن يحافظوا على أنفسهم من الوقوع فى الكبائر ، فهذه هى إقامة الصلاة أو المحافظة على ثواب الصلاة . فالمفروض أن نخشع فى تأدية الصلاة ، وأن نتقى ربنا جل وعلا بين أوقات الفرائض الخمسة للصلاة .
3 ـ وفى السياق العام فأن قوله جل وعلا ( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) يفسره قوله جل وعلا فى سورة (هود):( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود ). فإقامة الصلاة بالمحافظة عليها تعنى أن تتكاثر الحسنات فلا يتبقى وقت لارتكاب السيئات . وبالتالى تكون المكافأة يوم القيامة هى الجنة أو المقام المحمود .
4 ـ وقوله جل وعلا عن قيام الليل فى سورة الاسراء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ) تشرحه آيات كثيرة عن قيام الليل بالصلاة وقراءة القرآن ، منها قوله جل وعلا عن النبى والمؤمنين معه : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)المزمل ) وقد أطاع النبى عليه السلام وأطاع المؤمنون معه فنزل التخفيف عنهم فى قوله جل وعلا (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) المزمل ) . والجنة هى الجزاء الذى سيجدونه عند الله جل وعلا خيرا وأعظم أجرا .!
وهناك آيات كثيرة تجعل من من صفات المتقين قيام الليل ، منها قوله جل وعلا : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة )، ثم يقول جل وعلا عن جزائهم فى الجنة : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة ). كما يقول جل وعلا عن الجنة جزاءا للمتقين ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) الذاريات ) .ويصفهم جل وعلا بقيام الليل وعمل الصالحات: ( كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ).
5 ـ وبالتالى فإن الجنة هى جزاء قيام الليل وإقامة الصلاة كما جاء فى سورتى الذاريات والسجدة . أى فإن جزاء ( المقام المحمود ) فى سورة الاسراء يعنى الجنة . أى إن قوله جل وعلا (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) الاسراء ) يفسره قوله جل وعلا : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة )، ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)الذاريات ).
6 ـ يؤكّد هذا وصف الجنة بالمقام المحمود الذى أعدّه رب العزة للسابقين من المسلمين الذين يتمسكون بالقرآن ، يقول جل وعلا عمّن أصناف ورثة القرآن الكريم : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر )
وعن جزاء أولئك السابقين بالخيرات من المتمسكين بالقرآن يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) فاطر) . أى إن الجنة مصيرهم . ويقول رب العزة عنهم وهم فى الجنة : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) فاطر ). أى هم يصفون الجنة بأنها ( دار المُقامة ) ويقولون هذا فى معرض الحمد لله جل وعلا (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ) لأنه (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ). أى إن الجنة هى ( المقام المحمود ) الذى جاء فى سورة الاسراء (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) .
وفى مقابل المقام المحمود المُشار اليه فى سورة (فاطر ) تأتى الآيات التالية فى نفس السورة تتكلم عن مصير و ( مقام ) الكفار فى جهنم، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر ). أى إننا فى سورة فاطر بإزاء موقفين متناقضين للمؤمنين السابقين فى الجنة والكافرين فى الجحيم ، والجنة موصوفة بالمقام المحمود ، بينما يصطرخ الكفار فى جهنم يرجون الخروج ليعملوا صالحا بينما هم خالدون فيها . أى فالجنة ( مقام محمود ) و جهنم ( مقام سىء )
7 ـ ومصطلح ( المقام ) هنا يعنى الاقامة الخالدة والاستقرار الخالد فى الجنة أو فى النار ، وفى الجنة يكون ( المقام والمستقر ) . يقول جل وعلا عن ( مقام المتقين فى الجنة ) : (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) ( الفرقان )أى حسُنت مستقرا ومُقاما . ويأتى فى سورة الدخان تفصيل ذلك المقام المحمود للمتقين ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)الدخان ) وتأتى تفاصيل النعيم لهم فى هذا المقام : ( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) الدخان ).
وفى هذا المقام الخالد فى الجنة فإنّ أعظم دعاء أهل الجنة هو ( الحمد لله رب العالمين ) يقول جل وعلا عنهم:( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس ). أى إنه ( المقام المحمود ).
وفى مقابل الجنة التى (حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان ) فإن جهنم ساءت مستقرا ومُقاما ، لذا فإن عباد الرحمن يدعون ربهم جل وعلا أن يصرف عنهم عذابها : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) الفرقان).
8 ـ وفى مكة فى بداية الدعوة قال جل وعلا للنبى يشجعه على أن يتأهّل للجنة بالعمل الصالح (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) الاسراء ) أى هو وعد بالجنة مشروط بعمل صالح . وفى نهاية حياته كان عليه السلام قد حقّق هذا الشرط بالجهاد والتقوى ومعه السابقون إيمانا وعملا من أصحابه ، فنزل تبشيرهم بالجنة قبيل موته عليه السلام :( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة ).
المقصود أن المقام المحمود هو الجنة ، وقد حاز النبى عليه السلام هذا المقام بعمله ويحوزه أيضا المؤمنون الذين يموتون وقد حققوا الايمان الخالص والعمل الصالح . ويوم القيامة سيكونون جميعا فى صُحبة واحدة معا (وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ) : (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ( النساء ) .

وفى النهاية فإن خاتم النبيين هو من ( عباد الرحمن ) . تنطبق عليه كل الصفات التى ذكرها عنهم رب العزة . ينطبق عليه قوله جل وعلا  : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63)الفرقان ) . فقد كان عليه السلام هينا لينا متواضعا رءوفا رحيما بالمؤمنين . وينطبق عليه قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) فكان عليه السلام يبيت ليله قائما قارئا للقرآن متهجدا به . وكان عليه السلام يخاف ـ إن عصى ربه ـ من عذاب عظيم  خوفا من جهنم التى ساءت مستقرا ومُقاما : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) أى فالجحيم ساءت مستقرا ومقاما . وتنطبق عليه كل الصفات الصالحة الباقية . وبالتالى يستحق الجنة التى حسُنت مستقرا ومقاما : ( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76)  الفرقان ). وهذا يجمعه بالمتقين يوم القيامة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر : (  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) القمر) .

 

هل هناك أعظم من هذا مقاما محمودا ؟ 

ودائما : صدق الله العظيم .
أخيرا :
ائمة المحمديين حرّفوا معنى ( المقام المحمود ) وزعموا أنه ( الشفاعة ) وإستشهدوا على هذا باساطير البخارى وغيره . وفى كتاب ( أيسر التفاسير ) جاء تلخيص كتب التفاسير كلها فى عبارات سهلة مبسطة . وفى قوله جل وعلا : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} يقول باختصار : ( مَقَاماً مَّحْمُوداً- مَقَامَ الشَّفَاعَةِ العُظْمَى. ). أما ما جاء فى كتب ( التفسير السّنى ) فى تحريف ( المقام المحمود ) فهو غابة متكاثفة من الغموض ( مع إن إسمه تفسير ) مع الأقاويل الكاذبة والخرافات تصل فى كُفرها الى الزعم بأن الله جل وعلا أجلس النبى معه على العرش . وننقل ــ لمن يتمتع بالصبر وطول البال ـ الخرافات والأباطيل التى كتبها أئمة المحمديين من الطبرى فى القرن الثالث الهجرى حتى الشعراوى فى عصرنا البائس . وهم كلهم ينهلون من نفس مستنقع الرجس المسمى بالسّنة والأحاديث. واليكم ما قالوه فى تحريف كلمتى ( المقام المحمود ) :
( تفسير الطبرى ( مولود عام 224 ، وتوفى عام 310 )
وَقَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , وَإِنَّمَا وَجْه قَوْل أَهْل الْعِلْم : عَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّه لَا يَدَع أَنْ يَفْعَل بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ وَالْعِوَض عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَته الْغُرُور , وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعه , إِذَا هُوَ تَعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ , فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعهُ , وَلَا سَبَب يَحُول بَيْنه وَبَيْن نَفْعه إِيَّاهُ مَعَ الْأَطْمَاع الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُده إِيَّاهُ وَلُزُومه , فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافه إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَته الْغُرُور لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مَنْ طَمِعَ عَلَى طَاعَته , أَوْ عَلَى فِعْل مِنْ الْأَفْعَال , أَوْ أَمْر أَوْ نَهْي أَمَرَهُمْ بِهِ , أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ , فَإِنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِهِ , وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَةِ الَّتِي لَا يُخْلَف الْوَفَاء بِهَا , قَالُوا : عَسَى وَلَعَلَّ مِنْ اللَّه وَاجِبَة . وَتَأْوِيل الْكَلَام : أَقِمْ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الَّتِي أَمَرْتُك بِإِقَامَتِهَا فِيهَا , وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ فَرْضًا فَرَضْته عَلَيْك , لَعَلَّ رَبّك يَبْعَثك يَوْم الْقِيَامَة مَقَامًا تَقُوم فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدهُ , وَتُغْبَط فِيهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود , فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : ذَلِكَ هُوَ الْمَقَام الَّذِي هُوَ يَقُومهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبّهمْ مِنْ عَظِيم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ الْيَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17061 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , فَيَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا , قِيَامًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , يُنَادَى : يَا مُحَمَّد , فَيَقُول : " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , عَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَبِك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ هَذَا الْبَيْت " ; فَهَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد . فَلَا تَكَلَّم نَفْس , فَأَوَّل مَا يَدْعُو مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُوم مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : " لَبَّيْكَ " , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 17062 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ رِشْدِين بْن كُرَيْب , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة . 17063 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : ثُمَّ يُؤْمَر بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَب عَلَى جِسْر جَهَنَّم , فَيَمُرّ النَّاس بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ ; يَمُرّ أَوَّلهمْ كَالْبَرْقِ , وَكَمَرِّ الرِّيح , وَكَمَرِّ الطَّيْر , وَكَأَسْرَع الْبَهَائِم , ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل سَعْيًا , ثُمَّ مَشْيًا , حَتَّى يَجِيء آخِرهمْ يَتَلَبَّط عَلَى بَطْنه , فَيَقُول : رَبّ لِمَا أَبْطَأْت بِي , فَيَقُول : إِنِّي لَمْ أُبْطِئ بِك , إِنَّمَا أَبْطَأَ بِك عَمَلك , قَالَ : ثُمَّ يَأْذَن اللَّه فِي الشَّفَاعَة , فَيَكُون أَوَّل شَافِع يَوْم الْقِيَامَة جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , رُوح الْقُدُس , ثُمَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , ثُمَّ مُوسَى , أَوْ عِيسَى , قَالَ أَبُو الزَّعْرَاء : لَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ ; قَالَ : ثُمَّ يَقُوم نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا , فَلَا يَشْفَع أَحَد بَعْده فِيمَا يَشْفَع فِيهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } 17064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . 17065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17066 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : هُوَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته , فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . 17067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيِّرَ بَيْن أَنْ يَكُون نَبِيًّا عَبْدًا , أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا , فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام : أَنْ تَوَاضَعْ , فَاخْتَارَ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَكُون عَبْدًا نَبِيًّا , فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيّ اللَّه ثِنْتَيْنِ : إِنَّهُ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض , وَأَوَّل شَافِع . وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر وَالثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَة يَقُول فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد حَيْثُ يَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , فَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة , كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , قَالَ : فَيُنَادَى مُحَمَّد , فَيَقُول : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك , وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , وَعَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَلَك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَى مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ الْبَيْت , قَالَ : فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ حُذَيْفَة : يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , حَيْثُ يَنْفُذهُمْ الْبَصَر , وَيُسْمِعهُمْ الدَّاعِي , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا أَوَّل مَرَّة , ثُمَّ يَقُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك " , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : هُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه أَنْ يَبْعَثهُ إِيَّاهُ , هُوَ أَنْ يُقَاعِدهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17068 - حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن يَعْقُوب الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يُجْلِسهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه . وَذَلِكَ مَا : 17069 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ دَاوُدَ بْن يَزِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } سُئِلَ عَنْهَا , قَالَ : " هِيَ الشَّفَاعَة " . 17070 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَرْب , قَالَ : ثنا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا دَاوُدَ بْن يَزِيد الْأَوْدِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : " هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع فِيهِ لِأُمَّتِي " . 17071 - حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَة الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة , فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي , فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . 17072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا شُعَيْب بْن اللَّيْث , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغ الْعَرَق نِصْف الْأُذُن , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِسْتَغَاثُوا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول : لَسْت صَاحِب ذَلِكَ , ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول كَذَلِكَ ; ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيُشَفَّع بَيْن الْخَلْق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلَقَةِ الْجَنَّة , فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا " . 17073 - حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد عُمَر بْن شَبَّة , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ عَلِيّ بْن الْحَكَم , قَالَ : ثَنْي عُثْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ الْأَسْوَد وَعَلْقَمَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَقُوم الْمَقَام الْمَحْمُود " فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ , فَيَلْبَسهُمَا , ثُمَّ يَقْعُد مُسْتَقْبِل الْعَرْش , ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسهَا , فَأَقُوم عَنْ يَمِينه مَقَامًا لَا يَقُومهُ غَيْرِي يَغْبِطنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , ثُمَّ يُفْتَح نَهَر مِنْ الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض " . 17074 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم حَتَّى لَا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ " , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَكُون أَوَّل مَنْ يُدْعَى وَجَبْرَائِيل عَنْ يَمِين الرَّحْمَن , وَاَللَّه مَا رَآهُ قَبْلهَا , فَأَقُول : أَيْ رَبّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّك أَرْسَلْته إِلَيَّ , فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ , ثُمَّ أُشَفَّع , قَالَ : فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة " , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : " ثُمَّ أُشَفَّع فَأَقُول : يَا رَبّ عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الْأَرْض , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . 17075 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ آدَم , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ النَّاس يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَجِيء مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته , ثُمَّ يَجِيء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْأُمَم هُوَ وَأُمَّته , فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّته عَلَى كَوْم فَوْق النَّاس , فَيَقُول : يَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , فَمَا زَالَ يَرُدّهَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَرْجِع ذَلِكَ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه إِيَّاهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا حَيْوَة وَرَبِيع , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ , فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه يُقْعِد مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , قَوْل غَيْر مَدْفُوع صِحَّته , لَا مِنْ جِهَة خَبَر وَلَا نَظَر , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَابه , وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ . فَأَمَّا مِنْ جِهَة النَّظَر , فَإِنَّ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام إِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُه ثَلَاثَة : فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ : اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَائِن مِنْ خَلْقه كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَلَمْ يَمَاسَّهَا , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ , غَيْر أَنَّ الْأَشْيَاء الَّتِي خَلَقَهَا , إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا , وَجَبَ أَنْ يَكُون لَهَا مُبَايِنًا , إِذْ لَا فِعَال لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِن لَهَا . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَاعِل الْأَشْيَاء , وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهُ يُوصَف بِأَنَّهُ مُمَاسّ لِلْأَشْيَاءِ , وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِن , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى الْأَرْض إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ إِنَّ بَيْنُونَته مِنْ عَرْشه , وَبَيْنُونَته مِنْ أَرْضه بِمَعْنًى وَاحِد فِي أَنَّهُ بَائِن مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا , غَيْر مُمَاسّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْل الْأَشْيَاء خَلْقه لَا شَيْء يُمَاسّهُ وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , فَعَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى أَرْضه , إِذْ كَانَ سَوَاء عَلَى قَوْلهمْ عَرْشه وَأَرْضه فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذَا , كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاء وَخَلَقَهَا , فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اِسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا , وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا , كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يَرْزُقهُ رِزْقًا , وَلَا شَيْء يُحَرِّمهُ ذَلِكَ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَّمَ هَذَا , وَأَعْطَى هَذَا , وَمَنَعَ هَذَا , قَالُوا : فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء يُمَاسّهُ وَلَا يُبَايِنهُ , وَخَلَقَ الْأَشْيَاء فَمَاسَّ الْعَرْش بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُون سَائِر خَلْقه , فَهُوَ مُمَاسّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقه , وَمُبَايِن مَا شَاءَ مِنْهُ , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَر مِنْ نُور , إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ جُلُوس الرَّبّ عَلَى عَرْشه , لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَل جَمِيع الْعَرْش , وَلَا فِي إِقْعَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرِجه مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ , كَمَا أَنَّ مُبَايَنَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنْ الْأَشْيَاء غَيْر مُوجِبَة لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرَجَته مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُ مَوْصُوف بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِن , كَمَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُوف عَلَى قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنَّهُ مُبَايِن لَهَا , هُوَ مُبَايِن لَهُ . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِن وَمُبَايِن لَا يُوجِب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوج مِنْ صِفَة الْعُبُودَة وَالدُّخُول فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّة , فَكَذَلِكَ لَا يُوجِب لَهُ ذَلِكَ قُعُوده عَلَى عَرْش الرَّحْمَن , فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْر مُحَال فِي قَوْل أَحَد مِمَّنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقْعِد مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّا لَا نُنْكِر إِقْعَاد اللَّه مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , وَإِنَّمَا نُنْكِر إِقْعَاده . 17076 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن عَبْد الْعَظِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ سَيْف السَّدُوسِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كُرْسِيّ الرَّبّ بَيْن يَدَيْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَإِنَّمَا يُنْكِر إِقْعَاده إِيَّاهُ مَعَهُ . قِيلَ : أَفَجَائِز عِنْدك أَنْ يُقْعِدهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ . فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ , أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدهُ , وَاَللَّه لِلْعَرْشِ مُبَايِن , أَوْ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن , وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْض مَا كَانَ يُنْكِرهُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْل جَمِيع الْفِرَق الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلهمْ , وَذَلِكَ فِرَاق لِقَوْلِ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام , إِذْ كَانَ لَا قَوْل فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي حَكَيْنَاهَا , وَغَيْر مُحَال فِي قَوْل مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ . )
( تفسير الرازى ( فخر الدين الرازى ) 543 ـ 606 هجرية
البحث الثاني: في تفسير المقام المحمود أقوال:
الأول: أنه الشفاعة قال الواحدي أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي وأقول اللفظ مشعر به وذلك لأن الإنسان إنما يصير محموداً إذا حمده حامد والحمد إنما يكون على الانعام فهذا المقام المحمود يجب أن يكون مقاماً أنعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه على قوم فحمدوه على ذلك الإنعام وذلك الإنعام لا يجوز أن يكون هو تبليغ الدين وتعليم الشرع لأن ذلك كان حاصلاً في الحال وقوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} تطميع وتطميع الإنسان في الشيء الذي وعده في الحال محال فوجب أن يكون ذلك الانعام الذي لأجله يصير محموداً إنعاماً سيصل منه حصل له بعد ذلك إلى الناس وما ذاك إلا شفاعته عند الله فدل هذا على أن لفظ الآية وهو قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} يدل على هذا المعنى وأيضاً التنكير في قوله مقاماً محموداً يدل على أنه يحصل للنبي عليه السلام في ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل ومن المعلم أن حمد الإنسان على سعيه في التخليص عن العقاب أعظم من حمده في السعي في زيادة من الثواب لا حاجة به إليها لأن احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة به إلى تحصيلها وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} هو الشفاعة في إسقاط العقاب على ما هو مذهب أهل السنة ولما ثبت أن لفظ الآية مشعر بهذا المعنى إشعاراً قوياً ثم وردت الأخبار الصحيحة في تقرير هذا المعنى وجب حل اللفظ عليه ومما يؤكد هذا الوجه الدعاء المشهور وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون واتفق الناس على أن المراد منه الشفاعة.
والقول الثاني: قال حذيفة، يجمع الناس في صعيد فلا تتكلم نفس فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «لبيك وسعديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجاً منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت» فهذا هو المراد من قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} وأقول القول الأول أولى لأن سعيه في الشفاعة يفيده إقدام الناس على حمده فيصير محموداً وأما ذكر هذا الدعاء فلا يفيد إلا الثواب أما الحمد فلا فإن قالوا لم لا يجوز أن يقال إنه تعالى يحمده على هذا القول قلنا لأن الحمد في اللغة مختص بالثناء المذكور في مقابلة الأنعام فقط فإن ورد لفظ الحمد في غير هذا المعنى فعلى سبيل المجاز.
القول الثالث: المراد مقام تحمد عاقبته وهذا أيضاً ضعيف للوجه الذي ذكرناه في القول الثاني.
القول الرابع: قال الواحدي روى عن ابن مسعود أنه قال: يقعد الله محمداً على العرش وعن مجاهد أنه قال يجلسه معه على العرش، ثم قال الواحدي وهذا قول رذل موحش فظيع ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير ويدل عليه وجوه:
الأول: أن البعث ضد الإجلاس يقال بعثت النازل والقاعد فانبعث ويقال بعث الله الميت أي أقامه من قبره فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضد بالضد وهو فاسد.
والثاني: أنه تعالى قال مقاماً محموداً ولم يقل مقعداً والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
والثالث: لو كان تعالى جالساً على العرش بحيث يجلس عنده محمد عليه الصلاة والسلام لكان محدوداً متناهياً ومن كان كذلك فهو محدث.
والرابع: يقال إن جلوسه مع الله على العرش ليس فيه كثير إعزاز لأن هؤلاء الجهال والحمقى يقولون في كل أهل الجنة إنهم يزورون الله تعالى وإنهم يجلسون معه وإنه تعالى يسألهم عن أحوالهم التي كانوا فيها في الدنيا وإذا كانت هذه الحالة حاصلة عندهم لكل المؤمنين لم يكن لتخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بها مزيد شرف ورتبة.
والخامس: أنه إذا قيل السلطان بعث فلاناً فهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه فثبت أن هذا القول كلام رذل ساقط لا يميل إليه إلا إنسان قليل العقل عديم الدين، والله أعلم . )
( تفسير القرطبى ( توفى عام 671 هجرية )
قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال: الأول- وهو أصحها- الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان. وفى صحيح البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. وفى صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوتى فأقول أنا لها»وذكر الحديث.
وروى الترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه في قوله: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} سئل عنها قال: «هي الشفاعة» قال: هذا حديث حسن صحيح.
إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام، حتى ينتهى الامر إلى نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم، وهو الخاصة به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأجل ذلك قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر». قال النقاش: لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السب إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر. ابن عطية: والمشهور أنهما شفاعتان فقط: العامة، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار. وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقال القاضي أبو الفضل عياض: شفاعات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة خمس شفاعات: العامة. والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب.
الثالثة في قوم من موحدى أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة. وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة: الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة، وهى الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح.
الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين.
الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول. قال القاضي عياض: وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال: إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنها لا تكون إلا للمذنبين، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات. ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة، لأنها لأصحاب الذنوب أيضا، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة».
القول الثاني- أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قلت: وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع. روى الترمذي عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى آدم فمن سواه إلا تحت لوائي» الحديث. القول الثالث- ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه على كرسيه، وروت في ذلك حديثا. وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفية بعد. ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وذكر النقاش عن أبى داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا، من أنكر جوازه على تأويله. قال أبو عمر ومجاهد: وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} قال: تنتظر الثواب، ليس من النظر. قلت. ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التنزيل.
وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل، لان الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش قائما بذاته، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا، أو كان العرش له مكانا. قيل: هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الأرض، لان استواء الله تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف. وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه. وأما قوله في الاخبار: «معه» فهو بمنزلة قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، و{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ونحو ذلك. كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.
الرابع- إخراجه من النار بشفاعته من يخرج، قاله جابر بن عبد الله. ذكره مسلم. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة والله الموفق.
السادسة: اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين: أحدهما: أن البارئ تعالى يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفه بوجه الحكمة فيه، أو بمعرفة وجه الحكمة.
الثاني: أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس، فأعطى الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود. ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم، فأجلهم فيه درجة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد. و{عَسى} من الله عز وجل واجبة. و{مَقاماً} نصب على الظرف. أي في مقام أو إلى مقام. وذكر الطبري عن أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لامتي». فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك. )
( تفسير ابن كثير ( 700 : 774 )
وَقَوْله " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " أَيْ اِفْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُك بِهِ لِنُقِيمَك يَوْم الْقِيَامَة مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدك فِيهِ الْخَلَائِق كُلّهمْ وَخَالِقهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . قَالَ اِبْن جَرِير : قَالَ أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل ذَلِكَ هُوَ الْمَقَام الَّذِي يَقُومهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبّهمْ مِنْ عِظَم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ الْيَوْم ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ صِلَة بْن زُفَر عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد يُسْمِعهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا قِيَامًا لَا تُكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ يُنَادَى يَا مُحَمَّد فَيَقُول " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت وَعَبْدك بَيْن يَدَيْك وَمِنْك وَإِلَيْك لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأ مِنْك إِلَّا إِلَيْك تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت سُبْحَانك رَبّ الْبَيْت " فَهَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَار عَنْ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر وَالثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِهِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس هَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود مَقَام الشَّفَاعَة وَكَذَا قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد وَقَالَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَالَ قَتَادَة هُوَ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل شَافِع وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفَات يَوْم الْقِيَامَة لَا يُشْرِكهُ فِيهَا أَحَد وَتَشْرِيفَات لَا يُسَاوِيه فِيهَا أَحَد فَهُوَ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض وَيُبْعَث رَاكِبًا إِلَى الْمَحْشَر وَلَهُ اللِّوَاء الَّذِي آدَم فَمَنْ دُونه لِوَائِهِ وَلَهُ الْحَوْض الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَوْقِف أَكْثَر وَارِدًا مِنْهُ وَلَهُ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى عِنْد اللَّه لِيَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْن الْخَلَائِق وَذَلِكَ بَعْدَمَا تَسْأَل النَّاس آدَم ثُمَّ نُوحًا ثُمَّ إِبْرَاهِيم ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ عِيسَى فَكُلّ يَقُول لَسْت لَهَا حَتَّى يَأْتُوا إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول " أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا " كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي هَذَا الْمَوْضِع إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَشْفَع فِي أَقْوَام قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّار فَيُرَدُّونَ عَنْهَا وَهُوَ أَوَّل الْأَنْبِيَاء يَقْضِي بَيْن أُمَّته وَأَوَّلهمْ إِجَازَة عَلَى الصِّرَاط بِأُمَّتِهِ وَهُوَ أَوَّل شَفِيع فِي الْجَنَّة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم. وَفِي حَدِيث الصُّور أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ وَهُوَ أَوَّل دَاخِلٍ إِلَيْهَا وَأُمَّته قَبْلَ الْأُمَم كُلّهمْ وَيَشْفَع فِي رَفْع دَرَجَات أَقْوَام لَا تَبْلُغهَا أَعْمَالهمْ وَهُوَ صَاحِب الْوَسِيلَة الَّتِي هِيَ أَعْلَى مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة لَا تَلِيق إِلَّا لَهُ وَإِذَا أَذِنَ اللَّه تَعَالَى فِي الشَّفَاعَة لِلْعُصَاةِ شَفَعَ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَشْفَع هُوَ فِي خَلَائِق لَا يَعْلَم عِدَّتهمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَلَا يَشْفَع أَحَد مِثْله وَلَا يُسَاوِيه فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي آخِر كِتَاب السِّيرَة فِي بَاب الْخَصَائِص وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَلْنَذْكُرْ الْآن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْمَقَام الْمَحْمُود وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَان . قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ آدَم بْن عَلِيّ سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ النَّاس يَصِيرُونَ يَوْم الْقِيَامَة جُثًا كُلّ أُمَّة تَتْبَع نَبِيّهَا يَقُولُونَ يَا فُلَان اِشْفَعْ يَا فُلَان اِشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ يَوْم يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا. وَرَوَاهُ حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن اللَّيْث ثَنَا اللَّيْث عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغ الْعَرَق نِصْف الْأُذُن فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِسْتَغَاثُوا بِآدَم فَيَقُول لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ ثُمَّ بِمُوسَى فَيَقُول كَذَلِكَ ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَع بَيْن الْخَلْق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلْقَةِ بَاب الْجَنَّة فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا " وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي الزَّكَاة عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر وَعَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَالِح كِلَاهُمَا عَنْ اللَّيْث بْن سَعْد بِهِ . وَزَادَ فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدهُ أَهْل الْجَمْع كُلّهمْ . قَالَ الْبُخَارِيّ : وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَيَّاش حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ حِين يَسْمَع النِّدَاء : اللَّهُمَّ رَبّ هَذِهِ الدَّعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة وَالْفَضِيلَة وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته . حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة " اِنْفَرَدَ بِهِ دُون مُسْلِم . " حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر الْأَزْدِيّ حَدَّثَنَا زُهَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل عَنْ الطُّفَيْل بْن أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كُنْت إِمَام الْأَنْبِيَاء وَخَطِيبهمْ وَصَاحِب شَفَاعَتهمْ غَيْر فَخْر " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي عَامِر عَبْد الْمَلِك بْن عَمْرو الْعَقَدِيّ وَقَالَ حَسَن صَحِيح . وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل بِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب فِي قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِره " فَقُلْت اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِأُمَّتِي اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِأُمَّتِي وَأَخَّرْت الثَّالِثَة لِيَوْمٍ يَرْغَب إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْق حَتَّى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام " . " حَدِيث أَنَس بْن مَالِك " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَجْتَمِع الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَيُلْهَمُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اِسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبّنَا فَأَرَاحَنَا مِنْ مَكَاننَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَم فَيَقُولُونَ يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَر خَلَقَك اللَّه بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَته وَعَلَّمَك أَسْمَاء كُلّ شَيْء فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك حَتَّى يُرِيحنَا مِنْ مَكَاننَا هَذَا . فَيَقُول لَهُمْ آدَم لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر ذَنْبه الَّذِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر خَطِيئَة سُؤَاله رَبّه مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْم فَيَسْتَحْيِي رَبَّه مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن فَيَأْتُونَهُ فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَلَكِنْ اِئْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّه وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاة فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر لَهُمْ النَّفْس الَّتِي قَتَلَ بِغَيْرِ نَفْس فَيَسْتَحْيِي رَبّه مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَكَلِمَته وَرُوحه . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَلَكِنْ اِئْتُوا مُحَمَّدًا غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي قَالَ الْحَسَن هَذَا الْحَرْف فَأَقُوم فَأَمْشِي بَيْن سِمَاطَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ - قَالَ أَنَس - حَتَّى أَسْتَأْذِن عَلَى رَبِّي فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت لَهُ - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي - قَالَ - ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَاشْفَعْ تُشَفَّع وَسَلْ تُعْطَهُ فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قَالَ ثُمَّ أَعُود إِلَيْهِ الثَّانِيَة فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت لَهُ - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قَالَ ثُمَّ أَعُود الثَّالِثَة فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة ثُمَّ أَعُود الرَّابِعَة فَأَقُول يَا رَبّ مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآن " فَحَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَيَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن شَعِيرَة ثُمَّ يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن بُرَّة ثُمَّ يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن ذَرَّة " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيث سَعِيد بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ عَفَّان بْن حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس بِطُولِهِ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يُونُس بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا حَرْب بْن مَيْمُون أَبُو الْخَطَّاب الْأَنْصَارِيّ عَنْ النَّضْر بْن أَنَس عَنْ أَنَس قَالَ حَدَّثَنِي نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنِّي لَقَائِم أَنْتَظِر أُمَّتِي تَعْبُر الصِّرَاط إِذْ جَاءَنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ هَذِهِ الْأَنْبِيَاء قَدْ جَاءَتْك يَا مُحَمَّد يَسْأَلُونَ - أَوْ قَالَ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْك - وَيَدْعُونَ اللَّه أَنْ يُفَرِّق بَيْن جَمِيع الْأُمَم إِلَى حَيْثُ يَشَاء اللَّه لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ فَالْخَلْق مُلْجَمُونَ بِالْعَرَقِ فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزَّكْمَة وَأَمَّا الْكَافِر فَيَغْشَاهُ الْمَوْت فَقَالَ : اِنْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِع إِلَيْك فَذَهَبَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْت الْعَرْش فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَك مُصْطَفًى وَلَا نَبِيّ مُرْسَل فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جِبْرِيل أَنْ اِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد وَقُلْ لَهُ اِرْفَعْ رَأْسك سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَشُفِّعْت فِي أُمَّتِي أَنْ أُخْرِج مِنْ كُلّ تِسْعَة وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا وَاحِدًا فَمَا زِلْت أَتَرَدَّد إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَلَا أَقُوم مِنْهُ مَقَامًا إِلَّا شُفِّعْت حَتَّى أَعْطَانِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَ يَا مُحَمَّد أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتك مِنْ خَلْق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَوْمًا وَاحِدًا مُخْلِصًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ "" حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل : حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَامِر أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْرَائِيل عَنْ الْحَارِث بْن حَصِيرَة عَنْ اِبْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَة فَإِذَا رَجُل يَتَكَلَّم فَقَالَ بُرَيْدَة : يَا مُعَاوِيَة تَأْذَن لِي فِي الْكَلَام ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَيَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْآخَر فَقَالَ بُرَيْدَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَشْفَع يَوْم الْقِيَامَة عَدَد مَا عَلَى الْأَرْض مِنْ شَجَرَة وَمَدَرَة " قَالَ فَتَرْجُوهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَة وَلَا يَرْجُوهَا عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . " حَدِيث اِبْن مَسْعُود " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَارِم بْن الْفَضْل حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الْفَضْل حَدَّثَنَا سَعِيد بْن زَيْد حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَكَم الْبُنَانِيّ عَنْ عُثْمَان عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة وَالْأَسْوَد عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : جَاءَ اِبْنَا مُلَيْكَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا : إِنَّ أُمّنَا تُكْرِم الزَّوْج وَتَعْطِف عَلَى الْوَلَد قَالَ وَذَكَرَ الضَّيْف غَيْر أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ " أُمّكُمَا فِي النَّار " قَالَ فَأَدْبَرَا وَالسُّوء يُرَى فِي وَجْهَيْهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُدَّا فَرَجَعَا وَالسُّرُور يُرَى فِي وَجْهَيْهِمَا رَجَاء أَنْ يَكُون قَدْ حَدَثَ شَيْء فَقَالَ " أُمِّي مَعَ أُمّكُمَا " فَقَالَ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَمَا يُغْنِي هَذَا عَنْ أُمّه شَيْئًا وَنَحْنُ نَطَأ عَقِبَيْهِ . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَلَمْ أَرَ رَجُلًا قَطُّ أَكْثَر سُؤَالًا مِنْهُ يَا رَسُول اللَّه هَلْ وَعَدَك رَبّك فِيهَا أَوْ فِيهِمَا . قَالَ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ شَيْء قَدْ سَمِعَهُ فَقَالَ " مَا شَاءَ اللَّه رَبِّي وَمَا أَطْعَمَنِي فِيهِ وَإِنِّي لَأَقُوم الْمَقَام الْمَحْمُود يَوْم الْقِيَامَة " فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ يَا رَسُول اللَّه وَمَا ذَاكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ؟ قَالَ :" ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول اُكْسُوَا خَلِيلِي فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ فَيَلْبَسهُمَا ثُمَّ يُقْعِدهُ مُسْتَقْبِل الْعَرْش ثُمَّ أُوتِيَ بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسهَا فَأَقُوم عَنْ يَمِينه مَقَامًا لَا يَقُومهُ أَحَد فَيَغْبِطنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ " قَالَ : وَيُفْتَح لَهُمْ مِنْ الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض فَقَالَ الْمُنَافِق إِنَّهُ مَا جَرَى مَاء قَطُّ إِلَّا عَلَى حَال أَوْ رَضْرَاض فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَاله الْمِسْك وَرَضْرَاضه اللُّؤْلُؤ " فَقَالَ الْمُنَافِق لَمْ أَسْمَع كَالْيَوْمِ فَإِنَّهُ قَلَّمَا جَرَى مَاء عَلَى حَال أَوْ رَضْرَاض إِلَّا كَانَ لَهُ نَبْت ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : يَا رَسُول اللَّه هَلْ لَهُ نَبْت ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ قُضْبَان الذَّهَب " قَالَ الْمُنَافِق لَمْ أَسْمَع كَالْيَوْمِ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْبُت قَضِيب إِلَّا أَوْرَقَ وَإِلَّا كَانَ لَهُ ثَمَر قَالَ الْأَنْصَارِيّ يَا رَسُول اللَّه هَلْ لَهُ ثَمَرَة ؟ قَالَ : " نَعَمْ أَلْوَان الْجَوْهَر وَمَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَة لَا يَظْمَأ بَعْده وَمَنْ حُرِمَهُ لَمْ يُرْوَ بَعْده " وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاء عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : ثُمَّ يَأْذَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَة فَيَقُوم رُوح الْقُدُس جِبْرِيل ثُمَّ يَقُوم إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه ثُمَّ يَقُوم عِيسَى أَوْ مُوسَى قَالَ أَبُو الزَّعْرَاء لَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ , ثُمَّ يَقُوم نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا فَيَشْفَع لَا يَشْفَع أَحَد بَعْده أَكْثَر مِمَّا شَفَعَ وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " . " حَدِيث كَعْب بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن عَبْد رَبّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ كَعْب بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ وَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّة خَضْرَاء ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود "" حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَسَن حَدَّثَنَا اِبْن لَهِيعَة حَدَّثَنَا يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوَّل مَنْ يُؤْذَن لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَا أَوَّل مَنْ يُؤْذَن لَهُ أَنْ يَرْفَع رَأْسه فَأَنْظُر إِلَى مَا بَيْن يَدَيَّ فَأَعْرِف أُمَّتِي مِنْ بَيْن الْأُمَم وَمِنْ خَلْفِي مِثْل ذَلِكَ وَعَنْ يَمِينِي مِثْل ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِي مِثْل ذَلِكَ " فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه كَيْف تَعْرِف أُمَّتك مِنْ بَيْن الْأُمَم فِيمَا بَيْن نُوح إِلَى أُمَّتك ؟ قَالَ " هُمْ غُرّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَر الْوُضُوء لَيْسَ أَحَد كَذَلِكَ غَيْرهمْ وَأَعْرِفهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَأَعْرِفهُمْ تَسْعَى مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ ذُرِّيَّتهمْ " . " حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّان حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاع وَكَانَتْ تُعْجِبهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَة ثُمَّ قَالَ " أَنَا سَيِّد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ ؟ يَجْمَع اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيد وَاحِد يُسْمِعهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر وَتَدْنُو الشَّمْس فَيَبْلُغ النَّاس مِنْ الْغَمّ وَالْكَرْب مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُول بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَع لَكُمْ إِلَى رَبّكُمْ ؟ فَيَقُول بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَم فَيَأْتُونَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ : يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَر خَلَقَك اللَّه بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحه وَأَمَرَ الْمَلَائِكَة فَسَجَدُوا لَك فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول آدَم : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَة فَعَصَيْت نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى نُوح فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ : يَا نُوح أَنْتَ أَوَّل الرُّسُل إِلَى أَهْل الْأَرْض وَقَدْ سَمَّاك اللَّه عَبْدًا شَكُورًا اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول نُوح : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله قَطُّ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَة دَعَوْتهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُولُونَ : يَا إِبْرَاهِيم أَنْتَ نَبِيّ اللَّه وَخَلِيله مِنْ أَهْل الْأَرْض اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله فَذَكَرَ كَذَبَاته نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ : يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُول اللَّه اِصْطَفَاك اللَّه بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاس اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَإِنِّي قَدْ قَتَلْت نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ : يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُول اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ وَكَلَّمْت النَّاس فِي الْمَهْد صَبِيًّا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَلَمْ يَذْكُر ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّد أَنْتَ رَسُول اللَّه وَخَاتَم الْأَنْبِيَاء وَقَدْ غَفَرَ اللَّه لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَأَقُوم فَآتِي تَحْت الْعَرْش فَأَقَع سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَح اللَّه عَلَيَّ وَيُلْهِمنِي مِنْ مَحَامِده وَحُسْن الثَّنَاء عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْتَح عَلَى أَحَد قَبْلِي فَيُقَال : يَا مُحَمَّد اِرْفَعْ رَأْسك وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع . فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَقُول أُمَّتِي يَا رَبّ أُمَّتِي يَا رَبّ أُمَّتِي يَا رَبّ ؟ فَيُقَال : يَا مُحَمَّد أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتك مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ مِنْ الْبَاب الْأَيْمَن مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة وَهُمْ شُرَكَاء النَّاس فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَاب ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْن الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيع الْجَنَّة كَمَا بَيْن مَكَّة وَهَجَر أَوْ كَمَا بَيْن مَكَّة وَبُصْرَى " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن مُوسَى حَدَّثَنَا هِقْل بْن زِيَاد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّار حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن فَرُّوخ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع " وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ دَاوُد بْن يَزِيد الزَّعَافِرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة " رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ وَكِيع عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ دَاوُد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " قَالَ : " هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع لِأُمَّتِي فِيهِ " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم حَتَّى لَا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكُون أَوَّل مَنْ يُدْعَى وَجِبْرِيل عَنْ يَمِين الرَّحْمَن تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاَللَّه مَا رَآهُ قَبْلهَا فَأَقُول أَيْ رَبّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّك أَرْسَلْته إِلَيَّ فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ ثُمَّ أَشْفَع فَأَقُول يَا رَبّ عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الْأَرْض قَالَ فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود" وَهَذَا حَدِيث مُرْسَل . )
( السيوطى مولود عام 1445 وتوفى عام 1505 ميلادية
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع لنا. حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المقام المحمود، الشفاعة».
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: مقام الشفاعة.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال: «هو الشفاعة».
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تَلٍّ، ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن حسين قال: أخبرني رجل من أهل العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تمد الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجداً، ثم يؤذن لي فأقول: يا رب، أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه جبريل قط قبلها أنك أرسلته إلي. وجبريل عليه السلام ساكت لا يتكلم حتى يقول الرب: صدقت... ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: أي رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض. فذلك المقام المحمود».
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق، عن حذيفة رضي الله عنه قال: يجمع الناس في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياماً، لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي: يا محمد، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشرّ لَيْسَ إليك، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. فهذا المقام المحمود.
وأخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لَسْتُ بصاحب ذلك، ثم موسى عليه السلام فيقول: كذلك، ثم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع، فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة»فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم المقام المحمود. قيل: وما المقام المحمود؟ قال: ذلك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام، فيقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش. ثم أوتَى بكسوة فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض».
وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك؟ قال: «يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلاً، كهيئتكم يوم ولدتم... هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم، وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة، فأكون أول مدعى وأول معطى، ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة، ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي. ثم أقوم عن يمين العرش... فما من الخلائق قائم غيري، فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: «يجلسه على السرير».
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ- آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي، وأنا أوّل من تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر... فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك. فيقول: إني أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى الأرض، ولكن ائتوا نوحاً. فيأتون نوحاً فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقول: ائتوا موسى. فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول: إني قتلت نفساً، ولكن ائتوا عيسى. فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: إني عُبِدْتُ من دون الله، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم. فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد. فيفتحون لي ويقولون: مرحباً. فأخرّ ساجداً فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد، فيقال: ارفع رأسك... سل تُعْطَ، واشفع تُشَفّعْ، وقل يسمع لقولك. فهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}».
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يخرج الله قوماً من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك المقام المحمود.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه ذكر حديث الجهنّميّين فقيل له: ما هذا الذي تحدث والله تعالى يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [ آل عمران: 192] {وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [ السجدة: 20] فقال: هل تقرأ القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل سمعت فيه بالمقام المحمود؟ قال: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يأذن الله تعالى في الشفاعة، فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام، ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام، ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم واقفاً ليشفع، لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع، وهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله فاسألوه أن يبعثني المقام المحمود الذي وعدني».
وأخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حَلّتْ له شفاعتي يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال: يقال له: سل تعطه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- واشفع تشفع، وادع تجب. فيرفع رأسه فيقول: أمتي. مرتين أو ثلاثاً، فقال سلمان رضي الله عنه: يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان أو مثقال شعيرة من إيمان أو مثقال حبة خردل من إيمان. قال سلمان رضي الله عنه: فذلكم المقام المحمود.
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قيل: يا رسول الله، ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل الله تعالى عن عرشه، فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام، ويشفع لأمته. فذلك المقام المحمود.
وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسني معه على السرير».
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خيِّر بين أن يكون عبداً نبياً أو ملكاً نبياً، فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع، فاختار أن يكون عبداً نبياً. فأعطى به النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين: أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع. فكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسه معه على عرشه.)
( الشوكانى 1173 1255 1759 1834
{عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} قد ذكرنا في مواضع أن {عسى} من الكريم إطماع واجب الوقوع، وانتصاب {مقاماً} على الظرفية بإضمار فعل، أو بتضمين البعث معنى الإقامة، ويجوز أن يكون انتصابه على الحال أي: يبعثك ذا مقام محمود؛ ومعنى كون المقام محموداً: أنه يحمده كل من علم به.
وقد اختلف في تعيين هذا المقام على أقوال: الأول أنه المقام الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه، وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة في تفسير الآية، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل، قال الواحدي: وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة. القول الثاني: أن المقام المحمود إعطاء النبيّ لواء الحمد يوم القيامة. ويمكن أن يقال: إن هذا لا ينافي القول الأوّل، إذ لا منافاة بين كونه قائماً مقام الشفاعة وبيده لواء الحمد. القول الثالث: أن المقام المحمود: هو أن الله سبحانه يجلس محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه، حكاه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد، وقد ورد في ذلك حديث.
وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا الحديث. قال ابن عبد البرّ: مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا، والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 23]. قال: معناه تنتظر الثواب، وليس من النظر. انتهى. وعلى كل حال فهذا القول غير منافٍ للقول الأوّل لإمكان أن يقعده الله سبحانه هذا المقعد ويشفع تلك الشفاعة. القول الرابع: أنه مطلق في كل مقام يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ذكره صاحب الكشاف والمقتدون به في التفسير، ويجاب عنه بأن الأحاديث الصحيحة الواردة في تعيين هذا المقام المحمود متواترة، فالمصير إليها متعين، وليس في الآية عموم في اللفظ حتى يقال: الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومعنى قوله: «وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد» أنه عام في كل ما هو كذلك، ولكنه يعبر عن العام بلفظ المطلق، كما ذكره في ذبح البقرة، ولهذا قال هنا. وقيل: المراد: الشفاعة، وهي نوع واحد مما يتناوله، يعني: لفظ المقام، والفرق بين العموم البدليّ والعموم الشموليّ معروف، فلا نطيل بذكره. {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ}. قرأ الجمهور {مدخل صدق ومخرج صدق} بضم الميمين. وقرأ الحسن، وأبو العالية، ونصر بن عاصم بفتحهما، وهما مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي: إدخالاً يستأهل أن يسمى إدخالاً، ولا يرى فيه ما يكره.)
( تفسير الشعراوى ( 1911 : 1998 )
ثم يقول تعالى: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: 79].
تحدثتْ الآية في أولها عن التكليف، وهذا هو الجزاء، و{عسى} تدل على رجاء حدوث الفعل، وفَرْق بين التمني والرجاء، التمني: أن تعلن أنك تحب شيئاً لكنه غير ممكن الحدوث أو مستحيل، ومن ذلك قول الشاعر:
لَيْتَ الكَواكِبَ تَدْنُو ليِ فَأنْظِمُهَا ***
فالشاعر يتمنى لو أصبحت الكواكب بين يديه فينظمها قصائد مدح فيمن يمدحه، وهذا أمر مستحيل الحدوث.
وقوله:
أَلاَ لَيْتَ الشَّباب يعُودُ يَوْماً *** فَأُخبرُه بِمَا فَعَلَ المشيِبُ
أما الرجاء فهو طلب فعل ممكن الحدوث.
ويقع تحت الطلب أشياء متعددة؛ فإنْ طلب المتكلم من المخاطب شيئاً غير ممكن الحدوث فهو تمنٍّ، وإن طلب شيئاً ممكن الحدوث فهو ترجٍّ، وإنْ طلب صورة الشيء لا حقيقته فهو استفهام كما تقول: أين زيد؟ وفَرْقٌ بين طلب الحقيقة وطلب الصورة.
فإنْ طلبتَ حقيقة الشيء، فأمامك حالتان: إما أنْ تطلب الحقيقة على أنها تُفعل فهذا أمر، مثل: قُمْ: فإنْ طلبتها على أنها لا تفعل فهذا نهي: لا تَقُمْ.
إذن: {عسى} تدل على الرجاء، وهو يختلف باختلاف المرجو منه، فإنْ رجوت من فلان فقد يعطيك أو يخذلك، فإنْ قُلْتَ: عسى أنْ أعطيك فقد قربت الرجاء؛ لأنني أرجو من نفسي، لكن الإنسان بطبعه صاحب أغيار، ويمكن أن تطرأ عليه ظروف فلا يَفِي بما وعد.
فإنْ قُلْت: عسى الله أن يعطيك، فهو أقوى الرجاء؛ لأنك رجوتَ مَنْ لا يُعجِزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولا تتناوله الأغيار إذن: فالرجاء فيه مُحقَّق لاَ شَكَّ فيه.
والمقام المحمود، كلمة محمود: أي الذي يقع عليه الحمد، والحمد هنا مشاع فلم يَقُلْ: محمود مِمَّنْ؟ فهو محمود مِمَّنْ يمكن أن يتأتّى منه الحمد، محمود من الكل من لَدُنْ آدم، وحتى قيام الساعة.
والمراد بالمقام المحمود: هو مقام الشفاعة، حينما يقف الخَلْق في ساحة الحساب وهَوْل الموقف وشِدّته، حتى ليتمنى الناس الانصراف ولو أن النار، ساعتها تستشفع كُلُّ أمة بنبيها، فيردّها إلى أنْ يذهبوا إلى خاتم المرسلين وسيد الأنبياء، فيقول: أنا لها، أنا لها.
لذلك أمرنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء: (وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته) ولا شَكَّ أنه دعاء لصالحنا نحن.).
 

اجمالي القراءات 29416