الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة
إرادة الدنيا سببب كفر المحمديين باليوم الآخر : ب2 ف 4

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٧ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة
الفصل الرابع : إرادة الدنيا سببب كفر المحمديين باليوم الآخر

مقدمة : بالديمقراطية العلمانية وثقافة حقوق الانسان إستطاع الغرب تخفيف المعاناة فى الدنيا فكسب الدنيا وتمتع أبناء الغرب بالدنيا . أما المحمديون فهم فى قهر أديانهم الأرضية يعيشون فى ظل الاستبداد والفساد وشقاء الأقلية المترفة بما تكدّس لديها من اموال وصراعها الدامى فيما بينها ، وشقاء الأغلبية فى فقرها وجوعها وكونها مجال التحكم للمترفين وضحايا الحروب المذهبية ووقود نيرانها . أى أن المحمديين فقدوا الدنيا مقارنة بالغرب ، وفقدوا أيضا مثله الآخرة . وهذا الخسران العظيم لآنهم أرادوا الدنيا وكفروا بالآخرة فما أغنت عنهم دنياهم ولا أفلحوا فى آخرتهم . هذا مع أن الهدى القرآنى يوضح لهم الطريق ، ولكنهم بأديانهم الأرضية أتّخذوا القرآن مهجورا .

أولا : موقع الحياة الدنيا فى عقيدة المؤمن باليوم الآخر
1 ـ ليس مطلوبا ممّن يؤمن باليوم الآخر الزهد فى الدنيا والاعراض عن المُتع الحلال فيها . فالمتاع الحسن نعمة من رب العزة ، وهذا المتاع نزل به الأمر من رب العزة مع هبوط آدم وحواء للأرض:( وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )(البقرة 36 )( قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )( الأعراف 24 ). هو ( متاع الى حين ) أى طيلة مدة حياة الفرد فى هذه الأرض، أى الى أن يحين أجله بالموت للفرد وبتدمير هذا العالم فى (الأجل المسمى ):( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى )(هود 3 ).
2 ـ ولكن المؤمن منهىُّ عن شيئين بالنسبة لهذا المتاع الحسن: ألا يحرّم هذا المتاع الحسن ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )( الاعراف 32 ). وألّا يغترّ به لأنه مؤقت ولأنه متاع نهايته الموت الذى لا مفرّ منه وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور:( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران 185). فالعبرة بالآخرة،والفائز الحقيقى هو من يتزحزح عن النار ويدخل الجنة .
3 ـ المؤمن بالآخرة لا ينسى نصيبه فى الدنيا ، وفى نفس الوقت يسعى فى طلب الفوز فى الآخرة :( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ( القصص 77 ). وأولئك المُغترُّون بالدنيا قد راهنوا على متاع زائل فرحوا به ونسوا الآخرة:( وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ) ( الرعد 26 ). متاع الدنيا قليل ومع ذلك يغتر به المغرورن بالدنيا ، أو بالتعبير القرآنى يفرحون بها :( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) ( الرعد 26 ). فالفارق هائل بين متاع الدنيا الزائل وما سيأتى فى الآخرة بعذابها الخالد الذى ينتظرهم ( وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) ( القصص 60 : 61 ). لذا فإن المؤمن باليوم الآخر لا يغترّ بمواكب الظالمين وجاههم وتقلبهم فى البلاد ، فهو متاع قليل وزائل ، ومصيرهم للجحيم مقابل جنات مُعدّة للمتقين :( لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)( آل عمران 196 : 198)
ثانيا : مقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الاخرة
1 ـ تكرر هذا فى القرآن الكريم إصلاحا للناس وتذكيرا لهم بالآخرة ، لأن الايمان بالآخرة والعمل من أجل الفلاح فيها هو الذى يُصلح الدنيا ويُصلح الانسان فيها ، بل و يُصلح نفسيته ، ويُقلّل من العداء والمشاكل والأزمات والحروب بين الأفراد والجماعات والدول . الايمان بأن هناك حياة وحيدة للإنسان فى هذه الأرض فى هذه الحياة الدنيا ولا حياة بعدها ولا مُساءلة بعدها يجعل البشر يتكالبون ويتصارعون ويتقاتلون على حُطام الدنيا ، ولأنه لا مُساءلة فى الآخرة ولا وجود لها فى عقيدتهم فإنه لا رادع لأى تطرف فى العدوان ، فيتسع المجال للصراع كمّا وكيفا ، ويستحل القوى أن ينهش الضعيف ، ويفقد الضعيف الأمل . أى تتحول الدنيا الى غابة تتفوق على الغابة الحيوانية . الايمان بالآخرة يخفّف من هذه النار المُستعرة . فلو آمن الناس بها فإن متاع الدنيا الزائل يصبح أقل أهمية ، كما إن الايمان بيوم الحساب يُلطّف من حدة الصراع ، ويؤمن الناس بأن لا شىء فى هذه الدنيا يستحق أن نفقد حياتنا من أجله ، ولا يستحق أن نعانى الخلود فى الجحيم فى سبيله . كما أن المطحون والمهزوم والمقهور فى هذه الدنيا يجد العزاء والسلوى والأمل فى الآخرة ، فيستريح بالا ، ويعمل على ألّا يخسر الآخرة كما يخسر الدنيا بأن يعمل صالحا ويصبر ويتسامح ويغفر أملا فى نعيم خالد فى الجنة ، وقد ضمن رب العزة جل وعلا لكل ذكر او انثى حياة طيبة لكل مؤمن يعمل عملا صالحا : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ( النحل ). وفى النهاية فإن كل نعيم الدنيا لا يساوى لحظة فى نعيم الجنة ـ وكل عذابات البشر فى الدنيا ليست بشىء مقارنة بلحظة عذاب فى الجحيم . هذا ما يعلمه المؤمن بالآخرة ، لذا يكون وجوده فى حدّ ذاته عامل إصلاح فى قومه ومجتمعه ، يتعلمون منه قيم التسامح والعفو والكرم والإيثار وعمل الخير إبتغاء مرضاة رب العزّة جل وعلا . ولهذا يتنوع الخطاب القرآنى فى المقارنة بين نعيم الدنيا والاخرة .
2 ـ قد يأتى بإيجاز وإعجاز كقوله جل وعلا:( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ )( لقمان 24 ) ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )( الانعام 32 ) ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( العنكبوت 64 ).
3 ـ وقد يأتى بضرب الأمثال بما يحدث للنبات كقوله جل وعلا : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) ، ثم تأتى العظة بأن المال والبنون مجرد زينة فى هذه الحيالة الدنيا ، وهى زينة زائلة ، أما الأصل الباقى والدائم فهو العمل الصالح الذى يصلح به صاحبه لنعيم الجنة: ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ) ( الكهف 45 : 46 ).
4 ـ وكقوله جل وعلا : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ). وطالما أن هذه الدنيا هى متاع الغرور ويليها عذاب أو مغفرة ورضوان فإنّ الذى ينبغى أن يكون التسابق ليس فى سبيل هذا المتاع الزائل ولكن فى سبيل الجنة بالعمل الصالح والإيمان الخالص : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ). وحتى تستريح نفسية المؤمن ويهدأ باله فإن رب العزة يقول له إن كل ما يصيب الانسان من حتميات من خير أو شرّ قد تم تقريرها سلفا ومكتوبة من قبل ، ولهذا لا ينبغى أن يحزن أو أن يبالغ فى الفرح لما يحدث له من مصائب :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( الحديد 20 : ـ ).
5 ـ وقد تأتى المقارنة بصورة تقريرية بأن الناس قد زُيّن لهم حب الشهوات الدنيوية وأصنافها ولكن الأفضل هو متاع المتقين فى الجنة :( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ( آل عمران 14 : 15 ).
6 ـ وقد تأتى المقارنة بحكاية قصة مثل قصة قارون ، وموقف المنبهرين بموكبه وأمواله : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ) ، ثم خسف الأرض به وتغير موقف المنبهرين بموكبه : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)). ثم تأتى العظة فى أن الفوز بالآخرة هو عاقبة الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص ).
رابعا : إرادة الدنيا وإرادة الآخرة
1 ـ يتوقف الأمر على إرادة الفرد. هل يريد الدنيا أو الآخرة . إن أراد الدنيا فلن يفوز منها إلّا بالرزق المُقدّر له سلفا سواء كان غنيا أو فقيرا ، ثم سيصلى الجحيم يوم القيامة . أما إن أراد الآخرة وسعى لها سعيها بالعمل الصالح وهو مؤمن فسيأخذ رزقه الدنيوى المقدر له سلفا وسيتنعم أيضا بالجنة فى الآخرة :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) ( الاسراء 18 : 21 ) .
2 ـ وقد يعمل مريد الدنيا عملا صالحا يبتغى به رضا الناس والجاه بينهم والمراءاة وحُسن الشُّهرة . وهذا يؤتيه رب العزة نصيبه فى الدنيا ويُجزيه خيرا بخيره فى الدنيا فقط ، أى يتمتع فى الدنيا جزاء عمله الصالح فيها ، ولكن لا نصيب له فى الآخرة ، إذ يحبط عمله الصالح الذى كان فى سبيل الدنيا بفناء الدنيا ، ولا يبقى له سوى عمله السىء الذى يستحقّ به الخلود فى الجحيم : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( هود 15 : 16 )
خامسا أغلب البشر يؤثرون الدنيا على الآخرة
1 ـ ومع ذلك فإنّ أغلب البشر قد تزينت الدنيا أمام عيونهم فأصبح هذا من سمات الكفر: ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) البقرة 212 )، وهم يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الخالدة الباقية : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )( الأعلى 16 : 17 )، يقعون فى هيام الدنيا و( غرامها )، وفى سبيلها يضحُّون بالآخرة : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ )( القيامة 20 : 21 ). يحبون الدنيا العاجلة وينسون يوما ثقيلا هو اليوم الآخر :( إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ) ( الانسان 27 ) . وفى سبيل هذه الدنيا يُعرضون عن الحق القرآنى :( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( النجم 29 : 30 ) . أى يكفرون باليوم الآخر حُبا منهم فى هذه الدنيا . بل يصل بهم الكفر الى الطغيان ، ومصيره الجحيم : ( فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات 37 : 39 )
2 ـ واستحباب الدنيا يصل الى إنكار البعث والصد عن سبيل الله جل وعلا ، وأولئك ينتظرهم عذا شديد لو ماتوا بكفرهم :( وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ )( ابراهيم2 : 3 ).
3 ـ وعبادتهم للدنيا وغرورهم بها يجعلهم يتصورون الاخرة يوما للشفاعات . وهذا ما حذّر منه ربّ العزة فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )( لقمان 33 : 34 ) .
4 ـ ومن صفات الشيطان انه ( الغرور ) وهو نفس صفة الدنيا . والشيطان يقوم بإغراء الانسان وخداعه ليغتر بزخرف الدنيا وينسى الآخرة ويفقد مستقبله فيها بالخلود فى النار . لذا قال جل وعلا يحذّر من غرور الدنيا ومن غرور الشيطان معا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )( فاطر 5 : 6 ).
سادسا : من يريد الدنيا يعانى من عذاب فى الدنيا وعذاب فى الآخرة أيضا
1 ـ فى مقابل متاع قليل فى الدنيا فإن من يريد االدنيا يعانى من عذاب شديد فيها ، ثم إذا مات على كفره عانى من عذاب خالد فى الجحيم ، يقول جل وعلا : ( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ )( آل عمران 56 ). يرتبط عذابه فى الدنيا بصراعه مع منافسيه فى سبيلها . لهذا الصراع آثار جانبية من المعاناة والقلق . هو إن خسر فى الصراع ضاع ، وإن إنتصر فلن يهنأ بانتصاره لأن الصراع مستمر حتى الخسارة أو الموت . وبهذه المعاناة وذلك القلق لا يهدأ له بال ، ولا يعرف الاستمتاع بما لديه من مال وأولاد ، بل يكون ماله وأولاده سبب شقائه . فلا يجد وقتا للتواصل والسعادة مع بيته وأولاده ، وينشأ أولاده غرباء عنه بسبب إتشغاله عنهم ، فلا يجدون مجالا لملء فراغهم العاطفى إلا بإساءة أستخدام الأموال المتوافرة فى أيديهم ، وهو لكى يعوّض إنشغاله عنهم يُغدق عليهم الأموال ، ويعطيهم بجاهه النفوذ والحصانة من العقاب ، فينطلق الأبناء فى الانحلال والفساد والإدمان . وهذا يحدث فى الطبقة المترفة التى هى علامة شؤم فى أى مجتمع تتحكّم فيه ، وتأخذه الى طريق التدمير. 2 ـ ولهذا فلا ينبغى للمؤمن بالآخرة أن ينبهر إعجابا بمواكب المترفين ممّن يسير على سُنّة قارون ، فخلف هذه المواكب معاناة وقلق . ولقد قال جل وعلا لخاتم المرسلين : ( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (التوبة 55 ، 85 ).
2 ـ وعذاب الآخرة ينتظر من يريد الدنيا بلا تخفيف : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ )( البقرة 86 ). وفى هذا العذاب يجأر المترفون الذين غمرتهم الدنيا فانهمكوا فى العصيان وكذبوا بالقرآن : ( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ) ( المؤمنون 63 : 66 ) . لقد كذّبوا بآيات القرآن ونسوا لقاء الله جل وعلا فنسيهم الله من رحمته فهم خالدون فى النار : ( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ )( الجاثية 34 : 35 ) .إتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا وجحدا بآيات الله: ( الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ( الأعراف 51 ). غرتهم الحياة الدنيا وإنخدعوا بها ، ومن أجلها كذبوا بآيات الله وكفروا بلقاء الله ، وهذا ما سيقال لهم وهم فى جهنم : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا ) (الانعام 130 ). ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ) ( الاحقاف 20 ).
3 ـ وأفظع الناس عذابا يوم القيامة هم أئمة الأديان الأرضية الذين يفترون على الله الكذب بأحاديث تراثية ضالة ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا إنحيازا منهم للدنيا وكفرا منهم باليوم الآخر . يقول جل وعلا عنهم : ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )( يونس 69 : 70 )( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( النحل 116 : 117 ). ويقول جل وعلا عنهم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ( البقرة 1ذ74 / 175 )
أخيرا : نعيم الدنيا للمؤمن
1 ـ تخيل ثريا يسكن قصرا فخيما يرتع فى الأضواء ، ويعجّ بالمواكب والولائم والأفراح ، ويعمل فيه بستانى فقير مؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر . تخيب ما يحدث لهما فى هدأة الليل بعد إنفضاض المواكب والموائد . البستانى الفقير ينام هادىء البال سعيدا فليس مطلوبا وليس مُطاردا وليس فى صراع مع أحد ، ولا يخشى أحدا لأن الله جل وعلا ضمن له رزقه ، وهو يسعى فى طلب هذا الرزق بعمله المخلص ، وهو مستعد للموت فى أى لحظة ، وليس لديه ما يخاف عليه ، وهو لم يظلم أحدا ليعيش فى خوف من إنتقامه . أما صاحب القصر المنيف فهو ينام عل الحبوب المنومة ويصحو على الحبوب المهدئة ، لا يحسّ بمتعة الطعام الفاخر لإنشغاله بصراعاته وهمومه وتحالفاته ومكر الصديق وغدر العدو ويخشى تقلبات الأيام و مكر الأعداء والأصدقاء و ( الأعدقاء ). الكل يتنمّر به ويتآمر عليه ، يبتسم له وهو يحقد عليه ، أو هو هكذا يتخيل ويتصوّر . لا يمكن لهذا الثرى بكل ثروته وجاهه أن يعيش حياة راضية مطمئنة سعيدة هانئة ، فهو لا يأمن الخسارة وضياع كل شىء ، وجسده المترف لا يتحمل الفقر والسجن . والذين تغلب عليهم والذين صعد سُلّم الثروة والجاه على أجسادهم لهم أنصار سينتقمون منه ، وحتى لو لم يكن لهم أنصار فهناك من أتباعه من هم على إستعداد لبيعه والتضحية به وخيانته عند أول صفقة ، أو هو يتخيل ذلك . أى يعيش فى كوابيس تطارده . ووساوسه وضحاياه تمنعه النوم ، ويظل يتقلب على هذه الأشواك فى يقظته ومنامه . ويظل يخرج من معركة ليدخل أخرى حتى يفاجأ بغتة بالموت فيصرخ ـ دون جدوى ـ باسم ربه الذى نساه يقول (رب ) ويرجو ملائكة الموت إمهاله فترة قصيرة يعمل فيها عملا صالحا ( أرجعون لعلى أعمل صالحا ) . ولكن ( انتهى الدرس يا غبى ) . يقول جل وعلا : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ( المؤمنون ).
2 ـ صاحبنا البستانى الفقير المؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر يتمتع باللقمة التى يأكلها ، ويتمتع بلقائه الجنسى بزوجته التى تكفيه عن نساء الدنيا ، ويتمتع بالوقت الذى يقضيه مع زوجته وأولاده . يعيش متعة يحمد عليها ربه جل وعلا . هو يعمل صالحا ما إستطاع ، وهو على صلة بربه جل وعلا آناء الليل وأطراف النهار يدعوه خوفا وطمعا فى صلاته ونسكه وعباداته فيزداد قلبه إطمئنانا . صاحبنا هذا ينطبق عليه قوله جل وعلا :( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) ( النحل 30 ) ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( الزمر 10 ) .
ودائما : صدق الله العظيم .

اجمالي القراءات 13514