الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة
غفلة المحمديين عن لقاء الله رب العالمين : ب2 ف 2

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٤ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة
الفصل الثانى : غفلة المحمديين عن لقاء الله رب العالمين

أولا : معنى لقاء الله جل وعلا
1 ـ لقاء الله جل وعلا هو اليوم الأخر حين يقوم الناس فى اليوم العظيم، الذى يقوم فيه الناس لرب العالمين ،وهو قادم حتما مهما أنكره المجرمون:( أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )(المطففين 4 : 6 ). لقاء الله جل وعلا هو يوم الحساب حين يبرز الناس الى رب العالمين ، وعندها يكون المجرمون فى أسوأ حال : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ). ولهذا نزل القرآن الرسالة الالهية الخاتمة فى آخر الزمان ، نزل بلاغا للناس وإنذارا لهم قبيل الساعة: ( هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) ( ابراهيم 48 / 52 ). فهل ( وصلت الرسالة ) الى من يهمّه الأمر ؟. الواقع إنه لا يوجد فى الأغلب من يهمّه الأمر.!!
2 ـ فقد أشار رب العزة الى اللقاء به جل وعلا فى 32 موضعا فى القرآن الكريم . فهل فكّر أحدنا فى هذا اللقاء الحتمى القادم مع ربّه جل وعلا ؟ لو كان لك موعد هام مع مخلوق مثلك ( رئيس فى العمل أو صاحب جاه أو صديق عزيز ) لأعددت لهذا اللقاء عُدته ، من مظهرك وماذا ستقول ، وحرصك على نجاح لقائك معه . فهل أعددت نفسك للقاء ربك ؟ بل هل حتى فكّرت مجرّد تفكير فى هذا اللقاء الآتى حتما ؟. الأغلبية الساحقة من البشر لا تهتم ولا تفكر أصلا فى هذا اللقاء. والمحمديون الذين يزعموم الايمان بالقرآن ضمن هذه الأكثرية اللاهية الغائبة عن الوعى الذين غرّتهم الحياة الدنيا ، ثم إذا أفاقوا منها كان الندم حيث لا ينفع الندم
ثانيا : لقاء الله يوم الدين بين المتقين والكافرين
1 ـ نحن فريقان بالنسبة للقاء الله جل وعلا فى اليوم الآخر : هناك من يرجو هذا اللقاء ويعمل له ويتحسّب له بالعمل الصالح والإيمان الخالص،والأغلبية تنسى هذا اليوم وبعملها السيىء وإيمانها الناقص لا ترجو هذا اللقاء .
2 ـ هناك لقاءان لنا بالله جل وعلا . اللقاء الأول الذى ( فطر ) الله جل وعلا أنفسنا وأخذ على الأنفس البشرية العهد قبل أن تدخل الأنفس فى أجسادها . وفيه أشهدهم على أنفسهم أنه وحده ربهم لا شريك له ، وحذّرهم مقدما من ان يأتوا يوم لقائه يوم القيامة فى اللقاء الثانى وقد نسوا هذا العهد: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ( الأعراف 172 : 173). ثم سيأتى اللقاء الثانى يوم القيامة بالحساب لكل نفس بما كسبت . وبين اللقاء الأول واللقاء الثانى وفى هذه الدنيا كانت الملائكة بالروح تنزل على البشر تذكّرهم وتُنذرهم بيوم اللقاء أو التلاق مع رب العزة :( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) (غافر 15 ).
3 ـ وفى الرسالة الخاتمة أمر رب العزة خاتم المرسلين أن يعلن:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )(الكهف 110 ). وتوجز الآية الكريمة الاسلام فى عبارات قليلة : فالنبى بشر مثلنا ، وليس الاها ، والنبى هو بشر يُوحى اليه بأنه لا اله إلا الله جل وعلا ، وأن من يرجو لقاء ربه من كل البشر فعليه أن يعمل عملا صالحا ولا يشرك بربه جل وعلا أحدا .
ثالثا : الايمان بالآيات والرسالات السماوية قرين بالايمان بلقاء الله جل وعلا
1 ـ يرتبط لقاء الله جل وعلا ( أو اليوم الآخر ) برسالاته السماوية وكتبه وآياته . ولذا فإن الكافرين بالآخرة ( الذين لا يرجون لقاء الله جل وعلا ) كانوا فى عهد النبى عليه السلام يكذّبون بالقرآن ويطلبون معجزة حسية بديلا عن القرآن إستكبارا وعتوا :( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا) (الفرقان 21 ) بل ويطلبون بدلا منه قرآنا غيره يتفق مع أهوائهم : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )( يونس 15). فعل هذا مشركو قريش ـ وفعله بعدهم المحمديون حين إخترعوا اسطورة ( النسخ ) بمعنى إلغاء الأحكام القرآنية .
2 ـ وردّا عليهم فإن الله جل وعلا يصف (القرآن) بأنه لا ريب فيه :(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ )(البقرة 2 ). ويصف (لقاء الله) جل وعلا بأنه لا ريب فيه:( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ )(آل عمران ). وقد تكررت جملة ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) فى القرآن الكريم 14 مرة . جاءت ثلاث مرات وصفا للقرآن ( البقرة2 ، يونس 37 ، السجدة 2 ) وجاءت 11 مرة وصفا لليوم الآخر ( آل عمران 9 ، 25 ، النساء 87 ، الانعام 12 ، الاسراء 99 ، الكهف 21 ، الحج 7 ، غافر 59 ، الشورى 7 ،الجاثية 20 ، 32 ).
وبالتالى فالمطلوب هو الايمان الخالص بالله جل وعلا ولقائه وبآياته وكتبه . إيمانا لا يلحقه شكُّ أو ريب .
3 ـ ومع هذا فإن فى قلوبهم الشّك فى الكتاب الذى لا ريب فيه والشّك فى اليوم الآخر الذى لا ريب فيه . وأكبر دليل على هذا الريب والشّك هو تراث المحمديين المعادى للقرآن وتاريخ المحمديين فى إستغلال الاسلام فى طموحهم الدنيوى. وقد هبطوا بتزييفهم لليوم الآخر الى الحضيض ، وهو حضيض يعبّر عن عدم إيمانهم بلقاء الله جل وعلا ، وعن الشّك الذى وصل بهم الى بهم الى (العمى الجماعى ) ، أو بالتعبير القرآنى المُذهل المُوجز المُوجع:( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ )( النمل 66 ) . يصف رب العزة علم المحمديين بالآخرة فى ثلاث جُمل فقط فى هذه الآية الكريمة القصيرة ، وهى أن علمهم بها وصل الى الدرك الأسفل، وأنهم منها فى شكّ ،وأنهم مصابون بالعمى الجماعى بشأنها. والعاقل الذى يقرأ تخاريفهم عن الشفاعة فى البخارى وغيره يتأكد من إصابتهم بالعمى القلبى جيلا بعد جيل . ولو كانوا يؤمنون باليوم الآخر الذى لا ريب فيه ولو كانوا يؤمنون بالقرآن الذى لا ريب فيه ما إنحطُّوا الى هذا الدرك من الحضيض . وسيظلون فى شكّ ولهو ولعب يتقلبون فى غرور الدنيا : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ( الدخان 9 )
رابعا : جهنم مصير من يكفر بلقاء الله جل وعلا ويكذّب أو يشكّ فى آياته
1ـ ويوم القيامة يُحال بينهم وبين ما كانوا يشتهون ويحلمون من مزاعم شفاعاتهم ، شأنهم شأن من سبقهم من الكافرين ، فهذا هو مصير من يعمر قلبه بالشّك فى الآخرة : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ )( سبأ 54 ) .
2 ـ فقد صوّرت لهم أحاديث الشفاعة المزعومة رب العزة الاها مغلوبا على أمره ، وصوّرت لهم يوم القيامة مهرجانا للشفاعات والوساطات كأحد الأسواق الشعبية والمصالح الحكومية فى دولة استبدادية . وستكون المفاجأة قاسية يوم لقاء الله جل وعلا ، إذ سيبدو لهم من الله جل وعلا ما لم يكونوا يحتسبون ، وستبدو لهم سيئات أعمالهم وسخريتهم بالدين الالهى فيما زيّفوه من أحاديث، وحينئذ سيتمنون لو أنّ لهم أضعاف ما فى الأرض ليفتدوا به أنفسهم من سوء العذاب : ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ) ( الزمر 47 : 48 )
خامسا : التذكير بلقاء الله فى الحديث القرآنى عن عذاب الكافرين
1 ـ يقول جل وعلا عن يأس الكافرين من رحمة الله وعذابهم الأليم ويصفهم بتكذيب لقاء الله جل وعلا وبالقرآن معا :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( العنكبوت 23) ، ويتكرر نفس الوصف لهم وهم فى العذاب مُحضرون : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ )( الروم 16). ويتكرر نفس الوصف لهم وقد أحبط الله جل وعلا عملهم وجازاهم بكفرهم بلقائه وبآياته : (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(الأعراف 147 )، وإحباط عملهم يعنى ألا يكون لأعمالهم وزن : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) (الكهف 105 ).
2 ـ وتأتى تفصيلات عن مصير الكافرين بلقاء الله جل وعلا ، فهم يتحسرون بينما يحملون أوزارهم على ظهورهم : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )(الأنعام 31 ). وفى خسرانهم الأبدى يتذكرون الدنيا التى إغتروا بها ، وقد مضت هذه الدنيا بكل ذكرياتها كأنها ساعة من النهار : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ )(يونس 45 ) .
ثم يُساقون الى جهنم ، وحين تفتح أبوابها لهم يُقال لهم تأنيبا إن هذا جزاؤهم لأنهم كذبوا بلقاء الله وبالكتب السماوية : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) (الزمر 71 ). ثم وهم فى الجحيم يقال لهم أيضا للتأنيب:( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا )(السجدة 14 ) .
سادسا : الغفلة عن اليوم الاخر والتكذيب بلقاء الله جل وعلا
1 ـ كان الأولى بهم أن يتفكروا أن الله جل وعلا لم يخلق هذا الكون عبثا : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)(المؤمنون 115)، وأن يتذكروا أن لهم موعدا يلقون فيه ربهم: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )(الروم 8 ) . ولكن أكثرية الناس كافرون بلقاء ربهم وكافرون بآياته تكبرا . وهم عنها وعن اليوم الاخر غافلون (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ )( الاعراف 146 ).
2 ـ الواقع العملى المُعاش يؤكد أن الأغلبية الساحقة من الناس فى غفلة عن الآخرة . ولو قمنا بإجراء إحصاء عن من يؤمن باليوم الآخر على حقيقيته القرآنية فستجد الأكثرية غافلين ، بل ربما لا تجد أصلا من يهتم بالمشاركة فى هذا الإستبيان .
3 ـ وهذا بسبب تركيزهم فى الصراع على زينة الدنيا التى جعلها الله جل وعلا إختبارا لنا ليبلونا أينا أحسن عملا فرسب معظمنا فى هذا الاختبار:( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا )( الكهف 7 ). لقد رضوا بالحياة الدنيا وإطمأنوا بها ووجهوا قلوبهم نحوها فقط ، وفى سبيلها غفلوا عن آيات الله فى القرآن ، لذا فمصيرهم جهنم : ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )( يونس 7 : 8 ).
4 ـ ويوصف أصحاب جهنم بأنهم الغافلون ، سواء كانوا من الانس أم من الجن ، فقد عطّلوا عقولهم وقلوبهم فأصبحوا غافلين وأضل حالا من الأنعام : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) ( الاعراف 179 ). كما يوصفون بأنهم الغافلون الخاسرون:( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( النحل 108 : 109 ). 5ـ وترى عباقرة العلوم الطبيعية وكبار العلماء والفلاسفة والمفكرين يشاركون عوام الناس وأغلبية الخلق فى هذه الغفلة عن لقاء الله جل وعلا ، فهم لا يعلمون إلا ظاهرا من هذه الدنيا بينما هم غافلون عن تذكر الأخرة ، وهم لا يتفكرون فى حكمة خلق الله جل وعلا للسماوات والأرض ، وما سيتلو هذا من القيامة ولقاء الله جل وعلا : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) ( الروم 7 : 8 ).
سابعا : إستمرار الغفلة عن لقاء الله جل وعلا بعد نزول القرآن والى وقت قيام الساعة
1 ـ القرآن هو خاتم الرسالات السماوية ، بمعنى أنه كلمة الله جل وعلا الأخيرة للبشرية قبيل تدمير هذا العالم ، وقد أصدر رب العزة أمره بقيام الساعة مع نزول القرآن ، ولكن تنفيذ الأمر سيأتى بالزمن الأرضى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( النحل ) . يقول رب العزة عن الاختلاف فى الزمن بيننا وبين الملكوت الأعلى: ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )( الحج 47 ) . وقبل نزول القرآن بأكثر من ألف عام وفى أول وحى الاهى خوطب به موسى عليه السلام أكّد ربّ العزة جل وعلا مجىء الساعة : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) ( طه ). ثم جاء القرآن الكريم بأقترابها : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ )( القمر:1 ) لذا يأتى القرآن ينذرهم بيوم الحسرة الآتى لهم إذا ظلوا غلى غفلتهم وكفرهم بلقاء الله جل وعلا : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ )( مريم 39 : 40 ).
2 ـ لقد إقترب يوم لقاء الله جل وعلا ، ونحن الآن على وشك قيام الساعة التى أخبر بهذا رب العزة منذ 14 قرنا بإقترابها، ومع ذلك فلا يزال الناس من وقتها وحتى الآن فى غفلة ، وهم مُعرضون عن كتاب الله جل وعلا لاهية قلوبهم : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) ( الأنيياء 1 ـ ). وسيظل الناس فى غفلتهم حتى آخر جيل من البشر يعيش فى هذه الدنيا ويشهد تدمير هذا العالم ، عندها سيعترفون بغفلتهم وبظلمهم : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) ( الأنبياء 97 ).
3 ـ وقتها سيكون المشهد فى حدّ ذاته عذابا لمن يحضره ويشهده ، إذ يبلغ الفزع بالناس أن تذهل المرضعة عن رضيعها فلا مجال للرضاعة أو حياة للرضيع ، وأن تجهض الحامل فلا مجال لمواليد جُدُد، ويصاب الناس بما يشبه الإغماء ، فيكونون سُكارى من الهول ، وما هم بسكارى من الخمر: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )( الحج ).
4 ـ ولأنهم يعيشون فى غفلة وسيظلون فى غفلة جيلا بعد جيل فسيفاجأون بالساعة وقد أتتهم ( بغتة )وهم لا يشعرون : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )( الزخرف ) . وهى ( بغتة لا يشعرون بها ) لأنهم فى غفلة عنها ولم يتحسّبوا لها . يقول جل وعلا عن خسارتهم وحسرتهم وبغتتهم :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )( الأنعام 31 ).
5 ـ المؤمنون بالله جل وعلا وبلقائه وبآياته لا تصيبهم البغتة ، يقول جل وعلا عنهم :( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ). امّا الآخرون الكافرون فسيظلون فى شكّهم حتى العذاب يوم القيامة أو مجىء الساعة بغتة إذا كانوا فى آخر جيل من البشر : ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) ( الحج 54 ، 55 ) .
6 ـ ولأن القرآن نزل مع إقتراب الساعة فإن التحذير الالهى يدعونا للتعجيل بالتوبة قبل الموت وقبل أن تأتى الساعة بغتة : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ )(الزمر 53 : 55 ) .
7 ـ ومن عجب أن جاءت أشراط الساعة وتبدت بعض علاماتها المذكورة فى القرآن الكريم ، ومع هذا فالمحمديون فى غيّهم سادرون : (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) ( محمد 18 ) . وسيقال لأحدهم يوم لقاء الله جل وعلا : ( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )( ق : 22 ).
ودائما : صدق الله العظيم .!
 

اجمالي القراءات 15993