النبى لا يشفع يوم الدين : ب 1 ف 6

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٠ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين : ( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ) ب 1 ف 6
 الباب الأول : الشفاعة فى الاسلام
الفصل السادس : النبى لا يشفع يوم الدين
طبقا لحديث رب العزّة فى القرآن الكريم فلا يمكن لأى نفس بشرية أن تجزى أو أن تنفع أو تشفع فى نفس بشرية أخرى ، وينطبق هذا خصوصا على الأنبياء ، وينطبق على وجه أخصّ على خاتم الأنبياء. ونعطى التفاصيل :
النبى نفس بشرية نطبق عليها ما ينطبق على كل نفس بشرية
1 ـ ينطبق علي أنفس الأنبياء قوله تعالى عن يوم الحساب :( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111):النحل ) .
2 ـ إلا إنّ القرآن الكريم أكّد أكثر على حساب الانبياء المرسلين فى قوله تعالى( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)الاعراف) اي ان حساب الامم البشرية فى كفة والانبياء فى كفة اخرى،وان كان البشر يصل تعدادهم بالمليارات فأن تعداد الانبياء -والله تعالى اعلم - يصل الى ألوف ، ولكنهم فى كفة تكافئ كفة البشر ، وهذا تأكيد على حساب الأنبياء فى الآية الكريمة.
3 ـ ونفس الحال فى قوله تعالى لخاتم النبيين عليه السلام (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)الزخرف) فالاية تؤكد على حسابه ومساءلته وهو فردواحد مقابل قومه وهم مئات الالوف،منهم المؤمنون ومنهم الكافرون. بل إن المساواة فى الحساب تصل الى مساواة النبى عليه السلام امام اعدائه وخصومه فى الموت وفى التخاصم أمام الله جل وعلا يوم الحساب ، يقول تعالى عنه وعنهم : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر) فالتأكيدعلى موت النبى جاء اكثر من التأكيد على موتهم حيث جاء الخطاب له مباشرة وبدأ به ،ثم كان الخطاب عنهم بعد ذلك بصيغة الغيبة فقال ( وأنهم ) ولم يقل( وأنكم ). وفى الاية اعجاز ضمنى يرد على من سيدعى بعد القرآن بحياة النبى عليه السلام فى قبره ، ثم كان التأكيد على ان النبى وخصومه سيختصمون عند الله تعالى يوم القيامة ،وهو فرد واحد وهم جماعة .
النبى لن يشفع لأحد يوم الحساب ؟
1 ـ ان القرآن يتحدث عموما فيؤكد ان اى نفس بشرية لا تجزي عن اى نفس أخرى شيئا ولن تشفع فيها (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (48)(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123)البقرة)، وانه فى ذلك اليوم لا ينفع الوالد ابنه ولا ينفع الابن اباه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان33) وجاءت الايات الكريمة السابقة مشفوعة بالامر بالخشية والخوف من هذا اليوم يوم الحساب والتحذير من خداع الشيطان وغروره.وأكد القرآن ان كل امرئ سيفرّ من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس )وكل ذلك ينطبق على الانبياء جميعا .
2 ـ الا ان القرآن اكد على أن خاتم النبيين لا يملك ان يجزى عن احد شيئا يوم الحساب ،وهذا التأكيد فيه اعجاز ضمنى يردعلى من جاء بعد القرآن ليثبت شفاعة النبى خلافا للقرآن ، ان رب العزة جل وعلا يقول عموما (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)الانفطار ) ويقول للنبى خصوصا: ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران128)، كما يقول تعالى للنبى فى سؤال استنكارى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) الزمر) أى لا يستطيع ان ينقذ احدا من النار إذا دخل النار ،لأن كلمة الله تعالى إذا حقّت فلا تتبدل ،وهذا معنى قوله تعالى يوم القيامة لأهل النار: ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ):( ق29).
3 ـ وعند الحساب بالذات لا يملك النبى ان يساعد اصحابه ولا يملك اصحابه ان يساعدوه،يقول تعالى عنه وعن اصحابه المؤمنين (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52) الانعام 52) وهى مساواة بينه وبينهم فى الحساب . كما لا يملك ايضا اعداء النبى ان ينفعوه يوم الحساب (إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) الجاثية 19).وهذه حقائق القرآن من شاء فليؤمن ومن شاء فليكذب :(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114)الانعام ). وصدق الله العظيم.!
النبى محمدعليه السلام سيأتى شاهد خصومه على قومه
1 ـ ان كل نفس ستأتى يوم القيامة تجادل وتدافع عن نفسها ( النحل 111)وينطبق هذا على خاتم النبيين ، فسيأتى يدافع عن نفسه بأنه بلغ الرساله وانه يتبرأ من كل من هجر القرآن. صحيح ان الله تعالى سيجمع الرسل يوم القيامه ويسألهم عن مدى استجابة الناس اليهم ، وصحيح انهم سيردون بأنهم لا يعلمون ، لأن الله تعالى وحده علآم الغيوب : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )(المائدة 109)، إلّا أنّ ذلك يتعلق بسرائر الناس وحقيقة اعمالهم وهذه غيوب لا يعلمها إلّا علام الغيوب جل وعلا ، ولهذا فهو وحده الذى يعطى ملائكة تسجيل العمل الإذن بشفاعة العمل لمن يعلم بصلاحهم ويرضى عنهم . أمّا شهادة النبى على قومه وشهادة الاشهاد على اقوامهم فهى تتناول الاقوال والافعال الظاهرة .
2 ـ ويقول سبحانه وتعالى عن يوم الحساب (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )الزمر 69 -70) أى يوضع الكتاب ، الكتاب الالهى أو الرسالة السماوية فى كفة الميزان ،وكتاب الاعمال لكل فرد فى كفة أخرى (الأعراف 8-9) ، ثم يؤتى أولا بالانبياء والشهداء الذين يأتون شهداء على قومهم فيعطوا شهادتهم ،ويقضى رب العزة بينهم بالحق ،ثم بعدها يأتى حساب كل الانفس وكل الامم ليحاسبهم رب العزة فردا فردا بما عملوا ، وهو جل وعلا الأعلم بما كانوا يفعلون وما يُسرّون وما يعلنون .
3 ـ وفى مفهوم القرآن فالشهداء فى الآخرة هم الذين يشهدون على اقوامهم. وهؤلاء الأشهاد أوالشهداء هم من الانبياء والدعاة للحق الذين ساروا على طريق الأنبياء وتواصوا بالحق وبالصبر وتمسكوا بالكتاب وتحملوا الاذى فى سبيله ،وسيدلى الأنبياء والشهداء بشهادتهم يوم القيامة على العصر الذي عاشوا فيه والناس الذين شهدوهم وعايشوهم فى نفس الزمان والمكان . يقول تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) النحل 84 )، ويقول جل وعلا لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا ) النساء 41) أى جىء بك على هؤلاء القوم من قريش خصما أو شهيدا عليهم ، فلكل امة شهيد يشهد عليها يوم القيامة وسيكون النبي على السلام شهيدا على قومه ، أى شاهد خصومة لأن (شهدعلى) تفيد الخصومة يقول سبحانه و تعالى للعرب وقريش ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ) المزمل 15) . فهو شاهد عليهم .
4 ـ وبعد موت النبى يظل طريق الدعوة للحق مفتوحا لكل من يتبع سبيل الحق الذى سار عليه النبى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف 108). ويقع عليهم عبء المواجهة للضلال الذى يزحف متسللا بعد موت النبى ، لأن الشيطان لا يقدم إستقالته ، بل يظل يتفنّن فى إغواء البشر ، إذا تنبهوا له من اليمين أتاهم من الشمال ، ولا ييأس حتى ينجح فى إضلال الأكثرية من البشر ، وهكذا فعل بالمسلمين المحمديين : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )(الأعراف 16 : 17). وكلما إزداد إضلال الشيطان للناس إزدادت المعاناة لدعاة الحق ، ويوم القيامة يؤتى بدعاة الحق يشهدون على اقوامهم وعلى إئمة الضلال الذين زيفوا فى دين الله وإفتروا على الله ورسوله كذبا ، وأقاموا على أنقاض الدين السماوى أديانا أرضية بالتزوير والبهتان . يأتى دُعاة الحق يوم القيامة يشهدون على هؤلاء الظالمين الذين إفتروا على الله تعالى كذبا وكذّبوا بآياته . يقول جل وعلا عن أولئك الظالمين:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )،ويصف عرضهم أمام الواحد القهّار جل وعلا :( أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ) ويذكر جل وعلا شهادة الشهداء الأشهاد عليهم شهادة خصومة:( وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ويذكر الأشهاد كيف أن أولئك الظالمين أصحاب الجاه فى الدنيا كانوا يصدون عن سبيل الله ويحاربون كتابه وصراطه المستقيم ليبغونها عوجا:( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) ، وكأن الايات الكريمة تنزّلت لتصف بالضبط عصرنا البائس .!!. ويقول جل وعلا عن أولئك الظالمين المفترين :( أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ). ويقول تعالى عن الرسل والاشهاد من الذين آمنوا ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ).غافر 51-)
5 ـ وقد ذكر رب العزة ـ مقدما ـ شهادة عيسى عليه السلام على قومه فى مشهد حسابه يوم القيامة اذسيسأله ربه جل وعلا : ( أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ) ويرد عيسى عليه السلام مدافعا عن نفسه : ( قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) وفى شهادته يؤكد عيسى عليه السلام أنه كان شهيدا عليهم المدة الى عاشها بينهم الى أن توفاه ربه جل وعلا ، وهو جل وعلا الرقيب عليهم وهو على كل شىء شهيد : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). ثم فى تأكيد تبرئه منهم يقول عيسى عليه السلام لربه : ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) لم يقل:(وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم) حتى لا يكون متعاطفا معهم وميّالا للعفو عنهم . وتأتى شهادة الله جل وعلا لعيسى بالصدق وباستحقاقه الجنة فى يوم الدين:( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(المائدة 116 : 119).تركزت شهادة عيسى عليه السلام فى موضوع تأليهه الذى سيسبب له حرجا يوم الحساب أمام الواحد القهّار جل وعلا .
6 ـ أما الحرج الذى سيقع فيه خاتم المرسلين فهو أشد . سببه تلك الأحاديث التى نسبوها له إفترءا وكذبا وظلما بعد موته . وبها جعلوه إلاها مقدسا متحكما فى يوم الدين . لذا فإن شهادة محمد عليه السلام ستتركز فى هجر قومه للقرآن بسلوكياتهم ، ثم سار اللاحقون على سيرة هذا السلف غير الصالح حيث قاموا بتشريع هذا الفساد السلوكى بإفتراء أحاديث نسبوها زورا للنبى عليه السلام ،ومن أجلها اتخذوا القرآن مهجورا، ولذلك فإنّ رب العزة يعتبرهم الله تعالى اعداء للنبى . ونعايش السياق الذى جاء فيه جل وعلا بشهادة خاتم النبيين على قومه العرب : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان 25 : 30). الظالم يوم القيامة يندم أشد الندم ـ حيث لا ينفع الندم ـ لأنه لم يتخذ مع الرسول سبيلا ، ولأنه لم يتبع ( الذّكر ) أى القرآن، فالرسول هنا أو (الذكر ) هو الرسالة أو القرآن ، أى إن الندم يشمل كل الظالمين الذين إتّخذوا القرآن مهجورا من قوم الرسول محمد الذين عايشهم ومن جاء ويجىء بعدهم من الظالمين ، فكلهم إتخذوا القرآن مهجورا. يدخل ضمنهم ( صحابة الفتوحات ) الذين آمنوا وهاجروا ، ثم بعد موته عليه السلام إرتدوا بما قاموا به من إحتلال لأوطان وقهر سكانها وقتل مئات الألاف من أحرارها وإغتصاب نسائهم وإسترقاق ذرياتهم ونهب أموالهم ، مما تسبب عنه وقوع أولئك الصحابة فى الحرب الأهلية أو الفتنة الكبرى بسبب نزاعهم على ثروات الأمم المفتوحة المنهوبة . والله جل وعلا أنبأ بذلك مقدما فى مكة بتكذيبهم للقرآن حين قال لقوم النبى محمد عليه السلام : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) ( الأنعام ) .
7 ـ والمستفاد أن الذين يتخذون القرآن مهجورا هم الأعداء الحقيقيون للنبى محمد عليه السلام ، ذلك أنه لكل نبى يوجد أعداء من المجرمين أولياء الشياطين الذين يتخصصون فى أتخاذ الرسالة السماوية مهجورة ، وفى إنتحال الكذب والافتراء على النبى وتأسيس دين أرضى يجعل الدين الحق مهجورا . وهنا نتذكر أيضا قوله جل وعلا عن أعداء الأنبياء : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)( الأنعام )
8 ـ ويتأكّد هذا فى آية اخرى يوضح فيها الله تعالى ان القرآن الذى نزل تبيانا لكل شئ هوشهادة النبى على قومه وشهادة الاشهاد أو الشهداء من بعده على اقوامهم ،يقول سبحانه وتعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(:النحل 89) .أى نزل القرآن الكريم تبيانا لكل شىء يحتاج الى التبيين والتفصيل . فيه تفصيلات جاءت على (علم ورحمة ) لمن يفقه ويتعلم ويريد الهدايةمن المؤمنين : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الأعراف ) ، وفيه الاسترشاد والعمل بالعُرف والمعروف المتعارف على أنه عدل وقسط وخير ،وهذا فى الإجماليات من الأمور التى لا تحتاج الى تفصيل . أى جاءت تشريعات القرآن بميزان دقيق (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى ) وبالقول الفصل (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17) الطارق ) ولكن اعداء القرآن يكيدون للقرآن كيدا وموعدهم الساعة. هم يصدون عن القرآن ويبغونه عوجا وهو الصراط المستقيم . هم يقولون ان القرآن وحده لا يكفى وينكرون قوله تعالى ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) العنكبوت 51 ). ويسمون أكاذيبهم (سُنّة ) ويجعلونها فوق القرآن ، ويقولون لا كتاب بدون سنة !!. واذا تعارضت آيات القرآن مع تلك الاحاديث الكاذبة تمسكوا بالاحاديث ورفضوا القرآن . ومن أجل ذلك يتمسكون بشفاعة النبى التى تتناقض مع القرآن. لذا ستأتى شهادة النبى عليهم وشهادة ( أهل القرآن ) عليهم بأن القرآن كتاب مبين (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ) وأنّ آياته بينات (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ )(16) الحج) فليس محتاجا لتفسيرهم المزعوم ، وأنه جاء تفصيلا وبيانا لكل ما يحتاج للتفصيل والبيان ، فليس محتاجا لأحاديثهم الضالة ، وجاء كاملا تاما وليس ناقصا لتكمله أحاديثهم وسنتهم (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الانعام )( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً (3) المائدة ). هذا هو فحوى الشهادة عليهم يوم الحساب :( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (النحل 89).
قصة قرآنية للتوضيح
1 ـ هى قصة مؤلمة تتكرر فى عصور الظلم والطغيان فى كل زمان ومكان، ابن الاكابر يرتكب جريمة فيلصقها أهله أصحاب النفوذ بفتى مسكين فيدخل البرىء السجن ظلما بينما يظل المجرم ابن الاكابر طليقا .! وحدثت هذه القصة وتكررت وستحدث وستتكرر طالما ابتعدنا عن كتاب الله تعالى وهوالسنه الحقيقيه للنبى عليه السلام. حدثت هذه القصه فى عهد النبى عليه السلام فى المدينه اذ سرق ابن الاكابر درعا، واتضح امره ،وتحدث الناس بجريمته ، فأحسّ أهله الأكابر بالعار ، واجتمعوا بليل لإنقاذ ( شرف العائلة )، واتفقوا على قرار ؛ وضعوا الدرع المسروق فى بيت شخص برئ، ثم فى الصباح ذهبوا للنبى يشتكون اتهام ابنهم المظلوم ويطلبون من النبي ان يدافع عنه. وصدقهم النبى فدافع عن ابن الاكابر ، وهو عليه السلام لا يعلم الغيب . وبذلك نجا المجرم الحقيقى وحاقت التهمة ببرئ مظلوم . ولأن الوحى كان لا يزال ينزل فإن الله انزل قرآنا فى هذه الواقعة . وطبقا لمنهج القرآن فى القصص وتناول الاحداث التاريخية فإنه لم يهتم بالزمان والمكان واسماء الابطال ، وانما حوّل هذه الحادثة التاريخية الى موعظة يستفيد منها الناس فى كل زمان ومكان بعد نزول القرآن .
2 ـ قال ب العزة جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ( النساء 105 : 113 )
3 ـ فى البداية يأتى الخطاب للنبى بأن الله تعالى انزل الكتاب بالحق ليحكم بين الناس بما أراهم الله تعالى فى هذا الكتاب ،ثم ينهاه على ان يكون مدافعا عن اولئك الخائنين : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ). ثم يأمره بالاستغفار عما حدث منه من الدفاع عنهم : (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ، ثم ينهاه ثانية عن الدفاع عن هؤلاء الخائنين لأن الله تعالى لا يحب من كان خوانا اثيما . (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ). ثم يصف رب العزة حالهم حين التآمر وهم يستخفون من الناس بينما لا يستخفون من الله وهو جل وعلا محيط بما يفعلون : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) . ثم يقول تعالى للنبى ومن كان يدافع عن هؤلاء المجرمين : اذا كنتم تجادلون عنهم فى الدنيا فهل تستطيعون الدفاع عنهم فى الاخرة ؟ : (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) .
4 ـ ثم يضع الله القواعد التشريعية فى هذا الموضوع: فالجانى اذا تاب تاب الله عليه ، والله جل وعلا هو الغفور الرحيم : (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) والجانى اذا وقع فى جناية فإن العقوبة تقع عليه وحده إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، والله جل وعلا هو العليم الحكيم :( وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ). أما الجانى الذى يلصق جريمته ببرئ فإن اثمه مضاعف فقد إكتسب الخطيئة والبهتان معا : ( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ).وفى النهاية يقول جل وعلا للنبى عليه السلام : (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) .
5 ـ وبإيجاز شديد نستخلص من الاية الكريمة الحقائق الاتية :.(1) بعض الصحابة وصفهم القرآن بالخيانة والاثم فليس كل الصحابة ملائكة او شخصيات مقدسة وانما هم بشر يصيبون ويخطئون .(2)ان النبى لا يعلم الغيب ولذلك خدعه اؤلئك الصحابة وصدقهم .(3)ان عصمة النبى بالوحى فقط ،ولولا فضل الله عليه لهمت طائفة منهم ان يضلوه. (4)ان النبى يوم القيامة لا يستطيع ان يجادل عن احد ،اى لن يستطيع ان يشفع فى احد او ان يكون وكيلا عن احد .(5)ان قواعد المسؤلية والمحاسبة محددة سلفا بحيث لا يكون فى الاخرة مجال لأحد ان يشفع فى مجرم ؛ فالجانى اذا تاب فإن الله تعالى يقبل توبته، والعقوبه تلحق بالجانى وحده ولا يستطيع احد ان يدافع عنه امام الله طالما لم يتب فى الدنيا . (6 ) إن أفظع الإجرام هو ( تلفيق الجرائم ) .
6 ـ ( تلفيق الجرائم ) للأبرياء وهو من أفظع ( إنجازات ) نظم الحكم فى بلاد المسلمين ، فضابط البوليس لكى يترقى لا بد أن يثبت كفاءته بتقديم قضايا مزورة يزعم أنه إكتشفها وقبض على مرتكبيها ، ويعترف فيها الأبرياء بالتعذيب. وهذه الانجازات الإجرامية ( العظيمة ) تتمتع بحصانة فى الدين السّنى بالذات ، لأنهم يرتكبون هذه الجرائم بضمير مستريح وهم يؤمنون بأن النبى سيشفع لهم يوم القيامة مهما إرتكبوا من مظالم . لهذا تسود أساطير الشفاعات المنسوبة للنبى حيث يسود الظلم والقهر فى بلاد المسلمين . ولا يمكن تأسيس مجتمع نظيف أخلاقيا وراق حضاريا طالما تسود فيه أساطير الشفاعات البشرية .
7 ـ وندخل الى الباب الثانى عن أساطير الشفاعات فى الدين السّنى بالذات .
 

اجمالي القراءات 27190