النبى لا يشفع يوم الدين : ( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ) ب 1 ف 5
توضيح عن دور الملائكة فى الشفاعة : ب 1 ف 5

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين : ( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ) ب 1 ف 5
 الباب الأول : الشفاعة فى الاسلام
الفصل الخامس : توضيح عن دور الملائكة فى الشفاعة
كتب الاستاذ ( جمال خالدى) يسأل:( هناك أمر أود لو توضحه وهو الأية رقم 26 من سورة الأنبياء فهل هذه الأية تتحدث على الملائكة ام على الرسل ؟ لأن الله عز وجل يقول ( وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [29] فهل يمكن أن تقول الملائكة قولا فتسبق قول الله عز وجل وهو يقول لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [27].وهل يمكن للملائكة أن تعمل عملا من تلقاء نفسها من غير أمر الله عز وجل . وهل يمكن أن تعذب الملائكة في جهنم.).وأردّ عليه مع الشكر والتقدير .
أولا :
1 ـ طبقا لحديث رب العزّة فى القرآن الكريم فلا يمكن لأى نفس بشرية أن تجزى أو أن تنفع أو تشفع فى نفس بشرية أخرى ، وينطبق هذا خصوصا على الأنبياء ، وينطبق على وجه أخصّ على خاتم الأنبياء. والتفاصيل فى الفصل القادم .
2 ـ وطبقا للتدبر القرآنى وأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا وأن الآيات المتشابهة تشرح الآيات المحكمة فإن الملائكة هى التى تقوم بالشفاعة بعد إذن الرحمن لها وعلمه ورضاه جل وعلا بمن يصلح عمله لأن يكون شفيعا فيه . وهذا يتضح من ربط الآيات ببعضها البعض:( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )(23) سبأ )( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (البقرة 255 ).( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )( الانبياء 26- 28 )( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا )طه 108 ـ )( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم ). وعليه فإن الملائكة هى المقصودة بقوله جل وعلا : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )( الانبياء 26- 28 ). وقد فصّلنا هذا فى الفصل السابق عن شفاعة الملائكة .
3 ـ ونتوقف بمزيد من التدبر مع قوله جل وعلا عن الملائكة : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )( الانبياء 26- 28 )
ثانيا :
1 ـ القائلون (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) هم بالتحديد العرب المشركون فى عهد النبى محمد عليه السلام فى مكة ، وهم قد عبدوا الأوثان والأنصاب أى القبور المقدسة وعبدوا الملائكة على انها بنات الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . ولم يقيموا أصناما وأوثانا للملائكة بإعتبارها فى زعمهم جزءا من الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . بينما أقاموا الأوثان والأصنام والأنصاب والقبور المقدسة لأوليائهم التى تقربهم لله جل وعلا زلفى، والتى إعتبرها رب العزة جل وعلا رجسا من عمل الشيطان : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)( المائدة ) . وبالتالى إنحصرت عقائدهم الشركية فى عبادة الشيطان وعبادة الملائكة ، وقال جل وعلا فى ذلك : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً (117) النساء ). ( الإناث ) هى الملائكة . والله جل وعلا يردّ على زعمهم بأتخاذ الاناث ملائكة وبنات له جل وعلا:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) الاسراء ).
2ـ يؤكد هذا أنّه تكرر فى السور المكية الرّد على زعمهم هذا ؛ يقول جل وعلا : ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) الصافات ). نلاحظ هنا الرد الالهى على زعمهم بأن الله جل وعلا إتخذ الملائكة ولدا وخلقهم إناثا. وتكرر الردّ فى قوله جل وعلا : ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) ، ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) الزخرف ).
3 ـ وفى سورة الأنبياء جاء الرد على عبادتهم الآلهة الشيطانية وعبادتهم الملائكة معا ، يقول جل وعلا عن عبادتهم الآلهة الشيطانية: ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25). ويقول بعدها جل وعلا عن عبادتهم الملائكة ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29).
4 ـ المشهور أن النصارى هم الذين أتخذوا المسيح إبنا لله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ). وقد توالت الآيات فى السّور المدنية الردّ على ذلك فى وقت تعاظم فيه الاحتكاك بأهل الكتاب . ومنه قوله جل وعلا : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) النساء ) ، ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) ( المائدة ).
ولكن هذا لا علاقة له بالآيات الخاصة بموضوعنا عن الملائكة فى سورة الأنبياء لأنّ قوله جل وعلا (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً ) يشير الى عبادة العرب للملائكة وليس للأنبياء ، فلم يعرف العرب (الأميون) عبادة الأنبياء لسبب بسيط هو أنهم لم يأتهم أنبياء بعد جيل جدهم إسماعيل :( لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص ) ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة ) (لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) يس ) ، ولهذا وُصفوا بأنهم ( أميون) أى لم ينزل عليهم ( كتاب ) مثل (أهل الكتاب ):( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )(75)( آل عمران ).
5 ـ فإن قيل بأن الاية الكريمة تتحدث عن ( الولد ) تقول : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا )ولم تقل (بنتا ). وبالتالى فإن الآية تتحدث عن عبادة المسيح ، وليس الملائكة . ونقول إن ( ولد ) فى مصطلحات القرآن تعنى ( المولود ) ذكرا أو أنثى . يقول جل وعلا : (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (11) النساء ) ، وبالتالى فقولهم : (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) تعنى زعمهم بأن رب العزة إتّخذ الملائكة بناتا .
6 ـ فى الآيات الكريمة:( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) وصف الله جل وعلا الملائكة بأنهم عباد مكرمون ، وأنهم لا يسبقونه بالقول ، وأنهم بأمره يعملون ، وأنه جل وعلا يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ، وأنهم لا يشفعون إلا لمن إرتضى ، ، وأنهم من خشية ربهم مشفقون . ووصف (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) لم يأت إلا للملائكة فى هذه الدنيا،وسيأتى وصفا لأهل الجنة فى اليوم الآخر ( إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)الصافات ) . أى لا ينطبق على الأنبياء وصف (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) فى هذه الدنيا ، وسينطبق عليهم فى الآخرة وهم فى الجنة . ولقد تخصص الملائكة فى تنفيذ ( الأمر ) الالهى كما أوضحنا فى الفصل السابق ، لذا فهم المُشار اليهم فى قوله جل وعلا ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) ) أى ينتظرون الأمر ليعملوا به ، ولا يسبقون الأمر . ومن الأمور الموكلة بهم الشفاعة ، والشفاعة مرتبطة بعلمه جل وعلا ورضاه ، لذا جاء قوله جل وعلا عن الملائكة : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)).
ثالثا : عن حرية الملائكة وحسابها يوم الدين :
1 ـ من الخطأ الشائع أن الملائكة لا تعصى الله جل وعلا ، وأنه ينطبق عليها جميعا قوله جل وعلا : (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم ). هو خطأ لأن الآية الكريمة مقصود بها فقط ملائكة العذاب فى جهنم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم ). وهذه ملائكة لم يتم خلقها بعد . سيخلقها الله جل وعلا مع خلق جهنم ، وسيكون وقود جهنم اصحاب النار والحجارة ، أى الحديث هنا عن المستقبل ، يوم الدين ، الذى لم يأت بعدُ .! ولذا نستبعدهم فيما يخص الحقائق القرآنية التى تنطبق على الملائكة المخلوقة قبل يوم الدين .
2 ـ من الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة لها حرية الاختيار وما يعنيه هذا من إحتمال الوقوع فى المعصية والعذاب . ولقد عصى واحد من الملائكة وهو إبليس فطرده رب العزة من الملأ الأعلى حين رفض السجود لآدم وسيكون مع أوليائه فى الجحيم . ولنا مقال بحثى عن ابليس الذى كان من الملائكة فأصبح من الجنّ بعد عصيانه وطرده . ولكن نقرأ سريعا قوله جل وعلا فى هذا الموضوع : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (34) البقرة ) ونلاحظ هنا أن الملائكة تناقش الله جل وعلا وتراجعه فى قراره بجعل خليفة فى الأرض ، وأنهم كانوا يكتمون شيئا ، والله جل وعلا يعلمه . ثم جاء إفتضاح أحدهم وهو ابليس حين رفض السجود لآدم .
3 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستأتى فردا فردا أمام الرحمن يوم الحساب مثل أفراد البشر:( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم )
4 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستقف صفّا يوم العرض على الرحمن ، وكالبشر لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا : ( رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ ).
5 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستتعرض مثلنا للحساب . يبدأ الحساب بالنبيين والشهداء : (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)الزمر) ثم دخول اهل النار (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71) ثم دخول أهل الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً)73) الزمر ) وفى النهاية حساب الملائكة والقضاء بينهم بالحق : ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )(75) الزمر)
ودائما : صدق الله العظيم .!!
 

اجمالي القراءات 24468