تفريغ الدماغ
مقطع من يوميات شاب رابعي!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

مقطع من يوميات شاب رابعي!

استيقظت باكراً على صوت والدتي. كانت تسألني السماح لشقيقتي الكبرى، وهي في الواقع ساهمت في تربيتي أي أنها في حُكم أمي الصغرى، أن تخرج للقاء صديقة لها لم ترها منذ عدة سنوات لغيابها في الخارج.

 

رفضت طبعا، فأنا مسلم ، أي أرفض قبل أن أفكر، والتفكير عقلانية، والعقل يجلب المرض، والمنطق يُميت القلب، والموضوعية خدعة غربية لغزونا فكرياً.

سألت شقيقتي عن البلد الذي هاجرت إليه صديقتها مع زوجها، فقالت بأنها تعيش في عاصمة النور ..  باريس!

 

وقف شعر رأسي، ونهرتها بصوت أعلى من مذياع جارتنا، وقلت لها بأن النور يأتي من الإسلام فقط ، أما الغرب الكافر فيُصَدِّر لنا الخلاعة والمجون والاباحية، ويحتفظ لنفسه بأسرار العلم والتكنولوجيا.

ثم إن منع المنقبات العفيفات من اخفاء وجوههن في فرنسا جريمة يهتز لها عرش الرحمن.

سألتني شقيقتي بصوت محشرج ودموع حبيسة: وما علاقة هذا بصداقتي معها؟

 

يارب الكون العظيم، امرأة تردّ على رجل، وتتبجح في وجهه وهي تعلم أنه لو أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم ،أحداً أن يسجد لأحد، لأمر المرأة أن تسجد للرجل!

في البيت يعتبرونني السيد لأنني منتم إلى الجماعة، ولا أتبسم إلا قليلا، ولا أمزح مع أهل بيتي، وعلاقاتي كلها تنحصر في النصح والارشاء والتخويف والترهيب والاستشهاد بنصوص حفظتها عن ظهر قلب من كتب عتيقة أخرجت من ألف عام الإنسانية من الظلام إلى النور.

عدت إلى النوم قليلا فقد قضيت الليل كله في أرق شديد بعدما قرأت تفاصيل الوصف الدقيق للحور العين، وتخيلت نفسي بين أحضان ثلاث وسبعين منهن، تعود لكل واحدة عذريتها فأنتقل إلى الأخرى، وكلما فضضت عذراء كما يفض الجيش اعتصامنا، أحسست بأن فحولتي زادت مئة حصان ضوئي.

 

اتصل بي أعز أصدقائي ليبلغني بنبأ الأوامر أن نتوجه لمكان الاعتصام الجديد بعد صلاة الجمعة، وأبلغني بأن أمير جماعتنا واثق أننا سننزل الرعب في قلوب ضباط الجيش، ولنا أسوة حسنة في الزعيم الروحي البلتاجي وهو يقف على المنصة متحدياً وزير دفاع الجيش العلماني.

ثم أردف قائلا: لقد تحدينا دولة الجاهلية شهراً ونصف الشهر، وأحضرنا أطفالنا الصغار وقد أجبرناهم أن يحمل كل طفل كفنه بيديه الصغيرتين حتى يتعلم أن الحياة زينة خادعة، وأن رائحة القبور كرائحة المسك، وأن حرصنا على موت أطفالنا كحرص الجيش العلماني على حياة الرفاهية والفيلات والشرب والمال الوفير.

 

غادرت المنزل بعدما أمرتُ حريمــَـه، ومنهن أمي الصالحة، أن لا يغادرنه قبل عودتي، ثم إن المرأة ينبغي أن لا تترك بيتها إلا إلى بيت زوجها أو .. إلى القبر.

في الطريق قابلت جارنا الذي يسكن في الطابق السابع وهو قبطي يذهب كل يوم أحد مع أسرته السافرة إلى الكنيسة دون حياء رغم أننا دولة إسلامية.

ابتسم لي، فقطبت جبيني، وتطاير الشرر من عيني وأحسست برغبة عارمة أن أنضم إلى حارقي الكنائس لعلي أكسب ثوابا مضاعفاً، وربما أشترك في الاستيلاء على محلات الأقباط فينالني نصيب من الغنيمة ولا أحتاج للعمل في الدولة الجاهلية.

 

منذ أن انضممت إلى الجماعة الإسلامية وأنا أشعر بفخر شديد لأن صدري امتلأ كراهية لغير المسلمين، وبغضا للمسلمين المتساهلين في أمر دينهم، ومقتا للذين يرفضون الحُكم بشريعة الله.

منذ أسبوع حضرت درسا دينيا كدت بعده أطير بدون أجنحة فقد أقنعنا الشيخ المهيب والتقي والفقيه أننا نقترب من اقامة الخلافة الإسلامية، وأن الله سيرسل ملايين الملائكة لدعمنا في غزو العالم، وأن من أراد جارية شقراء، ناعمة الملمس، ترائبية النهدين، هيفاء الخصرين، بيضاء الكفين، طرية البطن،حمراء الشفتين فسيجد منهن العشرات بين يديه بمجرد أن نفتح العالم من جواتيمالا إلى آيسلندا، ومن مستعمرة رينيون الفرنسية إلى أوكلاند النيوزيلاندية.

سأله شاب ملتح وصغير السن عن الجاريات التركيات فأجاب بأن الخليفة المساعد رجب طيب أردوغان ينبغي أن يستأذن خليفة المسلمين في القاهرة، مرسي أو الظواهري أو الزمر أو الشاطر أو عاصم عبد الماجد أو بديع، فك الله أسرهم، فالخلافة يجب أن تكون من أرض سيناء المباركة بعد عودة جنودنا إليها، الذين قام الخليفة محمد مرسي بتهريبهم من السجون الظالمة إلى رمل سيناء الطاهرة، فجاء جيش الجاهلية بزعم تطهيرها منهم.

 

ما أجمل أن يفكر لي الآخرون، وأن أضع امكانياتي وحياتي وكفني بين أيدي أمراء جيش الإسلام العظيم، وأن أردد كلمات لا أفهمها مثل الشرعية والانتخاب والديمقراطية والانتظار حتى نهاية فترة الرئيس.

الحمقى من العلمانيين كرهوا النجاحات الباهرة للرئيس الشرعي محمد مرسي، فكان الرجل يصلي الفجر حاضرا وفي معيته ثلاثون سيارة، ويحيط به عشرات الحراس، يحصلون على ثواب الصلاة دون اقامتها لأنهم والملائكة حول الرئيس.

رئيسنا كان أكبر من الصغائر مثل القمامة والأمن وتهريب السلاح إلى مصر ، فعبقريته لم يفهمها الجاهليون المصريون.

كان يحفظ العهد فرفض اجبار شركات النظافة على تغيير العقد وهم يحصلون على مئات الملايين من الجنيهات.

 

ولم يأمر بالقبض على المسجلين خطراً، وكانوا أكثر من مئتي ألف يروعون الناس، خشية أن يقبض عليهم ويكون من بينهم حافظون لكتاب الله ومواظبون على الصلاة.

وكان يرى تهريب السلاح من ليبيا والسودان وغزة قوة للمسلمين في سيناء حتى إذا جاءنا غزو كافر، عثرنا بسهولة على السلاح دون استجداء واشنطون والبنتاجون.

لقد تمنينا في تحدينا للجيش الجاهلي أن يبيدنا في رابعة والنهضة فالجنة كانت أقرب إلينا من حبل الوريد، لكن أوامر السيسي كانت فض الاعتصام بالقوة ولكن بأقل خسائر ممكنة، فسقط منا ألفان أو ثلاثة آلاف، أي واحد بالمئة فقط من مجموع المعتصمين والمعتصمات ، فقلبنا الدنيا، عاليها سافلها، ضد جيش الجاهلية.

 

في العيد الأربعين لحرب أكتوبر كان يوما طاهرا ومجيداً، فنحن نملك كل التبريرات لأننا لا نعترف بالعقل وهذا يمنحنا مركز قوة، فنظمنا مظاهرات ضد الجيش، زعمنا للبلهاء أنها ضد السيسي.

حاولنا تخريب اليوم الذي ينتظره المصريون، ووجدنا استجابة من مئات الآلاف، ولم نكترث لفرحة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي وجدنا أنفسنا نقف معه في يوم هزيمته كأننا من بويضة امرأة عبرانية تخصبت بحيوان منوي من صلب مناحيم بيجين، وتتلمذت على أيدي الموساد وتلبستها روح إيلي كوهين.

نحن نلعن ظاهرا الدولة العبرية، لكننا إذا أردنا الأمانة فسنجد قلوبنا تهفو للكيان العبري، ولو هاجمت إسرائيل جيش السيسي فستجدنا طابورا خامسا لها، فالعدو الخارجي أقرب إلينا من العدو الوطني.

 

عندما أضطر للوقوف احتراما للعــَــلــَــم الوطني المصري أشعر بتأنيب ضميري لأنني منافق، فالعــَــلــَــم المصري وثنية، وتقبيله شرك بالله، والنشيد الوطني المصري من معازف الشيطان.

قالوا لنا بأن سباب المسلم فسوق، وأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وطلب منا الله تعالى أن نخفض الصوت، وأن نقول قولا لينا، وأن لا نلعن الآخرين، لكننا نظن أن الكلام الرباني والنبوي هنا للتقية، فأصبحنا شتــَّــامين، لعــَّــانين، سبــَّـابين، لا يـَـسلم منـّـا كاتب أو تويتري أو فيسبوكي أو فضائي أو متظاهر أو شقيق أو صديق أو جار ، فتجمعنا على محاربة مخالفينا ألسنة تنفث سُمَّ الثعابين لأننا نفهم الإسلام أكثر من غيرنا.

عبقرية فكر الجماعة في أنها تــُـلغي الفرد حتى يتفرغ للعبادة، وتعطي القائد حرية ملء جماجمنا بكل ما يريد، فهو أعرف منا بأنفسنا، ولو أفرغ أدمغتنا فضلات الصرف الصحي فالطاعة واجبة، وسنعرف حكمته لاحقاً.

 

يقول العلمانيون عنا بأننا قساة كالصخر، وأغبياء كالخنازير، وحمقى كالأرانب، وجبناء كالفئران، لكننا في الواقع أكثر ذكاء من الجاهليين، ومن لا يُصدق فلينظر أينما ولى وجهه وسيجد اليد الصفراء، والأصابع الأربعة، والدماغ المجوف، والشتائم المتلاحقة، واللسان السيفي الذي يقطع قبل أن يفكر.

الآن أنا في طريق للقاء أصدقاء الإيمان ولديهم التوجيهات من قادتنا، ولا ننفق قرشا واحداً، حتى الأكفان البيضاء التي سيلتف فيها أطفالنا قبل دفنهم توفرها لنا القيادة الحكيمة.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 8 أكتوبر 2013

اجمالي القراءات 10153