لطمية رابعة(1:6)

سامح عسكر في الخميس ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

قال الحكواتي: قصة صراع بين العلم والدين، ليس في حقيقته بل لنتائج العلم ولفهم الدين، قصة صراااع من أجل السياسة وليست لأجل الدين، الرغبة تقتل العدل ولا غِنى عنها، الصدق يُشعِل الحروب وبدونه يَفنى العالَم.

ما هو الإنسان، هل هو المتدين أم غير المتدين؟..هل هو الحليم أم الجبّار؟..هل هو الصادق أم الكاذب؟..وماذا أصبح العالم كله متديناً حليماً صادقا فما جدوى النار؟..وماذا لو كان العكس فما جدوى الجنّة؟

إنها الرغبة والوصاية والظهور، كلها مفاتيح الشر في العالَم..

نحكي اليوم من حلقات هذا الصراع ما يكشفه لنا ولنعلم من نواجهه على دراية.

ينقطع الحكواتي:

ثم صورة لشيخ ملتح في الستينات من عمره يدخل المسرح والستار مقفول..يدخل على مهل ويتأمل المكان بسِبحته وهو يذكر.

ثم يُكمِل الحكواتي:

كان الشيخ .."فالح".. عظيم الشأن في قومه، ومستمعيه بالملايين، حَسَن المظهر بشوش الوجه ومنطلق في ابتسامته بما يُشعرُكَ بالراحة، كانت قناته الفضائية مشهورة ورائجة بين البُسطاء..في المنازل والمحلات وعلى القهاوي..الكل كان يستمع لقناة الشيخ فالح وإن اختلف جمهوره الذوّاق..كان يعتمد على مدير أعماله الشيخ.."أبو المواهب"..في تسيير شئون القناة، ولم يكن يكسل في استشارته بخصوص الدعوة.

لحيته مخضوبة بمواد وألوان تُشعرك بالهيبة والوقار، وكانت ملابسه بيضاء، حتى غطاء الرأس كان أبيضا، لم يكن يتوانى في الاهتمام بنظافته الشخصية ومظهره الخارجي، حين يهم بالكلام يتهيأ بصدره وكأنه يقوم من مكانه، وحين يسأل يهز رأسه بنفي أي إجابة قد تخرج عن حدود المنطق.

سار في دعوته فترة من الزمان، لم يتوانَ في توصيل معلوماته إلى الناس، كان كثير الكلام في الحديث وعن علوم الحديث وفي الصحابة وعن منازل الصحابة، ولكن لم يكن يقرب من آل البيت خشية أن يتهموه في دينه، فواعجبا أن زمان الشيخ فالح كان زماناً يعج بالفتن بين السنة والشيعة، وكأن الحديث عن آل البيت هو ارتضاء بمذاهب من ينصرهم..وللحق لم يكن وحده في هذا المضمار، بل كانوا كل من سار على طريقه وارتضى أفكاره وأسلوبه في الدعوة.

كانوا شيوخاً وقادة..مفكرين وطُلاب علم، الجميع ينهل من نفس الطريق، كأنه طريق محدد ومخطوط بخطوط ملوّنة وزاهية لا أحد يقربها.

أسرته مكونه من زوجاته الثلاثة وأبنائه التسعة وكأن المقصود أن لكل زوجة ثلاثة أبناء..هكذا كان الشيخ فالح .."يحب النظام"..جميعهن منتقبات ولا يظهر من وجوههن "في الشارع"سوى العين..كان يُقنع زوجاته وأبنائه بأن الدين في ستر الوجه والجسد، وأنه ليكفي المرأة ذلك عن دينها حتى تدخل الجنة وهي عفيفة لم تمسسها عين، أما أبنائه الذكور فكان يحضهم على العلم والالتزام بالسنة..

لدى الشيخ فالح وأولاده تصور عام عن السنة يرى العاقل أنه تصور شكلي لا يمس الجوهر، كانت اللحية والسواك والنقاب وشُرب الماء من القعود، وثياب أو بنطال قصير فوق الكعبين ،يُطلقون على غيرهم لفظ.."حليق"..لمن يحلق لحيته، وسافرة لمن لا ترتدي النقاب، وضال لمن لا يلزم باقي الطقوس.

في المنزل توجد مكتبة ضخمة لجميع كتب.."ابن تيمية وابن القيم وابن رجب الحنبلي وابن عثيمين وابن باز وابن حجر العسقلاني"..صور هؤلاء العلماء في ذهنه كما في أذهان أولاده وأتباعه، هم القدوة وعن طريقهم ستكون الجنة، فهم السابقون والشيخ فالح ومحبيه هم اللاحقون..!

غادر الشيخ فالح المسرح ..ثم تفتح الستارة على المجموعة وهي تنشد -حُزناً -وبإشارات بطيئة:

يااااأغلى من نن العين...ياااراااابعة
ياجرحي وهمّ السنين...ياااراااابعة
أبكيكي بدم القلوب وانا العاشق الولهان
أروح فين وآجي منين دا انا الغلبان
جيشنا قتلنا وبقينا مسجونين
وماحدش عاد يهمه مصيرنا لفين
قولنا الدين قالوا علماني
صرخت والصرخة كاتماني
قولنا عدالة قالوا فلول
وماحدش سامعني آه ياني
يارابعة ياشُغل السنين..عرقنا سواح
طوفنا بلاد ومليناها كفاح
احنا الحق وهما السفاحين..يارابعة يانن العين
مكملين مشوارنا عشان الدين
والحق والشرع فوق راسنا..دا احنا اللي عاوزين
نشوف بلدنا خضرا من غير ولا دمعة
على طول في قلوبنا ياغالية يااااارااابعة
يااااارابعة....يااااارابعة

تحية المجموعة وفاصل مرئي صامت:

مشهدٍ في المنزل تجوب العين أرجائه حتى تقف على المكتبة وتعد ما فيها من كتب، حتى يظهر كتاب ضخم وكبير فوق ال.."24"..جزء وهو كتاب.."فتح الباري لشرح صحيح البخاري"..ويبدو أن لهذا الكتاب منزلة عظيمة عند الشيخ.

الساعة السابعة صباحاً..يدخل الشيخ فالح ثم يتناول بعض الكتب بالإطلاع السريع، حتى يقف على مجلد واحد لكتاب فتح الباري، ويقف فيه متأملاً شارد الذهن..

يدخل أحد أبنائه وهو.."خالد"..في العشرينات من عمره، ويبدو عليه أثر العلم الجامعي بلحيته الخفيفة ونظارته الشفافة وبعض الكُتب الجامعية في يده، ثم يدور هذا الحوار.

خالد: السلام عليكم يابابا

الشيخ فالح: وعليكم السلام ورحمة الله، فيه حاجة ياخالد؟

خالد: شايفك واقف أدام المكتبة من بدري فقولت أسلم عليك قبل ماانزل اروح الجامعة.

الشيخ فالح: حصل امبارح ان سألني أحد المتصلين سؤال بيشكك فيه في حكم قتل المرتد، وأنا ماعرفتش أرد صح، بيقول ان مفيش في الدين أي عقوبة ع المرتد، وجاب أدلة من القرآن رديت عليها.

خالد: طب طالما رديت عليه واقف بتراجع معلوماتك ولا بتشوف حاجة جديدة؟

الشيخ فالح: أنا رديت عليه وأفحمته يابني، دا واخد كلامه من العلمانيين الكفرة اللي ماعندهومش ملّة ولا دين...ثم التوى الشيخ بعُنقه وأردف ساخراً: قال إيه بيقولوا تجديد؟...ياأخي يلعن أبوهم!

ثم أخذَ نَفَساً عميقاً استرجع فيه هدوءه وتابع:

كل اللي حصل إنه سألني سؤال فيه منطق شوية، بيقول ازاي يكون ربنا بيقول بقتل المرتد عن الإسلام واحنا عارفين إن الرسول بيقول.."إذا قتلتم فأحسِنوا القتلة"..وفي نفس الوقت بيقول برجم الزاني المحصن حتى الموت؟....هو إيه اللي أكبر وأعظم عند الله.."الكفر أم الزنا"..الإجابة طبعاً الكُفر،يعني هو بيقول ازاي تكون الجريمة الأعظم عقوبتها أخف من الجريمة الأصغر؟

خالد: وإيه اللي هايفرق ؟..دا موت ودا موت!

الشيخ فالح: لأ ياخالد..الزنا عقوبته الرجم حتى الموت ..يعني قتل بتعذيب، بينما الردة عقوبتها القتل الحَسَن..هنا في مشكلة حاولت أشوف رأي ابن حجر العسقلاني فيها لاقيته بيقول نفس الكلام اللي بندرسه واحنا صغيرين..

خالد: يعني إيه يابا..ابن حجر بيقول كلام غلط؟!..حضرتك ماعودتناش ان فيه حد من علمائنا كدا...

ثم صمت خالد بُرهة مُفكراً ثم قال: يعني مش مقتنع بكلام ابن حجر؟

اجمالي القراءات 8833