معجزة اختيار اللفظ في القرآن:مدخل لعلم قرآنى جديد (الجزء الأخير )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٧ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

السابع والعشرون : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )

مقدمة

1 ـ معروف مرض العشى الليلى،حيث يواجه المريض به صعوبة في رؤية النور ليلاً أو في ظل الإضاءة الخافتة. رب العزة يشير الى نوع فريد من العشى الليلى فى قوله جل وعلا:( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) . هو مرض فريد لأنّ : الشخص هو الذى يختار بنفسه أن يكون مريضا بهذا المرض . المريض العادى تحدث له الإصابة ولا يريدها بل يجتهد فى الشفاء منها ، أما مريضنا هذا فهو سعيد بمرضه ، وهو الذى إختار مرضه . ثم إن مريضنا هذا ليس مريضا بالعشى ليلا فقط  ، بل هو مريض به ليل نهار . والعجيب أنه يرى بعينيه جيدا ولكن المرض ليس فى عينيه بل فى (نفسه ) أو ( قلبه ) أو ( فؤاده ) . ليس مرضا حسيا بل معنويا ، لا يتصل بصحة الجسد بل بالضلال . هنا تجد المريض ينظر بعينيه ولكن لا يبصر بعقله ، يسمع بأذنيه ولكن لا يهتدى بقلبه .هو المأخوذ الذى تم إستلاب عقله .  وما أروع قوله جل وعلا فى هذا المريض بالضلال : ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (198)الاعراف ).

2 ـ ترى هذه النوعية فى كل المتدينين المتمسكين بأديانهم الأرضية المؤمنين يخرافاتها .  ترى أحدهم عاقلا ذكيا يقظا ، ولكن يفقد عقله فيما يخصّ خرافات دينه الأرضى . فإذا ناقشته فيها فمهما قلت له فلا يسمع ، وتراه ينظر اليك ولا يراك . وجرّب بنفسك مع أتباع البخارى مثلا . هات كتاب البخارى وإقرأ له أحاديثه التى يطعن فيها فى الاسلام والرسول عليه السلام فلن يسمعك . بل إستمع الى شيوخهم وهم يتكلمون بمنتهى الجدية فى خرافات يضحك منها الحزين ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعا .

3 ـ لماذا ؟ ومن إستلب عقله بهذا الشكل ؟ إنه شيطان إقترن به يتحكّم فيه ويزين له سوء عمله فيحسبه حسنا .يقلب له الحق باطلا والباطل حقا ، ومهما يقال له من هدى لا يسمع ، ومهما توضح له الأدلة فلا يرى . هذه الحالة المستحيلة الشفاء يعبر عنها رب العزة فى إعجاز منقطع النظير فى قوله جل وعلا :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) .

ونتوقف مع الآية الكريمة بالتدبر فى سياقها الخاص :

يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) الزخرف ). العناصر الأساس فى هذا السياق الخاص هى :

1 ـ  شخص إختار مرض العشى القلبى ويرفض رؤية نور الهداية الذى أنزله الرحمن : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) فتكون النتيجة أن يتسلط عليه شيطان يقترن به ، أى يكون له قرينا : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ). يتحكم فيه هذا الشيطان المقترن به يصدّه عن الحق ، ويقنعه أن الباطل هو سبيل الهدى : ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ، وفى كل هذا وصاحبنا المريض سعيد بمرضه فخور به ، يعتقد أن رأيه من رأسه، إذ لا يرى الشيطان المقترن به .

2 ـ فهذا العالم المادى الذى نعيش فيه ونراه ونحسّ به يتداخل فيه عوالم ( البرزخ ). وكل إنسان له مستويان : جسدى مادى،وهو الجزء المرئى منا ، ثم ( النفس ) الكائن البرزخى غير المرئى الذى يحتل هذا الجسد المادى ويتحكم فيه ويسيّره . تفارق هذه النفس جسدها مؤقتا بالنوم وتعود اليه باليقظة ، ثم تفارقه نهائيا بالموت . فى عوالم البرزخ تعيش الجن والملائكة والشياطين . ومن الملائكة يتخصص إثنان لكل فرد يسجلان عليه أعماله ، وهما ( رقيب وعتيد ) ، وفى نفس البرزخ يوجد شيطان يقترن بمن يعشو عن ذكر الرحمن .  هذا الشيطان يتداخل مع الجسد ليسيطر على ( نفس ) صاحب الجسد . الجسد له سمع وبصر ، وللنفس أيضا صورة الجسد ولها سمع وبصر. والقرين الشيطانى حين يتحكم فى النفس يجعلها لا تسمع ولا ترى . أى فالجسد يرى ويسمع ماديا بعينيه وبأذنيه ، ولكن ما يراه وما يسمعه لا يصل الى النفس التى تم ( الطبع ) عليها ، وتغليفها وحجبها عن سماع الحق القرآنى. الله جل وعلا يقدّم لنا أروع بيان ، يقول رب العزة :( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46)الاسراء) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)الكهف )( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)فصلت ) .

3 ـ والانسان طالما بقى فى جسده المادى الدنيوى لا يستطيع أن يرى بعينيه الماديتين الملائكة و( رقيب وعتيد )، وإذا كان مريضا بالضلال فلا يستطيع أن يرى قرينه الشيطانى الذى يركبه ويوجهه ويتحكم فيه. عند الموت يرى ملائكة الموت ، وعند البعث ، إذا كان ضالا يرى قرينه الشيطانى ، وعندها يعلن براءته منه ، بلا فائدة ، وهذا معنى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ  ). ومصيرهما أنهما معا مقترنان فى العذاب إذ يقال لهما :( وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ). وبالتالى فلا فائدة من محاولة هداية أولئك الضالين المُضلين ، فهم عمى وصُمُّ ، وهذا ما قاله رب العزة لخاتم المرسلين فى نهاية هذا السياق : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ).  

ونتوقف مع الآية الكريمة ببعض التدبر فى سياقها العام :

1 ـ ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) . هذا يعنى وجود نور إختار صاحبنا أن تعشو عيناه عن رؤيته . أى إن (ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) هو نور القرآن الكريم . هو نور لأهل الكتاب : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)المائدة:15 ، 16 ) ونور للذين آمنوا : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)الأعراف:157 ) (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)التغابن:8 ) ونور للناس جميعا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)النساء:147 ) . ولكن لا يرى هذا النور إلا من يطلب الهداية فيهديه الله جل وعلا:( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا )الشورى: 52 ). أما الذى يرفض فقد إختار الضلال ، فيتولاه شيطان يقترن به :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ  )

2 ـ هذا القرين الشيطانى يسيطر على كل ضال مُضل من الضالين المُضلين . يقول جل وعلا عنهم : ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت ). بدءوا بالضلال فاستحوذ على كل منهم قرين شيطانى  يزين له الباطل حقا ، ويصل به الى طريق الخسار . ويظهر هذا فى موقفهم من القرآن الكريم ، تقول الآية التالية عن رفضهم الاستماع للقرآن الكريم وأمرهم بعضهم باللغو فيه حتى يتغلبوا على نور القرآن ويمنعوه من التسلل للقلوب :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فصلت ) . وهذا بالضبط ما يحدث فى عصرنا وعصور سبقت ، حيث ظل المسلمون يتخذون القرآن مهجورا بطرق مختلفة ، منها التغنى به وجعله انشودة يسمعون فيها صوت المنشد المغنى ، بل جعلوا التغنى بالقرآن عبادة وسمّوه ( تجويدا ) وقد تعرضنا لهذا فى مقال سبق . وهم عادة ( يهللون ) لصوت المنشد، وهو ما ينطبق عليه قوله جل وعلا: ( وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ففى هذا الضجيج يتعذّر على من يريد الهداية أن يتدبر فيما يسمع من القرآن الكريم . لذا يقول رب العزة فى الآية التالية يتوعّدهم باسلوب التأكيد : ( فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)فصلت )، وفى عذاب الخلد هذا سيتمنون الانتقام ممّن أضلهم من الجن والإنس : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الأَسْفَلِينَ (29) فصلت )

3 ـ ولهذا القرين مساجلات مع صاحبه يوم القيامة . فى سورة ( ق ) يقول جل وعلا عن قيام ملكى كتابة العمل بتسجيل عمل كل فرد فى الدنيا:( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)). ثم يأتيه الموت الذى يتحاشاه:( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)) ، ثم فيما بعد يكون البعث للجميع بمجىء يوم الوعيد:( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)) . وتأتى كل نفس وقد فارقت جسدها الأرضى ، وتحمل عملها الدنيوى ، وهى فى حالة إعتقال ، فقد تحول ( رقيب وعتيد ) الى ( سائق وشهيد ):( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21))، أحدهما يسوق النفس والاخر يشهد له بعملها الصالح ( إن كانت صالحة )، وهذا هو معنى الشفاعة ، أو يشهد عليها بعملها الظالم ، شهادة خصومة. فى هذا الموقف يرى الفرد منّا ما لم يكن يراه فى الدنيا ، فقد إنتهى البرزخ وزال العالم المادى والجسد المادى ، أو زال الغطاء الذى كان يحجب رؤية الملائكة والجن والشياطين ، يقول جل وعلا فى الاية التالية :( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)). يرى الضال عندئذ قرينه الشيطانى الذى أضلّه ، ويبادر القرين بالتبرؤ من صاحبه الضال :( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) ق ) . هو فعلا قرين سىّء ، أو بتعبير رب العزة جل وعلا :( وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38) النساء ).

4 ـ  هذا القرين السىّء هو الذى يجعل صاحبه البشرى يتّخذ أولياء من البشر يؤلههم ويطلب منهم المدد والعون ، يقول جل وعلا فيمن يعبد القبور ويقدس البشر الأحياء والأموات :  ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) الكهف ) . من الذى جعلهم يحسبون هذا الحساب الخاطىء ؟ إنه الشيطان الذى أقنعهم بعبادة الرجس من القبور والأنصاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ). لذا يقول لنا جل وعلا عن الأخسرين أعمالا :( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)الكهف). هذا ينطبق على الذين يقدسون القبر الرجسى المنسوب للنبى محمد ، وهو برىء منهم ، ويقدسون قبور الصحابة ومن يسمونهم ( آل البيت ) وقبور الأئمة الشيعة والسنيين والأولياء الصوفية . ملايين القبور المقدسة يتم عبادتها والحج اليها والطواف حولها وتقديم القرابين والنذور لها ، والصلاة أمامها والتوسل بها بخشوع وخضوع لا مثيل له فى الصلاة لرب العزة جل وعلا. من هو البطل الذى أقنع بلايين المسلمين من أكثر من عشر قرون بأن يفعلوا ذلك ؟ إنه القرين . يقول جل وعلا عن ( القرناء ) الشياطين الذين أضلوا معظم البشر : (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف ) القرناء الشياطين أقنعوا ضحاياهم أنهم مهتدون .! بل سيحلفون يوم القيامة أمام الله جل وعلا أنهم مهتدون ، فقد إستحوذ على كل منهم قرينه الشيطانى . يقول جل وعلا:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة ) .!

 لذلك لا فائدة من هداية ذلك الذى زيّن له قرينه الشيطانى سوء عمله فرآه حسنا . لقد إختار الضلال وتمسك به، يقول جل وعلا لخاتم المرسلين ولكل داعية للحق : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 13955