هل الأزهر هيئة علمية أم هيئة مقدسة؟

خالد منتصر في الأحد ٢٢ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

الأزهر له مكانة خاصة فى قلوب المصريين، وما زال الرداء الأزهرى من جبة وقفطان وعمامة له سحر خاص مهما حاول الدعاة الجدد فرض زيهم الوهابى البدوى بغترته وجلبابه لنفى الزى الأزهرى من الوجدان المصرى ستظل العمامة الأزهرية هى الرمز والمعنى والدلالة، أما تاريخه النضالى القديم إبان الحملة الفرنسية وفى زمن محمد على وبزوغ أول شعاع تنوير من خلال كتابات شيخ ينتمى إلى هذه المؤسسة الجليلة وهو الشيخ الطهطاوى فهو أكثر ثراء من أن نلخصه فى مقال، كل هذه النقاط وغيرها تجعل الأزهر خارج المزايدات مقاوماً لكل تربص أو محاولة اختطاف أو اغتيال، واجبنا الاحترام كل الاحترام لتلك المؤسسة ولكن يجب ألا نتجاوز ذلك إلى مرحلة التقديس والتأليه وزرع كهنوت جديد فى الأرض المصرية وبنص دستورى، ويجب ألا نجعل كراهيتنا لديكتاتورية الإخوان توقعنا فى التطرف المضاد فنخلق كياناً موازياً وولاية فقيه ونرتمى فى أحضان ديكتاتورية المؤسسة الدينية وبأيدينا ودستورنا، ونمتنع عن النقد وإبداء وجهات النظر بدعوى أنك تنتقد الأزهر الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا إنه من حقى، بل من واجبى، بل من واجب الأزهر، أن يطالب الناس بانتقاده وتقديم النصح إليه، وإذا كان اليوم بيننا أحمد الطيب الذى نجد له آراء مستنيرة ونطمئن إليه فغداً من الممكن أن يختطف الوهابيون الأزهر ونجد أمامنا شيخ أزهر يطيح بكل ما أرساه الأزهر من فكر دينى وسطى، يجب ألا تتم صياغة المادة الخاصة بالأزهر على مقاس شخص موجود، مع كامل احترامى لهذا الشخص، فالدستور وثيقة مستقبل ووثيقة توافق ومبادئ عامة لا تتعامل مع شخص محدد وزمن محدد، ويجب أن يعطى النص الدستورى ضمانة للناس وحصانة للشعب لا للشخص والمؤسسة، من يثق فى شخص شيخ الأزهر الحالى لديه كامل الحق، ولكن ليغمض عينيه لثوانٍ ويتخيل الشيخ عمر عبدالرحمن شيخاً للأزهر وهو الأزهرى صاحب الدكتوراه!، فليتخيل «عبدالرحمن البر» مفتى الإخوان شيخاً للأزهر، وهو قد كان على وشك الجلوس على الكرسى لولا معجزة 30 يونيو، ألم يكن من أقام الدنيا ولم يقعدها على فتوى رضاعة الكبير أزهرياً بل رئيس قسم حديث!، ألم يكن د. عبدالغفار عزيز وهيئته من كبار العلماء هى التى كفّرت فرج فودة وفتحت الباب ومنحت المبررات الدينية لمن اغتاله وكان مجرد منفذ لتلك الفتوى، ألم تصادر رواية نجيب محفوظ العبقرية «أولاد حارتنا» برغبة أزهرية وبرعاية أزهرى كبير، ألم تصادر كتب فى معرض 1994 منها رواية لإبراهيم عيسى وأخرى للخراط بواسطة لجنة رقابة أزهرية وعادت الكتب بعد تدخل حسنى مبارك، مما جعل شيخ الأزهر يطلب فتوى طارق البشرى ومجلس الدولة، وكانت تلك الفتوى القانونية القمعية التى خولت للأزهر حق الرقابة والتفتيش فى نوايا المبدعين بدعوى الحفاظ على الشريعة الإسلامية! وإذا كان الرد، دعك من كل ذلك، فهؤلاء مجرد شيوخ أزهريين تصرفاتهم فردية تنسب إليهم، المهم أن شيخ الأزهر سيعدل الكفة ويتدخل فى اللحظة الحاسمة للعودة لصراط الحق المبين الناصع الساطع، ولكن الحقيقة أن الرأى من الممكن أن يتغير بتغير الإمام الأكبر نفسه وليس فقط مجرد التغيير الطفيف بل النقيض 180 درجة، فكلنا يتذكر الشيخ جاد الحق الذى دافع عن «ختان البنات» وحللها، وجاء الشيخ سيد طنطاوى ليهاجم تلك العادة ويحرمها، وبالنسبة لفوائد البنوك حدث نفس الخلاف بين الشيخين الجليلين، إذن فمن نتبع منهما؟ ومن يكون منهما المنوط به الحفاظ على الشريعة؟! الأزهر ليس هيئة فوق النقد، وليس هيئة خارج الرقابة المالية، وليس هيئة علوية للتفتيش فى الضمائر والنيات، وليس لجنة مكارثية عليها حساب المبدعين وتصنيفهم هذا مؤمن وهذا كافر، لا بد للأزهر أن يجدد دماءه ومناهجه وبعثاته ويسأل نفسه لماذا يضم بين جنباته من يعتنقون مذاهب التطرف وينتمون بل ويقودون أحياناً تنظيمات متطرفة؟ ولو وافقنا على أنهم عدد قليل سيظل نفس السؤال يواجهنا ويتحدانا وهو سؤال لا علاقة له بالعدد بل بالمنهج والفكر، ولذلك حفاظاً على الأزهر ومكانته لا تمنحوه صك الكهنوت والقداسة، امنحوه الاحترام الواجب، ولكن الاحترام شىء والانسحاق شىء آخر.

اجمالي القراءات 10509