العدالة الغائبة
معذرة، فأنا لا أصـَـدِّق خبرَ الضبطِ والاحضار والقبض على مجرم!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

معذرة، فأنا لا أصـَـدِّق خبرَ الضبطِ والاحضار والقبض على مجرم!

أقاوم كل يوم، وكل ساعة الغسيل الإعلامي لتهيئة قفاي وظــهــري لصفعة شديدة من أي سلطــة قضائية أو تنفيذية أو تشريعية أو إعلامية أو دينية.
لم أعد أصدِّق حتى أرىَ، وإذا رأيت فهذا لا يعني أنَّ الخبرَ صحيح، وإذا كان صحيحاً فالمصيدة يمكن نصبُها بين ثناياه، وتلميعها قانونيا أو دينيا أو تشريعيا.

إذا أردت أن تجعلني أخرج من البلاهة وأدخل في عالم الحقيقة الماثلة، فيجب ضبط كل شروط الخبر، فوضع الممنوعات والمحرمات بهذه الصورة الفجّة يجعلنا نرتاب في كل شيء.

لم نشاهد مبارك وولديه وعصابته وكلابه في أي وضع يُشفي غليلنا، ويرفع من شأن ثورة 25 يناير، فالقضاء يأمر بسرّية المحاكمات، والطاغية المُجرم يعيش حياة رفاهية في مشفاه الفاخر بأموال فقرائنا، ونفسُ الأمر ينسحب على كل عملية ضبط واحضار أو القبض على مجرم أو محتال أو مُهرّب أو قنــَّـاص عيون أو.. متهم بالتعذيب.

أنا لا يهمني خبر محاكمة مبارك وولديه والمشير، رغم أنه خط أحمر، ومرسي وبديع والشاطر وأحمد عز وأحمد نظيف وفتحي سرور وصفوت الشريف والبلتاجي وصفوت حجازي، فالقضاء يأتمر بأوامر السلطــة التنفيذية، والشعب آخر من يحق له المعرفة.

أريد أنْ أرىَ مُتهماَ واحداً من هؤلاء الأوغاد يرتدي البدلة الزرقاء، ويغسل ملابسه الداخلية بنفسه أمام الكاميرا، ويطرطر في الجردل الأصفر المتسخ والموجود داخل الزنزانة، ويجلس فوق مَرْتبة تحوَّل بياضُها إلى اللون الأسود من كثرة البقّ الذي عاث فيها فسادا.

أريد أن أشاهد بأم عيني صورة واضحة لأحد هؤلاء المجرمين في العهود الثلاثة الفاسدة، مبارك والمشير ومرسي، وهو يأكل عدساً في طبق بلاستيك، ويشرب كوبا من الماء الذي سمَّمه عهد يوسف والي بمعرفة مبارك.
لا تقولوا أن العدالة تأخذ مجراها، فهذا ضحك على الذقون، وتزييف الحقيقة، وتزوير في أوراق رسمية، فملايين القضايا نائمة في ملفات مُعفـَّـرة داخل محاكم مصر كلها.

الحقيقة، كل الحقيقة، أن أخبار القبض والاحضار والضبط والتأجيل والاستئناف والنقض والشهود الجدد، كلها ضحكات الشياطين.
سرية المحاكمات ومنع التصوير وأوامر النائب العام بعدم النشر هي صُلب الظلم في مصر، وكلنا مشتركون في تهيئة أقفيتنا، بالصمت تارة، وبالتصديق تارة أخرى!
إن تحويل مصر إلى لغز يُغلق عيون المصريين هي جريمة بكل المعايير، حتى الأموال المنهوبة التي رفضت كل العهود بعد خلع مبارك استردادها، وفضــَّــل مرسي وجماعته قرضا صغيرا يرهق أجيالا قادمة بدلا من إعادة أموال الشعب أصبحت هي الأخرى حفنة من الطــلاسم والألغاز.

لقد آن الوقت الذي يعرف فيه المصريون كل شيء، من أسعار الغاز والبترول إلى إسرائيل إلى الصمت على بلطجية الجماعات المتطرفة، ومن الاتفاقات مع دول الجوار إلى نقاط ضعفنا ماليا وسلاحا وعتاداً ، ومن أسماء آلاف الهاربين من السجون إلى سخافة المسرحية القضائية في التأجيل .. التأجيل .. التأجيل، فبتنا بدون عدالة ولو .. ظالمة.
أخشى أن يكون أمر القضاء بالقبض والضبط والإحضار يعني اخفاء المتهم حتى يسقط اسمه من ذاكرة الشعب.

في رأسي آلاف من علامات الاستفهام التي تحيل أعقل العاقلين إلى قسم الحالات المستعصية للأمراض النفسية والعصبية والعقلية، وأدعو اللــه أن لا يتحقق كابوسي الذي يفترض أن كل من ظــهــر على مسرح السياسة والدين والأحزاب والثورات والفضائيات والاعتصامات والمليونيات كان خصماً للشعب المصري ولو كان لسانه يلهج بحب اللــه والوطن والأرض والحرية والمستقبل.

قرأت اليوم أقذر وأحط وألعن وأسفل عملية تجميل وتلميع وتأهيل للمجرم الطاغية مبارك وذلك في صحيفة مصرية تزعم أنها الحلقة الثالثة من حوار الصراحة.

أحيانا أتابع صحافتنا وعمليات تجميل قــُـبـْـح الاستبداد، والبحث عن خازوق يُمتــِـع به مبارك جماعتي ( أبناء مبارك ) و( إحنا آسفين يا ريس )، وما يُنزل الفزع الشديد في صدري أن أقرأ عن حُكم محكمة غير قابل للنقض يأمر مبارك والمشير ومرسي باغتصاب تسعين مليونا من المصريين، علانية وجهراً، تعويضا للثلاثة لأننا أسأنا الظن بهم، وانتفضنا ضد اثنين منهم!

لعنة اللــه، دنيا وآخرة، على كل من يبرر جريمة واحدة ارتكبها مبارك أو المشير أو مرسي، فإبليس له ثلاثة أسماء ملعونة، وما تزال تــُـبهج، وتــُـسعد، وتــُـفرح عددا هائلا من العبيد الذين لم تحررهم ثورة، ولم يـُـطــهـِّـرهم طميُ النيل.

أعتذر لقرائي الكرام عن لــغــة قاسية فلم أعثر في مفردات استخرجتها من جهازي العصبي على كلمات رقيقة!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 17 سبتمبر 2013

اجمالي القراءات 9575