إلى متى يستمر إضطهاد أهل القرآن فى مصر ؟

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة :

1 ـ أرسل لى الاستاذ ( رضا عبد الرحمن على ) أيميلا  يقول فيه أن احد المراكز الحقوقية فى القاهرة إتّصل به وأخبره أنه يقوم بعمل برنامج وثائقى عن المهمشين ، ومنهم القرآنيون ، وأنهم طلبوا منه التصوير باعتباره أحد المناضلين القرآنيين ، ومن العائلة ، وقد تم سجنه أربعة أشهر لهذا فى عام 2009 ، وطلب منه المركز  التصوير أيضا مع اي شخص يؤمن بالفكر القرآني من خارج العائلة . وقال رضا عبد الرحمن إنه إتّصل ببعض من يعرفهم فرفضوا خشية على حياتهم . وطلب من ترشيح بعض أهل القرآن الذين أعرفهم . وانتهى الأمر برفضهم جميعا .

2 ـ أهل القرآن فى مصر مُرغمون على البقاء فى الظل ، يكتفى بعضهم بالكتابة فى الموقع باسمه الحقيقى أو باسم مستعار ، وأتفق معهم فى أنهم تحت ارهاب حقيقى ، مبعثه الانفلات الأمنى ، وبقاء عصابات الاخوان والسلفيين تعبث فى الشارع المصرى ، وهى مسلحة ومعها غوغاؤها ورعاعها ، وهم يتجرأون على الشرطة .والشرطة نفسها لا تهتم بحماية أهل القرآن ، بل إن الشرطة على أتم إستعداد لتنفيذ المهمة السهلة بالقبض على أى شخص من أهل القرآن ، فأهل القرآن مشهورون بالمسالمة وخفض الجناح ، أى هم فريسة سهلة للشرطة وللاخوان والسلفيين وأى معتدى ظالم . وما اسهل أن يرفع بعضهم قضية أمن دولة ضد أى فرد من اهل القرآن يتهمه فيها بإزدراء الدين ، وسب الصحابة والأئمة والأزهر وشيخ الأزهر ..الخ . وعندها تحقق الشرطة نصرا رخيصا وسهلا بالقبض على المسكين ، بل يمكن أن يكون ذلك لإرضاء السلفيين والأخوان وعقد صفقة معهم بالتضحية بأهل القرآن ، وشغل الرأى العام بقضية . وهذا ما كان سائدا فى عصر مبارك ، والدلائل تشير الى عودة بعض ملامح عصر مبارك .

3 ـ  لذا أقولها إن أهل القرآن هم العلاج المضمون والسهل والسلمى لمواجهة الارهاب الاخوانى والسلفى . وإنه يجب رفع هذا الاضطهاد عنهم ، وإزالة تهميشهم والاستعانة بهم فى قيادة التنوير الاسلامى الحقيقى . وهذا يكون بإزالة كل قوانين العقوبات على الاجتهاد الفكرى والدينى ، وإرساء إصلاح حقيقى للتشريع يكفل ويحمى الحرية الدينية والفكرية لكل مصرى فى مواد صريحة فى الدستور تقضى بشطب كل القوانين التى تمنع حرية الكلمة والابداع . بدون هذا لن يكون اهل القرآن فقط هم الضحية ، بل سيكون معهم وقلهم الأقباط والشيعة والبهائيون ..وكل المصريين ..

4 ـ ذكرنى هذا بأحد المتدينين المحترمين ، كان إماما سلفيا ، ثم اصبح قرآنيا ، وإنطلق يعلن عقيدته فتعرض لاضطهاد ، وقد كتبت قصته فى مقال نشرته جريدة الأحرار فى أوائل التسعينيات بعنوان ( فقه التطرف ). والمقال يعكس مناخ الارهاب الذى كان سائدا ضد أهل القرآن ..ولا يزال حتى الآن . أعيد نشر المقال هنا :

 (  فقـــــــــــه التطـــــــــــرف

 أوّلا :

1 ـ كان ــ و لا يزال ــ مدرساً نابهاً ومنشغلاً بالدين، وكانت له صولاته وجولاته على المنابر، وله مئات المستمعين وعشرات "الأخوة" ، وكان منتظراً له أن يكون صاحب دور ،  لولا أن حدث له حادث جلل ، قلما يحدث للأغلبية المشتغلين بالدعوة الدينية، حدث أن استعمل عقله!!

2 ـ باختصار وجد فجوة هائلة بين القرآن الكريم وبين جانب كبير من الأحاديث المنسوبة للرسول عليه السلام ، وتلك الأحاديث هى عدته وسلاحه على المنابر وفي الندوات والمحافل ، وبعد طول تفكير أيقن أن الأجدى له وللإسلام وللمسلمين أن يتبينوا هذا الإشكال وأن يشتغلوا بهذه المعضلة ، وبدأ بنفسه فتنازل طائعا مختاراً عن لحيته وأنصاره ومريديه ومستمعيه واعتكف عنهم في بيته قارئاً دارساً يصلي بأهل بيته ويتدارس معهم كتاب الله يصححون به الكثير مما يرونه مخالفاً للقرآن الكريم.

وانزعج إخوانه السابقون من ذلك التطور "الهدام"  و "أقبلوا إليه يزفون" ناقشهم بالقرآن وأثبت لهم بالبرهان فانصرفوا عنه عاجزين ناقمين..

3 ـ وبدأت حربهم ضده ، فأشعلوها شائعات على المنابر وعلى ألسنة الناس تتهمه بإنكار السنة والعداء للنبي عليه السلام، ثم تطورت تلك الحرب واتخذت مساراً خبيثاً لتحطيم أعصابه وأعصاب أسرته،إذ تتوالى عليه المكالمات التليفونية والهمسات والنصائح والمقابلات وكلها تنذره بأن اعتقاله بات وشيكاً بسبب أفكاره وأنهم قد يقبضون عليه اليوم أو غداً . ثم بعد هذه الحرب النفسية بدأ إخوانه السابقون يعدون له بعض اللجان لتقوم بمحاكمته واستتابته ليرجع عن تلك الأفكار وإلا أصبح مرتداً حلال الدم !!

4 ـ وانقلبت حياته إلى جحيم !! زوجته المريضة بالقلب أصبحت في حال يرثى لها ، وأولاده تتعلق عيونهم بالباب هلعاً وخوفاً إذا دقّ على الباب طارق يتوقعون القبض على أبيهم أو مجئ من ينفذ فيه حد الردة !!

5 ـ وهذه قصة حقيقة أعرف بطلها وقد جاءني شاكياً من حال الأخوة الأعداء وما فعلوه به وبأهل بيته من حرب لم يرقبوا فيها "إلاً ولا ذمة" و " لا عهدا ولا مروءة" ، مع أنه لم يفعل لهم شيئاً اللهم إلا أنه اعتكف عنهم ولزم بيته وانصرف لحاله.. وقلت له: لا داعي لأن تنزعج من موضوع القبض عليك ، فعليك أن تحمد الله تعالى على أنك تعيش في دولة مدنية ـ أو كما يقولون ـ  دولة علمانية، لأن دستورها ـ الذي يعتبرونه آثماً  ـ يضمن لك ولغيرك حرية العقيدة والفكر ، أما دولتهم التي يعملون من أجلها فالإكراه في الدين هو دستورها الحقيقي .!! .وقلت له: ثم لا تخشى أيضاً من الاعتقال طبقاً لقانون الطوارئ سيئ السمعة، ما دمت منشغلا بنفسك  معتكفاً في بيتك ، بل إنهم أولى الناس  بأن ينالهم قانون الطوارئ لأنهم يقتحمون عليك خلوتك وعزلتك وحقك في أن تكون آمناً على نفسك وأولادك وبيتك وعقيدتك !! . 

6 ـ وقلت له : إن ما فعله "الأخوة الأعداء " معك إنما يعبر بصدق عن " فقه التطرف الذي يناقض الإسلام جملة وتفصيلاً .  فالتطرف الديني يقوم على عنصر الإكراه في الدين وإلزام الغير بمعتقدات الأغلبية حتى لو كانت ضالة  ولذا يتردد على ألسنتهم ألفاظ خاصة مثل الاستتابة والتكفير وحد الردة المزعوم وإباحة الدم.. وهم يعيشون في كنف دولة علمانية يتهمونها بالكفر ولكنهم لا يترددون في الاستعانة بها ضدك لأنك اعتزلتهم وتركتهم ، إنهم يستعيرون عصا السلطة لإرهابك ، وكل ذنبك أنك أعرضت عنهم ، وحين "جاءوك يجادلونك" أفحمتهم في الحجة ، ولأنهم يجهلون الإسلام الذي يريدون أن يحكمونا به ، ولأنهم لم يستطيعوا الصمود أمام حجتك القرآنية فلم يجدوا أمامهم إلا إرهابك بتلك الحرب الرخيصة لتخضع وتنهار فإذا جاءتك لجنة الاستتابة عُدت لهم صاغراً" .

7 ـ وقلت له : وهم يفعلون ذلك بك، وقد كنت "زعيماً لهم" فماذا يفعلون مع الآخرين، وهم يفعلون ذلك بك وهم لا يملكون سلطة ولا يحكمون دولة ؟ فكيف بهم إذا أقاموا دولتهم الدينية ـ والتي لا شأن للإسلام بها ـ واقتحموا بمحاكم التفتيش بيوت الناس وعقولهم وقلوبهم يتهمونهم بالكفر والمروق والوقوع في حد الرد المزعوم ؟؟ .

8 ـ وقلت له: إن فقه الدعوة الإسلامية الحقة يقوم على أساس حرية الاعتقاد وعدم الإكراه في الدين " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ  " (256) البقرة ) ، والله سبحانه وتعالى يقول للنبي عليه السلام " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس) ، والله تعالى ترك الناس أحراراً يختارون الإيمان أو الكفر ، وعلى أساس اختيارهم سيحاسبهم الله تعالى يوم القيامة " قلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا  ) (107) الاسراء  " . " وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) الكهف .

9 ـ وقلت له إن الذي يدعو للحق عليه أن يتمسك بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادل بالتي هى أحسن ، ثم في النهاية يترك خصمه في العقيدة وشأنه ، منتظراً حكم الله تعالى يوم الدين .. فبهذا تنطق عشرات الآيات القرآنية الكريمة .أما التطرف فهو إرهاب فكري وإلزام قسري ولجوء  للعنف  فيما لا مجال  للعنف فيه ، ثم يتمسحون بالإسلام والإسلام منهم برئ ، ولو وصلوا إلى الحكم ـ لا قدر الله ـ  لأضاعوا الإسلام والمسلمين ..

ثم قلت لنفسي : من ينصف الإسلام من هؤلاء المسلمين ؟ .  )

أخيرا

1 ـ نشرت هذا المقال جريدة الأحرار فى باب ( قال الراوي ) بتاريخ 5 أغسطس 1991 . كان المقال موجزا لحوار دار بينى وبين بعض الأخوة الذين لحقوا بمسيرتنا القرآنية فى أوائل التسعينيات ، فهجر الدعوة السلفية وضحّى بمكانته فتعرض لاضطهاد ( الأخوة الأعداء ) ، وجاء الىّ يشكو . وقتها كنت أعانى من متابعة أمن الدولة ، ولكن أعزّى نفسى بأن مبارك مهما بلغت سفالته ونذالته فهو علمانى ، وهو أفضل من الاخوان والسلفيين الوهابيين الذين لا يتورعون عن قتلنا بحدّ الردة الملعون .

 وقتها كنت أخشى من وصول غلمان إبن تيمية وابن عبد الوهاب وابن باز لحكم مصر . وهاهم الآن يشعلون النار فى مصر ، ويجعلون من فقه ابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين شريعة اسلامية ومصدرا للتشريع وفق دستورهم الآثم ..

2 ـ لقد إتّضح الآن أن أهل القرآن على حق ، حين وقفوا بقوة ضد الوهابية وأتباعها من الإخوان والسلفيين ..فالى متى يظل إضطهاد القرآنيين .

3 ـ  لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

اجمالي القراءات 13885