إذا جاءنا مسكين يسألنا فإننا قد نتخذ حياله عدة مواقف نفسية:
مثلا قد نشعر بالافتخار عليه بأننا أغنياء وهو فقير، وهو ذات شعور صاحب الجنتين تجاه صاحبه:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا [١٨:٣٢]كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا [١٨:٣٣]وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [١٨:٣٤]...إلى أن قال له صاحبه:
فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا [١٨:٤٠]أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا [١٨:٤١]..ونكمل القصة:
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا [١٨:٤٢]وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا [١٨:٤٣]هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا [١٨:٤٤]
إن قراءة هذه القصة كفيلة بأن تقضي على أي شعور بالافتخار على السائل، لأنه عسى الله أن يؤتيه خيرا مما آتانا، وأن يذهب النعم التي أنعم بها علينا. وأكم من رجال كانوا أغنياء آل بهم الحال إلى الإفلاس وصاروا يتسولون.
إن هذا الافتخار دليل على نسيان قوله تعالى:
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [١٦:٥٣]ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [١٦:٥٤]لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [١٦:٥٥]
وإن التفاضل بين الناس يكون بدرجة التقوى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [٤٩:١٣]
فربما هذا المسكين هو أفضل مني عند الله بتقواه. ولا يعلم درجة تقوانا إلا الله.
الموقف النفسي الثاني الذي قد يحدث هو أننا إذ أجبنا هذا السائل وأعطيناه من مالنا نظن أننا أصحاب فضل عليه! وأننا نستحق الشكر منه!
والحقيقة أنه هو صاحب الفضل علينا لأنه أكسبنا حسنات عند الله سبحانه وتعالى، وأنه مستحق للشكر منا!!. ولمقاومة الموقف النفسي الثاني لابد أن نتذكر قوله تعالى:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [٧٦:٨]إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [٧٦:٩]إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [٧٦:١٠]
ونتذكر قوله عز وجل:
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ [٢٣:٥٧]وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [٢٣:٥٨]وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ [٢٣:٥٩]وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [٢٣:٦٠]أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [٢٣:٦١]
فينبغي أن تكون قلوبنا وجلة، إذ إن هذا العمل معلق بقبول الله له. لأن الرياء وغيره من الصفات النفسية الرديئة قد يفسد هذا العمل بجعله غير متجه إلى الله. كما أنه قد يجب علينا أن نكون آسفين لأننا لم نشركه في مالنا كما فعل الأنصار مع المهاجرين:
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٥٩:٩]
أيها الأحباب إن الشعور بالفضل على أحد لا ينبغي أن يتسرب خفية إلى أنفسنا كما لا يجب أن نفتخر بشيء، وإن كان لابد من الافتخار، فإن الشيء الوحيد الذي نفتخر به هو أن لنا ربا عظيما رحيما حيا قيوما... هو الله سبحانه وتعالى.