المصالحة مع الإرهاب

كمال غبريال في الثلاثاء ٢٠ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

عندما يدين أوباما ومعه قادة أوروبا الدولة المصرية في مواجهتها للإرهاب، ويفعل تنظيم طالبان نفس الشيء، هل يكون ثمة مبالغة فيما يتناقله الشباب المصري على مواقع التواصل الاجتماعي، من شعار ساخر يقول "أوباما وأيمن الظواهري يد واحد في مواجهة مصر"؟!!. . وهكذا يكون من الطبيعي أيضاً أن يصرح د. مصطفى حجازي مستشار الرئيس للشئون الاستراتيجية قائلاً أننا "نرصد ردود أفعال أمريكا وطالبان"!!
الحقيقة أنني لم أكن أبداً لأتصور، أن الشعب المصري حين يستيقظ ويبدأ في تطهير نفسه وبلاده من الظلامية، أن يقف ضده العالم الغربي متحالفاً مع ذئاب الظلام، ولم أتصور أن أجد كتاباتي تنحو للوم العالم الغربي، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحرية والحداثة والدولة المدنية، بذات القدر الذي تدين به فيالق الإرهاب التي تتكالب على مصر وشعبها، بالطبع مع الأخذ في الاعتبار أن ما أسجله الآن من إدانة لموقف دول العالم الغربي من الدولة والشعب المصري، لا يدخل ضمن ما يشيع في الشرق من فكرة مؤامرة العالم الغربي علينا وكراهيته المبدئية لنا، والتي مصدرها الأساسي ما روجه من نحاربهم الآن من كراهية للآخر وللعالم المتحضر.
دعوة الغرب المصريين للحوار للتوصل على حد قولهم لمسيرة سياسية ديموقراطية تشمل جميع الأطراف، تأتي من تصور أن هناك فريقين سياسيين يتواجهان، في حين أن الوضع المصري مختلف عن هذا تماماً، فهنالك بالفعل تنوعات شديدة التباين في الطيف السياسي المصري، ما بين تيارات عروبية وناصرية ويسارية بل وماركسية بجانب الليبرالية، لكن هذه التيارات جميعاً تشكل الآن جبهة واحدة، نستطيع أن نقول بقدر غاية في الضآلة من عدم الدقة، أنها تمثل مجمل الشعب المصري، وتقف هذه الجبهة في مواجهة تنظيمات سرية تنتهج العنف كأيديولوجيا، وليس فقط كأسلوب عملي يلون كل تاريخها الأسود، سواء محلياً أو عالمياً.
إذا كان حوار أمريكا والعالم الغربي مع الإرهاب كان من المحرمات حتى قبل 11 سبتمبر 2011، وقد صار بعد هذا التاريخ مستحيلاً، إذ قام العالم الغربي بحملته المستقيمة على الإرهاب، فلماذا لا يكون من حق الشعب المصري، والذي عانى مع التاريخ الدموي الممتد لخمسة وثمانين عاماً لجماعة الإخوان المسلمين، أن ينتفض الآن بعدما جرب الحياة في ظلهم لأكثر من عام، وأن يرفض اعتبارهم فصيلاً وطنياً، كما يرفض اعتبارهم جماعة سياسية، وإنما مجرد تنظيم إرهابي يتخذ من التفسيرات المتشددة والمنحرفة للدين أيديولوجية يتستر بها؟!!
لابأس من المصالحة والتسامح مع الفكر السياسي للإخوان والسلفيين والجهاديين، إذا كنا نحتاج لفرصة وجولة أخرى، نتعلم منها وجوب استئصال أفكار الفاشية الدينية والكراهية والعداء للحياة وللعصر.
يدعو من بين المصريين لما يسمى مصالحة أكثر من نوعية، النوع الأول إرهابي يدعي الاعتدال لينقذ أهله وعشيرته، والثاني يمكن اعتباره كائناً خليطاً نصف مدني ونصف متأسلم، يلعب دور حصان طروادة، والنوع الثالث هو أقرب للمهرج غير المهموم بالوطن ومصيره، فنجده يتناول الأمر كنوع من الرفاهية الثقافية، فيذهب إلى أكثر المواقف بريقاً وزينة خارجية، بغض النظر عما يترتب على موقفه هذا من انتكاسة للوطن ولثورة الشعب المصري، فيتجمل بحديث عن "حقوق الإنسان"، فيما هو يدري أولا يدري، يدافع في الحقيقة عن "حقوق الإرهاب"، ويتجاهل ما يراه بعينيه ويراه الجميع، من انتهاكات صارخة ومدمرة للإنسان ذاته، بما يحدث من ذبح وحرق وتخريب بدم بارد من قبل تلك الكائنات القادمة إلى العصر من حقب ما قبل التاريخ!!
يتصور البعض أن الإنسانية أو الملائكية أن تقف في نقطة وسطى ما بين هؤلاء وأولئك، وإذا افترضنا في هؤلاء حسن النية، واستبعدنا كافة الاحتمالات الأخرى، فإن لنا أن نتساءل إن كانت هذه النقطة الوسطى بافتراض وجودها تليق بإنسان إيجابي يحمل هموم وطنه بالفعل، ولا يكتفي بتبني موقفاً آمناً فيزيقياً وفكرياً، أي آمن من سخونة الصراع، وآمن من مسئولية اتخاذ قرار واضح وحاسم لمناصرة جانب ما، كما لو كان هروباً لنسائم الربيع من قيظ الصيف وزمهرير الشتاء. . هي نوعية من البشر تفضل البقاء مغردة كالعصافير فوق الحبال المشدودة، متحاشية أن تطأ أقدامها الأرض الملتهبة بالصراعات.
ربما يمكن القول أن الإخوان في رفضهم الحوار أكثر حصافة وذكاء في قراءة الواقع المصري من هؤلاء الداعين للحوار، فهم يعرفون أنهم بأيديولوجيتهم ليسوا أهل حوار، وأنهم لا يصلحون لحوار سياسي يؤدي لدولة مدنية حديثة، وليس لإمارة إسلامية متخلفة يسيطرون عليها، وهذا يعني أن الذهاب لحوار حقيقي يعد بمثابة انتحار سياسي لهم، في حين أن استمرارهم في محاربة الشعب المصري وجيشه هو انتحار سياسي وجسدي، وفائدة الانتحار الجسدي الذي يعني لديهم الاستشهاد هو ذهابهم إلى الجنة حيث الحوريات، علاوة بالطبع على ما يبدو من تفضيلهم للانتحار على التسليم والعودة للسجون التي أمضوا فيها سنوات العمر. . لذا علينا ألا نتوقع استسلامهم قبل أن يتم دحرهم تماماً، كما يمكننا أيضاً وفقاً لنظرية المؤامرة اللذيذة القول، أن مكتب الإرشاد كان قد قرر سراً، إنهاء أسطورة الإخوان وتطهير مصر منهم، فدفع وحرض كوادره على الحرق والقتل، ليضطر الشعب المصري لدهسهم بأقدامه.
لابد أن تستقيم مصر في طريق تأسيس دولة مدنية علمانية ديموقراطية، يتحقق فيها للجميع العدالة والمساواة والحرية، وهذا لن يتحقق فقط بقوانين وقرارات تحدد شكل النظام السياسي وتضبط سلوكه، فلا توجد ديموقراطية سياسية دون ديموقراطية اجتماعية، كما لا يوجد نظام سياسي علماني دون توافر فكر وسلوك وروح علمانية اجتماعية، فالديموقراطية والعلمانية لابد أن تنبتان أولاً عند القاعدة، ثم تستشري حتى تصل إلى قمة الهرم، وعندها يعود تأثير القمة ليدعم تفاعلات تلك التحولات عند القاعدة، وغير هذا عمليات قص ولزق غير مجدية، والارتداد الذي تشهد تركيا من عدة عقود خير برهان على هذا. . أيضاً المقابل لهذا صحيح، حيث الهيمنة والسلطوية الدينية تبدأ من القاعدة، لتصل إلى القمة، كما حدث لدينا في مصر، لولا أن هب الشعب المصري ليزيح عن كاهله جماعات التخلف والإرهاب. . لذا فتجريم فكر الإخوان المسلمين واستئصاله من كل من القاعدة والقمة هو الطريق الوحيد، إن أردنا ألا ننتكس ثانية بعد شهور أو سنوات، لنظل ندور في حلقة مفرغة إلى مالانهاية.
 
 المصدر ايلاف 
اجمالي القراءات 8033