أولا : ضراوة النضال ضد مساجد الضرار السّنية :
1 ـ هنا يتشابك النضال فى الشارع مع النضال بالكتابة والتأليف . وينعكس هذا فى مقالات كتبتها أسجل بعض ما دار من صراع بيننا أهل القرآن من ناحية ونظام مبارك والاخوان والسلفيين من ناحية أخرى . ورد بعض هذا فى مقال ( التسامح الاسلامى بين مصر وأمريكا ) ، كما حكيت بعض الذكريات عن الصراع بين الصوفية والسنيين فى مقال ( مسجد الضرار ومسجد الضراط ). وقمت بتأصيل قرآنى تاريخى لمساجد الضرار فى تاريخ المسلمين فى سلسلة مقالات ( الحلف بالله كذبا ) تحت عنوان ( إنتشار مساجد الضرار فى بلاد المسلمين ). وقد تم جمعها فى كتاب ( تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين )، وتناولت الموضوع فى باب الفتاوى بموقع أهل القرآن فى سؤال عن صلاة الجمعة فى مساجد الضرار .
2 ـ مساجد الوهابية هى الأفظع بين مساجد الضرار،والدليل هو استغلالهم للمسجد المسمى برابعة فى التعذيب والزنا ( جهاد المناكحة ) و سبى أطفال الملاجىء واتخاذهم رهائن للإحتماء بهم ، وتحويل المظاهرات والاعتصامات لمعارك قتالية تتخذ من المساجد مراكز وقلاعا حربية . ومن المنتظر لو سيطروا على مصر أن تتحول مساجدهم الى مراكز حربية يتم من خلالها شنّ غارات على مساجد الصوفية والكنائس المسيحية .
3 ـ والحال الذى وصلت اليه مصر هو المحصلة المنتظرة من التوسع الهائل فى إنشاء مئات الألوف من المساجد الوهابية خلال اربعين عاما ، وقد غطّت العمران المصرى كله ، وتنوعت من زوايا ملحقة بالعمارات الى مؤسسات ضخمة تحوى المسجد والمدرسة والمستشفى والحضانة وقاعة الأفراح والمناسبات . ومع هذا التنوع فكلها تتفق فى نشر الوهابية بين المصريين .
4 ـ والواقع أن ما يسمى بالصحوة الدينية ( السّنية الوهابية ) قد إستولت على ثروات المصريين بطرق عديدة منها سلب أموالهم من خلال شركات توظيف الأموال ، وبالتركيز على أن فوائد البنوك حرام ، وقد ناضلنا ضد هذا فى مقالات أزعجت شيخ الأوزهر وقتها ( جاد الحق ) فكتب ضدنا بلاغا فى أمن الدولة العليا ، ومنع نشر بقية المقالات فى الأخبار . وقد نشرنا هذا هنا فى مقال ( معركة الربا ) . الطريقة الثانية التى سلب بها الوهابيون المصريون الثروة المصرية هى التهامهم تبرعات أهل الخير وتوجيهها الى إنشاء تلك المساجد الوهابية الارهابية ، فى وقت يعانى فيه شباب مصر من الحصول على مسكن يتزوج فيه ، وتنتشر العنوسة بين البنات. وكتبنا فى حق ( ابن السبيل ) المسكوت عنه ، وأن ابن السبيل ينطبق على السياح الزائرين ـ وهذا يعنى إكرامهم والترحيب بهم ـ كما ينطبق أكثر على من لا يجد مأوى وسكنا من الشباب الراغب فى الزواج ، وأهمية أن تتوجه أعمال البر الى توفير مساكن بسعر معقول لهم ومأوى لأطفال الشوارع . بدلا من هذا أقامت ( الصحوة الوهابية المصرية ) آلاف المساجد التى تزيد عن الحاجة ، وتكفلت بشباب مصر وأطفال مصر الضائعين بطريقة جديدة ، هى استخدامهم حطبا للحرب الأهلية القادمة ، وجثثا يصعدون عليها الى السُّلطة .
5 ـ ومن البداية حذّرت من هذا فى مقالات مستقلة عن ابن السبيل والزكاة ، وأيضا بين سطور مقالات وأبحاث ، مثلا : قلت فى منتصف التسعينيات فى بحث ( الاسناد ) وهو منشور هنا : ( استحضر عقلك ولا تعطه اجازة، وتفكر فى معنى ذلك الحديث المنسوب كذبا للنبى عليه السلام..انه يؤكد على ان كل من بنى لله مسجدا بنى الله تعالى له قصرا فى الجنة، مهما كان الشخص مؤمنا او كافرا،ومهما كان مصدر المال طيبا او خبيثا، يعنى ان السيد هتلر من حقه ان يكون له قصورفى الجنة اذا بنى بضعة مساجد، ويعنى أيضا ان كل مختلس وظالم وناهب لأموال الناس يستطيع اذا بنى ببعض أمواله الحرام مسجدا ان يدخل الجنة. ..هل يتفق ذلك مع تشريع الاسلام؟. ثم ان هذا الحديث الذى يبيع قصور الجنة لكل من يتبرع ببناء مسجد يحدد لنا منذ البداية اقل مساحة مقبولة للمسجد، يقول ((من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة)) ، اى يكون مساحة المسجد كقدر ما تتحرك به ساق القطاة حين تفحص بساقيها الارض. والقطاة هى طائر صغيرة الحجم .اى من بنى لله مسجدا ولو كانت مساحته فى مثل هذا الصغر بنى الله له قصرا فى الجنة حتى لو كان من مال حرام، ومهما كانت شخصية ذلك المتبرع ،وحتى اذا كان ذلك المسجد لا يستطيع دخوله الا النمل والصراصير الوليدة....هل يعقل ان يتكلم النبى عليه السلام بهذا الكلام؟!!. ولكن ذلك الحديث تم اسناده أو تمت نسبته للنبى عليه السلام ، ورواه ابن ماجه فى "مسنده" عن فلان عن فلان. وآمن الناس بصحة ذلك الاسناد .ومن هنا فان ذلك الحديث الكاذب هو المسئول عن اقامة 38 الف مسجد وزاوية فى القاهرة الكبرى فى العشرين سنة الماضية، وكلها تنشر ثقافة التطرف عبر احاديث مسندة او منسوبة للنبى عليه السلام زورا، وهى تخالف القرآن والسنة الصحيحة للنبى عليه السلام . وبدلا ان تتوجه أموال الصدقات لبناء مساكن للشباب والعائلات التى تسكن المقابر، فأنها توجهت لبناء مساجد ايديولوجية تزيد عن حاجة المسلمين الذين يستطيعون الصلاة فى كل مكان . ومع العلم بأن حق ابن السبيل فى تشريع الاسلام ثابت فى الزكاة الرسمية والصدقة التطوعية والفئ والغنيمة، ولا يصح الالتفات لرعاية ابناء السبيل من الاغراب الا بعد ضمان المسكن والطعام لابناء البلد ـ فكيف اذا كان ابناء البلد انفسهم لايجدون السكن بحيث ضاعت احلام الشباب فى الزواج واصبحت العنوسة ازمة مستفحلة ؟ ومع ذلك تفاقمت تلك المشكلة لان أموال الصدقات استنفذها ارباب الصحوة السلفية فى بناء عشرات الالوف من المنابر التى تؤسس لدولتهم القادمة! ومن دعائم تلك الدولة ثقافة التراث للعصور الوسطى، تلك الثقافة التى أصبحت مقدسة عبر الاسناد ،او عن طريق نسبتها زورا للنبى عليه السلام ...مهما خالفت العقل والاسلام .) أنتهى النقل من بحث الاسناد..
6 ـ وكتبت سيناريو فيلم ( سيرة الشيخ النعناعى ) عن أحد الشيوخ الذى صار من كبار الأثرياء فى القاهرة بعد رحلة طويلة فى التسول ( العلمانى ) ثم التسول ( الوهابى ) . وكالعادة لم أجد من يشترى هذا السيناريو ، فكتبت فكرته مقالا موجزا ، ونشرته جريدة الأحرار فى 15/6/1996 ، فى سلسلة ( قال الراوي) وتحت عنوان : ( تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شـبرا ). وأعيد نشره هنا :
ثانيا : مقال : ( تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شـبرا
1 ـ عرفته منذ كنت طالبا في الثانوي أركب الأتوبيس لبلدنا حيث كان يصعد هو يبيع النعناع ويترنم بلهجة متنغمة مميزة : " يا مجلي القلب يا نعناع ".. وكان يستحوذ على عطف الناس لما يرونه فيه من دلائل الفقر وفقد البصر ، ومعه عصاته في يده يتحسس بها الطريق ويصعد بها الأتوبيس .ولم أكن وحدي الذي يتابعه ويهتم بحالته ، كنت مثل كثيرين من الشباب الذي تعاطف معه ، إذ كان في أعمارنا تقريبا ، وعرفنا أنه يبيت الليل في المحطة ينام داخل الأتوبيسات . ورغبة منا في مساعدته حسبما تسمح به ظروفنا فقد أصبحنا جميعا من الذين يدمنون تعاطي النعناع !!.
2 ـ ومرت الأيام وأصبح صاحبنا بائع النعناع الضرير ذكرى من ذكريات الشباب الغض التي ترزح تحت ضغط الحياة في القاهرة ومشاكلها ، إلى أن قفز صاحبنا إلى ذاكراتي فجأة في أوائل الثمانينات . كنت أجلس في الأتوبيس وسمعت صوتا يتسلل إلى نفسي يدعو الناس للتبرع إلي بناء بيت من بيوت الله ، ورفعت رأسي فوجدت رجلا في ثياب بيضاء قصيرة ، ولا أدري لماذا أيقظ في داخلي الصوت القديم لبائع النعناع الكفيف وأنشودته المفضلة : يا مجلي القلب يا نعناع !!. والتفت إليه والتقت عينانا ، ووجدته في لحظة يشيح بوجهه عني وقد كان قريبا مني ، وأخرجت نقودا لأتبرع بها ، ولكنه تجاهل يدي الممدودة وتخطاني ، ودعوته لأعطيه النقود وهدفي أن أتعرف عليه وأفهم لماذا يتحاشاني ، وعاد لي مرغما ومد يده يأخذ النقود وركزت نظري عليه فعرفت فيه بائع النعناع القديم ، ولكنه أصبح صحيح النظر نظيف المظهر ، وابتسمت له وابتسم لي ، وقلت له هامسا : يا مجلي القلب يا نعناع .. وضحك ..ونزل من الأتوبيس مسرعا ..
3 ـ ومرت سنوات ، ودعيت لإلقاء محاضرة في أحد المساجد الفخمة ، وكان الشاب الذي جاء يدعوني حريصا على أن أتعرف على الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية التي أقامت المسجد وملحقاته من المستشفي والصيدلية ومعمل التحليل ، وأفاض الشاب في سرد منجزاته وإنشاءاته. قلت له حدثني عن ثقافته ومستواه العلمي ، فقال الشاب ، إنه هو الذي ينشيء بيوت الله ومثلي هو الذي ينشر فيها العلم ، واقتنعت بوجهة نظره .. وصحبني الشاب إلى المسجد الفخم ، ففوجئت به مجرد بدروم يحمل فوق كاهله خمسة أدوار للمستشفى وعياداته التخصصية ومعامل التحليل الخاصة به ، وحتى هذا البدروم اقتطعوا منه واجهاته على الشارع وأقاموا فيها محلات تجارية وصيدلية ، لم يتركوا إلا مساحة تسمح بوجود باب للمسجد !! وقلت لمرافقي الشاب إنه ليس مسجدا وملحقاته ، ولكنه مستشفي ومحلات تجارية وقد الحقوا بها هذه المصلى المتواضعة ، وهرش الشاب رأسه من الحرج وقال : لقد كنا نريد أن نجعل الدور الأول للمسجد فلم تكتمل فيه الصفوف بالقدر الكافي يوم الجمعة ، ثم اقترح الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية أن نُخصّص الدور الأرضي للمسجد حتى نستفيد من استغلال الشارع كله في صلاة الجمعة ؟!! وعلى ذلك جعلنا الدور الأول كله لعيادة الباطنة والجراحة . وقلت له : ما أزال مصمما على رأيي إنه مشروع استثماري والمسجد غريب عنه ملحق به لاستغلال الدين، ثم أين تذهب إيرادات هذا المشروع الاستثماري متعدد الأنشطة ؟ ويبدو أنني دخلت في الممنوع ، إذ أن الشاب الذي يرافقني نظر لي ببرود وتركني ودخل المسجد . ووقفت أمام ذلك البناء الفخم الضخم مترددا ، هل أدخله وألبي الدعوة أم أخذها من " قصيرها " وأنصرف؟!.. وغلبني الفضول فدخلت ، وكان واضحا أن هناك من كان يجلس ينتظر المحاضرة ، ولكن يبدو أن " المرشد السياحي " الذي كان معي وتركني مغاضبا قد أعطاهم فكرة عني ، لذا وجدت نظرات البرود والكراهية تحوطني . وشعرت بالارتباك وعزمت على الخروج ، ولكن تقدم مني أحدهم ورحب بي على حذر، وأفهمني بلباقة أنه لا ينبغي أن أتعدي المطلوب مني وهو إلقاء المحاضرة وحسب ، وقلت له كان ينبغي أن تكونوا على علم بمن تدعونه إلى المحاضرة ، وهل سيقبل المُنكر ويسكت عليه أم يُنكره، وفوجئت به يقول: إن هناك من هو أكبر منك علما وشهرة يأتي هنا يسعد بمقابلة الحاج رئيس الجمعية ويشيد به وفي النهاية يأخذ أجره على المحاضرة وينصرف سعيدا ..ووجدتني أثور عليه قائلا : ومن قال لكم أنني من هؤلاء الذين يأخذون أجرا على كلمة حق يقولها في ندوة أو خطبة ، وقرأت له قوله تعالى :" اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون "..وكانت ضجة ، وتقدم كثيرون يهدئون ثورتي ويعتذرون لي حتى ينتهي الموضوع على خير . وأثناء ذلك جاء أحدهم ، فوقفوا له احتراما ، وتقدم مني ودعاني لمقابلة الحاج عبد المعطي ..كنت أظنه هو الحاج عبدالمعطي فإذا هو رسول الحاج عبدالمعطي .. وصعد بنا المصعد الكهربائي إلى الدور الأخير ، حيث يعيش الحاج عبدالمعطي ويسكن ويدير إمبراطوريته ويعرف كل ما يدور فيها أولا بأول ..ودخلت مكتب الحاج عبدالمعطي فوجدته هو .. يا مجلي القلب يا نعناع .. وتبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شبرا ..).
أخيرا :
1 ـ إنتهى المقال .. ولم تنته المشكلة . فقد إنتشرت مئات الألوف من مساجد الحاج عبد المعطى ـ أو الشيخ النعناعى ـ فى ربوع القاهرة ومصر ، وصارت مراكز لنشر ثقافة الارهاب ، ثم أصبحت مراكز لإدارة حرب الشوارع ، وإشعال حرب أهلية فى مصر .!.
2 ـ ألا يستوجب هذا إصلاحا جذريا حقيقيا للمساجد المصرية لتكون مساجد لله جل وعلا تنشر الأمن والسلم والراحة النفسية والرحمة والمودة والرأفة بدلا من نشر ثقافة الكراهية والارهاب الوهابية ؟
المقال التالى : مقترح إصلاح المساجد