اولا :
1 ـ حسام منصور هو الابن رقم 4 من إبنائى الستة . لحق بنا فى أمريكا تاركا السنة الرابعة فى كلية الألسن بجامعة عين شمس ، ووقف الى جانبى يعمل ويدرس الى أن لحق بنا أخوته الكبار محمد وشريف وأمير . حصل حسام على درجة البكالوريوس من جامعة جورج ماسون بمرتبة الشرف ، ثم حصل مؤخرا على الماجيستير من جامعة كولومبيا فى نيويورك ، بمرتبة الشرف أيضا . وتخصصه فى العلاقات الدولية . فى صباه شارك حسام مع اخوته الكبار فى مساعدتى فى إدارة رواق ابن خلدون ، وبرز دوره مع إخوته الكبار فى تنظيم المظاهرات فى واشنطن أمام البيت الأبيض والسفارة المصرية ضد مبارك . فى هذه المظاهرات كان الشريف منصور يتولى العلاقات بالأطراف المعنية فى مصر وأمريكا ، بيما يتولى أمير المساعدة بالانترنت ، وكان الابن الأكبر محمد منصور هو الذى يتولى التصوير بالفيديو . أما الجهد الأكبر فى تجميع المتظاهرين وقيادتهم فكان من نصيب حسام منصور . هذا بالطبع مع مجموعة من الأصدقاء والأقارب تولوا الاعداد والمعاونة . حسام مثل باقى أسرته مهموم بمصر مع إنه لم يرها مذ تركها عام 2003 . وكالعادة فإن مناقشاتنا فى البيت هى عن مصر صباح مساء . والحق أقول إننى سعيد جدا بمستوى التفكير والتحليل الرائع لدى أولادى الأربعة الكبار ، وسعيد أكثر باختلافنا فى كثير من النقاط ، وأعترف أننى أستفيد من وجهات نظرهم ، على الأقل فى معايشة تفكير جيلهم من خلالهم .
2 ـ طغى على تفكيرنا ونقاشاتنا موضوع فض إقتحام رابعة والنهضة . كنت أتعجّل فض الاقتحام ويؤيدنى محمد ، وكان شريف وأمير وحسام مع التأجيل وبأقل قدر ممكن من العنف ، اى وجهة نظر البرادعى مثلا . شريف ـ الذى ترك العمل فى فريدم هاوس ، ويعمل الآن فى مؤسسة دولية لحماية الصحفيين فى نيويورك مسئولا عن الشرق الأوسط ـ جاء الى واشنطن ليحضر مؤتمرا ، وشارك فى نقاشاتنا كالعادة. وصحونا أمس (الاربعاء 14 أغسطس ) على أنباء فض الاعتصام دمويا ، واشتعل النقاش بيينا ، ثم عاد فى الليل بعودة حسام من العمل مكتئبا وغاضبا بسبب الدم المصرى المُراق ، و كعادته أخذ يصيح منفعلا مُحتجّا على ما حدث. فهو يرى أن إستعجال الفض عسكريا ، وما نتج عنه من دماء قد جعل الاخوان أمام الرأى العام العالمى ضحايا ـ وهم الارهابيون الجُناة ، كما إنه أعاد الاستقطاب بين العسكر والاخوان ، وأصبح العسكر هم الملاذ الوحيد للتيارات الليبرالية والمدنية ، وسيستغل العسكر فزّاعة الاخوان ليسيطروا على الحكم ، وبذلك ضاعت ثورة 25 يناير ، ويرى أنّ أمامنا سنوات نضال طويلة للتحرر من العسكر . ردّت الأم ( أم محمد ) بأنه السبيل الوحيد المتبقى بعد تعنت الاخوان ومناوراتهم ، وبعد فشل الوساطات . وطلبت منى الرّد . كنت ولا أزال حزينا مكتئبا من رؤية الضحايا ، وأردت غلق باب النقاش فقلت باختصار : الأيام القادمة هى التى ستحمل الاجابة . وتأجل النقاش إنتظارا للأيام القادمة . ولكن صممت على أن أقول لابنى حسام هذا الكلام عن فض الاعتصام .
ثانيا :
1 ـ فيما يخص ( الوجع المصرى ) فقد كانت أسعد أيامى هى : يوم قيام مظاهرات 25 يناير ، ويوم خلع مبارك ، ويوم نجاح مرسى فى الانتخابات ( فذلك حقق أملى فى خلع المجلس العسكرى ، وحقق أملى فى مجىء الاخوان للسلطة لأنه الذى سيفضح فشلهم ويظهر حقيقتهم ويقصيهم من الساحة السياسية ، وقد قلت هذا وكتبته ) ويوم عزل مرسى ، ثم يوم الأمس : ( فض إعتصام رابعة والنهضة ) والذى تأخّر كثيرا . وكنت أود لو جرى فضّ الاعتصام مباشرة بعد 30 يونية ، وفى تقديرى أنه لو حدث لتجنبت مصر دماء كثيرة ، ولتجنبت مهانة التفتيش والتدخل من الدول الكبرى والدول الصغرى الذى أهان الكرامة المصرية والسيادة المصرية . فالدول الصغرى والكبرى التى تدخلت لا يمكن أن تسمح باعتصام إجرامى فوق أراضيها ، ولا يمكن أن تسمح بتدخل دولى أو مصرى فى شئونها ، ولا يمكن أن ترضى بتدخل طرف خارجى لصالح مجموعة ارهابية تخرق القانون وتتحصّن وتتسلح بالأسلحة وتتخذ رهائن من النساء والأطفال وتقتل الجنود والمدنيين وتستغل دور العبادة للمسلمين وتدمر دور العبادة للمسيحيين . هذا الاستعجال لفض الاعتصام كان حرصا على دماء المصريين من الجانبين ، ولهذا كان الحزن شديدا لأن تأخر الاعتصام أدى الى دماء غزيرة كان يمكن حقنها .
2 ـ إن طريق التحول الديمقراطى ليس سهلا وليس قصيرا وليس مفروشا بالورود ، خصوصا فى دولة زراعية عتيقة عميقة مثل مصر التى عاشت 50 قرنا من الزمان محتفظة بثقافة الفرعون المتأله . الثورة الفرنسية 1789 إستغرقت قرنين حتى وصلت فرنسا الى ديمقراطيتها الحالية ، تخلل هذا إستبداد وارهاب اليعاقبة ( دانتون وروبسبير ) ثم تولى نابليون الحكم باسم الثورة ليصبح امبراطورا ، ثم سقوطه ، ثم عودة الأسرة المالكة القديمة ( البوربون ) الذين لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا كما قال وزير الخارجية الفرنسى تاليران . تاليران هذا هو الذى خدم عصورا مختلفة تقلبت على فرنسا . قبل الثورة الفرنسية خدم لويس السادس عشر ، وبعدها خدم الامبراطور نابليون الآول ، وعاد البوربون فخدم لويس الثامن عشر وشارل العاشر ولويس فيليب .!
ومن الطبع أن التحول الديمقراطى الآن أسهل من نظيره فى الثورة الفرنسية ، فقد تم خلال عقد من الزمان تقريبا تحول أوربا الشرقية للديمقراطية بعد الاستبداد الشيوعى . ولكن لا ينطبق الحال على عالم المسلمين لأن الوهابية بدولتها الدينية والتشيع بدولته الدينية إقتنص إحلام الشعوب المسلمة ، واعتلى ثوراتها فى ايران وتونس ومصر كى يقيم دولا دينية أشد إستبدادا من حكم الطغاة العلمانيين . ومن هنا فإن التحول الديمقراطى العربى والمصرى يواجه خصمين معا هما غاية فى الخطورة : العسكر والوهابيين الاخوان والسلفيين وما ينبثق عنهم .
وفى يوم 25 يونية 2013 قبل ما يعرف بثورة 30 يونية قلت فى حوار صحفى منشور هنا ( مصر تجتاز فترة مخاض عسير ، وتتوقف النتيجة على مدى صمود القوى الحية المصرية وتكاتفها لانقاذ مصر من الضياع أو الوقوع فى حرب أهلية....كان لا بد من إعطاء الاخوان والسلفيين فرصة السيطرة لإظهارهم على حقيقتهم ، وهذا مع ضرورته فهو لعبة خطرة . فمصر بعد تدميرها خلال 30 عاما من حكم مبارك أصبحت جسدا مريضا يحتاج الى كونسلتو من الأطباء لعلاجه ، ولقد قام مبارك خلال ثلاثين عاما بتجريف الوعى المصرى ومنح الوهابيين من اخوان والسلفيين السيطرة على العقل المصرى ، بما يجعل العلاج ضروريا و صعبا فى نفس الوقت . ومن العبث أن يتصدى للعلاج الاخوان والسلفيون ، وهم مرضى أو هم من أسباب المرض . لذا فحتمى فشل الاخوان . وبفشلهم سيرجعون الى متحف التاريخ الماضى الذى قدموا منه . ولكنهم واتباعهم لن يتخلوا عن الحكم بسهولة . وبالتالى ففشلهم الحتمى لا يعنى إنصياعهم الطوعى للتنازل عن السلطة . كما أن النخبة السياسية الحالية تجمع بين الفساد والخمول والتردد ، بعد أن أفقر مبارك مصر من مبدعيها ، ولم يعط الفرصة للمعارضة الحقيقية الواعية الرشيدة . القوى الحية التى يتركز عليها الأمل هى فى الشباب الذى قام بالثورة المصرية ، ودفع الثمن بعدها سجنا وتعذيبا وملاحقة بوليسية من المجلس العسكرى والاخوان . صمودهم هو الكفيل بإنقاذ مصر من الاخوان والعسكر والنخبة السياسية الفاسدة الخاملة المرتعشة المترددة . ). وأعيد التأكيد هنا على ما قلته آنفا عن شباب مصر الثائر : (صمودهم هو الكفيل بإنقاذ مصر من الاخوان والعسكر والنخبة السياسية الفاسدة الخاملة المرتعشة المترددة .). والمعنى المراد هو أن عوائق التحول الديمقراطى فى مصر هم أنفسهم اللاعبون الكبار فى المشهد المصرى بنسب متفاوتة ، فى الحكم وفى المعارضة من البرادعى والبابلى الى السيسى الى بديع والشاطر. يزيد من المأساة أنهم جميعا يؤمنون بالوهابية بمستويات مختلفة ، وحتى النخبة العلمانية ـ أو التى تبدو كذلك ـ فهى عازفة عن الاصلاح الدينى ، وهو لُبُّ الاصلاح السياسى واساس التخلص من ثقافة الوهابية الدموية ، وقد عبّرت عن ذلك فى أتهام صريح لهم فى مقال منشور هنا بتاريخ 29 يونية 2013 بعنوان : ( مصر على شفا حرب أهلية ..من السبب ؟ ) . يكفى أن المطالبة بالحرية الدينية المطلقة فى الدين لا يمكن تحقيقها الآن ، لأنها مرفوضة من خصوم الوهابيين أيضا ، مع إن هذه الحرية الدينية المطلقة من حقائق الاسلام ومن مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية ، وأنها أساس الاصلاح الدينى والسياسى . بإختصار فإن الطريق صعب وطويل ـ لأنه يحتاج الى تغيير جذرى فى الثقافة المصرية يستلزم وقتا ونضالا وجهدا ، ولهذا ففى سلسلة مقالات ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) وفى الفصل الثانى منها عن إمكانية التطبيق أكتب مقالات عن إصلاح التشريع وإصلاح الأزهر واصلاح المساجد واصلاح التعليم العام . ومع أننى أبدو كمن يكتب صارخا فى الفضاء فلا يزال عندى أمل فى تحقيق كل ما أدعو اليه ، ولو .. بعد حين ...
3 ـ ولأنه يستلزم وقتا طويلا فلا بد من الإسراع من الآن فى تطبيق وصفة العلاج . فالثقافة الوهابية هى المرض ، أما الاخوان والسلفية فهم بؤرة المرض ، والقضاء عليهم سياسيا ضرورى بفضحهم كارهابيين لا يصلحون للديمقراطية ، وليسوا أكفاء فى تحمل مسئولية حكم شعب وليسوا أمناء فى حماية وطن . وكما قلت فى الحوار المشار اليه : (. ولكنهم واتباعهم لن يتخلوا عن الحكم بسهولة . وبالتالى ففشلهم الحتمى لا يعنى إنصياعهم الطوعى للتنازل عن السلطة ) ولهذا كان لا بد من الإسراع بفض الاغتصام بكل قوة وحزم وبالقانون وبدون السماح بتدخل أى طرف خارجى . وبعده يكون التعامل بالقانون مع مجرمى الاخوان بالعدالة الناجزة ، بالتوازى مع الاصلاح التشريعى وفق خارطة الطريق .
4 ـ ومع أن الثورة المصرية تواجه العراقيل من الاخوان والعسكر والنخبة المترهلة المترددة ، ومع أنهم جميعا ضد الاصلاح الدينى أساس الاصلاح السياسى ، فإن الوضع إختلف بالتغيير الذى أحدثته الثورة المصرية فى الانسان المصرى . فقد شهدنا الشعب المصرى يخرج مرتين فى مظاهرات غير مسبوقة فى تاريخ البشرية ، وشهدنا تحولا فى اسلوب الشرطة مع المواطنين ، وإقرارا لحرية التظاهر وحرية الاعتصام الى درجة إستغلالها من الاخوان والسلفيين فى تدمير مصر والثورة المصرية . ونشهد إرهاصات تشير الى تغيير قادة الجيش المصرى عن قادته من أعضاء المجلس العسكرى الذى سلّم مصر للإخوان وارتكب مذابح ضد المصريين . الظواهر تؤكد إختلاف السيسى عن طنطاوى ، وأن السيسى قد أعاد الجيش المصرى الى أحضان المصريين ، وبالتالى فإن عودة الجيش ليحكم بدلا من أن يحمى لن تلقى قبولا من القاعدة العريضة من شباب الجيش ، كما إنها ستلقى مقاومة عنيفة من الشعب . وهذا الشعب الذى وقف ضد عنفوان مبارك ووحشية وزير داخليته السفاح حبيب العادلى ، والذى أيّد دعوة السيسى لا يمكن أن يسمح للسيسى أو غير السيسى بأن يتجاوز حدّه . وأيضا فالمجتمع الدولى الذى إنبهر بالمظاهرات المصرية ضد مبارك وتأييدا للسيسى لا يمكن أن يسمح بتسلط العسكر سياسيا . إى إن أى تغوّل للجيش على السلطة السياسية محكوم عليه مقدما بالفشل، فلا يمكن العودة الى الوراء . كل ما هو مطلوب من الجيش التنازل عن المميزات التى نالها فى عهد مبارك وفى دستور مرسى الاخوانى ، وأن يتحدد دوره وفق المعمول به فى الدول الديمقراطية ، خاضعا للدولة المدنية ، ومساءلا فى ميزانيته أمام جهات الرقابة الرسمية . أى أن يكون ضمن مؤسسات الدولة وليس فوقها . وهذا هو التحدى الذى تنتظره مصر بالاضافة الى تحدى الاصلاح التشريعى والسياسى والتعليمى والدينى . ولإنه إصلاح هائل وعاجل فلا بد من البدء به من امس قبل اليوم أو الغد . ومنتظر أن تكون له ضحايا . ولكن يظل الفارق هائلا بين ضحايا بالمئات ( فى فض الاعتصام ) وضحايا بالملايين لو تعطل الاصلاح ونجح الاخوان وأشعلوا حربا أهلية فى العمران المصرى .
أخيرا
قلت وأقول : الاخوان سرطان ، والسرطان يستلزم الاستئصال جرحيا ودوائيا . ولا مفر من الاسراع فى ذلك ، فهى تركة المخلوع مبارك ..