أولا : إستمرار مناهج الأزهر جعلته طاردا للإجتهاد
1 ـ برغم محاولات الاصلاح الخارجية إستمرت مناهج الأزهر بلا تغيير عبر القرون ، بل أقيمت من أجلها كليات متخصصة قديما وحديثا ، أبرزها (أصول الدين ) و ( الشريعة ) ثم ( الدراسات الاسلامية ). ترتب على بقاء هذه المناهج المتخلفة إنقسام الأزهريين الى أغلبية عظمى من شيوخ الجهل وأقلية ضئيلة تحاول الاجتهاد وتواجه الاضطهاد .
2 ـ الأقلية الأزهرية المستنيرة تتمثل فى بقايا مدرسة محمد عبده وانعكاساتها . وقد تراجع مستوى مدرسة محمد عبده علما وفقها وشجاعة بعد موت رائدها محمد عبده. انهمك سعد زغلول فى السياسة ، وغلب الاصلاح الإدارى والتنافس السياسى بين الشيخين المراغى والظواهرى، وضاع بينهما الاصلاح الفكرى لمناهج الأزهر ، وقد كانت لهما السلطة فى تفعيل ذلك . بعض من تأثر باجتهاد محمد عبده ترك الأزهر وتشجع بالليبرالية الفكرية خارج أسوار الأزهر ، فأظهر بعض نواحى الاجتهاد ، مثل طه حسين وأمين الخولى ومحمد أبى زهرة فى جامعة القاهرة ، وأسرع أحمد أمين بترك الأزهر ملتحقا بمدرسة القضاء الشرعى فأبدع فى مؤلفاته التى كانت نقلة نوعية فى التفكير . وهجر محمود أبو رية الأزهر فأبدع فى نقد الأحاديث بحجّة الدفاع عن السّنة . وترك خالد محمد خالد (الأزهرى ) العمل بالأزهر وهجر الاخوان المسلمين فتألق داعيا للحرية والديمقراطية . ووصلت إشعاعات مدرسة محمد عبده الى بعض الأدباء والباحثين من غير الأزهريين ، وظهر هذا فى مؤلفات قاسم أمين ومحمد حسين هيكل ومصطفى صادق الرافعى والعقاد وعبد الرحمن الشرقاوى وحسين مؤنس ومحمد احمد خلف الله .
3 ـ إختفت شعلة الاجتهاد داخل الأزهر قبل وبعد الامام محمد عبده ، ومن تحليل سيرة من تولى مشيخة الأزهر يبدو بعضهم عاريا تماما من الاجتهاد برغم تخرجه فى جامعات اوربا مثل الشيخ بيصار وعبد الحليم محمود ود . الطيب ، بينما ظهرت ملامح الاجتهاد شاحبة باهتة فى مؤلفات الشيخ شلتوت فى كتبه وفتاويه . وينفرد الشيخ جاد الحق بظاهرة جهل منقطع النظير ، فقد كان لا يعرف أن يرتجل كلمة ، يقرأ من ورقة مكتوبة ، ويخطىء فى قواعد النحو ، ويخطىء فى قراءة الآيات القرآنية المكتوبة له . وبينما إتسع المجال لبعض المجتهدين من غير الأزهريين فإن حركة الاخوان المسلمين والجماعات السلفية لم تقدم سوى عرض الفكر السّلفى ونشره كما فعل سيد قطب ومحمد قطب والشعراوى.
4 ـ وظهر تيار القرآنيين يواجه الوهابية ويبنى على فكر الامام محمد عبده بل ويتجاوزه محتكما للقرآن فى تاريخ المسلمين وتراثهم وأديانهم الأرضية ، ويواجه كل الاضطهادات، ولا يزال . وتأثر بفكر القرآنيين بعض خصومهم الأزهريين مثل الشيخ محمد الغزالى فى مؤلفاته الأخيرة عن السّنة بين اهل الفقه وأهل الحديث وعن تراثنا الفكرى، وفى بعض كتابات شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوى وفتاويه ، وفى بعض كتابات عبد المعطى بيومى . كما تأثر بأهل القرآن بعض العلمانيين ، وأبرزهم فرج فودة وجمال البنا ومصطفى محمود. وقلت فى حوار صحفى منشور هنا عن أهل القرآن: (.. ونجح أهل القرآن برغم ضعف إمكاناتهم فى إحداث تغيير نوعى فى تفكير المسلمين ، ليس فقط فى أن تشجع المترددون على مناقشة المسكوت عنه ، وليس فقط فى إنفضاض كثيرين عن معتقداتهم الوهابية ، ولكن بعض أساطين الفكر السّنى نفسه بدأ فى تغيير الخطاب ليواجه المتغيرات الجديدة التى أحدثناها ، لأنه بعد ظهور أهل القرآن لم يعد المثقف المسلم العادى يتقبل بسهولة ما كان يتقبله من قبل بلا مناقشة . قبل ظهور أهل القرآن ، كان أقصى ما تصل اليه المناقشات هو عن حديث الذبابة أو حديث اليهودى الذى سحر النبى فى ( صحيح البخارى ) دون مساس بالبخارى نفسه . الآن تجاوزالنقاش هذا ، إنتهى خلال النخبة تقديس البخارى ، ووصل التساؤل والنقد الى هل هناك (سُنة ) أصلا أم لا ، وهل تتفق الشريعة السّنية وأقوال أئمتها مع الاسلام أم تتناقض معه ، وهل يصح تقديس الصحابة الكبار أم لا ، وهل تتفق الفتوحات (الاسلامية ) مع الاسلام أم لا ، وهل بها يكون كبار الصحابة مع الاسلام أم ضد الاسلام .!!. نقلة هائلة فى التفكير ، نحن الذين قمنا بها . وعجز خصومنا عن الردّ علينا إلا بالاضطهاد الذى ساعدنا أكثر وأكثر ، فالفكر القرآنى الان أصبح منتشرا فى ربوع العالم بالعربية والانجليزية والفرنسية والايطالية والفارسية والأوردية ، والمركز العالمى للقرآن الكريم والذى أتشرف برئاسته فى أمريكا يقود هذا التيار القرآنى على مستوى العالم . وهناك مراكز أخرى وتجمعات قرآنية أخرى سارت على الطريق بعد أن قمنا بتمهيده وتعبيده وإزالة الألغام ليصبح سهلا ميسرا لمن يلحق بنا . كل هذا نجحنا فيه ، وأصبح لدينا عشرات الألوف من المثقفين القرآنيين فى ربوع العالم ، معظمهم فقراء ، لأنه لا تجتمع الثروة مع التبحر الثقافى والاستقلال الفكرى فى بلاد المسلمين . ونحن لا نملك سوى موقعنا ( اهل القرآن ) بالعربية والانجليزية ، وهناك موقع جديد لآهل القرآن ظهر حديثا بالايطالية ، ويريد كثيرون تأسيس مواقع بلغات أخرى ، ونتمنى أن تكون لنا قناة فضائية تنويرية ، ونتمنى أن تكون هناك شركة إنتاج درامى تنتج أعمالنا الدرامية فى تاريخ المسلمين ، ونتمنى أن تتعاون معنا أى قناة فضائية فى انتاج برامج على منوال برنامجنا ( فضح السلفية ) المنشور فى موقعنا وعلى اليوتوب . كل هذه أمنيات تنتظر الامكانات التى نفتقر اليها . ولكن لو تحقق جزء منها فسننقذ العرب والمسلمين من شرور قادمة .)
5 ـ فى مقابل تيار القرآنيين فى الإجتهاد الدينى فإنّ الأغلبية العظمى من الأزهريين هى ( الأغلبية الصّمّاء ) التى تجتهد فى : نفاق الحاكم والافتاء له بما يهوى مع مشاركته فى الفساد والاستبداد، وتتصدى بنفوذها لأى محاولة للاصلاح،وتجتهد فى نشر الفكر المتخلف فى الاعلام والمساجد ، وتجتهد فى إنتهاز أى فرصة لامتداد رقعة التعليم الأزهرى بمناهجه المتخلفة من الابتدائى الى الجامعة فى شتى العمران المصرى. وبجهودهم تضخمت كليات جامعة الأزهر بفروعها الاقليمية فبلغت 62 كلية يدرس بها حوالي 500 ألف طالب وطالبة يمثلون 25 % من عدد طلاب التعليم الجامعي في مصر. ومعظمها كليات تراثية ( أصول الدين واللغة العربية والشريعة ). وأتذكّر حين كنت مدرسا فى كلية اللغة العربية أشارك فى الامتحانات أن بعض الطلبة كان لا يحفظ قصار السور القرآنية، وكان بعضهم ( يغشّ ) فى الامتحان التحريرى لمادة القرآن الكريم بأن يخفى أوراق المصحف صغير الحجم فى حذائه . هؤلاء كانوا من فاشلى التعليم العام ودخلوا التعليم الأزهرى الاعدادى والثانوى ووصلوا الى الجامعة بالغش والجهل ، ثم تخرجوا فيها أكثر جهلا ، وقد عملوا بشهاداتهم الأزهرية فى التدريس والوعظ والارشاد والافتاء فى القرى والأحياء الشعبية والمدن المصرية ، ويسمع لهم الناس ويطيعون لأنهم خريجو الأزهر . بل أصبح من حق أى عربيد أن يفتى فى الاسلام طالما أطلق على الناس لحيته ورسم وشما على جبهته .
وعبر غسيل مخّ استمر اربعين عاما نجحت هذه الأغلبية الأزهرية الصّمّاء فى قمة الأزهر وفى قواعده فى تجذير ثقافة التعصب الوهابية ضد الأقباط وضد السيّاح والآثار الفرعونية وحقوق الانسان وحقوق المرأة ، واليوم (عيد الفطر ، الخميس 8 أغسطس 2013 ) تقف مصر بسببهم على مشارف حرب أهلية .
6 ـ الأنكى من ذلك هو تعطّش شيوخ الازهر للمصادرة عندما تعطيهم الدولة نفوذا . والأمثلة كثيرة فى عصر مبارك ، حيث وصل نفوذ الأزهر الى الأوج مع عودة العلاقات الرسمية بين مصر والسعودية راعية الفكر السلفي المتزمت، فأصبح لمجمع البحوث صفة الضبطية القضائية لما يراه مخالفا لتحقيق آمال الطامعين فى إقامة الدولة الدينية . واستخدام الضبطية القضائية يعني أن يكون للشيوخ نفوذ في دوائر الأمن يستخدمونهم ضد خصومهم من المفكرين ،وقد تجلي هذا في مطاردتهم لكاتب هذه السطور فى مصر فى التسعينيات . ونجح الأزهر بهذا النفوذ فى مصادرة كتب المستشار سعيد العشماوي فى معرض الكتاب وهو مشهور بوقفته الصامدة ورؤ اه المستنيرة فى مواجهة الفكر السلفي ، ولجأ الأزهر الى طريق جانبي لفرض ولايته على وزارة الثقافة الخارجة عن نفوذه ، فأصدرت لجنة الفتوى والتشريع برعاية المستشار الاخوانى طارق البشرى فتوى تعطى الأزهر ممثلا في مجمع البحوث الحق فى الاعتراض وطلب مصادرة المصنفات الفنية التي تمس العقيدة باعتبار أن الأزهر هو صاحب الحق فيما يخص الشأن الإسلامي، ووزارة الثقافة صاحبة الحق فى الترخيص . ونجح نضال التيار المدنى ـ والذى شاركت فيه ـ بابطال هذه الفتوى . و بتاريخ 7 أغسطس عام 2006 ، نشر موقع (المصريون ) المعبر عن الاخوان ، خبرا كئيبا تحت عنوان : ( وزير العدل يستعد للإعلان عنها قريبًا... "شرطة دينية" يخول إليها القيام بحملات تفتيشية على مطابع كتب السحر والشعوذة ومجهولة المصدر ) ، ويقول الخبر : ( يعتزم المستشار محمود أبو الليل إصدار قرار - بالتنسيق مع الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر - يقضي بتشكيل "شرطة دينية" تضم مجموعة من رجال الأزهر؛ وذلك لمواجهة الانحرافات الفكرية والدينية بالكتب والمجلدات. وأوضحت مصادر أن أعضاء تلك المجموعة سيتم اختيارهم من صفوة رجال الأزهر، الذين سيناط إليهم مصادرات الكتب وتفتيش المطابع المعروف عنها طباعة الكتب الدينية؛ مثل: كتب المسيخ الدجال وكتب السحر وعلامات القيامة وتارك الصلاة وغيرها من الكتب المنتشرة على الأرصفة مجهولة المصدر. وأشارت إلى أن قرار الوزير يعطي تخويًلا لبعض العاملين بالإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة بمجمع البحوث الإسلامية للقيام بالضبطية القضائية.) . الطريف هنا أن مناهج الأزهر هى الأصل والمرجعية لتلك المؤلفات ، والأولى مصادرة الأصل ، وليس إستخدام النفوذ لمصادرة ما يشاءون بزعم كذا وكذا ، فهم الخصم والحكم ، وبيدهم سلاح المصادرة ولا معقب لقرارهم .
7 ـ وواكب هذه المعارك الفكرية قيام الجناح المدني للتطرف وهم الشيوخ بتكفير الخصوم وما نتج عن هذا التكفير من قتل لفرج فودة ومحاولات قتل نجيب محفوظ وغيره، وأدى ذلك إلى ترسيخ الاعتقاد بوجود تناغم بين الأزهر وجماعات التطرف الوهابية ، إذ يتعاونون معا فى السعى لتحييد العقل المصري وتغييبه. ومن أسف أن الصحف الدينية الحكومية والمعارضة وغيرها اتحدت علي تأييد الفكر السلفي فى موقفه المتعدّى من قضايا مثل التفريق بين نصر أبو زيد وزوجته ، وتكفير نجيب محفوظ بسبب روايته ( أولاد حارتنا ) , وحبس الكاتب علاء حامد ، وإضطهاد أهل القرآن والمظاهرات ضد الرسوم المسيئة للنبى ، والحكم باعدام أصحاب الفيلم المسىء .
8 ـ وفى الوقت الذى يتقاعس فيه شيوخ الأزهر عن الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام ومواجهة ثقافة الاخوان الدينية تراه صامتا عن إضطهاد الأقباط ، يكتفى رموزه بلقاءات نفاق مع ارباب الكنيسة يتبادلون فيها القبلات والأحضان ، وهى عندى ( فعل فاضح فى الطريق العام ) . وبتأثير مناهج الأزهر تأسست حركات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قتلت شابا فى السويس ، وبينما كتبت ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين ) فى توضيح معالم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام ، فإن حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) وهو دستور التطرف لا يزال يرصّع مناهج الأزهر مع أحاديث وتشريعات أخرى فى فرض الجزية على الأقباط وقتل المرتد وقتل الزنديق وتارك الصلاة ..الخ . وبها تقوم حركات الاضطهاد ضد البهائيين والقرآنيين والشيعة ، وآخرها قتل وسحل الشيخ الشيعى حسن شحاته وبعض أتباعه.
أخيرا
1 ـ وإدراكا من الاخوان والسلفيين بأن الأزهر هو العُمق الظهير لهم فقد جاء دستور مرسى يجعل الشريعة السنية مهيمنة على الدستور ويجعل للأزهر حاكمية على القوانين . وقد خصّصنا لقانون مرسى حلقات منشورة هنا فى نقده وتعريته وتأكيد مخالفته للاسلام .
2 ـ إنّ حرص الاخوان على جعل الأزهر بمناهجه المتخلفة مرجعية دينية دستورية هو تمهيد لإنشاء دولة دينية وهابية سنية فى مصر . هذا يعنى جعل الازهر بوضعه الحالى قنبلة موقوتة من حيث الحجم والنفوذ والجهل العام لاربابه، ويحتّم إصلاح الأزهر.
3 ـ وإلّا .. فالهلاك قادم .!!