أولا : تجربة شخصية
1 ـ دخلت التعليم الأزهرى عام 1960 ، وربما كنت أصغر طالب وقتها . كان التعليم الأزهرى يبدأ بالمرحلة الابتدائية ( 4 سنوات ) ثم المرحلة الثانوية ( 5 سنوات ) ثم جامعة الأزهر ، وتتكون من أربع كليات هى : اللغة العربية والشريعة والادارة والمعاملات وأصول الدين . تم تطبيق قانون 103 فى تطوير الأزهر ، وأنا فى السنة الثانية ( ابتدائى أزهرى ) ، فأصبح ( إعدادى الأزهر ) بدلا من ابتدائى الأزهر ، وأضيفت للمناهج الأزهرية التراثية المواد التى يتم تدريسها فى التعليم العام ( لغة انجليزية أو فرنسية ) ، تاريخ ، جغرافيا ، علوم ..الخ ، فى مرحلتى الاعدادية والثانوية ، وتقسيم المرحلة الثانوية الى أدبى وعلمى بنفس السائد فى التعليم العام . وتأهل طلبة الأزهر للدخول الى الكليات العملية التى تم إفتتاحها من الطب والهندسة والعلوم والزراعة والصيدلة ..الخ . وقضيت 9 سنوات فى المرحلتين الاعدادية والثانوية الأزهرية،و فى عام 1969 تقرر خفض الثانوى الأزهرى الى أربع سنوات بدلا من خمس ، وتم تطبيق هذا على الدفعة الآتية بعدنا . كنت فى آخر دفعة قضت 9 سنوات فى الاعدادى والثانوى الأزهرى ، وهى الدُّفعة التى جمعت بين الدراسة الأزهرية التراثية التى كانت مُتّبعة فى العقود السابقة بالاضافة الى مواد التعليم العام .
2 ـ كانت المواد الأزهرية التى درسناها تنقسم الى فرعين فى الأساس : مواد خاصة باللغة العربية ، مثل النحو والصرف والبلاغة والعروض ، ومواد شرعية كالفقه والتفسير والحديث والتجويد والتوحيد ( اى العقيدة ) والسيرة النبوية . كانت مواد اللغة العربية قوية بينما إمتلأت المواد الشرعية بالجهل والخرافة ، إذ كانت من مؤلفات العصر العثمانى . كنت أذاكرها لمجرد التفوق فيها دون إقتناع بها . كان والدى يرحمه الله جل وعلا قد ترك لى مكتبة عامرة فأكببت عليها أقرأ فى الأدب والقصص والتاريخ ، وأجد فرقا شاسعا بين ما أقرأ وبين المقرر علينا فى الأزهر، ثم كانت مناهج التعليم العام محبّبة لنفسى ،وتتناقض مع جهل المؤلفات التراثية المقررة علينا، خصوصا فى التفسير والحديث وكتاب ( الجوهرة فى التوحيد ) الذى يقول مؤلفه الذى عاش فى العصر العثمانى إن ابليس نكح نفسه وأنجب ذريته ، وإن الله ( جل وعلا ) قد أوكل بقبور الأولياء ملائكة لتقضى حاجة من يتوسل بهم ، أما فى مقررات التفسير والحديث فقد تعلمنا منها أن الشمس تدور حول الأرض ،وأن عدد الكواكب ستة بالتمام والكمال ، وأن الأرض يحملها حوت إسمه ( بهموت فمشكل ) .وفى كتاب ( الإقناع فى حلّ ألفاظ أبى شجاع ) فى الفقه السنى تعرفنا فى مرحلة المراهقة على أحطّ ما يمكن قوله ممّا أسميه بفقه النصف الأسفل فى الجنس والاستنجاء بالحجر والغسل ، إذ ركز الفقه السلفى فى ازدهاره الفكرى على منهج الاستقراء بافتراض أحكام فقهية يتصور أو يتخيل حدوثها وفق المنهج الصورى السريانى، ثم إعطائها حكما فقهيا . ثم انحدر الفقه السلفى فى العصر العثمانى الى الدخول على التصورات السخيفة المستحيلة الحدوث والتى امتلأت بها كتب الفقه فى العصر العثمانى، ودرسناها فى الأزهر : مثل " ما حكم من حمل على ظهره قربة فُساء ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟... من جاع فى الصحراء ولم يجد الا جسد نبى من الأنبياء ، هل يجوز له الأكل منه؟ ...وما حكم من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة ؟ وماذا عليه من الأثم ؟؟ من سقط من فوق سطح على إمرأة فزنى بها يحسبها زوجته ، وما حكم من كان لقضيبه فرعان وزنى بامراة فى قبلها ودبرها فهل يقع عليه حدّ واحد أم حدّان؟؟. كل ذلك لا زلت اتذكره من الفقه التراثى الذى كان مقررا علينا فى الأزهر، وكان يخدش حياءنا حينئذ، ثم ظل مقررا على الجيل الذى أتى بعدنا بعد توسع الأزهر فى كل القرى المصرية دون اصلاح لمناهجه وفكره. ودخل فى الأزهر افواج من البنين والبنات فى تعليمه الآعدادى منهن فتيات قاصرات فى براءة الطفولة وحياء العذارى ونقاء الفطرة كان عليهن دراسة هذا الفقه القذر المتخلف. ولم يتم حذف سطوره الا بعد مقالات لى كوفئت عليها بالتكفير فى اوائل التسعينيات. فقد أطلعت د. رفعت السعيد والراحل فرج فودة على بعض الكتب المقررة فى التعليم الأزهرى . وتشجع الراحل فرج فودة فكتب مقالا فى إصلاح مناهج التعليم فى الأزهر نشرته الأحرار ، وسرعان ما اتصل شيخ الأزهر وقتها ( جاد الحق ) بحسنى مبارك ، فجاء تحذير شديد اللهجة لفرج فودة ، فكتب يرحمه الله بعدها يشير الى منعه من الكتابة فى هذا الموضوع .!. كتبت بعدها فى مقالات متفرقة أعرض فيها للمخازى المكتوبة فى مناهج الأزهر وتناقضها مع القرآن الكريم ، ونشرت هذا فى ( الأخبار ) و( الأهرام )و ( الجمهورية )و ( الأحرار ) ومجلات ( روز اليوسف ) و( حواء ) و( القاهرة ) و( سطور ) و ( الهلال ) وغيرها، فاضطر شيخ الأزهر وقتها "سيد طنطاوى" الى حذف الكثير ممّا أشرت اليه ، مع بقاء نفس المناهج . وهوجم الشيخ طنطاوى من أعضاء الإخوان فى مجلس الشعب عليه مما جعله يُقسم فى مجلس الشعب بأن ما يفعله هو لصالح الاسلام .
ثانيا : عمليات الاصلاح قبل عبد الناصر لم تقترب من مناهج الأزهر
1 ـ عملية التحديث التى قادها محمد على باشا أدّت الى تهميش الأزهر وإنشاء تعليم مدنى بعيدا عنه، ولكن تدعّم دور الأزهر لأسباب : لأنه كان معقل التصوف السّنى الذى يعتنقه المسلمون المصريون ، ولأنه إنفراد بالمجال الدينى فى الدعزة والارشاد وتوجّه الأوقاف الأهلية نحوه بمواردها. وصلت إصلاحات الخديوى إسماعيل للأزهر ، فأصدر أول قانون للأزهرعام 1872 الذى نظّم حصول الشيوخعلى شهادة العالميةأو ما يعادل درجة الدكتوراه، وحدد المواد التي يمتحن فيها الطالب بإحدى عشرة مادة دراسية تراثية، شملت المناهج التراثية . ومع إنشاء معاهد تتبع الأزهر أصدر الخديوى عباس حلمى الثانى قانون تطوير الأزهر عام 1896الذى حدد سن قبول التلاميذ بخمسة عشر عاما مع ضرورة معرفة القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم وحدد المقررات التي تُدرس بالأزهر مع إضافة طائفة جديدة من المواد ، وأنشأ هذا القانون شهادة تسمى "الأهلية" يتقدم إليها من قضى بالأزهر ثماني سنوات ويحق لحاملها شغل وظائف الإمامة والخطابة بالمساجد، وشهادة أخرى تسمى "العالمية"، ويتقدم إليها من قضى بالأزهر اثني عشر عاماً على الأقل، ويكون من حق الحاصلين عليها التدريس بالأزهر. ثم صدر المرسوم الملكي رقم 26 لسنة 1936مبشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها للقيام على حفظ الشريعة الإسلامية وأصولها وفروعها واللغة العربية وعلى نشرها, وتخريج علماء يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة بالمعاهد والمدارس. وحدد المرسوم اختصاص هيئة كبار العلماء وقصر كليات الأزهر على ثلاث هي: كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية. كما حدد دور المعاهد الأزهرية في تزويد الطلاب بثقافة عامة في الدين واللغة، وإعدادهم لدخول كليات الأزهر دون غيرها.
2 ـ ويلاحظ هنا التأكيد على تخصص الأزهر فى نفس المناهج التراثية التى أفرزها العصر العثمانى ، عصر الظلمات . وطبقا لهذه المناهج السلفية أصبح الأزهر بكليته ومعاهده فى القاهرة والأقاليم عُمقا إحتياطيا لحركة الإخوان المسلمين الذين أحبطوا حركة الاصلاح التى أسسها محمد عبده ، لأن رشيد رضا تلميذ محمد عبده أصبح عميلا لعبد العزيز آل سعود ينشىء له الجمعيات السلفية الوهابية بقيادات مصرية، وكان آخرها(الاخوان المسلمون ) عام 1928. وقد نجح الاخوان فى التسلل الى الجيش وأسهموا فى حركة الجيش التى تزعمها عبد الناصر.
ثالثا : عبد الناصر لم يُفلح فى إصلاح مناهج الأزهر
1 ـ بعد إنفراد عبد الناصر بالحكم وإضطهاده للإخوان المسلمين حاول إصلاح الأزهر بضمّه للحكومة ، وبتأميمه للأوقاف الأهلية وضمّها للإصلاح الزراعى ، وإلغاء القضاء الشرعى وإلحاقه بالقضاء المدنى . وعموما فقد إتسمت سياسة عبد الناصر الداخلية باصلاحات لم تتم ، مثل بناء السد العالى دون معالجة آثاره الجانبية ، ومثل التعامل مع الاخوان بالقبضة الأمنية مع ترك ثقافتهم الدينية السّنية داخل الأزهر والمساجد ، ومثل إصلاح الأزهر الذى ركّز على المظهر الخارجى بإضافة المناهج الحديثة والكليات الحديثة مع الإبقاء على التخلف التراثى فى التعليم الاعدادى والثانوى وكليات الشريعة واصول الدين .
2 ـ أصدر عبد الناصر القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له. فنص على أن الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس ..الخ .وامتلأ القانون بالعبارات الانشائية من هذا النوع . وقد وضع القانون المشار إليه اختصاصات شيخالأزهر فنصت المادة (4) على الآتي: شيخ الأزهر الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته ".وهذه الصبغة الكهنوتية لشيخ الأزهر فى هذا القانون تتناقض مع المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961 والتى تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر)وليس الإمام الأكبر, فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر). ومن أخطر ما جاء في القانون 103لسنة 1961 هو التناقض بين بعض عباراته المستنيرة وبعض عباراته الكهنوتية وما يسببه هذا التناقض من قمع فكري ،فالعبارات المستنيرة توجب الاجتهاد وتجعله فريضة ، فجاء في المادة 2 عن دور الأزهر فى حفظ التراث الإسلامي "ودراسته وتجليته ونشره " . وتقول عن هيئة الأزهر "وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة..وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون " ، وفى المادة 15 تجعل مهمة مجمع البحوث مجرد الدراسة وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وإثارة التعصب السياسي والمذهبي وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص". وفى المادة 33 تجعل مهمة جامعة الأزهر "حفظ التراث الإسلامي وتجليته ونشره،وتؤدى رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته .."وكل ذلك يعنى الاجتهاد .أي أن واجب الأزهري فى مجمع البحوث أو في جامعة الأزهر هو الإجتهاد في تجلية حقائق الإسلام من خلال القرآن الكريم والتراث . وهذا يعنى أن من حقائق الإسلام ما يحتاج الى تجلية وتوضيح وان في الثقافة الإسلامية شوائب وفضول وتعصب يحتاج إلى تنقيه وتجليه ليعود للإسلام فكره وجوهره الخالص الأصيل ...هذا هو الاجتهاد الذي يفرضه قانون الأزهر.. فماذا يعنى الاجتهاد؟ يعنى الخروج عن المألوف والإتيان برأي جديد من خلال المصادر الإسلامية ذاتها يخالف ما وجدنا عليه آباءنا . هذا ما يفرضه قانون الأزهر ،أو بالأدق هذا ما تفرضه العبارات المستنيرة في قانون الأزهر .
3 ـ ومن المفترض أن تكون مناهج الأزهر المتخلفة هى ساحة الاجتهاد ، يقوم المجتهدون من علماء الأزهر بفحصها وتجلية الحق من الباطل فيها ، وبهذا الاجتهاد يمكن إصلاح الأزهر من الداخل بعد تطويره من الخارج بلإضافة العلوم الحديثة والكليات الحديثة واللغات الأجنبية . ولكن ضاع هذا بنفس قانون 103 الذى إحتوى على الغام أخرى تتيح إجهاض الاجتهاد تحت مسميات مؤثرة وعبارات غامضة مثل إنكار حقائق الإسلام! . تقول المادة 30 من القانون أن عضوية مجمع البحوث الإسلامية تسقط إذا ما وقع من العضو ما يلائم صفة العضوية كالطعن في الإسلام أو إنكار ما علم منه بالضرورة أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم ،وتقول المادة 72"كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر )أو لا يلائم صفته كعالم مسلم ،أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل .." وحين قمت بالاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام اتهموني بإنكار حقائق الإسلام مع ان كل كتاباتي التي حاكموني بسببها فى الفترة من 1985 :1987 كانت إما آية قرآنية أو تعليقا على آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، ومع أن كل كتبي كانت توضيحا لحقائق الإسلام وتبرئة له وفقا لما يأمر به القانون .ولكن القانون نفسه أعطى سلاحا للشيوخ القاعدين عن الاجتهاد لكي يستخدموا نفوذهم ومناصبهم في معاقبة المجتهد الذى يطبق القانون .وهنا يقع التناقض فى قانون 1961 بين الأمر بالاجتهاد وإمكانية عزل الذي يطيع القانون فيجتهد ضد إرادة الشيوخ العاجزين عن الاجتهاد والمتمسكين بمناهج الأزهر المتخلفة. ولكن تبقى للقانون ميزته، وهى انه لم يتحدث مطلقا عن السنة ،فتحدث عن القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية ، أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري ،وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب..كان هذا القانون فى عهد شيخ الأزهر محمود شلتوت 1958 : 1963 ، وقد كان إماما مستنيرا مجتهدا تشهد مؤلفاته بتأثره بمدرسة الامام محمد عبده، ثم أتى عصر السادات الذى إعتبر فكر السنيين وفقههم السنى دينا تحت مصطلح السّنة . وهذه هى جريمة السادات فى حق مصر والاسلام .
رابعا : السادات أفسد الأزهر بنشر مناهجه المتخلفة على أنها الاسلام وسنّة الرسول عليه السلام
1 ـ تركّز إفساد السادات للأزهر فى اللائحة التنفيذية لقانون الأزهر 103 المشار اليه ، وفى التوسع فى نشر كليات الأزهر وجامعاته ومعاهده الاعدادية والثانوية .
2 ـ اللائحة التنفيذية لقانون الأزهر : أصدرها السادات لتمحو الجوانب الإيجابية من قانون 103 ، فهذه اللائحة حولت مجمع البحوث الى جهة تصادر الكتب وتقف لحرية الفكر بالمرصاد. فالمادة 17من اللائحة تجعل من واجبات المجمع تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامى من بحوث ودراسات فى الداخل والخارج والانتفاع بما فيها من رأى صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد . وهذا كلام قد يبدو في ظاهره لا غبار عليه ، ولكنه عند التنفيذ يملؤه الغبار . فالذين يفترضون في انفسهم احتكار الشأن الديني ليس منتظرا منهم إن يعترفوا برأي صحيح يقوله غيرهم ممن ليسوا شيوخا ،وإذا كان الفكر الديني مبنيا على الخلاف في الرأي فإنهم لن يجدوا في الرأي الأخر إلا خطأ محضا ، وبالتالي فإن السلطة التي في أيديهم ستحول هذا الخلاف إلي أكثر من خطأ ..تحوله إلى كفر. .لأنه وقر في قلوبهم انهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة ، ومن يخالفهم فقد خالف الإسلام .. والقانون ( اقصد اللائحة ) تعطيهم هذا الحق . وجاءت المادة 25 من القانون بأن يختص مجمع البحوث الإسلامية في نطاق الأزهر بكل ما يختص بالنشر والترجمة والتأليف ..أى قصرت دوره على الأزهر ومؤسساته ، ولا يتعدى هذا الدور حوائط الأزهر . وبدلا من أن تأتى اللائحة في العصر الساداتي توضح وتفصل عمل هذه المادة داخل الأزهر نجدها قد حولت مجمع البحوث الى إدارة للمصادرة خارج الأزهر. و المادة 40 من اللائحة تجعل إدارة البحوث والنشر والنشر بالمجمع مختصة بفحص المؤلفات والمصنفات الإسلامية أو التى تتعرض للإسلام وإبداء رأيها فيما يتعلق بنشرها أو تداولها ، وهنا يتحول مجمع البحوث الى محكمة تفتيش لكل كتاب يتعرض للشأن الإسلامي ولو فى بضعة أسطر .وهنا فيكون قانونا من حق المجمع أن يسمح بتداوله ونشره وعرضه أو أن يمنع نشره وتداوله وعرضه .ثم تقول بتتبع كل ما يكتب عن الإسلام فى الداخل والخارج والرد على كل ما يمس الإسلام فيها. وهل إذا فحص المجمع كل المؤلفات التي تتعرض للإسلام وأبدي رأيه فيها بالسماح والمصادرة هل إذا فعل ذلك سيكون لديه وقت لتتبع " كل ما يكتب عن الإسلام في الداخل والخارج" والرد على ما يمس الإسلام فيها ؟ وهل سيجد الوقت لمتابعة كل ما يكتب عن الإسلام فى كل العالم وبكل اللغات ؟ واين لشيوخ المجمع بهذه المقدرة ؟ .!
3 ـ التوسّع فى التعليم الأزهرى وجعله موازيا للتعليم العام :
فى عصر السادات تولى مشيخة الأزهر : محمد الفحام 1969 : 1973 ، وعبد الحليم محمود 1973 : 1978، ومحمد عبد الرحمن بيصار 1979 : 1982 . وكان أخطرهم عبد الحليم محمود الذى كان متعصبا برغم تصوفه ، والتصوف مشهور بالتسامح . لقد إقترح البابا شنودة تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس لتعميق الوحدة الوطنية بين المصريين ، وحاز الاقتراح القبول ولكن شيخ الأزهر وقتها عبد الحليم محمود هدد بالاستقالة لو تم قبوله. وصدر حكم المحكمة في قضية التكفير والهجرة ، ولأن الشيوخ الذين إستطلعت المحكمة رأيهم تعاطفوا مع المتهمين فقد جاء الحكم يهاجمهم وينبّه على إهمالهم واجبهم بالتتبصير بحقائق الاسلام ،وتتأسّف على أنهم لم يؤدوا رسالتهم ولم يتركوا أماكنهم لمن يستطيع تأدية الرسالة . وأسرع عبد الحليم محمود فأصدر بيانا هجوميا إمتنعت الصحف عن نشره ما عدا صحيفة الأحرار . وقد طالب فى هذا البيان برجوع قضاة الشرع ( السّنى ). ولقد جاهد عبد الحليم محمود داعيا لتطبيق الشريعة السنية مع إنه لم يكن فقيها متخصصا كالشيخ شلتوت مثلا . كتب عبد الحليم محمود الى رئيس مجلس الشعب سيد مرعى ، والى ممدوح سالمرئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية . وأسّس لجنة فى مجمع البحوث لتقنين الشريعة السّنية وفق المذاهب الأربعة.
لذا كانت الحاجة مُلحّة عنده لنشر مناهج الأزهر على أوسع مدى فى العمران المصرى . وعندما تولى مشيخة الأزهر كان التعليم الأزهرى الاعدادى والثانوى محدود الانتشار عاجزا عن إمداد الكليات الأزهرية العادية والحديثة بالطلاب ، لذا توسع فى التعليم الابتدائى الأزهرى والاعدادى والثانوى،وفتح باب التبرع داخليا وخارجيا لبناء المعاهد الأزهرية فى القرى والمدن المصرية ، فتم فى عهده أكبر توسع له فى تاريخ الأزهر ذى الألف عام . وفتح أبواب المعاهد الأزهرية الاعدادية والثانوية للراسبين فى التعليم العام فى الشهادات الابتدائية والاعدادية ، وبسبب كثرتهم فقد كانت تضيق الفصول بهم ، وشهدنا التدريس فى أفنية المعاهد والتلاميذ جلوسا على الأرض .وفتح أيضا للفاشلين من حملة الثانوية العامة دخول الكليات العملية الأزهرية من الطب والهندسية وغيرها شريطة أن يدخلوا سنة دراسية ( الاعداد والتوجيه ) يدرسون فيها مناهج الأزهر التراثية المتخلفة ، وبعدها ينتظمون فى تلك الكليات . ولم يكتف بذلك بل بدأ تأسيس جامعات وكليات تراثية للأزهر فى الأقاليم ، كان أبرزها جامعة الأزهر فى اسيوط والتى جاء تمويلها من الملك السعودى فيصل ، وأصبحت بؤرة للوهابية فى منطقة مصرية تعجّ بالأقباط ، ومنها خرجت الفتاوى بقتل السادات ومطاردة الأقباط .
وعلى أية حال فإن عصر السادات زرع ألغاما أمام العقل المصري ،أضيفت إلي الألغام السابقة التي زرعت في العصر الناصري ،إلا أن الغام السادات تغلفت بالدين،ووضعت إطارا دينيا للتيار السلفي الطامح للحكم كي يتهم خصومة السياسيين بالكفر بحجة إنكار تطبيق الشريعة . وقُدّر لهذه الألغام أن تنفجر ..وانفجر أولها في وجه السادات نفسه ، ثم انفجرت باقي الألغام في عصر حسنى مبارك .. ولازالت تنفجر حاليا بعد عزل الرئيس الاخوانى مرسى .