مقدمة :
1 ـ قبل الدخول فى موضوع (إصلاح الأزهر ) أنشر هذا الحوار الصحفى الذى أجرته معى صحيفة الأهالى فى عهد رئيس تحريرها الراحل ( فيليب جلاب ) ، وكان هذا بتاريخ 5 فبراير 1992 ، تحت عنوان (حوار مع عالم اسلامى صادره الازهر ). والملاحظ أن المُحاور لم يذكر إسمه خوفا من إرهاب الأزهر والجماعات المتطرفة ، وكانت فى ذروة نشاطها يومئذ ، وكانت تحظى وقتها بتأيد خفى من الأزهر .
2 ـ ننقل الحوار كما هو لنتحسّر على حال مصر بعد هذا الحوار ب21 عاما ، ولعل هذا الحوار يحفز همة بعض المتنفذين لاصلاح الأزهر ، وهذا الحوار هو المدخل لمقالات تالية عن إصلاح الأزهر .
أولا : قالت عنّى وقتها جريدة ( الاهالى ) فى بداية الحوار : ( يصف نفسه بأنه أزهرى حتى قبل مولده. فقد ارتبطت أسرته فى محافظة الشرقية بالتفوق فى مراحل التعليم الازهرى منذ الاربعينات وحتى الثمانينات.وخلال مراحل تعليمه الازهرى حافظ على ذلك التراث العائلى فى التفوق الازهرى حتى تخرج بمرتبة الشرف فى قسم التاريخ والحضارة سنة1977 ، وعمل معيدا بالقسم إلى أن تم فصله من الجامعة وهو على وشك الحصول على درجة استاذ مساعد ، بسبب أنه اجتهد فى عمله وأصدر الكثير من المؤلفات . وبسبب دأبه فى البحث العلمى عرف الاضطهاد من كل الاشكال ومن بينها مصادرة كتبه ومؤلفاته ودخوله السجن بتهمة فكرية ملفقة . انه الدكتور احمد صبحى منصور الذى يصفه بعض المثقفين والكتاب بانه جوهرة الازهر..)
ثانيا : ثم دار الحوار الذى نشرته الجريدة بلا أدنى حذف أو تحوير :
سألته : ماهى الكتب التى صودرت لك بمعرفة المسئولين فى الأزهر ؟:
قال :هناك نوعان من المصادرة مصادرة الفكر وهى الأخطر والأشد قسوة ثم مصادرة الكتب وهى التى تحظى بالاهتمام اليوم ، وربما أكون المفكر الوحيد الذى تعرض لمصادرة فكره ومصادرة مؤلفاته معا .
سألته : كيف صودر فكرك ؟
قال :هنا لابد من توضيح أن الفكر الذى أعتنقه والذى يصادره خصوم من المشايخ يعبر فى الحقيقة عن الروح الحقيقية للأزهر وعن دور الازهر الذى ينبغى القيام به طبقا لقانون الازهر نفسه وهو " تجلية حقائق الاسلام " . وهذا هو نص القانون نفسه، اذن فهناك حقائق اسلاميةغائبة يتعين على الأزهر تجليتها وتوضيحها، وربما كان ذلك فى الماضى ضرورة ثقافية دينية ، ولكنه أصبح اليوم ضرورة سياسية أيضا بعد انتشارالتطرف الدينى وجماعاته . ولوقام المسئولون فى الأزهر بدورهم الذى يمليه عليهم القانون والذى يفرضه عليهم الوطن والاسلام لما ظهرت تلك الجماعات . فهذه الجماعات تعتمد على تراث كان ينبغى للمسئولين فى الأزهر تنقيته وتبرئة الرسول عليه السلام مما يخالف القرآن الكريم منه، ولكنهم بدلا من ذلك اضطهدونى حين تصديت لهذا الدور وأديت واجبى القانونى والوظيفى داخل الجامعة وقمت بتوضيح حقائق الاسلام،ولم يكتفوا بفصلى من الجامعة بل أدخلونى السجن بتهمة ملفقة وهى انكار السنة، مع أن ماأقوم به هو الدفاع عن السنة الحقيقية للرسول عليه السلام وتبرئته من الأقاويل التى تخالف القرآن.. واضطهادهم هذا هو اضطهاد لفكر يعتمد على أدلة قرآنية وتراثية وتاريخية ويهدف لقول الحق بالحكمة والموعظة الحسنة . وباختصار هو اضطهاد للفكر الأصيل الذى يعبر عن روح الأزهر الحقيقية التى أشعلهاالامام محمد عبده ، ثم أطفأها الجمود العقلى الذى تعززه الآن جماعات التطرف الدينى.
سألته: هل يعنى ذلك أن خصومك يغازلون التيار الدينى على أساس أنه السلطة القادمة فى الحكم ؟
قال ربما يكون بعضهم كذلك ، ولكنى أقول بوجه عام أنهم أصحاب مناصب وسلطات
وليسوا أصحاب كفاءات علمية أواجتهاد ، وليس لديهم وقت للقراءة أو البحث ، ولذلك يعتبرون المجتهد صاحب الرأى الجديد خطرا على مناصبهم ومكانتهم، وليس مهما ان كان ذلك فى صالح الاسلام أو الازهر نفسه أو الوطن، انما المهم انه خطر عليهم يفضح تقاعسهم العلمى وكسلهم الفكرى . ومن هنا يدافعون عن أنفسهم بمصادرة فكره ومؤلفاته وهذا ماحدث بالضبط معى .
سألته: نريد أمثلة لمصادرة فكرك وأمثلة أخرى للكتب التى صودرت لك .
قال حين تقدمت برسالتى للدكتوراه للمناقشة سنة 1977 وكانت عن أثر التصوف فى مصر المملوكية ظلوا يضغطون على طيلة ثلاث سنوات حتى اختصرتها إلى الثلث فقط ، وبعدها أعطونى الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى. والمهم أنهم صادروا ثلثى الرسالة .وبدأت بذلك معى أولى حلقات مصادرة الفكر ، فالمحذوف من هذه الرسالة أعدت كتابته فى عشرة مؤلفات ولكنها لاتزال مخطوطة عندى يتهددها سلاح المصادرة اذا رأت النور : وهذا ماأقصده بمصادرة الفكر . وفى أخر عام لى فى الجامعة أقوم فيه بالتدريس وهو سنة 1985أصدرت خمسة كتب أولها ( الأنبياء فى القرآن الكريم) وقد صودرت تلك الكتب وتمت احالتى للتحقيق الذى استمر سنتين إلى أن تم فصلى من الجامعة، وكنت قد أعددت تلك الكتب للنشر على الجمهور ولكن اضطررت لاحالتها للتقاعد، فهذه هى المرحلة الثانية من اضطهادهم وهى مصادرة الفكر قبل النشر. ثم أعدت سلسلة الدراسات القرآنية وبدأتها بنشر أول كتاب منها وهو( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وقد طبعته الاهرام ووزعته الاخبار ، ولكنهم أدخلونى السجن بسببه وصودر، وبالطبع فان باقى السلسلة لاتزال مخطوطة محكوم عليها بأن تظل جثثا فكرية لاترى النور لأن فكرها محكوم عليه بالمصادرة ..وحتى حين أصدرت الأخبار لى كتاب" مصر فى القرآن الكريم" فى رمضان قبل الماضى تدخل بعض المشايخ لجمعه من السوق وأشارت إلى ذلك " الاهالى" فى باب " أسرار الاسبوع " . وتحدثت أيضا جريدة الهلال تحتج على ماحدث . وهذا يعنى أن فكرى محكوم عليه بالمصادرة إذا رأى النور، بل ان خصوم فى الأزهر قدموا ضدى شكوى إلى نيابة أمن الدولة العليا لأن الأخبار نشرت لى مقالين أحذر فيهما من شركات توظيف الأموال وأفتى فيهما بأن فوائد البنوك حلال . والمقصود ارهابى بالطبع حتى لا أنشر فكرى بأى طريق.
وليس مهما ان كان ذلك فى المصلحة أم لا .. المهم مصالحهم هم ووظائفهم هم .. والنتيجة أن لدى عشرات الكتب لن ترى النور مع أهميتها فى مواجهة التطرف الدينى ..
سألته : وكيف ترى الحل؟
قال بأن يقتصر دور الأزهر على توضيح حقائق الاسلام والرد علي الخصوم فى الفكر بالفكر ، وأن تكف الدولة يد مجمع البحوث وأى سلطة أخرى عن التدخل فى الفكر بالمنع والمصادرة والارهاب . وهذه هى الروح الحقيقية للاسلام وللأزهر . وبالطبع يستلزم ذلك اعادة النظر فى كثير من القوانين التى تكبل حرية الفكر . وعندى أننا سنظل متخلفين طالما توجدهناك جريمة إسمها جريمة الرأى .. وعن طريق حرية الرأى نستطيع حل مشكلة التطرف الدينى وغيرها. وأعتقد أن تغيير بعض القوانين سيئة السمعة يعتبر تضحية بسيطة فى سبيل حماية الحاضر والمستقبل .. وإلا فان التتار قادمون .. !!
لقد تأثرت كثيرا بكلمة الفنان عادل امام التى نشرتها " الاهالى " ضد المصادرة ، وأرى أنه يفهم الاسلام أكثر من أعضاء محاكم التفتيش .. ! )
ختاما :
1 ـ انتهى الحوار الذى دار من 21 عاما ..ولكن المشكلة تفاقمت ، فقد شبّت أجيال على الفكر المتطرف المتخلف الذى يرعاه الأزهر فى مناهجه ..
2 ـ وصل الأمر الآن عند نشر هذا المقال ( صباح الخميس أول أغسطس 2013 ) أن السلطة المصرية على وشك إن تقتحم إعتصامات الآخوان والسلفيين المُطالبين بعودة رئيسهم المعزول محمد مرسى ) ، وقد حشدوا في إعتصامهم فى ميدان النهضة وميدان رابعة العدوية المئات من الأطفال والنساء ليتخذوا منهم دروعا بشرية ، فى خسّة متناهية يندى لها جبين الانسانية .
3 ـ الذى لا يعرفه الكثيرون أنّ هذه الخسّة هى تشريع سُنّى فقهى يحميه الأزهر .. إسمه ( التتّرُس )، وهو يبيح إتّخاذ بعض المسلمين ( ترسا ) أو ( درعا ) والتضحية بهم فى مقابل هزيمة العدو . هذا ( التترس ) هو الخطة الحربية التى تنفذها ( حماس ) حين تُطلق صواريخها من داخل البيوت والمستشفيات والمدارس ، ثم يختفى ( الأبطال المغاوير ) فى عُمق التكاثف السكانى فى مدينة غزة لتُجبر اسرائيل على الاختيار بين السكوت أو قتل المدنيين من أهل غزّة . هذا التترُّس هو أساس التفجيرات الانتحارية العشوائية التى يقوم بها الوهابيون فى اسرائيل والعراق وسوريا ومصر وباكستان وأفغانستان والجزائر ..الخ .. ومُنتظر أن يكون بين الضحايا مسلمون سنيون ..ولكن لا بأس فى هذا بتشريع التترّس السُّنى الفقهى الذى يسكت عنه الأزهر لأنه ضمن مناهجه التى يقوم بتعليمها . والآن يعتبر الاخوان والسلفيون أن المصريين أعداء وكفرة لأنهم خرجوا ضدهم فى مظاهرات غطّت العمران المصرى ، لذا يقومون بتطبيق شريعة التترس بالأطفال والنساء ، وهذه هى شريعتهم ، وهذا هو تطبيقها العملى بأجساد المخدوعين من أطفالنا وبناتنا ونسائنا , بينما قادة الاخوان والسلفيين وقادة حماس بين الحراسات المشددة ، والأطفال والنساء فى المقدمة ..
4 ـ هل يعلم شيوخ ألأزهر بتشريع التّترُس ؟ أم يجهلونه ؟ إذا كانوا يجهلون فالمصيبة عُظمى ، وأن كانوا يعلمون ويسكتون فالمصيبة أعظم .
5 ـ وفى كل الأحوال فلا بد من إصلاح الأزهر فى مناهجه وفى قانونه ومؤسساته ، وإلّا ستظل مصر تحمله عبئا على كاهلها يجرّها للخلف ثم الى السقوط فى الهاوية .
6 ـ الى متى نظل نؤذّن فى مالطة .؟!..
وهل سيأتى بعض أهل القرآن بعد 21 عاما أخرى وينشر هذا المقال متحسّرا وهو يقف على ما بقى من ( أطلال مصر ؟ ) ..
اللهم بلّغت ، اللهم فاشهد .!!