حوار صحفى ـ كالعادة ـ لم ينُنشر

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٨ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : أقدّر وأُثمّن جهد الصحفيين المتنورين الذين يجاهدون فى سبيل نشر حواراتهم معى فى وسائل إعلامية خليجية . أنا أقول آرائى بصراحة  لا تحتملها سياسة تلك الوسائل الاعلامية ، فيلجأ من أعد الحوار للحذف ، وينجح فى نشره ، وأحيانا يستعصى الأمر على النشر ، فيظل الحوار ممنوعا من النشر ، فأضطر لنشره بنفسى فى موقعنا ( أهل القرآن ) وفى موقع ( الحوار المتمدن ). ينطبق هذا على هذا الحوار الذى منعوه من النشر . لذا أنشره بنفسى هنا .

 ثانيا  : جاءتنى هذه الرسالة

الدكتور المحترم أحمد صبحي : 

كيف حالك آتمنى أن تكون بخير وبصحة جيدة. . و أن يكون رمضان معك ومع الأسرة جيدا . اعمل الأن على كتابة تقرير جديد  حول اختلاف التوجهات السياسية و الحكم علي علاقة الإنسان برب وكنت أود إضافة رأي حضرتك على التقرير لأني اعرف انك ستعطيني اراء موضوعية

طفت على الساحة في العشر سنوات الماضية العديد من التيارات السياسية ذات التوجهات الدينية والتي لا تختلف ثيرا عن التيارات السياسية اليساريو المعتدلة في شئ سوى المسمى في حين أن كثير من الناس يرونها احزاب وفصائل وجماعات دينية ذات توجه ديني أولا ثم سياسي يحمل مشروعا اسلاميا لذلك هو مُحارب .

محاور الأسئلة  اختلاف التوجهات السياسية و تأثيره على علاقة الإنسان بربه . وهل يجوز التكفير على آساس الإختلاف في التوجه السياسي ؟ هل يجوز لمعتنقي فكر تيارات الإسلام السياسي تكفير من هم دون ذلك على آساس الإختلاف معهم؟  و هل يخرج عن الملة كل من يختلف ولا يقف في صف أحزاب و فصائل تيارات الإسلام السياسي ؟ و هل يجوز شرعا الإختلاف مع توجه الإسلام السياسي؟ هل هذه الأحزاب فعلا احزاب دينية كما تدعي؟  و هل الدين حكر على توجه دون الأخر إذا كانت التوجهات الأخرى لا تحمل مسمى ديني في حال كان الجميع يدين بالإسلام؟  آليست الأحزاب صناعة بشرية ولكن الدين لله؟

هل عبادات من لا يؤمن ولا ينتمي لأي من الأحزاب الدينية مقبولة؟  و هل الليبيراليين والمعتلين كفرة ؟

السؤال الأهم هل يجوز السباحة ضد التيارات الدينية  ؟؟

  ثالثا : وجاءت الاجابات كالتالى :

1 ـ التيارات الدينية التى  تعمل بالسياسة يجب مواجهتها سياسيا وفكريا ومن داخل الاسلام الذى يجب أن يتنزّه عن الاستغلال السياسى . فإن إعتدت بالسلاح وجب رد الاعتداء بمثله .

2 ـ إنّ إستغلال الدين لخداع الناس لعبة سهلة ، وخطيرة أيضا . وبها يصل الأفّاقون ومنعدمو المواهب للصدارة بمجرد التمسح بالدين والتدين السطحى والاحتراف الدينى . وهم فى عملهم السياسى لا يفهمون فى السياسة كما ظهر من تجارب الاخوان ، خبرتهم تقوم على الخداع والتآمر ، لذا فهم إذا وصلوا للحكم بطريق الانتخاب والديمقراطية فلا يعرفون الحلول الوسط ولا تداول السلطة ، لأنهم متأكدون من حتمية فشلهم وأن فشلهم سينتهى بهم الى الطرد من السلطة . لذا يكون المبدأ السياسى لديهم كما يتضح من تجربة الاخوان فى مصر :" إما أن نحكمكم وإما أن تقتلكم ". ومن هنا يستخدمون سلاح التكفير ضد خصومهم فى الوصول للحكم وفى الاستحواذ على الحكم ، وفى مواجهة معارضيهم ، فمن يعارضهم فهو كافر حلال الدم . وهنا تتجلى خطورتهم ، وهنا أيضا يتوجّب جهادهم إسلاميا لأنهم ظالمون معتدون بُغاة ، ومن يقع عليهم البغى من حقهم أن يقاوموا هذا البغى إنتصارا لأنفسهم : يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)  الشورى ) ، وإذا قاتلوا الناس المحتجين على بغيهم فيجوز قتالهم مصداقا لقوله جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة )  

3 ـ خطورة خلط الدين الاسلامى بالسياسة أنه يشوّه الاسلام ، ويجعله مسئولا عن خطأ وخطايا أولئك الناس الذين يزعمون أن يتقمصون الاسلام . وهذا ظلم لله جل وعلا وللناس ، والله جل وعلا أمر بالعدل والاحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغى فقال جلّ وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ). بل إن الله جل وعلا حرّم أستخدام الأيمان أو الحلف بالله فى البيع والشراء فقال (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) ( النحل 94 ) فكيف باستخدام دين الله مطية للوصول للحكم ؟

4 ـ هنا يكون جهادهم فريضة اسلامية لاقامة القسط . وإقامة القسط والعدل هو المقصد والهدف من إنزال كل الرسالات السماوية ، فهى ليقوم الناس بالقسط ، وإلا فالحروب بالسلاح والحديد ذى البأس الشديد ، يقول جل وعلا (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد  )

5 ـ وبالتالى فليس خارجا عن ملة الاسلام من يواجه هؤلاء المتلاعبين بدين الله جل وعلا فى الصراع السياسى ، بل هو ينصر الاسلام دين العدل والقسط ، ويبرئه ممّن يشوّه إسمه العظيم لكى يحصل على حُطام الدنيا وثمن قليل .

إن دعاة الحرية السياسية والعدل هم الأقرب الى الاسلام لأن الاسلام هو دين العدل والقسط والحرية الدينية التى يؤجّل فيها الحكم بين الناس فى إختلافاتهم الدينية الى الله جل وعلا يوم الدين . أما أعداء الاسلام فهم الذين يستخدمون إسمه العظيم مطية للوصول للثروة والسلطة أو البقاء فى السلطة وإحتكار الثروة ، وهم الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا . أولئك لن يكلمهم الله يوم القيامة ولن ينظر اليهم ، وينتظرهم عذاب هائل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران )( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ( البقرة ).

6 ـ على أن إستغلال الدين سياسيا رذيلة بشرية عرفها المسلمون والأوربيون . وكلهم يتبعون مذاهب وأديانا أرضية يقدسون أئمتهم ، ويتخذونهم أربابا من دون الله ، ويؤسسون نظم حكم وفق هذه المذاهب والملل والنحل ، والاسلام برىء من هذا .

7 ـ إن الاسلام هو دين الله لكل البشر الذى نزلت به كل الرسالات السماية باللغات التى كان ينطق بها كل رسول وقومه .  وكل فرد عليه أن يطيع الله جل وعلا ، وكل فرد له تمام الحرية فى الطاعة أو المعصية وفى مشيئة الايمان أو الكفر ، ومقابل هذه الحرية فى الدنيا سيكون الحساب والجنة أو النار : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)  ( الكهف ). وكل الناس سيؤتى بهم افرادا يوم القيامة للحساب أمام الواحد القهار ، وفق عدل الله جل وعلا : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)  ( النحل ) ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)( مريم ). وبالتالى فليس من العدل أن يحتكر فرد أو طائفة أوشعب الاسلام لنفسه ، ولو فعل هذا يكون عدوا للاسلام .

 8 ـ إن السياسة صناعة بشرية رديئة فى أغلبها . ودين الله جل وعلا أقدس من إستغلاله فى هذه الصناعة القائمة على الخداع والمكائد والتلون وطلب المنفعة بأى طريق . لا بد من الفصل بين الاسلام وذلك الصراع السياسى حفظأ للاسلام ، وتحقيقا للعدل بين الفرقاء المتصارعين فى الحق السياسى ، ليكونوا على أرضية دنيوية واحدة ، ولا يزعم أحدهم أنه ( الأعلى ) بسب أنه يمتطى دين الله ، جلّ وعلا .  

اجمالي القراءات 13010