فساد الشريعة السنية نظريا وتطبيقيا

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٥ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : الفساد النظرى فى الشريعة السّنية

إذا كانت مبادىء الشريعة الاسلامية تقوم على العدل والمساواة والحرية الدينية والشياسية وحق الحياة والرحمة والتيسير ، فإن الشريعة السّنية تتأسس على الظلم والفساد والتزمت والغلظة والاستبداد . بدأ تطبيقها قبل تدوينها خلال الفتوحات العربية التى تناقضت مع تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، ثم ما ترتب على هذه الفتوحات من إقامة امبراطورية أموية مستبدة على النسق السائد فى العصور الوسطى بالتناقض مع مبادىء الشريعة الاسلامية فى الحرية والعدل ، وخلفتها الامبراطورية العباسية ، ولأنها امبراطوريات تتمسح باسم الاسلام شكلا فقد كان لزاما وضع تشريعات لها تبرر وتسّوغ ظلمها . وهذه الشريعة التى بدأت كتابتها فى العصر العباسى وجّهت ضرباتها للقرآن الكريم لإخضاعه لأهوائهم ، عجزوا عن تحريف نصوصه فالتفتوا الى تغيير معانيه ومفاهيمه بالتأويل والتفسير ، ويبطلون تشريعات القرآن باسطورة النسخ ، مع أن النسخ يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء ، ولنا بحث لنا منشور هنا ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم )، ثم قاموا بصناعة أحاديث نسبوها للنبى بعد قرنين وأكثر من وفاته ، وتوالى وضع وأفتراء تلك الأحاديث تحت مصطلح السّنة . وتخصصت ( علوم القرآن ) للطعن فى القرآن تحت مسمى التجويد والقراءات السبع ، ووضع إختلافات فى الكتابة القرآنية تخالف الكتابة الأصلية للخط العثمانى المعتمد .

وفى كل ما سبق كتبنا ونشرنا مئات المقالات خلال ثلاثين عاما ، فى تجلية حقائق الاسلام وتوضيح التناقض بينه من جهة وبين السّنة والتشيع والتصوف من جهة اخرى . ونعطى هنا لمحة عن تلاعب الفقه السّنى بالشريعة الاسلامية الحقيقية الالهية القرآنية ، وكيف أنها قامت بتحويل الحرام الى فرض واجب وتحريم الحلال واستحلال الحرام وتدمير القواعد والكليات التشريعية القرآنية . ونعطى أمثلة :

التلاعب فى درجات التشريع فى القرآن الكريم

تدور التشريعات فى القرآن الكريم حول ثلاث درجات : الفرض المكتوب او الاوامر ، ثم النواهى أو المحرمات ، ثم ما بينهما وهو المباح ، ومنهج القرآن فى التشريعات فى هذه الدرجات ان يحدد الفروض والمحرمات ثم يترك المباح مفتوحا.    وتلاعب الفقة السنى بدرجات التشريع القرآنى ، اذ اضاف اليه درجتين فى التشريع انتزعهما من المباح الحلال هما المكروه والمندوب او المسنون . فالمكروه هو مباح ينبغى تركه أو درجة اقل من الحرام, والمندوب او المسنون هو مباح ينبغى فعله وان لم يكن واجبا لأنه اقل من الفرض الواجب . وترتب على هذا التأويل والتعديل للمدار التشريعى الاسلامى القرآنى نتيجتان : (1) اضافة مصطلحات جديدة تخالف القرآن وهى المكروه والمندوب ، وعلى سبيل المثال فإن المكروه فى مصطلحات القرآن ليس مباحا اقل درجة من الحرام كما يقولون بل هو اشد انواع الحرام تجريما (الحجرات 7)   (الاسراء 38 ) .(2 ) : هى التضييق من دائرة الحلال المباح وتحويل المباح الحلال الى مكروه لا ينبغى العمل به ، وهذا يعنى التدخل فى تشريع الله تعالى من حيث الدرجة ومن حيث التفصيلات.

التلاعب بقواعد التشريع الجامعة المانعة والمؤكدة :

 1 – هناك قواعد تشريعية جامعه مانعه ، اى تجمع المحرمات داخل سور محدد وتمنع اخراج احد منه او اضافة احد اليه ، مثل المحرمات فى الزواج ، وقد ذكرها القرآن بالتفصيل ثم بعدها قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) : النساء 24 ) اى فالنساء داخل ذلك السور الجامع المانع كلهن محرمات ، والنساء خارج هذا السور الجامع المانع كلهن حلال للزواج ، وجاء التأويل السنى ليخرق هذا السور  بأن اضاف اليه بالقياس قاعدتين فقهيتين  جعلهما احاديث منسوبة للنبى وهى ( يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ) ، ( لا تنكح المرأة على عمتها او خالتها ) ، وعلى ذلك فإذا اراد رجل ان يتزوج خالته من الرضاعة فإن ذلك حلال فى تشريع القرآن الكريم وحرام فى تشريع أهل السنة ، ونفس الحال اذا اراد ان يتزوج  على امرأته عمتها او خالتها يقول تعالى ذلك حلال ويقول الفقهاء من اهل السنة ذلك حرام .

2 ـ وهناك مثال اخر هو المحرمات فى الطعام التى تكررت كثيرا فى القرآن الكريم " البقرة 173" ، " المائدة 3" ، " الانعام 145" ، " النمل 115" وهى الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم للأوثان . وبرغم تحذير القرآن الكريم من اضافة اى محرمات جديدة للطعام ( المائدة 87، يونس 59:60 ، النحل 116: 117، التحريم 1) الا ان اهل السنة اضافوا تحريم الكثير من الحلال ، وتمتلىء بذلك كتب الفقة .

3 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ  ) ( الاسراء 33، الانعام 151 ) (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) الفرقان 68) اى فلا يجوز القتل فى الاسلام الا بالتشريع القرآنى الحق وهو طبقا للنصوص القرآنية يأتى فى صورة القصاص ، سواء كان ذلك فى الجرائم ( البقرة 178) او فى الحروب ( البقرة 194) وجاء الفكر السنى فألغى هذه القاعدة التشريعية المحكمة الملزمة فأضاف قتل المرتد والزنديق وتارك الصلاة ورجم الزانى ، ثم توسع فى القتل ليجعل من حق الامام ان يقتل ثلث الرعية فى سبيل اصلاح الثلثين ..!!

4 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية جاء تأكيدها فى القرآن الكريم بكل اساليب التأكيد مثل الامر بالوصية للوارث وغير الوارث فى قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180): البقرة 180 ) فالتأكيد فى الوصية جاء بصيغ مختلفة شديدة الدلالة مثل "كتب عليكم " ، " إن ترك خيرا " ، " بالمعروف" ، " حقا "،" على المتقين" ، ثم جاءت الايات بعد ذلك تضع قواعد الوصية. وفى سورة النساء نزل الامر بالوصية ليطبق قبل توقيع الميراث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ  ) : النساء 11، 12) ومع ان الوالدين لهما حق فى الميراث وحق ايضا فى الوصية ، ومع ان قواعدالميراث والوصية هى حدود الله التى يحرم التعدى عليها ( النساء 13:14) الا ان الفقة السنى الغى الوصية للوارث طبقا لقاعدة فقهية جعلها حديثا نبويا يقول ( لا وصية لوارث ) وافتروا أن هذه الكذبة المخالفة للقرآن قد " نسخت الآيات المخالفة لها..

التلاعب  بقواعد التشريع ومقاصده العظمى:

عموما فالاحكام في التشريعات القرآنية هي اوامر تدور في اطار قواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف ،او غايات عامة . يبدأ التشريع القرآنى بالأوامر مقترنة بقواعدها ، وقد تأتى المقاصد فى خلال الآية نفسها أو فى خلال السياق أو تأتى منفصلة. ولسنا فى مجال التفصيل لذلك ، ولكن اعطاء امثلة يعين على الفهم:-

1 ـ فى موضوع العفة والاحصان الخلقى جاءت "الأوامر " التشريعية بغض النظر المحرم للرجال والنساء معا وعدم الأقتراب من مقدمات الزنا والحشمة فى زى النساء " النور30 -31 الاسراء 32". ركز الفقه السلفى على هذه الأوامر الى درجة التطرف فتحول الخمار الذى يغطى الصدر دون الوجه والشعر الى نقاب يعبىء المراة ويعلبها فى غلاف اسود كئيب ، وهو مزايدة محرمة على حق الله تعالى فى التشريع، وتضييع لشهادة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وتحريم لكشف وجهها وهو حلال فى الاسلام، وأيضا ليس هذا مجاله ولكن نؤكد هنا ان هذا التطرف بفرض النقاب أضاع المقصد الأسمى من أوامر العفة والاحصان. فالمعروف أن النقاب من اهم عوامل انتشار الانحلال الخلقى حيث تتخفى فيه المرأة وتفعل ما تشاء دون أن يتعرف عليها احد.  واسألوا أهل الفكر السلفى ان كنتم لا تعلمون.

2 ـ فى العبادات : هى مجرد أوامر ، واجب علينا اداؤها لبلوغ الهدف الأسمى وهو التقوى" البقرة  - 183 -196 -197 ـ21" أو هى مجرد وسائل للتقوى نستطيع بها الابتعاد عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت45" وهذا هو المعنى الحقيقى لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى التزكى والسمو الخلقى بالتقوى. كل ذلك أضاعه الدين السّنى السلفى حين جعل الصلاة والزكاة والحج أهدافا بذاتها، فاذا أديت الصلاة فلا عليك ان عصيت وستقوم صلاتك بمسح ذنوبك " ودى نقرة ودى نقرة " كما يقول المثل الشعبى المصرى، واذا تبرعت لبناء مسجد ولو كمفحص قطاة تمتعت بقصر فى الجنة. واذا أديت الحج رجعت منه عاريا.. آسف ... رجعت منع كيوم ولدتك أمك ا..وأكثر من ذلك ستدخل الجنة ـ غصب عنك  ـ لأنك من امة محمد مهما فعلت. يكفيك أن تقول الشهادتين ثم تعيث فى الأرض فسادا. المهم أن التأويل السلفى حول العبادات الى تدين سطحى وحول الأخلاق الى مستنقع من النفاق والكذب والتدجيل. ونحن مشهورون بين الأمم بكل ما يشين بسبب ذلك .

3 ـ فى تشريع القتال : تحول الى ارهاب وإعتداء   لأن الفقه السّنى ركّز على الأمر وأهمل القاعدة والمقصد التشريعى. فالامر بالقتال "قاتلوا " "جاهدوا " "انفروا "له قاعدة تشريعية وهى ان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولا عن اختياره الحُرّ يوم القيامة بدون اكراه فى الدين حتى لا تكون لأى بشر حجة امام الله تعالى يوم الدين. يقول الله تعالي ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  :البقرة ) فالامر هنا ( قَاتِلُوا)والقاعدة التشريعية هي  ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )، وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي ( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) :البقرة 194). اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193):البقرة 193) أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساس من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين أو الاضطهاد في الدين ،وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول تعالي (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا   ):البقرة 217). وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي، وذلك معني قوله تعالي (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ   (39): الانفال 39 ) .  

 قام الفقه السّنى بالتركيز فقط على الأمر بالجهاد والقتال" قاتلوا" واهملوا القاعدة التشريعية للقتال او المسوغ الوحيد لاباحته وهو ان يكون القتال دفاعيا فقط . وترتب على هذا أن أصبح القتال ليس فى سبيل الله تعالى لاقرار الحرية الدينية ومنع الاكراه فى الدين ، وليس لمجرد الدفاع الشرعى عن النفس ، بل أصبح لتشريع العدوان على الغير وجعله ليس فقط مباحا بل واجبا شرعيا باعتباره جهادا اسلاميا. أى جعلوا الاعتداء والسلب والنهب والاسترقاق والسبى فرضا إسلاميا.

ثانيا : الفساد العملى فى تطبيق الشريعة السنية : 

الشريعة السّنية التى ينادون بتطبيقها كانت مطبقة طيلة العصور الوسطى من العصر الأموى حتى العصر العثمانى ، الى أن بدأت مصر فى تحديث نظامها التشريعى والقضائى فى القرن التاسع عشر . ولا تزال هذه الشريعة السّنية مطبقة فى السعودية تنشر الظلم باسم الاسلام وهو دين العدل والرحمة . الواقع أنه ترسّخ الظلم فى العصور الوسطى تحت لافتة تطبيق الشريعة ، وفى دول المسلمين فى القرون الوسطى لم يوجد قانون محدد ومفصل ومتفق عليه يحكم به القاضى . كان أمام القاضى ‏عشرات‏ ‏الآراء‏ الفقهية ‏المختلفة‏ ‏فى ‏القضية‏ ‏الواحدة‏ ‏يختار من بينها ما يريد و يفتى بما يريد. وبهذا يتحول‏ ‏القاضى ‏من‏ ‏مجرد‏ ‏ناطق‏ ‏بالحكم‏ ‏إلى ‏مشرع‏ ‏يختلق‏ ‏الأحكام‏ ثم يقوم باصدارها، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏عليه‏ ‏نظام‏ ‏القضاء‏ ‏فى ‏الدولة‏ ‏الدينية‏، ‏أى ‏يكون‏ ‏القاضى ‏مشرعا‏ ‏وناطقا‏ ‏بالحكم‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏. ‏إذ‏ ‏يكون الجهة التى تشرّع (البرلمان) أى يختار رأيا فقهيا من عشرات الآراء الفقهية المختلفة والمتضاربة، ثم يكون (القاضي) حين ‏يطبق‏ ذلك التشريع ‏على ‏الحالة‏ ‏المعروضة‏ ‏عليه‏ ‏فى ‏مجلس‏ ‏القضاء‏. وعلى فرض نزاهته و تحريه للحق فى إصدار الحكم فإن منبع الخطأ يكمن فى جمعه للسلطتين (التشريعية و القضائية). ولكن تعقد النظام القضائى فى العصور الوسطى (فى العصر المملوكى مثلا) وضع العراقيل أمام القاضي النزيه الذى يريد أن يتحرى العدل. كان التشريع القائم طبقا للمذاهب السنية الأربعة، أى قاضى قضاء شافعى وحنفى ومالكى وحنبلى، وكل منهم يتبعه (نائب للحكم) أى قاضى محلى فى كل مدينة أو كل حى، وكل قاضى محلى يحكم رسميا بمذهبه، وليس مذهبه هذا كتابا محددا تم تقنين الحالات فيه، ولكن الحكم بالمذهب الفلانى تعنى جميع الكتب الفقهية التى كتبها أرباب هذا المذهب بكل ما فيها من ثرثرة وتعارض واختلاف. أى فى النهاية يحكم القاضى بهواه، ثم ليس هناك مساءلة عليه لو أخطأ فى الحكم، لأن ولاءه للخليفة أو السلطان المستبد، وطالما رضي عنه المستبد فلا عليه مهما ظلم. وفى النهاية كان وجود القاضى النزية أمرا غير مرغوب، فصلاحية القاضى لم تكن لنزاهته وعدالته أو علمه وخلقه، ولكن كان لمدى ولائه للمستبد وطاعته له، بل أكثر من ذلك، كان الوصول لمنصب القضاء ـ فى العصر المملوكى ـ يستلزم دفع الرشوة للسلطان وأعوانه، وكان شراء المناصب شرعا رسميا أقيم من أجله (ديوان البذل والبرطلة)، وعندما يباشر القاضى وظيفته يعوض ما دفعه من رشوة بأخذ الرشاوى من الناس. هذا هو الواقع العملي لتطبيق الشريعة فى العصرين المملوكى والعثمانى..

واستفحل الظلم بوجود وظيفة المحتسب . كان المحتسب في العصر المملوكي أبرز مظهر لتطبيق الشريعة السّنية ،   ويقوم المحتسب بثلاث وظائف في عصرنا الراهن فهو مفتش التموين وهو شرطة التموين وهو القاضي الذي يصدر الأحكام في قضايا التسعيرة ، وفي العصر المملوكي كان المحتسب يشرف على الأسواق ويراقب الموازين والمكاييل ويصدر التسعيرة ثم هو الذي يعاقب المنحرفين بالأسواق وبالطريقة التي يراها . أي كان قاضيا وشرطيا ومفتشا ومنفذا وسجانا في نفس الوقت . وفي سلطنة قايتباي كان الأمير المملوكي يشبك الجمالي هو محتسب القاهرة وقد تولى هذا المنصب يوم الاثنين 24 ربيع آخر سنة 873 هـ  . وكان المحتسب يشبك الجمالي أعجوبة في الظلم والقسوة   . فذلك المحتسب لم ينزل بنفسه للأسواق وإنما أوكل الأمر لأعوانه ، وأولئك استطاعوا أن يحوزا ثقته وبعدها فرضوا الإتاوات على التجار فتلاعب التجار بالأسعار وبالموازين كيف شاءوا، طالما يدفعون الرشاوى لأعوان المحتسب ، وفي نفس الوقت فأن الذي يرفض دفع الإتاوة يقبض عليه أولئك الأعوان ويقدمونه للمحتسب فيأمر بعقابه أشنع عقاب .. ويصف المؤرخ القاضى ابن الصيرفي ما كان يفعله المحتسب المملوكي فيقول أن أعوان المحتسب كانوا يحضرون له من لا يدفعون لهم المعلوم " فيضربهم ثلاث علقات : واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وثالثة على أكتافه ويشهرونه بلا طرطور بل يكشفون رأسه ..    ويدورون به   في القاهرة ..  " .. . !! ويقول عن أحكامه " وأما أحكامه فبالبخت والنصيب وأما أخلاقه ففي غاية الشراسة حتى أنه يغضب على من قربه وجعله أميرا .. هذا مع دينه المتين ومحافظته على الصلاة والصيام ولكن عنده تعصب على الآمر الظاهر الجلي القطعي .. والله تعالى يعامله بعدله سريعا . " !! . وفي يوم الثلاثاء 16 صفر سنة 875 أنزل المحتسب يشبك عقوبة فظيعة بتاجر مسكين فقير ، فبعد أن ضربه الثلاث علقات المعهودة وبعد أن جرسه في شوارع القاهرة أمر بصلبه على حانوته بزراع واحدة وربط زراعه الأخرى إلى ظهره ولطخه بالعسل وصلبه تحت الشمس فتجمع حوله النحل والنمل والدبابير والذباب .. والسبب أن الأعوان المرتشين اتهموا التاجر المسكين بأنه يبيع أزيد من التسعيرة .هنا نتذكر ـ بكل أسى ـ أن تقنين الظلم هذا كان يتم تحت اسم شرع الله جل وعلا، وتحت الزعم بتطبيق الشريعة. ونتذكر أيضا ـ بكل أسى ـ كيف حفلت آيات القرآن الكريم، ليس فقط بالحث على العدل و القسط، ولكن أيضا بمنع وتحريم الظلم. وهذا التكرار يحوى إعجازا موجها لمن سيأتى بعد نزول القرآن، حيث يكون شاهدا على انحرافهم وتعديهم على شرع الله جل وعلا وإحلال الظلم محل العدل، ثم يكون ذلك تحت اسم الاسلام العظيم وشريعته السمحاء.!! ويجب أيضا أن نتذكر ـ بكل غضب ـ أولئك السلفيين الذين يريدون إعادتنا الى نفس الأفك، ظلما لله جل وعلا ودينه وشرعه.. وظلما لنا نحن المسلمين. وبعد‏ ‏قيام‏ ‏الدولة‏ ‏الحديثة‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏بدأ‏ ‏تقنين‏ ‏الدستور‏ ‏والقوانين‏ ‏فى ‏مواد‏ ‏محددة‏ ‏محكمة‏، ‏وانحصرت‏ ‏وظيفة‏ ‏القاضى ‏فى ‏أن‏ ‏يجتهد‏ ‏فى ‏تطبيق‏ ‏ذلك‏ ‏النص‏ ‏على ‏الحالة‏، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يملك‏ ‏الحق‏ ‏فى ‏تجاهل‏ ‏النص‏ ‏أو‏ ‏تغييره‏.‏ولكن يعتبر السلفيون هذا ردة عن (شرع الله)، لأنهم يعتبرون خرافات الفقه السنى واكاذيبه هى (شرع الله)، ويحكمون بكفر من لم يحكم بما أنزله الله، ويتناسون أن أئمتهم من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى الى ابن عبدالوهاب وسيد سابق هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله جل وعلا، وهم الذين يفترون على الله جل وعلا كذبا.

أخيرا

هذا المقال هو تجميع من أبحاث سابقة ، منها ما كان منشورا فى التسعينيات مثل بحث ( التأويل ) ، ومنها بحث عن تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ، وآخر عن نظام القضاء بين الاسلام والمسلمين . المقصود أننا نكتب فى هذا الاصلاح نحذّر ونُنذر ، ودون جدوى . والآن ، وفى وقت كتابة هذه السطور قبيل فجر يوم الخميس 25 يولية 2013 يخفق القلب على مصير مصر ، فقد طلب الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع من المصريين أن يتظاهروا يوم الجمعة ( غدا ) لتفويض الجيش والشرطة بمواجهة الاخوان وهم يقطعون الطريق ويعيثون فى الأرض فسادا إستغلالا منهم للديمقراطية وحرية التظاهر ، فاعتصموا فى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بالقاهرة والجيزة ، يتحركون منها هنا وهناك لارهاب الناس . وتحركت جموعهم فى المدن الأخرى تقطع الطريق وترهب الناس ، هذا مع هجوم أتباعهم فى سيناء على الجيش المصرى ، وتهديداتهم بحرق مصر إن لم يرجع رئيسهم المعزول الفاشل محمد مرسى المتهم بالخيانة العظمى . وقد قلت من قبل إن الاخوان يؤمنون بمقولة ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ) ، وأنهم مع المعادلة الصفرية إما أن يكونوا فى الحكم وإما أن يدمروا الوطن . هذه هى شريعتهم الحقيقية ، وهم الآن يطبقونها بالدم وبالنار وبالتدمير والارهاب . وقد حرصوا فى دستورهم على النّصّ على ( مذاهب أهل السنة والجماعة ) ، وهذا ما عرضنا له هنا فى تناقض الشريعة السّنية مع الشريعة الاسلامية من الناحية النظرية ، ويتأكد الآن أن شريعتهم تحتاج الى الارهاب لفرضها  على الناس . ليس مهما عندهم أن الشعب المصرى أقام اكبر مظاهرة فى تاريخ البشرية رفضا لهم ، المهم عندهم هو إما أن يمتطوا هذا الشعب بالاكراه وإما أن يدمروه بالارهاب .

كباحث مسلم متخصص أقول إنه ينطبق عليهم العقوبة القرآنية التى يجب تطبيقها على الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا ، وأن عقوبتهم القتل أو الصلب أو تقطيع الايدى والأرجل من خلاف أو النفى ـ إن لم يتوبوا قبل المعركة . هم يقطعون الطريق ويقتلون الناس ويباشرون استحلال الزنا ( جهاد المناكحة ) ويريدون فرض شريعة تتناقض مع شرع الله جل وعلا وينسبونها لله جل وعلا ولرسوله ، وهم يستحقون بذلك الوصف بأنهم يحاربون الله ورسوله : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) ( المائدة ). هم سرطان فى الجسد المصرى يجب إستئصاله ..

والى الذين يستفظعون عقوبة الصلب والتقطيع فى الآية الكريمة أقول إن هذا هو شرع الله .ونحن نجتهد بالقول بأن الآية الكريمة تنطبق على قادة الاخوان، وبعد تطبيقها لن تقوم للأخوان قائمة. ونتحمل مسئولية هذا الرأى أمام الله جل وعلا . ونحترم حق الآخرين فى الاختلاف معنا .

اجمالي القراءات 16641