هذا الاعلان الدستورى المصرى ينصّ على شريعة الوهابية وليس على شريعة الاسلام (7 )
المبدأ السادس من مبادىء الشريعة الاسلامية : التخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٢ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قلنا إنّ مبادىء للشريعة الاسلامية هى : (1 ) المساواة ،و(2 ) الديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة فى الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) حق الحياة ، و (6) التخفيف والتيسير ورفع الحرج فى إصدار التشريعات .   ونتوقف الان مع المبدأ السادس التخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات

مقدمة

فى الفصل السابق عن المبدأ الخامس ( حق الحياة وحصانة النفس البريئة ) قلنا إن هذا المبدأ ينبع من ( الرحمة ) فالله جل وعلا هو الرحيم ، وهو الذى أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين ، وأن سنة النبى وطريقته فى حياته أنه كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ورحمة تسعى على قدمين ولم يكن فظّا غليظ القلب كالوهابيين . وبهذه الرحمة نزل الـتأكيد على عدم قتل النفس البرئية وتحريم الانتحار ونزل تخفيف القصاص بدفع الدية ، ونزلت تشريعات القتال بالدفاع فقط قصاصا . المبدأ السادس عن التخفيف والتيسير فى التشريعات ينبع أيضا من الرحمة الالهية بنا . ولقد سبق تأصيل موضوع الرحمة فى الاسلام بحيث لا نحتاج الى تكراره هنا ، وندخل مباشرة فى موضوعنا عن مبدأ  التيسير ورفع الحرج والعنت والمشقّة.

أولا : مبنى الدين الاسلامى وشريعته على رفع الحرج :

1 ـ يقول جل وعلا ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(78) ( الحج ).و( الحرج ) هنا هو المشقة والعنت ، فشريعة الاسلام مؤسسة على التخفيف ، وهذه هى إرادة الله جل وعلا فى التشريع : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) النساء )

2 ـ ومن مظاهر التخفيف ورفع الحرج أن الله جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها أى فى حدود طاقتها ، وتكرر هذا فى القرآن الكريم : وخلال الوصايا العشر ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )(152)الأنعام). والمؤمنون الحقيقيون أصحاب الجنة ليسوا المتزمتين المتطرفين بل هم الملتزمون بتطبيق شرع الله جل وعلا القائم على أنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، يقول جل وعلا عن أصحاب الجنة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) ( الأعراف )ويقول عن صفات المتقين :( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62)( المؤمنون ).

3 ـ ومن التخفيف عدم المؤاخذة على النسيان والخطأ غير المقصود ، وأن تتحمل النفس فى حدود طاقتها فقط : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ )(286)البقرة ).

وبالتالى فالمؤاخذة فقط عند التعمّد :( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)( البقرة )( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ )(89)( المائدة )(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)) ( الاحزاب ).

4 ـ ومن التخفيف عدم المؤاخذة عند الإكراه حتى فى التلفظ بالكفر : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)( النحل )، ولا مؤاخذة على من يكون ضحية الاضطهاد ظلما فيلجأ للتقية بأن يوالى ظاهريا الكافرين المعتدين لينقذ حياته : (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً )(28) ( آل عمران ) ولا مؤاخذة على الأنثى ضحية الاغتصاب : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور )

5 ـ وعند الاضطرار أباح الله جل وعلا الكل من الطعام المحرم : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة ) (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)المائدة )

6 ـ ورفع الحرج على المُعاقين والمرضى (  لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) (61)( النور ) (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ  (17 ) ( الفتح )، وهذه الأعذار تشمل النساء والرجال معا بلا تفرقة فى السفر والحضر والعمل والجهاد والتفاعل الاجتماعى .

ثانيا : مظاهر التيسير والتخفيف فى العبادات

1 ـ الطهارة : هناك ملايين الصفحات فى كتب الفقه السّنى التى تتفرّغ لموضوع الطهارة والوضوء والغسل والتيمم والمسح على الخفين والاستنجاء ..الخ .وقد دخلت فى تفريعات شتى ومعقّدة عن نوعيات الماء وكيفية التطهر من البول والبراز والغسل والنجاسات .. وإمتلأت بالخلافات والتصورات الخيالية والمضحكة . هذا مع أن الله جل وعلا أنزل فى تشريعات الوضوء والغسل والطهارة آيتين فقط فى سورتين مدنيتين ، فى سورة  النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43)  ) وقد ختمت الاية بعفو الله جل وعلا وغفرانه بما يشير الى التيسير ورفع المشقة . وجاء فى سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)) وجاء ختم الآية بالتأكيد على رفع الحرج : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)( المائدة )

2 ـ الصلاة : أباح الله جل وعلا قصر الصلاة عند الخوف فى وقت الحرب أو المّطاردة من العدو المعتدى ( النساء 101  :102) وأباح الله جل وعلا الصلاة بأى كيفية عند الخوف : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)( البقرة ). ومنه الخوف من ضياع وقت الصلاة ، أو عندما يكون المؤمن فى سفر فى طائرة أو سيارة لا يستطيع أداء القيام والركوع والسجود ، او الذهاب الى دورة المياه ليتوضأ ، عندها يمكنه أن يتيمم بمسح يديه بأى شىء طاهر ويمر بيده على وجهه وذراعه ويصلى وهو جالس فى مكانه. المهم أن يخشع فى صلاته .

3 ـ الانفاق فى سبيل الله جل وعلا :فى الاستعداد لمعركة ( ذات العُسرة ) تحتم التبرع المالى ، والتطوع للقتال . وكان بين المؤمنين ضعاف ومرضى وفقراء ، أولئك رفع الله جل وعلا الحرج عنهم طالما كانوا بضمائرهم يتمنون الخير للمؤمنين وينصحون لهم ، بل جعلهم رب العزة ( محسنين ) طبقا لمشاعرهم النبيلة ، فقال جل وعلا :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)التوبة ) . وألحق رب العزة بهم الفقراء العاجزين عن وسيلة ركوب تحملهم ، وقد جاءوا للنبى عليه السلام يرجون أن يساعدهم ، ولم يكن يستطيع ، فرجعوا يبكون لحرمانهم من شرف الجهاد لسبب خارج عن إرادتهم ، فقال جل وعلا فى رفع الحرج عنهم وفى إعتبارهم محسنين :( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92)) ( التوبة )

4 ـ الحج : ومعروف أن الحج ليس فريضة على الجميع بل على المستطيع فقط بماله وجسده : (  وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97)( آل عمران ). ولو كان فرضا على الجميع كالصلاة لأصبح مشقة . ومن العججائب أن يحرص الفقراء والمرضى على الحج فى عصرنا ، وأن يتكبدوا رسوما هائلة لدولة تسيطر ظلما وعدوانا على البيت الحرام ، وتستغله فى ملء خزائنها ، وهى مكدسة أصلا بالبلايين .

5 ـ الصيام : جاء فى تشريع الصيام خمس آيات فى سورة البقرة ( 183 : 187 ). ذكرت الآية الأولى فرضية الصوم وسيلة للتقوى ، وأن طريقة الصوم مثلما كانت فى ملة ابراهيم ،وبعدها جاء التخفيف والتيسير بالافطار للمريض والمسافر مقابل ان يقضى الايام التى يفطرها ، والفطر لمن يجد مشقة فى الصوم مقابل أن يدفع فدية طعام مسكين . ثم نزل التخفيف بأن يقتصر الصيام من الفجر الى دخول الليل ، وقبلها كان الصيام يمتد من العشاء الى مغرب اليوم التالى . والملاحظ أن آيات تشريع الصيام تحتوى على 179 كلمة . منها 19 كلمة فقط فى فرضية الصوم ، و 160 كلمة فى الأعذار المبيحة للفطر ، وفى تخفيف وقت الصيام . وجاء ضمن الآيات التأكيد على مبدأ التيسير قوله جل وعلا :(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)( البقرة ).

ثالثا : من مظاهر التيسير والتخفيف فى تشريعات الأحوال الشخصية والمعاملات

1 ـ التراضى : فى عقد الزواج : بعد الاتفاق على الصداق ـ وهو فرض ـ فكل الشروط مفتوحة بالتراضى بين المتعاقدين : ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ )(24)( النساء ). وبالتراضى يُباح كل تعامل تجارى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )(29)( النساء )

2ـ بالتراضى وبالمعروف ( أى المُتعارف على انه عدل وقسط ) تتم سائر الأحوال الشخصية فى الطلاق ، مثل رضاعة المولود ( البقرة 233 ) ومتاع المطلقة ( البقرة 236 ) وسكن المطلقة وإعاشتها ( الطلاق 6 : 7 ) وفى حرية المطلقة فى الزواج بعد الانفصال ( البقرة 232 ).

رابعا : التخفيف فى محدودية الالزام فى شريعة الاسلام :

1 ـ لا تتدخل الدولة فى علاقة الفرد بربه فى العقائد والعبادات طبقا للحرية المطلقة فى الدين . ينحصر تدخلها فى حقوق الأفراد والأحوال الشخصية بما يخص حقوق المرأة . والتعويل الأساس ليس على الضبطية القضائية بل على ضمير المسلم ، فمعظم التشريعات تكون علاقة خاصة بين المؤمن وربه ، لذلك يأتى التأكيد على الوعظ بالتقوى فى تنفيذ التشريعات كقوله جل وعلا: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)الطلاق )(  وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) ( البقرة ).

2 ـ التدخل الأساس هو فى حماية الفرد والمجتمع ،وهنا تأتى العقوبات فى القتل والزنا والشذوذ والسرقة وقطع الطريق وقذف المحصنات . وليس فى شريعة الاسلام عقوبات الرجم والردة وترك الصلاة وشرب الخمر، فهى من إفتراءات الفقه السّنّى . والتيسير فى هذه العقوبات يتجلى فى أنها ليست للانتقام بل للإصلاح ، بدليل أن التوبة الظاهرية تُسقط عقوبة الزنا والقذف ( النور : ـ 5 ) والشذوذ ( النساء 16) وتُسقط عقوبة السرقة وقطع الطريق ( المائدة 39 ، 33 : 34 ) .

3 ـ إن المقصد الأكبر هو التقوى وأن ينجو الفرد من الخلود فى النار . وكل عذاب الدنيا لكل البشر لا يعادل لحظة عذاب لفرد واحد فى الجحيم فى اليوم الآخر . وهناك أكثر من ألف آية تصف هول عذاب الآخرة ، وفى هذا تكون العقوبات هى للاصلاح وليس للأنتقام . يؤكد هذا أن هناك عذاب يوقعه الله جل وعلا بالعاصى فى الدنيا جزاء عدوانه ، فالقاعدة القرآنية تؤكد : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) ( النساء ). وهذا الجزاء السىء يكون عذابا فى الدنيا قبل الآخرة ( آل عمران 56 ) ( التوبة 55 ، 85 ، 74) ( السجدة 21 ). وبالتالى فالتعويل هو على عذاب الله جل وعلا للعصاة فى الدنيا والآخرة ، وأن العقوبات المنصوص عليها فى القرآن هى للاصلاح ، لذا تسقط بالتوبة . وسبق أن القاتل ينجو من القصاص لو رضى أهل القتيل بالدية .

أخيرا : التخفيف فى قلّة التشريعات المنصوص عليها فى القرآن :

1 ـ التشريعات الاسلامية الواردة فى القرآن فى حدود مائتى آية ، بما فيها من تكرار وتفصيلات ووعظ ، ومعظم تفصيلاتها ينصب على الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وما يتبع ذلك من ميراث ووصية ، وبعض المعاملات التجارية .. ثم تأتى قواعد تشريعية تحتكم الى العُرف أو المعروف أى المتعارف على أنه عدل وقسط . ، أى إنّ المجال مفتوح للناس فى سنّ قوانين تراعى مصالحهم فى أمور دنياهم وفى إطار العدل والقسط والتيسير والتخفيف . وسنعرض لذلك بالتفصيل .

اجمالي القراءات 25068