عقدة الاضطهاد عند الإخوان(3)

سامح عسكر في الأحد ٢١ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في هذه الأيام لا تجد الإخوان رفضوا شيئاً في السابق إلا وقبلوه...فالغاية تبرر الوسيلة، رفعوا شعارات دينية فوق منصة رابعة العدوية واليوم استبدلوها بشعارات وطنية، رفعوا أعلام الإخوان والقاعدة في بداية التظاهرات واليوم رفعوا أعلام مصر، قدموا إنشاداً فنياً فوق منصة الاعتصام دون موسيقى..اليوم لم تعد تفارق الموسيقى والأغاني الوطنية المصرية ساحة الاعتصام، هو تكتيك مُدبر الهدف منه الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة تساعدهم للخروج من هذا المأزق، وهو تكتيك يُشبه ما كانت عليه الجماعة قبل ثورة يناير وبعدها إلى أن استلم الإخوان السُلطة.

الغريب أن أبناء الجماعة يُلاحظون هذا الشئ ويفعلونه دون إنكار، بل أجزم أن من سأل عن ماهية ودوافع هذا التغيير هم أقلية نادرة غير مهتمة بمثل هذه التجاذبات، كأنه تغييب كامل للعقل وتخدير عام للوجدان، وحشد عاطفي تجاه قضية محددة يُراد لها أن تأخذ دور البطولة بأي ثمن..نعم هي أحوال القطيع بلا شك، تجلياتها في صعود كبراء التنظيم على أكتاف بل ودماء الصغار، ولا فرق لديهم بين التضحية بالمال والجهد وبين التضحية بالنفس، فهم يكذبون عليهم ويعدونهم بالجنة في سبيل عودة الرئيس المخلوع، ولم تصحو ضمائرهم يوماً وتستفيق على كارثة تشويه الدين وجعله محطاً للرغبات والمصالح، لعلها تكون عقاباً لذنوب الماضي..الله أعلم.

في مثل هذه الأيام منذ عام كان الشعب ملتفاً في معظمه حول القيادة الإخوانية الجديدة، بل كل من كان يرفع نداء التحذير من الإخوان يجد من يردعه قائلاً هؤلاء ظُلِموا في الماضي وعلينا أن نعطيهم فرصتهم، وطِبقاً لقاعدة خير وسائل الدفاع هو الهجوم قاموا على الفور بتسليط الكشاف على رموز النظام السابق في محاولة لشطينته على أمل الحشد للإخوان،حدث ذلك بالتوازي مع حملات إعلامية منظمة وأخرى عبثية لتشويه رموز المعارضة الوطنية والثورية، وقد نجح الإخوان في ذلك عبر سلاحهم الديني الفتّاك، فكانت منابرهم الإعلامية تخلط بين الموقف السياسي والموقف الديني، فشاع بين الكثيرين أن كل من يعارض الإخوان والرئيس مرسي هو مشكوك في دينه.

انتقلت هذه الأزمات إلى كل الأبواب وطرقتها لتُعلن عن استفحال الأزمة ودخولها بيوت المصريين، فغضب الأخ من أخيه، وقاطعت الأخت أخيها، فقط بمجرد هذا الموقف السياسي والذي نجح بفضل الشيوخ أن يقلبوه من كونه صراعاً سياسياً على الحُكم إلى صراع ديني على الفضيلة، وقع الشعب أسير لمثل هذه النزعات الفاشية التي كانت تتوسع لتشمل الانتقال إلى المراحل التالية من التهديد بالقتل علانيةً دون محاسبة، ولما لا وقد سيطر الإخوان على النيابة وحاولوا فرض سيطرتهم على القضاء، فكان عملائهم في النيابة حِصناً منيعاً يحمي الإرهابيين والمتطرفين من كل صاحب حق، هددوا بقتل الإعلاميين والفنانين على تنوعهم، ولم يُجهدوا أنفسهم في حصار هذه النزعات الفتّاكة التي تُنبئ بمستقبل تغمره الحروب الأهلية حتى يقضي على الشعب والبلاد.

كان لِزاماً على القوى الوطنية والمدنية أن لا تكسل في سبيل تحقيق الاستقرار والعدالة، فشنوا غارات جماهيرية بأسلحة لا تقل فتكاً عن أسلحة الإخوان، وساعدهم في ذلك عنصرية أبناء الجماعة وأداء قياداتهم الردئ، فمن محاسن الصُدف -والتي دفعت لزيادة الحشد- أن الإخوان كانوا فقراء في إدارة الدولة، ولم يكن لديهم رجل دولة واحد يستطيع أن يجمع الشتات ويُهدئ من الأوضاع، أو أن يتخذ قرارات تحد من ظاهرة فوبيا الإخوان في الشارع، ربما يظن البعض أن هذا كان عقاباً إلهياً للجماعة المارقة التي ستفعل كل شئ كي تحفظ سلطتها وسيطرتها على مؤسسات الدولة، حتى لو كان ذلك بالحرام لا يهم فالغاية تبرر الوسيلة، وما اجتمع الإخوان في مكان إلا وكان الرب معهم، وما غضبوا على جماعة إلا وغضب الله عليهم!

هكذا كان مصير من تجبّروا على العباد وظنوا أنهم السادة وغيرهم العبيد، فالإنسان منذ اخناتون وسبارتاكوس ومارتن لوثر كينج إلى ثورات العمال لم يختلف ، كان ولا يزال منذ عهود الأنبياء والمصلحين، جميعهم كانوا ثوريون على الاستعباد والقهر والإذلال، فلا يأتي من ظن أن الحق معه ويفرض سطوته على الناس ولا يرى العالَم يرفضه، هؤلاء من أعمى الله قلوبهم مثلما أعمى أبصارهم بذنوبهم، لقد فعلوا الكبائر والمُنكرات ولم يُراعوا لله أي حُرمات وهم يتلون الكذب والإفك على مسامع البشر، لقد ملّ الناس تنطعهم في الدين ولم تعد أي جرعات دينية تُجدي في توجيه البوصلة إلى مسارها الصحيح، لقد أحدثوا ظاهرةً يعلوها الكذب والمُجوج فلا مدارس قد دخلوا ولا دينٍ قد تعبدوا إلا بقلوبٍ تملأها الكراهية والبُعد عن الناس.

طوال ثمانين عاماً - عًمر الجماعة-وهم يصرخون من لوعة الظلم والاضطهاد، فصدقهم الطيبين والأغبياء، كانوا يرمون أحجار الدين في بحر العواطف.. وهم يعلمون أن الماء لن يعود لطبيعته حتى تبلغ الدوائر شاطئ النجاة، هم يعلمون أن عواطف الناس كالماء الراكد بحاجة إلى حركة ولو ضعيفة لتحريكه، فما بالنا وهذا الماء قد اجتمع بالتخلف العلمي والعقلي الذي اجتاح مناطق العرب؟..وما بالنا وقد اجتمع ذلك مع فقر وحاجة المصريين؟..لقد صنعوا بيئتهم بأنفسهم وأوهموا الناس أن الفضيلة أن تقف مع المُحتاج حتى يسد حاجته ..وليس بأن تجعله عُنصراً بنّاءاً يُعلي من شأن المجتمع والناس، فقد اعتادوا على أن يكون الإنسانَ لديهم وسيلة للتنظيم وأهدافه، فإذا ما خرج منهم انتقل إلى "رعاع"الناس ولا يستحق أن يكون إنسانا.

شعورهم بالاضطهاد كشعور ذلك الزوج الذي أحبّ زوجته فقط من أجل الجنس أو المال، ولم يفطن إلى أن الله جعل بين الأزواج ما هو أعظم من الجنس وهي المودة والرحمة والتفاهم، جميعها وسائل كانت في طريق العِشق والشعور بالآدمية حاضرةً في خيال المُبدعين والعاشقين، فلو تكدرت حياته يوماً ثار على امرأته كأنها لم تكن خيرا، وفي أغلب الأحيان تصل الأمور إلى الطلاق ، كل هذا لفقدانه المودة والرحمة ، فهي الكائن الثانوي الذي خلقه الله لرغباته وشهواته!..وهي التي عليها التنازل والاحتواء..فإذا ذهب هذا الكائن ظن بأن لا منجى من الله إلا إلى الناس، فسعى إلى رضائهم حتى يبلغ الأماني، فعرف العُقلاء أنه مادي ولا يرضى إلا لمنفعته فطردوه ونبذوه حتى ركلوه بالأقدام، فخلا بينه وبين نفسه يناجي ربه، ياربي لماذا قومي لا يسمعون، لماذا هم ضالون عن الحق أني لا أريد بهم إلا الخير..فكان ممن كذب على نفسه، أنه لو أراد للناس خيراً لأحبهم، ولو أحبهم ما كان له أن يطعن في دينهم وضمائرهم بمجرد الشُبهات أو الظنون.. أو أن يجعلهم وسائل لرغباته وشهواته.

اجمالي القراءات 8295