عقدة الاضطهاد عند الإخوان

سامح عسكر في السبت ٢٠ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 كي نستطيع أن نفهم كيف يفكر الإخوان الآن لابد أولاً من استحضار صورة النظام القديم وسلطته الأمنية الممثلة في وزارة الداخلية وأمن الدولة لديهم، فقد لاقوا من الألم النفسي في هذا العصر ما وجدوه من اضطهاد وعدم اعتراف... بما يعني حظر سياسي واجتماعي كامل..كان الحل للإفلات من هذا الوضع هو أن تكون للإخوان سلطة في الدولة بأي شكل، مما يفتح الباب لاعتراف الدولة بالجماعة..وقد أراد الله أن تكون لهم هذه السلطة بعد ثورة يناير ولكن سرعان ما ضاعت بسرعة.

الآن بعد ضياع هذه السلطة- وشعور أبناء وقيادات الجماعة بالغضب الشعبي ضدهم- شعروا بالرهبة من المستقبل، فبدأوا في ترديد هواجسهم من أن يكون النظام الجديد أمني إقصائي لا يعترف بهم وبطريقة تفكيرهم في الحياة ككل... نحن لا يمكن أن ننكر شعورهم بالظلم .. ولكن هل هذا الشعور حقيقي أم وهمي؟..هل هذا الشعور محايد ومنفصل عن المصالح الخاصة أم لا؟..هل راجعوا مواقفهم وتيقنوا بوجود الظلم أم هو شعور خارجي بالتلقي؟

لمعرفة ذلك لابد من العروج أولاً على مفهوم السلطة وما بدا لنا بأنه طريقة تعامل الإخوان مع هذا المفهوم..فالسلطة في مضمونها تعني أن الحاكم سيفرض طاعته على الجميع، وأن اللائحة بين الحاكم والمحكوم لا يجب أن تكون قبل موافقة الطرفين..هذا إذا اعتبرنا أن معيار السلطة-حينها-هو العدل، أما إذا كانت السلطة معيارها القوة فتسقط اللائحة وتنحصر في مفهوم الطاعة لا غير.

الآن هل كانت سلطة الإخوان في مصر مبنية على العدل أم على القوة؟

قلنا أن معيار العدل يستوجب أن تكون هناك لائحة منظِّمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وخلال المدة التي قضاها الإخوان بالسلطة أصدروا لائحتين لتنظيم هذه العلاقة، الأولى هي الإعلان الدستوري، والثانية هي الدستور، ولكن بعد صدور كل لائحة تنشب أزمة سياسية وتظاهرات مليونية حاشدة في كافة أنحاء البلاد، وهذا دليل على أن اللائحة لم تَحُز على رضا الطرفين بشكلِ كامل..وقتها برر الإخوان مواقفهم بضرورة استكمال مؤسسات الدولة وعدم الالتفات لمن يحاول تعطيل هذا الاستكمال، ونسوا أن معيار العدل يستوجب التوافق على اللائحة كشرط أساسي لتحقيق العدالة ممثلة في الحريات وعدالة توزيع الموارد والسعادة والمساواة وما إلى ذلك من اعتبارات قيمية يبحث عنها الشعب، وأما التبرير بضرورة الاستكمال فيمكن إرجاؤه لما بعد التوافق كحق أصيل لكافة الأحزاب والطوائف والتيارات الفكرية.

حدث ما حدث وفرض الإخوان رأيهم بالقوة ولم يلتفتوا لمطالب المعارضة بمراجعة هذه اللائحة وبالكف عن التدخل في شئون السلطات السيادية وأهمها السلطة القضائية والتعامل مع الإعلام بشكل مهني، ولكن لم يستمع الإخوان لهذه المطالب وظلوا في طريقهم حتى كانوا على وشك إصدار قانون للسلطة القضائية يقضون فيه على ما تبقى من هيبة القضاء..بمراجعة ما سبق لا يمكن لنا أن نصف سلطة الإخوان بأنها سلطة"عدل" بل كانت سلطة"قوة" حاولت فرض نفسها وإيجاب طاعتها على الجميع، وما زاد الأمر سخونة هو تدخل رجال الدين المتشددين لصالح السلطة وظهروا في الكادر الإعلامي والتنفيذي ،فكان الشعور بالخطر وتحويل مصر إلى دولة دينية مفككة.

. بدخول رجال الدين المتشددين على الخط وانحيازهم لصالح السُلطة الإخوانية أصبحت الدولة مهددة أمنياً، ولم يعد في إمكان كافة أطياف المعارضة أن تمارس حقوقها الطبيعية بشكلٍ آمن،وقد أثر ذلك على القدرات الذهنية للجميع، فبدلاً من أن تسود لغة العقل سادت لغة العنف بجميع أشكاله بدءاً من العنف اللفظي إلى التهديد بسجن وقتل كل من يخرج عن الإطار الذي رسمه الإخوان للجميع...وقد قوبل ذلك بردود أفعال على نفس المستوى بتهديد قيادات الإخوان وبحصار وحرق مقراتهم في المحافظات، وقتها كان النسيج الاجتماعي على وشك الانهيار، وأن دولة الحق والعدل التي اختالت ضمائر المصريين بعد الثورة كانت سراباً خادعاً،وأن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني قبل الثورة كان أفضل بكثير.

ولما لا وقد كان احتكار سلطة الإخوان لكافة مؤسسات الدولة يمثل خطراً على حقوق المواطنين، حتى البديل لغياب المؤسسية لم ينجح في إيجاده الإخوان وهو بناء علاقات بين القوى الفاعلة تضمن تحقيق التوازن المجتمعي، والأخير نجح فيه مبارك بشكلٍ كبير، وهو ما يعني أن ما كان يجمع بين سلطتي مبارك والإخوان هو غياب المؤسسية، ولكن ما كان يُميّز مبارك عن الإخوان هو نجاحه في إيجاد توازن مجتمعي بسياسة حزم واحتواء حصرت مفهوم السياسة في إدارة البلاد بشكلٍ آمن، والأخير هو اتجاه يقوم على تغليب المصالح القومية على مبادئ الديمقراطية حين التعارض.

أيضاً لابد من وجود تقييم دقيق للصلة بين الإخوان والمجتمع قبل السلطة وأثناء السلطة وبعدها حتى يتسنى لنا معرفة ما إذا كان هناك شعور حقيقي بالاضطهاد أم هو شعور وهمي ناتج عن استفحال الرغبات وتعددها بشكل تراكبي عند الإخوان.

في تقديري أن الرغبة تزرع في النفس شعور سئ تجاه الآخرين، فمن الطبيعي أن تتعارض مصالح الناس، وبوجود الرغبة يجري النظر للآخرين-الذين يعملون لمصالحهم-بأنهم يسلبون ويسرقون هذه الحقوق، بينما الحقيقة قد تكون غير ذلك، وأن شيوع الرغبة واستفحالها هو ما أدي لتعاظم هذه النظرة .."الشكّية"..تجاه الآخرين، لذلك كلما تخلص الإنسان من رغباته- أو أن يضعها في إطار مشاركة- يكون قد تحصّل على أولى الخطوات التي تبني جذور الثقة بينه وبين المجتمع.

وهذا يعني أن الرغبة كانت حاضرة عند الإخوان في جميع مراحلهم قبل السلطة وأثناء السلطة وبعدها، فهم لم يبرحوا هذه النظرة الشكية تجاه الآخرين منذ نشأتهم حتى انهيار سلطتهم، فكانوا على صراعٍ دائمٍ مع السلطة وهم في المعارضة، بل كانوا في صراع سياسي وفكري أيضاً مع بعض الأحزاب في المعارضة، بينما كان صراعهم- أثناء السلطة- يتجسد في صراعهم مع المؤسسات ومع أحزاب المعارضة التي لم تُعقد جلسة واحدة لإزالة أو مناقشة بذور الخلاف..أما بعد السلطة فاستمر صراعهم مع الحاكم الجديد وكافة الداعمين له، بل تعدت المسألة للصراع مع الشعب نفسه ووصف كل من يتظاهر ضدهم بأوصاف إقصائية.."كالفلول والبلطجية "..وما إلى ذلك من أوصاف نشأت من رحم الإقصاء والتشويه والتطويع.

لاشك بأن الإخوان بعد فشلهم في السلطة أصبحوا أكثر ضعفاً مما كانوا عليه قبل السلطة، لم تعد لهم حاضنة شعبية تأويهم من بطش السلطات، فحسب قانون الفراغ إذا غابت السلطة في وعي الشعوب حل أعداؤها في المكان، والآن يتغير الوضع لتكون للسلطة مكان في ضمائر الناس، بل تعدى الأمر لأبعد من ذلك ونرى الكثيرين يطالبون بعودة الداخلية وأمن الدولة بشكل أقوى مما كانوا عليه قبل ثورة يناير.

الخوف لم يعد من قوة الإخوان ،حتى الجانب الفكري فقد تغير الوضع إلى تنظير كامل للفكرة العلمانية التي تفصل بين الدين والممارسات السياسية بشكلٍ كامل، بل الخوف يكمن في أن قيادة الإخوان قد فقدت ضمائرها وهي على استعداد لفعل كل شئ للذود عن أنفسها ولو بالتضحية بدماء أبناء الجماعة وشبابها في سبيل تحقيق مكاسب سياسية.

هناك خُطط مؤكدة للإخوان في مواجهة هذا المصير، وفي تقديري أنها لن تخرج من خيارات المواجهة إما الشعبية السلمية وإما بتكوين ميلشيات مسلحة ولكن الأخيرة يبدو أنها بعيدة المنال نظراً للطبيعة التي نشأ عليها الجيل الحالي للإخوان وهي طبيعة سلمية وترفض حمل السلاح، وأظن أن هناك قطاعاً عريضاً من شباب الإخوان على استعداد للحرب مع الدولة والشعب إذا تسنى له ذلك، أما الجيل الأكبر فلا أظن أن لديه استعداد للتغيير بالعنف مهما كانت الظروف، فضلاً عن الظروف الغير مواتية بدءاً من الحرمان من التعاطف الشعبي.. مروراً بتربص أجهزة الدولة وخاصةً الأمنية منها ..وانتهاءً بالظرف الإقليمي الذي أصبح أكثر تشدداً في مواجهة الجماعات المسلحة.

كان ذلك له أكبر الأثر في تحجيم قدرة الإخوان وانصياعها لرغبات السلطة، وبتقدير لطيف أستطيع القول بأنه وبسلوك نفسي- تعبيراً عن الهاجس من الآخر- وقع الإخوان في مطب الشعور بالاضطهاد، والسبب أن الحافز لديهم لمواجهة هذه الهواجس كان قهرياً، وهو إحدى نتائج السمع والطاعة، بمعنى أن الإخواني كان مُجبراً على هذا الشعور كحل وحيد لتفسير ضعف الجماعة وقوة السُلطة وبالتالي صعوبة تحقيق الأهداف المعلنة والغير معلنة أو على الأقل تأخيرها وازدياد ملحوظ في المعارضة كماً وكيفا.

النتيجة أن عَزل الإخوان أنفسهم عن الواقع واعتقدوا بأن ضعفهم امتداد لضعف أهل الحق على مدار التاريخ، وذلك في سلوك قهري للتكيف مع الواقع..أصبح بالتالي أي هدف سوى التمكين هو هدف عديم الأهمية وبقية الأهداف تحولت إلى وسائل بدءاً من التربية والاستقامة العبادية وما إلى ذلك من سلوكيات أصبحت في الوعي الإخواني وسائل صِرفة تخدم الهدف الأكبر وهو التمكين، وهو ما يفسر حالة الإحباط العالية التي يشعر بها أبناء الجماعة الآن بعد ضياع حُلم التمكين.

هذا يعني أن شعورهم بالاضطهاد في حقيقته ليس شعوراً حيادياً منفصل عن المصالح الخاصة، وإلا لاعترفوا بحقوق الآخرين التي ستتعارض حتماً مع مصالحهم، وقد أدى ذلك إلى تحقيقهم في السلطة لإدارة مركزية دكتاتورية لا تعترف بأي اعتبارات دينية أو دنيوية، بل زادوها بسلوك توسعي امبريالي عبر ما يُعرف لدينا.."بالأخونة"..ولكن يبدو أنهم كانوا أقل ذكاءً من خصومهم، فقد تسببوا بهذا السلوك في استثارة القواعد الجماهيرية والمؤسسية والفكرية ضدهم، والسبب أن الوقت كان مبكراً لهذا الصدام الذي خرج بمنتهى السطحية والسذاجة من جماعة كان البعض يظن أن لديهم شئُ من الكياسة.

فضلاً عن أن هذه القواعد كانت بحاجة لسياسة احتواء قبل الحزم، وهم ضعفاء في هذا المجال، والسبب كما قلت مراراً وتكراراً بأنهم فقراء معرفياً ولا توجد لديهم أي ملكات ذهنية تساعدهم في التعرف على عقول وأحوال الناس،فالحاكم الناجح هو ذلك الحاكم الإنساني الذي يفرض أساليبه حسب الظروف والحاجة وليس حسب توجهاته ورغباته، وإلى كونه يجمع بين مكر الثعالب وحكمة الإنسان من جهة ، ووفاء الكلاب وقوة الأسود من جهة أخرى.

اجمالي القراءات 10499