هذا الاعلان الدستورى المصرى ينصّ على شريعة الوهابية وليس على شريعة الاسلام ( 3 )
المبدأ الثانى من مبادىء الشريعة الاسلامية:( حُكم الشعب بالديمقراطية المباشرة وتحريم الاستبداد)

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٥ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قلنا إنّ مبادىء للشريعة الاسلامية هى : (1 ) المساواة ،و(2 ) الديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة فى الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) حق الحياة ، و (6) التخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات .   ونتوقف الان مع المبدأ الثانى : حُكم الشعب بالديمقراطية المباشرة وتحريم الاستبداد .

أولا : الاسلام ضد العلو فى الارض ، اى ضد الاستبداد

  المساواة تتناقض مع (العلو فى الأرض ) :

قلنا إن المساواة هى المبدأ الأول من مبادىء الشريعة الاسلامية ، وتنبع من عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ). تطبيق المساواة سياسيا يعنى أن كل الناس تتساوى رءوسهم فى موضوع الحكم بحيث لا يعلو فرد على الجميع يحكمهم ويستبد بأمورهم ، يقتل ويسلب ويغتصب ويظلم .

 العلو فى الأرض قرين الفساد ( الايدولوجى والسلوكى )

هنا يكون هذا ( العلو السياسى ) او الاستبداد بمفهوم عصرنا مقترنا بالفساد الايدلوجى والفساد الخُلقى .وهذا الفساد يصاحب قيام الدولة وتوطيدها . فلكى يُسوّغ هذا ( العلوّ ) على الناس لا بد له من ايدلوجية تبرّره، وقدتكون أيدلوجية علمانية تتمسّح بالوطن أو القومية أو حقوق الفقراء والعدل الاجتماعى ، وقد تكون أيدلوجية دينية ، وهى الأخطر حيث يزعم كذبا أنه المُختار من الله جل وعلا ليحكم الناس . وبالايدلوجية العلمانية تأسست الدول القومية والوطنية فى اوربا ، والفاشيستية فى ايطاليا والنازية فى ألمانيا والنظم القومية العربية فى الدول العربية . وتأسست بالايدلوجية العلمانية النظم الشيوعية تحت زعم حقوق العمال . أما الايدلوجية الدينية فهى دائما تنبنى على أديان أرضية ( أو مذاهب تتمسّح بالدين السماوى ) كدولة الخلافة العباسية فى العصور الوسطى والدول الدينية الوهابية السنية فى السعودية والسودان وطالبان ونظام الاخوان . وأقام التشيع دولا فى العصور الوسطى كالدولة الفاطمية ، ثم حاليا الدولة الشيعية الايرانية . ولكى تستمر هذه الدول فى الحكم فلا بد من إتّباع سياسة القهر للخصوم تتهمهم بالخيانة للمستبد الذى يتقمص دور الوطن أو القومية ، أو تتهمهم بالكفر وإزدراء الدين ( الأرضى ) لأن الخصوم لا يؤمنون بهذا الحاكم المتأله المستبد الذى يمثّل الدين ورب العزّة بزعمهم . وتوطيد هذه الدول قد يجرّها فى حروب أهلية وحروب خارجية مع محاكم تفتيش وخراب إقتصادى ، بما يجعل الفساد هو العُملة السائدة فى تعامل المستبد داخليا وخارجيا . ويصل الفساد الى الحضيض بتأليه المستبد صراحة أو ضمنا . وهكذا كان فرعون موسى إمام كل الدول الدينية اللاحقة حتى عصرنا الراهن . ومن هنا يكون العلو فى الأرض مناقضا لعقيدة الاسلام ، وشريعة الاسلام .

  ( العلو ) لا يكون إلا لله تعالى فقط :

ولذا يقول المؤمن عن رب العزة " سبحانه وتعالى ". والله جل و(علا ) ينفى ما ينسبه له البشر من صفات بشرية ، لأنه جل و(علا ) يعلو ويسمو عليها ، يقول سبحانه و (تعالى ) : (وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ  ) ( الأنعام 100). فالعلو هو صفة الاهية لا يوصف بها إلا الخالق جل و(علا ) ، ولو فرضنا ـ جدلا ـ وجود آلهة مع الله لتنافسوا فى (العلو ) وتحاربوا ودمروا المخلوقات ، ولكن ليس للوجود سوى خالق واحد سبحانه وتعالى أن يكون له شريك ، واقرأ معنى هذا فى قوله جل و ( علا ) : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ )( المؤمنون 91 )(قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) ( الاسراء 42 ـ ).

( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ )(4) القصص )

فرعون (علا ) اى استعلى واستكبر ورفع نفسه فوق مستوى قومه ، وتلك أبرز خصائص المستبد ، فالأصل أن الناس سواسية ، تتساوى رءوسهم من حيث الحقوق والواجبات ، وهذا هو شرع الله جل وعلا القائم على العدل ، ولكن يدمر المستبد هذا العدل حين ( يعلو ) على قومه ، ويتميز عليهم . وهذه صفة الفرعون فى كل زمان ومكان . ولهذا يرفض الفرعون أى دعوة للهداية لأنها ستخفض قامته لتتساوى بغيره ، ولأنه سيفقد (رفعته ) و ( علوه ). دائما يكون الحق واضحا يستحوذ على تصديق كل إنسان ، حتى فرعون ، ولكن فرعون وآله وقومه وحاشيته ، مع ايمانهم بالحق فى قلوبهم فانهم يجحدونه بألسنتهم وأفعالهم ، حرصا على هذا ( العلو ) الممقوت ، لذا يقول رب العزة عن موقفهم من دعوة موسى عليه السلام : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  ) ( النمل 14 ).

العلو الفرعونى فى الأرض والتأليه

وبهذا ( العلو ) قابل فرعون المتعجرف المتأله موسى ودعوة موسى ، بل تطرف فى إدعاء العلو الى درجة الزعم بأنه (الرب الأعلى ) : وأعلن هذا فى مؤتمر حاشد جمع له قومه،أو (حزبه الوطنى ) ، يقول جل وعلا (فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) ( النازعات 23 : 24 ) ، أى لم يزعم مجرد الربوبية ، بل زعم أنه ( الرب الأعلى ) . أى إنه وضع نفسه أعلا من مكانة رب العزة جل و( علا ) ، لذا جاء فى نصح موسى لفرعون :( وَأَنْ لّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) ( الدخان 19 ).

العلو الفرعونى والاسراف فى الارهاب

وبهذا الزعم بادعاء ( العلو ) أسرف فرعون وتطرف فى الاثم العقيدى وفى الاثم السلوكى أيضا بارهاب بنى اسرائيل بالتعذيب حتى يبتعدوا عن موسى الذى جاء لخلاصهم وتحريرهم من قمع فرعون وظلمه . وفعلا فبسبب الرعب من تعذيب فرعون وزبانيته ابتعد معظم قوم موسى عن موسى ، يقول جل وعلا :(  فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ) ويأتى التعليق الالهى يصف فرعون : (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ( يونس 83 ). وهنا يوصف فرعون بصفتين متلازمتين هما ( العلو والاسراف ). والاسراف هو المصطلح القرآنى لما نسميه فى ثقافتنا المعاصرة بالتطرف .وجاء وصف فرعون بالعلو والاسراف فى نفس سياق تطرفه فى تعذيب بنى اسرائيل فى قوله سبحانه وتعالى :(وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ  ) ( الدخان  30 :31). ونلاحظ فى الآيات الكريمة السابقة ارتباط العلو والاسراف بارتكاب التعذيب للمستضعفين.فحتى يخضع الناس للعلو الفرعونى المزعوم لا بد لفرعون من ارهابهم بالتعذيب ، وكذلك اشتهر بالتعذيب فرعون موسى ، وسار على سنته كل فرعون بعده من خلافة عثمان الى رئاسة مبارك وصدام وغيرهم. والعجيب إن الذى يتصدى لهم ويدافع عن ضحاياهم هى منظمات حقوق الانسان الغربية التى تتمسك بالفضيلة الاسلامية (الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ) . قارن بين تلك المنظمات النبيلة وبين ما يفعله خنازير الهيئة المسماة بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فى الدين السّنى الوهابى ، الذين يرعبون المارة فى الطريق والآمنين فى بيوتهم ويتسلطون عليهم لارهاب الناس لصالح المستبدين المنحلين المترفين فى قصورهم . ويرتكبون هذا البغى باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والعجب أن الفرعون المسرف هو الذى يتهم خصومه بالتطرف ، مع إنه الأشد تطرفا .

وقلنا إن مصطلح ( الاسراف ) فى القرآن الكريم يعنى التطرف فى ثقافتنا الراهنة . وقد تردد وصف فرعون بالاسراف ثلاث مرات فى سورة (غافر ) وحده ، يقول عنه (مؤمن آل فرعون )(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)،ويقول نفس الأمير الفرعونى المؤمن عن قومه فى معرض الدعوة:( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ )(وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ )(غافر 28 ، 34 ، 43 ).ونلاحظ أيضا اقتران الاسراف بادمان الكذب (مُسْرِفٌ كَذَّابٌ  ) و الارتياب والشك وسوء الظن (مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ).وكل فرعون هو مدمن للكذب ، ويمتلىء بسوء الظن والارتياب فى كل من حوله. فهو لأنه يخدع الناس يعتقد أن الآخرين يريدون خداعه والكذب عليه بمثل ما يكذب هو .

إرتباط الفرعونية بالفساد :

ولهذا كان وصف فرعون وقومه ونظامه بالفساد (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ  )(  القصص 4 ) ، وتكرر هذا فى رفضهم للحق  ( النمل 14 ) ،(يونس 81 )وفى رفض توبة فرعون ( يونس 91 ) ومع تحذير اللاحقين من نهايتهم ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الاعراف 103 )( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)

الاخوان والسلفيون على سّنة فرعون الذى علا فى الأرض :

عقد فرعون موسى مؤتمرا أعلن فيه ملكيته لمصر وأنهارها وتندّر على موسى عليه السلام ، واستخفّ قومه فأطاعوه لأنهم كانوا مثله فاسقين ، وانتهى الأمر بإن أغرقهم الله جل وعلا جميعا ، وجعلهم الله جل وعلا سلفا ومثلا للأتين من بعدهم ( الزخرف 51 : 55 ) يقول جل وعلا :( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ). وعلى سّنة فرعون أو ( دأب فرعون ) أو منهج فرعون أقام أساطين الديانات الأرضية دولا دينية تحت اسم الاسلام والمسيحية . والاخوان والسلفيون على سّنة فرعون يسيرون . ومن إعجاز القرآن الكريم أن كلمة ( السلف ) أتت مرة واحدة بهذا المعنى فى القرآن الكريم عمّن يسيرون على ( دأب فرعون )، هم سلف فرعون ، وسلف الخلفاء المتألهين فى العصور الوسطى .

ثانيا : الأصل العقيدى فى الاسلام لحُكم الشعب ( الديمقراطية المباشرة )

المؤمنون حقا لا ( يعلون فى الأرض )

ولأن الحاكم المستبد بالأمر هو من يعلو على الناس أى يتسيد عليهم فإن الديمقراطية المباشرة من جذور عقيدة الإسلام التى لا يعلو فيها إلا الله تعالى وحده ، والتى يكون فيها الحاكم خادما للناس وليس مستعليا عليهم ، والتى يكون فيها المتقون هم الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ، وذلك ما أشارت إليه نفس سورة القصص :(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ : القصص 83 ).وبهذه الآية الكريمة التى تصف المتقين المسلمين (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ : القصص 83 ) نعظ (الاخوان المسلمين ) إذا كانوا فعلا يريدون أن يكونوا مسلمين ، وأن يكون القرآن الكريم دستورهم والنبى محمدا عليه السلام زعيمهم وإمامهم .فخاتم المرسلين كان مأمورا بالشورى يستمد سلطته من الناس وليس من رب الناس ، مصداقا لقوله جل وعلا : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 )، أى من يستنكف عن الشورى ومن لا يؤمن بالمبدأ الاسلامى أن الأمة هى مصدر السلطات إنما يكون قد رفع نفسه فوق مقام النبى محمد عليه السلام. وفعلا فإن من ينكر أن الأمة هى مصدر السلطة يؤمن بالنقيض وهو أن المستبد الثيوقراطى يستمد سلطته من الله عز وجل ، أى يجعل ذلك المستبد ـ بالكذب والافتراء ـ  الاها على الأرض يمارس سلطة الله تعالى على الناس، أى يجعل ذلك المستبد ( يعلو ) على الناس الى درجة أن يكون وحده المختار من بين الناس للتحكم فى الناس ولأن يتملك الناس وأموال الناس ومصائر الناس ، وهذا لا ينافى فقط العدل و القسط فى الاسلام ، ولا يناقض فقط قيمة الحرية فى الاسلام بل ينافى قبل كل شىء عقيدة الاسلام التى تقصر التأليه و التقديس على الله جل وعلا وحده ، بحيث لا يكون من حق أى فرد من البشر العلو فوق مستوى بقية البشر. وكل ذلك فى التأكيد على أن الشورى الاسلامية الحقة أو الديمقراطية المباشرة الكاملة جزء من عقيدة ( لا اله الا الله ) .ونعطى بعض التفاصيل.

 الشورى أساس فى عقيدة الاسلام

1 ـ فالله جل وعلا وحده هو الذى لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هى تتعرض للمساءلة (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )(الأنبياء 23). وعليه فالحاكم الذى يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الى مستوى الله تعالى الذى لا يُسأل عما يفعل.
2 ـ ثم إن خاتم النبيين محمدا عليه وعليهم السلام قد أمره الله تعالى بأن يشاور الناس ، انه نبى يأتيه الوحى الالهى ومع ذلك فالوحى الالهى نفسه يأمره بالشورى ، وعليه فان أى حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشورى انما يرفع نفسه فوق مستوى خاتم النبيين ،ويدعى الألوهية، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.
3 ـ القرآن الكريم ردد قصة فرعون موسى وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذى يصل به استبداده الى ادعاء الألوهية ويصل به فساده الى اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه.وحين تتدبر القصص القرآنى عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها على الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدى عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية.
4 ـ وكما أن العدل أو القسط هو سبب انزال الكتب السماوية وارسال الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام ـ ( الحديد 25 ) فان الظالم هو خصم لدين الله تعالى وشرعه ، وعليه فالديمقراطية الاسلامية أو الشورى هى العدل السياسى فى الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب. كل ذلك يؤكد على ان الاستبداد قرين الكفر والظلم كما أن الديمقراطية الاسلامية لها جذور فى عقيدة التوحيد الاسلامية.
 الشورى كالصلاة إحدى فرائض الاسلام الشرعية
الشورى فريضة اسلامية غائبة ، أقامها المسلمون فى عهد خاتم النبيين محمد عليه السلام ، ثم بدأ تجاهلها بعده بالتدريج ، الى إن تم نسيانها تماما وتحولت الى تعبير عن الاستبداد. ومن العجب ان الشورى الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر بها فى سورة مكية، اسمها الشورى،يقول جل وعلا ضمن صفات المجتمع المسلم والدولة الاسلامية:( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشورى) جاءت فريضة الشورى مقترنة بالصلاة وايتاء الصدقة ، لتؤكد أن فرضية الشورى مثل الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة فى الصلاة – اى لا يصح أن يصلى أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك فى حضور مجالس الشورى - وهى جمعية عمومية فى كل قرية وحىّ تضم كل الناس ـ وبالتالى فالشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابى ، أى أن الشورى الاسلامية تتفوق على أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية . واذا كانت الصلاة فرضا عينيا على كل مسلم فى الصحة والمرض وفى الاقامة والسفر وحتى وقت الحرب فان فريضة الشورى كذلك يمارسها المسلم فى جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها فى بيته وعمله . من المهم هنا التأكيد على أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه .
نزلت فريضة الشورى فى مكة، وطبقها المسلمون فيها وقت أن كانوا أقلية مستضعفة ( الشورى – 38 -)، ثم بعدها فى المدينة كانت تؤدى علانية كفريضة اسلامية فى المسجد الذى يتحول الى مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ونساءا ،وحدث أن تخلف بعضهم فنزل القرآن يلومهم ويحذرهم من التغيب عن حضور هذه الفريضة ويتوعدهم بالعقاب اذا فعلوا.( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور ) وتردد فى أيات أخرى بعض ما كان يحدث فى مجالس الشورى. ( المجادلة 7 : 13).  
 اسس تطبيق فريضة الشورى الاسلامية
لا يمكن تطبيق الشورى الاسلامية بمعزل عن بقية القواعد الأساسية الأخرى للدولة الاسلامية ، ومنها:
1 ـ السلام :
فالاسلام فى معناه السلوكى هو السلام ، والمسلم سلوكيا هو من يسلم الناس من اعتدائه. وكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته وايمانه. الاسلام فى معناه الاعتقادى هو التسليم القلبى و الطاعة لله تعالى ، وهذا ما سيحكم عليه رب العزة يوم القيامة ، وليس لأى بشر أن يتقمص دور الله تعالى فى هذه الناحية ، وإذا فعل فهو خارج عن الاسلام وعقيدته ومدع للألوهية. والشرك و الكفر فى المعنى الاعتقادى هو الاعتقاد فى غير الله تعالى أو تاليه غير الله تعالى. وذلك إعتداء على حق الله تعالى فى أن يكون وحده المعبود الذى لا اله سواه. و الشرك و الكفر فى معناه السلوكى هو الاعتداء على المسالمين بالقتل و القهر. أو هو الارهاب بمصطلح عصرنا. وبذلك فإن لنا ـ كبشر ـ أن نحدد المشرك أو الكافر حسب سلوكه العدوانى الارهابى ، دون تدخل فى عقيدته حيث أن مرجع الحكم فى العقائد لله جل وعلا يوم القيامة.
وفيما يخص موضوعنا عن الشورى فان كل المواطنين المسالمين الذين يعيشون فى إطار الدولة الاسلامية هم مجتمع الشورى فيها بغض النظرعن عقائدهم وطوائفهم، يستوى إن كانوا سنة أو شيعة أو يهودا او نصارى أو ملحدين أو مؤمنين. لا شأن لأحد بعقائدهم واختيارهم العقيدى فهم مسئولون عنه امام الله تعالى يوم القيامة. إنما الشأن فى سلوكهم السلمى فى المجتمع ، فإذا ارتكبوا جرائم على الأنفس و الممتلكات و حقوق الانسان عوقبوا بها ، وإذا كانوا ارهابيين يقتلون الآمنين المسالمين من الناس فهم خارجون عن الدولة و المجتمع ، وليسوا جزءا من نظام الشورى الاسلامية.
2 ـ الحرية المطلقة للعقيدة والفكر والتعبير عنهما .
وهنا تتحدد مهمة الدولة فى توفير الأمن الداخلى لكل افراد المجتمع ، وتوفير الأمن الخارجى للوطن ،و إقامة القسط بين الناس و توفير الحرية المطلقة للأفراد والجماعات فى العبادة والعقيدة والرأى والفكر. وهذا لا يعنى الاعتداء على الأشخاص وقذف المحصنات ، فلا بد من وضع حدود فاصلة بين هذا وذاك. وذلك مفهوم ومشروع. الهداية ليست مسئولية الدولة بل هى مسئولية فردية فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ، ولن تستطيع أن تهدى من أحببت ، ولكن الله تعالى هو الذى يهدى من يشاء أن يهتدى من البشر. وتلك علاقة بين الانسان وربه لا شأن للدولة الاسلامية بها.
3 ـ العدل و القسط :
المهمة الكبرى للدولةالاسلامية هى إقامة القسط ، فى التعامل بين الأفراد ـ و فيما بين الجماعات ، وفى علاقتها بالدول الأخرى فى المجتمع الدولى. لا بد من توفير العدل الاقتصادى بكفالة حقوق الفقراء والمساكين و السائل والمحروم واليتيم وابن السبيل ، ولا بد من توفير العدل السياسى بان يكون كل المواطنين شركاء فى الحكم السياسى ، أى يحكمون أنفسهم بانفسهم. الظلم فى توزيع الثروة يؤدى الى الظلم فى تقسيم السلطة وقيام حكم استبدادى. و حصر السلطة فى فئة يجعل تلك الفئة متحكمة فى الثروة. فالثروة و السلطة يبحث كل منهما عن الاخر. فلا بد من وجود عدل اجتماعى ليتأكد العدل السياسى أى الشورى الاسلامية.
وهكذا لا بد أن تتضافر كل القيم معا حتى يمكن إقامة الديمقراطية الاسلامية أو الشورى الاسلامية . لا يمكن إقامة الشورى الاسلامية بضياع العدل الاجتماعى وسوء توزيع الثروة،أو بمصادرة الحرية الفكرية والدينية ، أوبالتفرقة بين المواطنين على اساس المعتقد والدين أو الجنس واللون و الذكورة والأنوثة.
4 ـ الموازنة بين العدل و الحرية:
الديمقراطية – او الشورى بالمفهوم الاسلامى – هى التى تجمع فى داخلها المعادلة السحرية التى توازن بين الحرية والعدل. فالديمقراطية الاسلامية المباشرة تعنى العدل المطلق فيما نسميه حاليا بالمشاركة السياسية فالمجتمع هو صاحب الحق المطلق فى السلطة السياسية أو هو مصدر السلطات ، وحق المجتمع هنا يتقسم بالعدل المطلق على عدد أفراد المجتمع بالمساواة المطلقة. الحاكم هنا هو ولى الأمر أى صاحب الاختصاص فى عمله الذى يجيد القيام به وهو مسئول امام المجتمع ومجرد خادم يقوم بعمله المختص به ويعاونه آخرون يطيعونه فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله أى طالما يؤدى عمله فى حدود القانون الذى يتم تطبيقه على الجميع بلا استثناء. الديمقراطية الاسلامية المباشرة تساوى بين الأفراد جميعا بغض النظر عن الغنى والفقر ، الذكر والانثى، الملة والاعتقاد ، العنصر ، اللغة الأصل ، العرق ، الطبقة واللون...الخ. فالديمقراطية المباشرة عدالة مطلقة.وهى أيضا تؤكد على حرية المعتقد المطلقة ؛ فكما أن للفرد حريته المطلقة فى الايمان بالله تعالى أو الكفر به والتنقل بين أى دين كيف شاء وترك الايمان متى أراد وهو مسئول أمام الله تعالى فقط يوم الدين عما اختار - له أيضا حقه المطلق فى حريته السياسية بمعنى التساوى التام بين كل المواطنين ، والعدل المطلق فى المواطنة . المساس بهذا المعيار يضيع العدل ويفتح الباب لاستئثار مجموعة بالسلطة ،ثم بالثروة، ويتسلل الاستبداد والفساد فى غيبة الأكثرية من الناس مما يؤدى الى تهميشهم ثم الى العصف بحقوقهم.
  الأمة مصدر السلطات فى الشورى الاسلامية
1 ـ فى ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هى مصدر السلطات وليس الحاكم . لقد جاء النبى محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له مسلمو المدينة وغيرهم له دولة ، هى أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه تعالى يخاطبه وهو الحاكم لتلك الدولة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) ) أى بسبب رحمة من الله تعالى جعلك لينا معهم ورحيما فى التعامل معهم.فماذا اذا لم يكن لينا هينا معهم ؟ تقول الآية الكريمة (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) فماذا اذا انفضوا من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعانى الاضطهاد. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والدولة من اجتماعهم حوله ، أى أنهم مصدر السلطة له فى الدولة التى أقاموها له ، أى أنه لا يستمد سلطته من الله تعالى وأنما يستمدها من الشعب ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أى الشعب - كى لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ تقول الآية تضع التشريع السياسى للنبى الحاكم وكل حاكم ديمقراطى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 ) أى يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا فى حقه، ويشاورهم فى الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر. الأمر بالشورى جاء هنا يأمر النبى بأن يشاورهم جميعا فى أى أمر مطروح بحثه – أى يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أى نوع أو استثناء لأى نوع - وفق الديمقراطية المباشرة التى لا مجال فيها للتمثيل النيابى أو الديمقراطية غير المباشرة.
لاحظ هنا أن الحاكم المستبد الذى يسرق سلطة الشعب ويحتكرها لنفسه لا يحتاج الى أن يكون لينا هينا مع الناس بل يمارس ما بسمى بهيبة الدولة أو هيبة النظام التى تتجلى فى تسلط ضابط البوليس مع أفراد الشعب لارهاب الناس وارعابهم وتخويفهم حتى يسكتوا عن حقوقهم المسلوبة . ولذلك يقترن الاستبداد بالتعذيب بدءا من فرعون موسى الى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مع بداية الخروج على تعاليم الاسلام وديمقراطيته وشفافيته وعدله ، حيث بدأ التعذيب لارهاب المعارضة ، وتعرض للتعذيب بعض كبار الصحابة – بدرجات مختلفة – ومنهم عمار بن ياسر وابن مسعود وأبو ذر وأبوالدرداء. ثم أصبح التعذيب سنة متبعة ملازمة للظلم والفساد والاستبداد من العصر الأموى وحتى عصرنا السعيد . وعليه كان لزاما التعتيم على فريضة الشورى الاسلامية ومصادرتها لصالح الاستبداد.

ليس فى الدولة الاسلامية حاكم فرد لأن الشعب هو الحاكم
1ـ ان الخطاب التشريعى فى القرآن الكريم جاء يخاطب عموم المسلمين يقول لهم مثلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة  178 ، 190 ) (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)( النساء 58) .(انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( التوبة 41 ). وحتى مع وجود النبى بينهم فقد كان الخطاب يأتى مباشرة للمؤمنين فيما يجب أن يفعلوه باعتبارهم هم الحكام الذين يحكمون انفسهم بأنفسهم . يقول تعالى لهم عما يجب أن يفعلوه مع المنافقين المعارضين (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (التوبة95 ) .لم يأت التشريع القرآنى للمسلمين يخاطب حاكما فردا على الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، على اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
وهذا الخطاب للمؤمنين فى دولتهم الاسلامية الديمقراطية بتلك الأوامر يخالف رسالة النبى موسى عليه السلام التى كانت فى البداية موجهة الى شخص واحد هو الفرعون الذى كان يمثل كل المصريين ويتحدث باسمهم ، لذا توجه موسى وهارون ليس للمصريين ولكن لفرعون فقط لأنه كان يملك مصر وما عليها ومن عليها ، وعلى نسقه سار الخلفاء غير الراشدين فى العصور الوسطى ، وعلى سنتهم السيئة يسير الاخوان حاليا فى دعوتهم الى الحاكمية التى تعنى ان الخليفة يحكم باسم الله تعالى وأنه مصدر السلطة وليس مسئولا أمام الناس ، بل هو مسئول فقط أمام الله تعالى عن الرعية ، فهو الراعى والناس رعية له أو انعام يملكها ويستغلها فى الانتاج ويقتل منها ما يشاء ويستبقى من يشاء ولا معقب لقوله ولا راد لارادته، أى انه التأليه للحاكم الناطق باسم الله والذى يحكم باسمه ، لذا كانت الشورى الاسلامية جزءا من عقيدة الاسلام التى تقصر الألوهية على الله تعالى وحده دون شريك من ولى معبود أو حاكم متأله . ومن هنا أيضا توجه الخطاب القرآنى لعموم المؤمنين ولم يتوجه لشخص حاكم اذ ليس فى الدولةالاسلامية وديمقراطيتها المباشرة وجود لحاكم ، ولذلك مات خاتم النبيين عليه وعليهم السلام دون أن يعين بعده حاكما لأنه ببساطة لا وجود لحاكم فى الدولة الاسلامية بالمعنى المتعارف عليه فى النظم الجمهورية أو الملكية.
2 ـ جاءت مرة واحدة كلمة ( الحُكّام ) فى معرض الحّكم الفاسد المرتشى المنهى عنه : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة ) .ولكن القرآن الكريم لم يذكر مطلقا كلمة ( حاكم ) فى أى من تفصيلاته التشريعية. بل أن لفظ " يحكم " أو "حكم " جاءت بمعنى التقاضى بين الناس فى الدنيا ، وليس الحكم السياسى ، أى الحكم بين الناس وليس حكم الناس كقوله تعالى ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)( النساء58 )هذا فى التقاضى أو الحكم بين الناس فى الدنيا. أما التقاضى بين الناس أو الحكم بين الناس فى الآخرة فهو لله تعالى وحده يوم الحساب حين يحكم بين الناس فى خلافاتهم العقيدية (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )(الزمر 46}. باختصار ، فان افعل " حكم" لم يأت فى القرآن الكريم متعديا أى بمعنى الحكم السياسى أى " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الى ظرف أو جار ومجروربمعنى " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعنى القضاء والتقاضى أى يقضى بين الناس، أو " يحكم ب " أى يحكم فى القضاء بشرع الله تعالى أو شرع غيره . وفى هذا المجال جاء قوله تعالى ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)( المائدة 44 ،45 ،47 } . الاخوان المسلمون والسلفيون يستشهدون بالآيات الكريمة السابقة فى مزاعمهم السياسية ضد الاستبداد المحلى العسكرى والحزبى ، مع أن هذه الآيات الكريمة تحكم عليهم هم بالكفر والفسوق والظلم . انها تنطبق عليهم هم قبل غيرهم لأنهم الدعاة لتطبيق شريعة الفقه السنى المناقضة لما أنزل الله تعالى فى الأصول العقيدية و التشريعية . وهذا ما أثبتناه فى أبحاث عديدة لنا تناولت التناقض بين الفقه السنى والقرآن فى المصطلحات والمقاصد التشريعية والقواعد التشريعية والأحكام والتفصيلات التشريعية. الأمثلة عديدة ، ليس فقط فى تقديس النبى محمد والصحابة والأئمة والأولياء والقبور المقدسة والأسفار والكتب المقدسة وما وجدنا عليه آباءنا ، بل أيضا انكار فريضة الديمقراطية وفرض الحاكمية الاستبدادية وفى استحلال الدماء التى حرمها الله تعالى. فى شريعتهم الشيطانية يوجبون قتل المخالف لهم فى الرأى بتهمة الردة ، ويوجبون رجم الزانى وقتل تارك الصلاة وقتل المخالف للسلطان بل جعلوا من حق الخليفة قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.

أولو الأمر ، ليسوا الحكام بل الخبراء
 أولو الأمر –بالمصطلح القرآنى – هم أصحاب الشأن والاختصاص ، أى الخبراء فى الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر على جمهور المسلمين أن يتخصصوا فى كل شىء ، لذا فان طاعتهم واجبة فى حدود تخصصهم وفى اطار طاعة المولى جل وعلا والرسول اى القرآن أو الرسالة. وجاء مصطلح أولى الأمر بهذا المعنى مرتين فقط فى القرآن الكريم { النساء 59 ، 83 } جاء التراث العباسى ليجعل أولو الأمر هم الحكام ويجعل طاعتهم مطلقة حسب تأويلهم للقرآن وتحريفهم لمعناه.

خاتمة
جدير بالذكر ان تشريعات القرآن لا تزيد عن مائتى آية معظمها فى حماية الأسرة والمرأة وحماية المجتمع ، وتترك مجالا واسعا للتشريع البشرى الذى يغطى كل احتياجات المجتمع فى اطار العرف أو المعروف أو ما يتعارف الناس عليه على أساس انه القيم العليا والفضائل أو ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) بمفهومنا . وكل تشريع يقننه المجتمع فى اطار هذه القيم العليا يكون تشريعا اسلاميا ، كما أن أى دولة تقيم حقوق الانسان ومعالم العدل وحرية الفكر والعقيدة تكون دولة اسلامية.  

اجمالي القراءات 12943