أولا :
1 ـ موسوعة جينيز للأرقام القياسية يجب أن تتوقف فيما يحدث لمصر الآن فى ظاهرتين نادرتين : هذه المظاهرات التى استمرت بملايين تغطى العمران المصرى وبأعداد غير مسبوقة فى تاريخ البشرية . ثم خطاب مرسى ، وهو الخطاب الوحيد ـ فيما نعرف ـ والذى تجاهل هذه المظاهرات المصرية وتحدث عن شرعيته وكرر كلمة الشرعية حوالى 70 مرة ، وليس فى تاريخ العالم أن وقف رئيس يفاخر بشرعيته منكرا للواقع الهائل أمام عينيه ، ثم يكرر كلمة الشرعية حوالى 70 مرة . يجمع بين هذين الظاهرتين المتناقضتين غير المسبوقتين فى تاريخ العالم ما نطلق عليه فى هذا المقال ( شرعية مرسى ..ومرسى الشرعية ) .
2 ـ قلنا فيما سبق إن الاخوان لا يعرفون الحلول الوسط ، وأنّ كل ما يعرفونه هو المعادلة الصفرية فى الصراع ، إمّا هم وإمّا الآخر ، أى إما شرعية مرسى ، وإما أن يموت مرسى كما قال مهددا الشعب المصرى إنه سيدافع عن شرعيته بحياته . مرسى يتجاهل أن الانتخابات هى مجرد وسيلة ديمقراطية ، وأن الرئيس الذى يصل بالانتخاب يمكن الاحتكام الى الشعب فى استمراره أو إسقاطه بنفس الانتخابات ، وأن الشرعية مصدرها الشعب ، وأن الرئيس المنتخب ليس شرعية فى حد ذاته ، بل أن شرعيته مستمدة من الشعب الذى إختاره بانتخابات نزيهة حرة غير مشكوك فيها وللشعب أن يسقطه بانتخابات حرة نزيهة . ويتجاهل مرسى أن هذا الشعب بثورته هو الذى أوصله الى الرئاسة ، مع ان الاخوان عارضوا ثورة الشعب فى بدايتها ثم ركبوا موجتها وتآمروا عليها مع المجلس العسكرى ، ويتجاهل مرسى أنه حصل فى الانتخابات فى المرحلة الأولى على أقل من ربع الأصوات ، وأنه فى الإعادة وطبقا للإحصاءات المعلنة قد فاز بأغلبية ضئيلة جدا ، وأن هناك أصوات محترمة تؤكد أن خصمه الفريق شفيق هو الفائز وأن المجلس العسكرى خوفا من تهديد الاخوان بحرق البلد وبضغط من السفيرة الأمريكية أعلن فوز مرسى زورا ، ويتجاهل مرسى أن هناك ملاحقات قضائية ضده ، وأنّ شرعيته سقطت مبكرا جدا باعلاناته الدستورية وتحركاته ضد المؤسسات المصرية ودستوره المعيب بما يؤكد بأنه حنث بقسمه حين تولى الرئاسة ، وأنه حنث بقسمه أمام جماهير الشعب فى اول خطاب جماهيرى له فى ميدان التحرير وتأكيده لهم وقتها بأنهم هم مصدر الشرعية يمنحونها لمن يشاءون ويمعونها عمّن يشاءون . وبالتالى فإن هذه المظاهرات الحالية ـ بعشرات الملايين التى جردته من الشرعية وتوقيع الشعب على استمارات تمرد ـ هى اعلان رائع بسقوطه ، ولم يعد رئيسا شرعيا لمصر . مرسى يتجاهل كل هذه الحقائق ، ويكرر ضدها فى خطابه الأخير كلمة الشرعية معتبرا نفسه هو الشرعية ويعلن تضحيته فى سبيلها بحياته ، أى إنه يؤكد عقيدة أى تيار دينى يصل للحكم ، فى أنه لا حلول وسط ، ولا تداول سلطة بعد وصوله للحكم . هكذا فعل التيار الوهابى السياسى حين نجح فى الجزائر فأعلن أنها آخر الانتخابات مما عجّل بالجيش الى إستئصالهم فى مذابح متبادلة استمرت سنوات . ويريد الاخوان تكرار هذا المسلسل الدموى فى مصر ، وخطاب مرسى يدعو صراحة الى هذه الحرب الأهلية .
3 ـ نحن نكتب هذا المقال بعد انتهاء مهلة ال 48 ساعة التى اعطاها الجيش لمرسى وأتباعه ، وقبل بيان الجيش بالفترة الانتقالية وما نتوقعه من عزل مرسى . نقول أن مرسى الآن وجماعته حكموا على أنفسهم بالغياب عن الساحة ، فقد صدر ضدهم حكم الشعب . ولم يبق إلا تنفيذ الحكم بيد القوة العسكرية التى تأتمر بأمر الشعب ( الجيش والشرطة ) الاخوان الآن ـ كجماعة سياسية ـ فقدوا مصداقيتهم فى الشارع المصرى بفشلهم وسوء إدارتهم ، وقد يتبقى لهم هامش من المصداقية لو سارع العقلاء منهم بالتبرؤ من مرسى وجماعته ، وتصالحوا مع الشعب المصرى ، والتفتوا الى إصلاح داخلى فكرى ومنهجى يقرّب بين ايدلوجيتهم وبين القيم الاسمية العليا فى الحرية الدينية والعدل والسلام والتسامح . وهناك زعماء معتدلون كانوا من الاخوان وانشقوا عنهم من امثال د . محمد حبيب والاستاذ ثروت الخرباوى ، واولئك هم الأمل فى تحقيق اصلاح للاخوان يحافظون به على وجودهم السياسى فى الساحة السياسية التى يجب أن تتسع للجميع بلا استبعاد . أما لو ظل جمهور الاخوان على جمودهم الفكرى فسيخسرون كل شىء سياسيا ودعويا وجماهيريا . وسيجدون أنفسهم معزولين عن ركب التقدم ، يجترون فقه ابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن باز والمودودى وسيد قطب . سيعودون الى التراث الماضى السلفى الذى سقطوا منه ، ولن يحزن عليهم أحد .
4 ـ آن الأوان لأن نستفيد من التجربة المريرة مع الوهابية السياسية من الاخوان فى مصر الى جبهة النّصرة فى سوريا الى القاعدة فى باكستان وأفغانستان الى الوهابية السياسية فى الجزائر . وهى ضرورة الفصل الحازم والبات بين الدين والعمل السياسى . كاتب هذه السطور هو مفكر مسلم وهب حياته دفاعا عن الاسلام ، ويرفض العمل فى السياسة . وفرضا ـ مجرد فرض ـ لو كنت أعمل بالسياسة فإنه طبقا لايمانى بالاسلام يمتنع علىّ إستخدام شعار الاسلام فى عملى السياسى مع أو ضد الخصوم والفرقاء السياسيين . وفرضا ـ مجرد فرض ـ لو أصبحت رئيسا للجمهورية فإنه وطبقا لايمانى بالاسلام يمتنع علىّ الاستشهاد بالقرآن أو بأى نصوص دينية فى أى خطبة أو تصريح أو توجيه أو عمل سياسى ، لأنه استغلال للدين فى سبيل حُطام دنيوى ، ولأننى ـ عندها ـ رئيس أخدم كل المصريين بمسلميهم وأقباطهم ، بمن فيهم من متدينين من مذاهب مختلفة وأديان مختلفة ، وبما فيهم من ملحدين ولا دينيين . وبالتالى فلا يجوز لى طبقا للشرع الاسلامى القرآنى كرئيس أن أنحاز الى دينى وأن أستخدم وظيفتى فى الترويج له ، لأن ذلك ظلم ، والله جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين . إيمانى بالاسلام هو شأن شخصى بينى وبين ربى جل وعلا ، يخصّنى وحدى ولا أفرضه على أحد كداعية ، ولا أعرضه على أحد لو كنت فى منصب تنفيذى أخدم فيه الشعب . وإذا كنت مسلما حقيقيا فيجب أن أتمسك بقيم الاسلام عمليا فى تصرفاتى وبدون شعارات اسلامية ، أى أن أقف بقوة مع الحرية الدينية للجميع أفرادا وجماعات ، وأن أقف بقوة مع العدل السياسى ( الديموقراطية ) ومع العدل الاجتماعى والتسامح الدينى .
أخيرا : أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم .. أتوسّل اليكم :
1 : لا تقولوا عنهم ( اسلاميين ) بل وهابيون . يكفيكم ظلما للاسلام أن تنسبوهم للاسلام . هم وهابيون يتناقضون مع الاسلام فى عقيدتهم وسلوكياتهم وشريعتهم . هذه هى بداية التنوير وبداية العدل فى التعامل مع رب العزة جل وعلا ودينه العظيم.
2 : بتنقية التشريع المصرى دستوريا وقانونيا من كل التشريعات التى تعرقل حرية الفكر والدين للجميع لنزع هالة القداسة عن الوهابية ومعاملتها كفكر بشرى يجب مناقشته ، وبهذا يتمكن المفكرون الأحرار من مواجهة الوهابية وتنظيماتها السياسية من داخل الاسلام .
خير الكلام : اصدق الحديث فى الردّ على الوهابية لعلهم يتذكرون :
1 ـ ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)( الأنبياء )
2 ـ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف) ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)المرسلات ) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ) ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً )(87) النساء ) ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً ) (122)( النساء) ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ )(23) الزمر)
3 ـ (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ )(95) ( آل عمران ). ودائما : صدق الله العظيم .!!