مصر على شفا حرب أهلية .. من هم السبب ؟

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٩ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

1 ـ وصلت مصر ـ بحمد الله جل وعلا والذى لا يُحمد على مكروه سواه ـ الى حافة الحرب الأهلية. وهذا ما توقعناه ، وهذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا فى مقالات وفى ندوات وفى مؤتمرات عالمية ، وكأننا ننفخ فى قربة مقطوعة ، وكأننا نؤذن فى مالطة ، وكأننا نخاطب موتى . ويبدو أنه قد حقّ عليهم الهلاك الجزئى الذى أيضا قد حللناه قرآنيا وحذرنا منه فى مقالات الجزء الأول من كتاب ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) . وكأنه مكتوب علي كاتب هذه السطور أن يظل يصرخ بتوصيف المرض وسبل الشفاء منه ربع قرن بلا فائدة ، وفى النهاية أرى مصر تلتهب ، وتقترب من حرب أهلية . لا أريد تكرار ما سبق قوله ، ولكن أتوقف مع المسئولين عن الحال الذى وصلت اليه مصر الآن .

2 ـ معروف أن مبارك هو الذى باع مصر للأسرة السعودية ، وأركبها فوق ظهره وهو يمتطى مصر ، وهو الذى أسّس النفوذ الوهابى مصر ، بحيث أصبح سهلا أن تهاجم الاسلام واضحى جُرما أن تنتقد الوهابية . أصبحت للوهابية قداسة تمنع من التلفظ باسمها ، ويُستعاض عنها بالقول بأن الارهابيين والمتطرفين ( إسلاميين ) ، ولا يجرؤ أن أحد أن يقول عنهم ( وهابيون ) ، أى من السهل بل ومن الشائع إهانة الاسلام بنسبة أولئك الارهابيين والمتطرفين الى إسمه العظيم ، ولكن يدخل فى طائلة قانون إزدراء الدين أن يقال عنهم انهم ارهابيون وهابيون ومتطرفون وهابيون ، بل ومن الجرائم أن تنتقد الأسرة السعودية والمملكة التى تمتلكها ، فقد أصبحت السعودية أسرة ومملكة شيئا مقدسا لا يقترب أحد من إنتقاده خوفا وهلعا . هذا هو الذى ورثه المصريون خلال ثلاثين عاما من حكم هذا المخلوع الملعون . لذا ورث مجلسه العسكرى هذا التقديس للوهابية فأسلم السلطة للاخوان المسلمين زورا وبهتانا . وبالاخوان تقف مصر على حافة حرب أهلية .

واضح هنا أن المسئول هو مبارك وطغمته العسكرية ، أما الاخوان والسلفيون فليسوا السبب ، لأنهم ببساطة هم المرض ، هم السرطان الذى قد تضطر مصر للدخول فى عملية جراحية لتستأصل هذا الورم السرطانى من جسدها ، وهذه العملية الجراحية هى الحرب الأهلية ، وندعو الله جل وعلا أن يكون الشفاء بلا عملية جراحية دموية بل بعقاقير وعمليات تغيير للدم الملوث وتنظيف للجسد المصرى بلا بتر ولا إستئصال .

3 ـ هناك طرف آخر مسئول عما آلت اليه مصر .. هم النُّخبة المثقفة العلمانية من المسلمين والأقباط .  فى حوار سبق نشره قلت عن الراحل فرج فودة : ( خسر التيار العلمانى فى مصر والوطن العربى فرج فودة ، الذى كان عبقرية لا تتكرر . كان سابقا لعصره ، بدليل أن كلماته تنطق عن حال عصرنا بعد أكثر من عشرين عاما من إغتياله ، مما يؤسف له أنه لم يظهر على الساحة الثقافية والسياسية فى مصر والمنطقة من يصل الى رُبع قامة فرج فودة . لذا كان إغتياله أكبر مكسب للاخوان والسلفيين الوهابيين ، ولذا كوفىء قاتله بالافراج عنه . واعتقد أن إغتيال فرج فودة كان بضوء أخضر أو بمشاركة من نظام حسنى مبارك للأسباب التالية :كان مبارك يحقد على كل صاحب إبداع فى أى مجال ويخشى مقدما من أى مثقف أو سياسى يحظى بالشهرة ويتكون حوله تيار ثقافى أو سياسى ، وهذا ما حدث لفرج فودة . الذى ظهر نجما صاعدا فى حزب الوفد ، ثم تركه وبدأ يتحرر من التبعية للوفد ورجعيته واستكانته لمبارك ، وركّز فرج فودة على مواجهة الوهابية فأضاف سببا آخر لأن يبغضه مبارك  لأن مبارك كان يحتاج الفكر السلفى ويدعّمه  لتثبيت حكمه . مبارك كان يحتاج ايضا الى وجود الاخوان ليخيف بهم أمريكا والعلمانيين والأقباط ، ولهذا أضطهد أهل القرأن لأنهم الخطر الأكبر على الاخوان والسلفية . القشة التى قصمت ظهر البعير وأدت الى السماح أو المشاركة فى إغتيال فرج فودة أنه قبيل إغتيال فرج فودة تردد إسمه بقوة فى الاعلام الغربى ، وأعتبروه الزعيم العلمانى المنتظر والبديل لمبارك والذى يحظى باحترام الغرب . ولهذا تقاعس الأمن فى حماية فرج فودة ، بل جعلوا الحراسة التى خصصوها له تتفنّن فى مضايقته والتجسس عليه ، فحقّق غرضهم بأن طلب هو منهم رفع هذه الحراسة عنه ، فأصبح بلا حراسة بينما تلاحقه الاتصالات التليفونية بالقتل . وعندما إغتالوه بكل سهولة أمام مكتبه تقاعس الأمن المنتشر فى المنطقة فى ملاحقة المجرمين ، وأفلت واحد منهم ، ومع العلم بشخصيته فقد سافر خارج مصر عدة مرات ، ثم عاد وشارك فى محاولة إغتيال نجيب محفوظ . وفى المحاكمة كان يبدو واثقا من نفسه يتوعد نجيب محفوظ بمعاودة الكرّة . أى كان واثقا من الافراج عنه . ولم يصل التحقيق مع المتهمين بإغتيال فرج فودة الى معرفة المشاركين فى الاعداد وفى التحريض . ثم كانت محاكمة المجرمين مأساة أتضح بها أنها محاكمة للضحية وتكفير له ، ودعاية للوهابية و( حدّ الردة ) وتشويه سمعة فرج فودة . بل أقول طبقا لما وصل الى من معلومات وقتها ، أنه كان ممكنا إنقاذ فرج فودة وهو تحت الجراحة بعد الطلقات التى اصابته ، ولكن هذا لم يتم ، لأن الرغبة كانت فى التخلص منه . وستكشف الأيام القادمة عن المزيد من جرائم مبارك والاخوان والسلفيين .قبيل إغتيال فرج فودة كنت أنا وهو على وشك تأسيس حزب المستقبل ( المعارض ) ، وقد قوبل الاعلان عن تأسيسه بتأييد جارف وقتها من الأقباط والعلمانيين والمسلمين الراغبين فى الاصلاح ، لذا جاءت سريعا  فتوى ( ندوة العلماء ) بالدعوة لاغتياله وإغتيالى معا . ونشرتها جريدة ( النور ) الاخوانية لصاحبها الحمزة دعبس . وكان مقررا أن يسافر فرج فودة وقتها الى باريس وهولندة ، وناقشنا معا تأثير الفتوى يوم الاربعاء السابق ليوم إغتياله ( الاثنين ) ، ونصحته بعدم الرد عليها حتى لا تثير جلبة فكرية واعلامية تؤثر على حياته . وتركته لقضاء العيد فى بلدتى ، وهناك عرفت بنبأ إغتياله قبل سفره لأوربا . و ( ندوة العلماء ) التى أصدرت الفتوى كانت بزعامة د عبد الغفار عزيز ومعه د عبد الرحمن البر ، مفتى الاخوان حاليا . وبعد موت عبد الغفار عزيز تحولت الى ( جبهة علماء الأزهر ) التى ناصبت شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى العداء . ويريد الاخوان تولية عبد الرحمن البر مشيخة الأزهر لتكتمل الفاجعة . والجهاز السرى للأخوان حاليا هو الذى يغتال شباب الثورة ويلاحقهم بالقتل ، وله علاقة وثيقة بجهاز الأمن ، منذ أن إخترق الاخوان والفكر السلفى مؤسسات الدولة المصرية فى الأمن والجيش والمخابرات . ) .

4 ـ وردا على تعليق على هذا الحوار فى موقع أهل القرآن قلت  عن الاخوان : ( نعم ، هم انتصروا سياسيا بقتلهم فرج فودة ، وهو أعظم عقلية علمانية فى مصر فى القرن العشرين . استراحوا بقتله من عبء كبير كان منتظرا أن يعطل مسيبرتهم ، لذا نجحوا وتمددوا . وبقى بعده أحمد صبحى منصور وحيدا قليل الحيلة ، فاستعانوا عليه بالنفوذ السعودى داخل نظام مبارك.فرج فودة كان له جمهور يزداد عددا كل يوم ، وكان يحظى بتأييد الجناح المدنى العلمانى فى مصر ، ويحظى بتأييد هائل من الكنيسة المصرية و من الأقباط ، وكان له أنصار داخل النظام المصرى ، وداخل اليسار المصرى .. وظهر هذا بعد إغتياله ، إذ شعر الجميع بمدى الخسارة السياسية التى حاقت بهم بمقتل فرج فودة . وكنت أكثر من شعر بالخسارة السياسية بعده ، فلم يأت بعده من التيار العلمانى من يتفهم أهمية أهل القرآن فى مواجهة الوهابية من داخل الاسلام.التيار المدنى العلمانى بعد فرج فودة أصبح متهافتا ضعيفا جاهلا بأدوات الصراع السياسى والفكرى . وتأكد هذا بعد سقوط مبارك وعجز ( جبهة الانقاذ ) ، لم يستطيعوا استثمار ثورة 25 يناير ، وعاد الشباب للثورة حاليا بحركة تمرد ، فساروا خلفهم ، ولا يزالون بعجزهم.نجح مبارك فى القضاء على الزعامات الحقيقية السياسية ( بقتل فرج فودة ) والزعامات الحقيقية الفكرية ( باضطهاد ونفى  أحمد صبحى منصور وأهل القرآن )، فلم يبق على الساحة المصرية سوى شباب ثائر ، ونخبة متهالكة مترهلة تلهث خلف الأحداث . مما ساعد الاخوان على الوصول للحكم . فى النهاية نحن نتحدث عن انتصار سياسى نراه الان . ولعل الملفت للنظر أن هذه النخبة السياسية كانت تحتفل من ايام بذكرى إغتيال فرج فودة ، وحضر الاحتفال رموز جبهة الانقاذ ومنهم عمرو موسى . أخيرا تذكر عمر موسى ورفاقه فرج فودة...!!) .

5 ـ واقول الآن : كان فرج فودة يهاجمهم سياسيا فيستفيدون من هجومه ( العلمانى ) عليهم ، لأنهم يتهمونه بالكفر ، ويعتبرون هجومه عليهم هجوما على الاسلام لصالح الغرب والنصرانية . ولقد نصحت فرج فودة أن يواجههم من داخل الاسلام ، فقال :" يا د. صبحى ، لا أريد أن أدخل ملعبهم " ، فقلت له " إنهم اجهل مما تتصور . " . واعطيته بعض الكتب الدراسية فى الفقه والحديث والتفسير والعقيدة ( التوحيد ) المقررة فى الأزهر ، فاندهش مما فيها من خرافات ، فطلبت منه أن يقرأ تاريخ الطبرى وتفسير ابن كثير وكتبا تراثية أخرى فى الفقه ، وتفرغ لهذا عدة اشهر ، وانطلق بعدها يكتب فى الاسلاميات ، وأول كتاب له كان ( الحقيقة الغائبة ) والذى انتقد فيه بعض الخلفاء الأمويين ، فارتاع الاخوان والسلفيون وشيوخ الأزهر من التحول الجديد ، ثم تطور د فرج فودة فى كتاباته فكتب فى ( زواج المتعة ) ودخل فى جدل فقهى مع شيوخ السلفية فى الأزهر على صفحات جريدة الأحرار ، فقهرهم جميعا . ثم توّج إنتصاره عليهم فى مناظرة معرض الكتاب ومناظرة بعدها فى الاسكندرية ، وقد نشرنا كل هذا من مقالات ومناظرات فى كتاب بعد إغتياله . صرعهم فرج فودة بالضربة القاضية لأنه واجههم من داخل الاسلام ، وأكّد أنه مع الاسلام وأن صراعه ونقده لهم هم ولمشروعهم السياسى المذهبى الذى يستغل اسم الاسلام ، ويجب أن يظل الاسلام ساميا فوق الأطماع السياسية . بهذا إنتصر عليهم .

وهم كانوا على علم بالتحالف الذى بيننا وبالتحول الجديد الذى طرأ عليه بعد تحالفنا ، خصوصا بعد أن أعلنا بدء إجراءات تكوين حزب المستقبل ، فجاءت الفتوى تنادى بقتل فرج فودة وأحمد صبحى منصور بالاسم . وتحالف معهم أمن الدولة ، وتم إغتيال فرج فودة ، وأصبح بعده أحمد صبحى منصور وحيدا قليل الحيلة يتسلى أمن الدولة بترويعه بحجة الشكاوى التى تتوالى  من الشيوخ تطلب القبض عليه . نجح تخطيط الاخوان فإغتالوا فرج فودة ماديا ، وحاصرونى فى مصر فى لقمة العيش ومعهم النفوذ السعودى ، كلما عملت فى جريدة بذلوا جهدهم لإقصائى منها ، الى أن عملت فى مركز ابن خلدون بعيدا عن نفوذهم ، فاشتد الضغط الأمنى وانتهى بالاغارة على مركز ابن خلدون والقبض على صاحبه د. سعد الدين ابراهيم وكانت الموجة الثانية من إعتقال القرآنيين والتى نجوت منها باللجوء الى أمريكا .

6 ـ السؤال الآن : نفترض أن منهج الراحل فرج فودة استمر بعد إغتياله ، والتف حولى التيار المدنى العلمانى من المسلمين والأقباط ، وعملنا سويا فى مواجهة الوهابية ، وناضلنا معا ضد سيطرتها والنفوذ السعودى فى مصر ؟ لو حدث هذا كانت الوهابية ستفقد سيطرتها وتفردها بالساحة الدينية فى مصر. كان الاعلام المصرى سينشر لى ألاف المقالات والأبحاث والتى يزدحم بها موقعنا ( أهل القرآن ) والتى لايقرؤها سوى بضعة ألاف .

7 ـ حدث العكس .. الأقباط الذين دافعت وأدافع عنهم لم يدافعوا عن القرآنيين وهم يعانون التعذيب فى السجون . المثقفون الذين كنت ( الامام المستنير لهم ) لم أحصل منهم إلا على الأمنيات الطيبة . العلمانيون الملحدون الكارهون للاسلام والذين دافعت عن حريتهم فى الرأى والفكر والعقيدة كرهونى تبعا لكراهيتهم للاسلام ، وبعضهم تطرف فاعتبرنى أخطر من ابن لادن ، وبعضهم تواضع فاعتبرنى كالشيخ الشعراوى ، مجرد شيخ أزهرى يستشهد بالنصوص ، وكتبوا هذا بصراحة .

إنشغل المثقفون فى نزاعاتهم الصغيرة تحت أقدام مبارك وفى ظل سياساته ، واختلفوا بين التوريث لابنه والتمديد لرئاسته ، واستيقظوا على ثورة الشباب المصرى الطاهر فى 25 يناير.  وتم خلع مبارك ، ولكن إتّضح أنه خلال حكمه قد قام بتجريف التربة المصرية من المفكرين الأحرار بالاغتيال ( فرج فودة ) وبالحصار وبالنفى ( أحمد صبحى منصور ) . وضع الشباب الثائر ثقته فى النخبة المثقفة ، فظهرت النخبة عاجزة متشاكسة مترهلة ، فاضطر الشباب للقيام بثورة أخرى تحت شعار ( تمرد ) .

8 ـ هذه النخبة البائسة هى من اسباب الحرب الهلية الوشيكة فى مصر .

9 ـ أدعو الله جل وعلا أن يُنقذ مصرنا من الوهابيين والفلول والمثقفين المترهلين العجزة الفشلة ..

اجمالي القراءات 15291