( كتاب الحج ب 6 ف 6 ) وقائع مذبحة كربلاء ( فى الشهر الحرام )

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٢ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين    

الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل السادس  :   وقائع مذبحة كربلاء فى الشهر الحرام 

مقدمة

كنت ـ ولا زلت ـ أبكى كلما قرأت روايات موقعة كربلاء . وكنت ـ ولا زلت ـ أمنع عواطفى كباحث تاريخى من التدخل فى عملى ، فالبحث التاريخى عمل عقلى بارد لا يعرف العواطف، وبه نقرر التالى : .  

1 ـ الروايات عن مذبحة كربلاء تمتلىء بغيبيات ومعجزات لا يأخذ بها البحث التاريخى ، كمزاعم بأن من فعل كذا بالحسين عوقب بكذا ، وأن رأس الحسين نطقت وقالت كذا وأن النور إنبعث منها ..الخ .. ومنها كلام وضعوه على لسان الحسين ، فى خضم حدة المعركة وأعداؤه تقترب سيوفهم منه يقتلون أهله ، وليس من المتصور وقتها أن يجد الحسين وقتا أو مجالا لكى يتكلم بكلام طويل ويخطب خطبا عصماء ، ومنه كلام يعبّر عن العصر العباسى ، وليس عن عصر الحسين . ومنه كلام عن جور يزيد وطغيانه ، مع أن يزيد وقتها كان فى بداية عصره ، ولم يكن قد أرتكب بعد ما يوصف بالطغيان . وبعض الروايات تشير للحسين بالعدل ، ولم يكن الحسين قد تولى الحكم حتى يقال عنه هذا . والواضح أن تلك الروايات قد تم صُنعها بأثر رجعى تأثر بالتاريخ اللاحق لبنى أمية . ولم يكن كذلك بنفس الدرجة فى عصر معاوية والشهور الأولى من حُكم يزيد .

2 ـ عن المسئولية فى مأساة كربلاء وانتهاك الأشهر الحرم فيها نقرر الآتى :

2 / 1 : أحداث كربلاء تمت فى الشهر الحرام ، من ذى الحجة الى يوم المذبحة يوم العاشر من محرم .تقول الرواية  ( قُتل الحسين بن علي سنةإحدى وستين وهو يومئذ ابن ست وخمسين سنة في المحرم يوم عاشوراء‏.)، ومأساة كربلاء بدأت بمخرج مسلم بن عقيل ( بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة .) . بينما خرج الحسين  من مكة متوجها للكوفة:(.. لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل . ).أى إنّ تحديد هذا الوقت خلال الأشهر الحرم قام به الحسين ، لا نعرف إذا كان قد أدى مناسك الحج فى مكة وقت موسم إفتتاح الحج الأكبر ، أم لا .. ولكن المذكور فى الروايات أنه قرر التحرك ليحارب فى الشهر الحرام . وبناء عليه قرّر يزيد بن معاوية أن يواجهه . أى إنّ هذا الانتهاك للشهر الحرام تقع مسئوليته على الحسين لأنه الذى بادر بالخروج المسلح على خليفة شرعى متمكن من الحُكم والسلطة ، وليس متصورا أن يتنازل عن حكمه إلا بهزيمته حربيا.  

2 / 2 : وقد خالف الحسين كل النصائح والتحذيرات من غدر شيعته به ، وتحقّق كل ما حذّروه منه ، فرأى بعينيه عامة جُند عبيد الله بن زياد من أهل الكوفة ، وبعض قادة الجيش الذى قاتل الحسين كانوا من معرفه ومن كبار الشيعة . وهم الذين غدروا من قبل بمسلم بن عقيل .

2 / 3 : ونتذكر بكاء مسلم بن عقيل قبيل قتله ، وهو يقول : (" ما أبكي لنفسي ، ولكني أبكي لأهليالمنقلبين إليكم .! أبكي للحسين وآل الحسين‏.‏.!! ثم قال لمحمد بن الأشعث‏:‏ " إني أراكستعجز عن أماني ، فهل تستطيع أن تبعث من عندك رجلًا يخبر الحسين بحالي ويقول له عنيليرجع بأهل بيته ولا يغره أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذين كان يتمنى فراقهمبالموت أو القتل؟ " فقال له ابن الأشعث‏:‏ " والله لأفعلن‏!‏ " ثم كتب بما قال مسلم إلىالحسين ، فلقيه الرسول بزبالة ( مكان اسمه زبالة ) فأخبره ، ( أى أخبر الحسين ) فقال‏( الحسين ) :‏ " كلما قدر نازلٌ عند الله نحتسب أنفسناوفساد أمتنا‏.‏".! وكان سبب مسيره من مكة كتاب مسلم إليه يخبره أنه بايعه ثمانية عشرألفًا ويستحثه للقدوم‏.‏.).

2 / 4 : المستفاد هنا : أولا : أن الحسين أعدّ العدة للحرب بجيشه وبأتباعه الذين بايعوه ينتظرونه فى الكوفة ، وقد جاء ليحارب بهم الأمويين ، ويأخذ منهم الكوفة والعراق . وقد سار الحسين بجيش صغير معتمدا على ما سبق أن أرسله اليه مسلم بأن أنصاره بلغوا 18 ألفا . وثانيا : أن مسلم بن عقيل بعث يحّذر الحسين يناشده أن يرجع بأهله ، فرفض الحسين .. وتكرر الرفض بعدها .

 2 / 5 ـ تقول الرواية فى الطبرى أن ابن زياد  بعث برأسى مسلم بن عقيل وهانىء الى يزيد بن معاوية ، فكتب له يزيد:(وقد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق ، فضع المراصد والمسالح واحترس واحبس على التهمة وخذ على الظنة ، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك‏.‏ واكتب إلي في كل ما يحدث من الخبر . ) . المراسلات فى هذا العصر لم تكن بالايميل والتليفون الخلوى والفاكس، بل بالبريد المسافر بالخيول . أى إن رسالة يزيد الى عبيد الله بن زياد بألا يقاتل إلا من قاتله قد وصلت ابن زياد بعد قتل الحسين وآله ، فلم نر لها أثرا فى الأحداث ، بل كان ابن زياد يدير الأمور بما يراه . وبالتالى تتضاءل مسئولية يزيد بقدر ما تتعاظم مسئولية الحسين ومسئولية عبيد الله بن زياد.

نقول هذا لعلّه يكفكف بعض دموعنا . ونسرد الأحداث مرتبة بعد تمحيصها من تاريخ الطبرى.

أولا  : بدء القتال :

1 ـ بدأه عمر بن سعد بن أبى وقاص : ( ثم قدم عمر بن سعد برايته وأخذ سهمًا فرمى به وقال‏:‏ اشهدوا لي أنيأول رامٍ‏!‏ ثم رمى الناس . ). وكالعادة وقتها بدأت الحرب بالمبارزة ، وانتصر فيها المبارزون من جيش الحسين مما جعل عمر بن سعد يوقفها: (..وقاتل الحر بن يزيد مع الحسين قتالًا شديدًا ، وبرز إليه يزيد بنسفيان فقتله الحر . وقاتل نافع بن هلال مع الحسين أيضًا فبرز إليه مزاحم بن حريثفقتله نافع‏.‏) (فصاح عمرو بن الحجاج بالناس‏:‏ أتدرون من تقاتلون ؟ فرسان المصر ، قومًامستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد . فإنهم قليل وقلّ ما يُبقون . والله لو لم ترموهم إلابالحجارة لقتلتموهم‏...فقال عمر‏:‏ الرأي ما رأيت‏.‏ومنع الناس من المبارزة‏.‏) .

2 ـ واحتدم القتال ، وغلب فرسان الحسين مع قلتهم ، فاستعان عليهم خصومهم بالنبل يرمونهم فعقروا بالنبل خيول فرسان الحسين ، وإضطروهم للقتال مترجلين : ( وقاتل أصحابالحسين قتالًا شديدًا ، وهم اثنان وثلاثونفارسًا ، فلم تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته‏.‏فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل الكوفة بعث إلى عمر فقال‏:‏ألا ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة )، و ( .. دعا عمر بن سعد الحصين بن نمير فبعثمعه المجففة وخمسمائة من المرامية فلما دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل ، فلميلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجالة كلهم . ) ومع ذلك استمات جُند الحسين فى القتال مترجّلين : ( وقاتل الحر بن يزيد راجلًا قتالًا شديدًا.  فقاتلوهم إلى أن انتصف النهار أشد قتال خلقه الله . لا يقدرون يأتونهم إلا من وجهواحد لاجتماع مضاربهم‏.‏فلما رأى ذلك عمر أرسل رجالًا يقوضونها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوابهم ، فكان النفر من أصحاب الحسين الثلاثة والأربعة يتخللون البيوت فيقلتون الرجل وهويقوض وينهب ويرمونه من قريب أو يعقرونه . فأمر بها عمر بن سعد فأحرقت ، فقال لهمالحسين‏:‏ " دعوهم فليحرقوها ." ..وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها، فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول‏:‏ " هنيئًا لك الجنة‏!‏ " فأمر شمر غلامًااسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها‏.‏وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى‏:‏ " عليّ بالنار حتى أحرق هذاالبيت على أهله‏" . ‏فصاح النساء وخرجن ، وصاح به الحسين‏:‏ " أنت تحرق بيتي على أهلي حرقكالله بالنار‏!‏ ." فقال حميد بن مسلم لشمر‏:‏ " إن هذا لا يصلح لك.  تعذب بعذاب الله وتقتلالولدان والنساء؟  والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك‏!‏ " . فلم يقبل منه . فجاءهشبث بن ربعي فنهاه فانتهى وذهب لينصرف ، فحمل عليه زهير بن القين في عشرة فكشفهم عنالبيوت . وقتلوا أبا عزة الضبابي وكان من أصحاب شمر‏.‏وعطف الناس عليهم فكثروهم ، وكانوا إذا قتل منهم الرجل والرجلان يبينفيهم لقلتهم وإذا قتل في أولئك لا يبين فيهم لكثرتهم‏.‏). أى بسبب قلة عدد جُند الحسين كان القتل يظهر واضحا فيهم بينما كانت كثرة الجيش الأموى لا تُظهر فيهم عدد قتلاهم . .

3 ـ وفى شدة القتال لم ينس جُند الحسن الصلاة حتى مع إقتراب جيش يزيد من مكان الحسين : (ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين‏:‏ " نفسي لنفسكالفداء‏!‏ أرى هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تُقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربيوقد صليت هذه الصلاة‏!‏ " فرفع الحسين رأسه وقال‏:‏ " ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلينالذاكرين . نعم . هذا أول وقتها . " ثم قال‏:‏ " سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي‏.‏"  ففعلوا . فقال لهم الحصين‏:‏ إنها لا تقبل‏.‏فقال له حبيب بن مطهر‏:‏ زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ وتقبل منك يا حمار‏!‏ .)  . المهم هنا أنهم كانوا يحافظون على الصلاة المكتوبة حتى فى أحلك المواقف ، وقد تكرر هذا كثيرا بين سطور الروايات التاريخية ، ضمن تسجيل الأحداث ، بما يؤكد أن الصلاة وصلت لنا بالتواتر عبر القرون ، بالرغم من كل الأحداث الجسام .

4 ـ وفى النهاية غلبت الكثرة الشجاعة :(..‏.‏وحمل الحر وزهير بن القين فقاتلا قتالًا شديدًا . وكان إذا حمل أحدهماوغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه . فعلا ذلك ( أى الحّر وزهير ) ساعة . ثم إن رجّالة ( أى مقاتلين مترجّلين ) حملت على الحر بن يزيدفقتلته . وقتل أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوه . ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسينصلاة الخوف،  ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم .ووصلوا إلى الحسين ، فاستقدم الحنفيأمامه ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل وهو بين يديه حتى سقط‏.‏وقاتل زهير بن القين قتالًا شديدًا ، فحمل عليه كثير ابن عبيد اللهالشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه.  ، وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله،  وكانت مسمومة ، فقتل بها اثني عشر رجلًا سوى من جرح ، فضُرب حتى كسرت عضداه ، وأخذ أسيرًا، فأخذه شمر بن ذي الجوشن ، فأتى به عمر بن سعد والدم على وجهه ، وهو يقول‏:‏ " لقد قتلتمنكم اثني عشر رجلًا ، سوى من جرحت. ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني‏." .‏فانتضى شمرٌ سيفه ليقتله ، فقال له نافع‏:‏ " والله لو كنت من المسلمينلعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه‏!‏" فقتله شمرٌ.  .

5 ـ ووصلت الكثرة الى الدائرة الضيقة حول الحسين ، وحملوا عليهم بقيادة شمر بن ذى الجوشن فتنافس أصحاب الحسين فى الدفاع عنه وأن يُقتلوا بين يديه :( ثم حمل على أصحاب الحسين‏ .‏فلما رأوا أنهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون يمنعون الحسين ولا أنفسهمتنافسوا أن يقتلوا بين يديه . فجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان إليهفقالا‏:‏ " قد حازنا الناس إليك‏".‏فجعلا يقاتلان بين يديه . وأتاه الفتيان الجابريان ، وهما سيف بن الحارثبن سريع ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم وأخوان لأم ، وهما يبكيان فقال لهما‏:‏ " مايبكيكما ؟ إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين" ‏.‏فقالا‏:‏ " والله ما على أنفسنا نبكي . ولكن نبكي عليك .! نراك قد أحيط بكولا نقدر أن نمنعك‏!‏ " فقال‏:‏ " جزاكما الله جزاء المتقين‏!‏ " . وجاء حنظلة بن أسعدالشبامي فوقف بين يدي الحسين  ..وتقدم وقاتل حتى قتل‏.‏وتقدم الفتيان الجابريان فودعا الحسين وقاتلا حتى قتلا‏.‏وجاءعابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذب مولى شاكر إلى الحسين فسلماعليه ، وتقدما فقاتلا ، فقتل شوذب ، وأما عابس فطلب البراز فتحاماه الناس لشجاعته فقاللهم عمر‏:‏ ارموه بالحجارة فرموه من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفرته وحملعلى الناس فهزمهم ..‏.‏وجثا أبو الشعثاء الكندي وهو يزيد بن أبي زياد بين يدي الحسين ، فرمىبمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم ، وكلما رمى يقول له الحسين‏:‏ اللهم سدد رميتهواجعل ثوابه الجنة‏!‏ . وكان يزيد هذا فيمن خرج مع عمر بن سعد ، فلما ردوا الشروط علىالحسين عدل إليه فقاتل بين يديه ..‏.‏ )

6 ـ وفى هذه الملحمة المأساوية قُتل جميع الهاشميين الذين صحبوا الحسين ، ما عدا إبنه ( على زين العابدين ) الذى كان شابا مريضا ، وقد ذكرت الروايات أسماء أولئك القتلى من الصغار والشباب والكبار ، من ابناء على واحفاده ، واسماء من قتلهم . ونكتفى ببعض أمثلة إختصارا : (. وكانأول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر ابن الحسين ..وذلك أنه حمل عليهم وهو يقول‏:‏ " أنا علي بن الحسين بن علي     نحن ورب البيت أولى بالنبي     تالله لا يحكم فينا ابن الدعيّ "( يقصد عبيد الله بن زياد ، لأن أباه هو زياد بن أبيه الذى كان مجهول الأب ، وزعم معاوية أنه ابن لابى سفيان ). ففعل ذلك مرارًا ، فحمل عليهمُرّة ابن منقذ العبدي ، فطعنه فصرع ، وقطّعه الناس بسيوفهم . )

7 ـ مقتل الحسين : وتتابع القتل فى آل أبى طالب حتى لم يبق سوى الحسين يقاتل بنفسه .( ‏.‏ومكث الحسين طويلًا من النهار ، كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه، وكره أن يتولى قتله وعظم إثمه عليه.  ثم إن رجلًا من كندة يقال له مالك بن النسيرأتاه فضربه على رأسه بالسيف فقطع البرنس وأدمى رأسه وامتلأ البرنس دمًا .  ودعا الحسين بابنه عبد الله ، وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل منبني أسد فذبحه. ) ، (  ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم فقتله. وقال العباس بن علي لإخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان‏:‏ " تقدموا حتى أرثكم فإنهلا ولد لكم‏.‏"  ففعلوا فقتلوا . وحمل هانىء بن ثبيت الحضرمي على عبد الله بن عليفقتله، ثم حمل على جعفر بن علي فقتله . ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي ، ثم حملعليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه . ورمى رجل من بني أبان أيضًا محمد بنعلي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه‏.‏وخرج غلام من خباء من تلك الأخبية فأخذ بعود من عيدانه وهو ينظركأنه مذعور فحمل عليه رجل قيل إنه هانىء بن ثبيت الحضرمي فقتله‏.‏واشتد عطش الحسين فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نمير بسهمفوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده. ) ...‏(  ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو عشرة من رجالهم نحو منزلالحسين ، فحالوا بينه وبين رحله ، فقال لهم الحسين‏:‏ " ويلكم‏!‏ إن لم يكن لكم دين ولاتخافون يوم المعاد فكونوا أحرارًا ذوي أحساب . امنعوا رحلي وأهلي من طغاتكموجهالكم‏.".!‏فقالوا‏:‏ "ذلك لك يا ابن فاطمة‏" .‏وأقدم عليه شمر بالرجالة منهم‏:‏ أبو الجنوب واسمه عبد الرحمنالجعفي والقشعم بن نذير الجعفي وصالح بن وهب اليزني وسنان بن أنس النخعي وخولي بنيزيد الأصبحي ، وجعل شمر يحرضهم على الحسين ، وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه . ثم إنهمأحاطوا به‏.‏وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعببن تيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام‏:‏ " يا ابن الخبيثة أتقتلعمي‏!‏ " ، فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام‏:‏ " ياأمتاه‏!‏ " فاعتنقه الحسين ... ‏ ثم  ضارب الرجالة حتى انكشفواعنه‏.‏ولما بقي الحسين في ثلاثة أو أربعة ..‏.‏وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله . فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا،  ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا ، فما رؤي مكثور ( أى تكاثر عليه الناس عددا ) قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابهأرط جأشًا منه ولا أمضى جنانًا ولا أجرأ مقدمًا منه،  إن كانت الرجالة لتنكشف عنيمينه وشماله انكشاف المعزى ( المعيز ) إذا شد فيها الذئب ‏.‏.. ومكث طويلًا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لقتلوه، ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ، ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء ، فنادى شمر في الناس‏:‏"ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم‏!‏ " فحملوا عليه من كل جانب ، فضربزرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى وضرب أيضًا على عاتقه ، ثم انصرفوا عنه ، وهو يقومويكبو ، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع . وقال لخولي بنيزيد الأصبحي‏:‏ " احتز رأسه " . فأراد أن يفعل فضعف وأرعد،  فقال له سنان‏:‏ " فت اللهعضدك‏!‏ : ونزل إليه فذبحه ، واحتز رأسه ، فدفعه إلى خولي ). (ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربةغير الرمية‏.‏ ). ( وأما سويد بن المطاع فكان قد صرع فوقع بين القتلى مثخنًا بالجراحاتفسمعهم يقولون‏:‏ قتل الحسين‏!‏ فوجد خفةً فوثب ومعه سكين وكان سيفه قد أخذ فقاتلهمبسكينة ساعة ثم قتل ، قتله عروة بن بطان الثعلبي وزيد بن رقاد الجنبي . وكان آخر من قتلمن أصحاب الحسين‏. ).

وحتى تهدأ النفوس ، وتجفّ الدموع نبادر بالقول بأن كل من شارك فى قتل الحسين قد تم الانتقام منه بعدها ومات مقتولا شرّ قتلة . الان كفكفوا دموعكم .!

8 ـ وطبقا لعادة العرب فى السلب والنهب بعد القتل فقد فعلوا هذا فيما يعرف بالفتوحات ، وفعلوا هذا مع عثمان حين مقتله ، ومع الحسين أيضا ، سلبوا ما على جثته ، وسلبوا متاعه وفسطاطه ، وسلبوا ما على نسائه من ثياب ومن حُلىّ : ( وسُلب الحسين ما كان عليه . فأخذسراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته وهي من خز ، فكان يسمى بعد قيس قطيفة. وأخذ نعليه الأسود الأودي ، وأخذ سيفه رجل من دارم . ومال الناس على الفرش والحللوالإبل فانتهبوها ، ونهبوا ثقله ومتاعه ، وما على النساء ، حتى إن كانت المرأة لتنزعثوبها من ظهرها فيؤخذ منها‏.‏.‏) ، ثم كادوا أن يقتلوا عليا زين العابدين بن الحسين : (ثم انتهوا إلى علي بن الحسين زين العابدين فأراد شمر قتله ، فقال لهحميد بن مسلم‏:‏ سبحان الله أتقتل الصبيان‏!‏ وكان مريضًا . وجاء عمر بن سعد فقال‏:‏"  لا يدخلن بيت هذه النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئًافليرده " فلم يرد أحد شيئًا‏.‏) .

ولنتذكر أن قيس بن الأشعث بن قيس كان مع أخيه محمد بن الأشعث من كبار الشيعة ، ومعهما شبث بن ربعى . وكلهم كان من معارف الحسين ورفاقه فى خلافة أبيه ( على بن أبى طالب ) . ولكنه المال الذى أجاد الأمويون استعماله فى شراء النفوس ، حتى إشتروا به جعدة بنت الأشعث بن قيس فقامت بقتل زوجها الحسن بن على بالسّم .

9 ـ التمثيل بجثة الحسين بعد قطع رأسه: (  ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه : " من ينتدب إلى الحسين فيوطئه فرسه؟ " فانتدب عشرة ، ..فأتوافداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره‏.‏) ( وكان عدة من قتل من أصحاب الحسين اثنين وسبعين رجلًا‏.‏ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد قتلهم بيوم‏.‏وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا سوى الجرحى فصلىعليهم عمر ودفنهم‏.‏).

10 ـ إرسال رءوس الحسين وأصحابه الى عبيد الله بن زياد فى الكوفة : ( ولما قُتل الحسين أرسل رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد . مع خولي بنيزيد وحميد بن مسلم الأزدي..  وقيل‏:‏ بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاجوعروة بن قيس . فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديه وهو ينكت بقضيب بينثنيته ساعة ، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال‏:‏ " أعل هذا القضيب عن هاتينالثنيتين ، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علىهاتين الشفتين يقبلهما‏!‏ " ، ثم بكى ، فقال له ابن زياد‏:‏ " أبكى الله عينيك‏!‏ فواللهلولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك‏.‏"  فخرج وهو يقول‏:‏"  أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابنفاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل ، فبعدًا لمنيرضى بالذل‏!‏ " ).

11 ـ أهل الحسين عند ابن زياد فى الكوفة : حملهم عمر بن سعد الى قصر ابن زياد . ( فأقام عمر بعد قتله يومين ثم ارتحل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسينوأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين مريض. فاجتازوا بهم على الحسينوأصحابه صرعى ، فصاح النساء ولطمن خدودهن . وصاحت زينب أخته‏:‏ " يا محمداه ..صلى عليكملائكة السماء‏!‏ هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سباياوذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا‏!‏ ) .. (..‏.‏فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها ، وتنكرت وحفت بهاإماؤها . فقال عبيد الله‏:‏ " من هذه الجالسة ؟ " فلم تكلمه ، فقال ذلك ثلاثًا ،  وهي لا تكلمه.فقال بعض إمائها‏:‏ "هذه زينب بنت فاطمة‏." ‏فقال لها ابن زياد‏:‏ " الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذبأحدوثتكم‏!‏ " فقالت زينب‏:‏ " الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرًا لا كما تقولأنت . وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر‏.‏"فقال‏:‏ " فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ " قالت‏:‏ " كتب عليهم القتلفبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده‏.‏"  فغضب ابن زياد وقال‏:‏ " قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردةمن أهل بيتك‏.‏"  فبكت ..  ولما نظر ابن زياد إلى علي بن الحسين قال‏:‏ "ما اسمك ؟ "قال‏:‏ "علي بنالحسين‏."‏قال‏:‏ "أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ " فسكت‏.‏فقال‏:‏ "ما لك لا تتكلم ؟" فقال‏:‏ كان لي أخ يقال له أيضًا عليٌّفقتله الناس"‏.‏فقال‏:‏ " إن الله قتله‏.‏" .فسكت عليٌّ‏.‏فقال‏:‏ ما لك لا تتكلم  ؟ "أنت والله منهم‏.‏"  ثم قال لرجل‏:‏ " ويحك‏!‏ انظر هذا هل أدرك ؟ إني لأحسبه رجلًا‏.‏" .( أى يسأل إن كان قدبلغ مبلغ الرجال ) .‏ فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال‏:‏ نعم قد أدرك‏. ‏" ( أى بلغ مبلغ الرجال ).قال‏:‏"اقتله‏." ‏فقال علي‏:‏ " من توكل بهذه النسوة؟ " وتعلقت به زينب فقالت‏:‏ " يا ابنزياد حسبك منا ؟ أما رويت من دمائنا ؟ وهل أبقيت منا أحدًا‏!‏ " واعتنقته . وقالت‏:‏ " أسألكبالله إن كنت مؤمنًا إن قتلته لما قتلتني معه‏!‏ " وقال له علي‏:‏ " يا ابن زياد إنكانت بينك وبينهن قرابة فابعث معهن رجلًا تقيًا يصحبهن بصحبة الإسلام‏.‏"  فنظر إليها ساعة ، ثم قال‏:‏ " عجبًا للرحم‏!‏ والله إني لأظنها ودت لوأني قتلته أني قتلتها معه . دعوا الغلام ينطلق مع نسائه‏.‏" .   وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به في الكوفة . وكان رأسه أول رأس حملفي الإسلام على خشبة في قول . والصحيح أن أول راس حمل في الإسلام رأس عمرو بنالحمق‏.‏.).

 ونلاحظ هنا أن عبيد الله بن زياد يعتنق عقيدة الأمويين فى الجبرية السياسية ، وهى أن كل ما يرتكبونه من ظلم هو بقدر الله وقضائه ومشيئته ، وبالتالى فالله هو الذى قتل الحسين وآله ، ولا يصح الاعتراض على قدر الله بزعمهم . ولهذا قال عبيد الله بن زياد  (‏ الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذبأحدوثتكم ‏!‏ ( فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ ) ( قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردةمن أهل بيتك‏.‏) ( أولم يقتل الله علي بن الحسين؟  فسكت‏.‏فقال‏:‏ "ما لك لا تتكلم ؟" فقال‏:‏ كان لي أخ يقال له أيضًا عليٌّفقتله الناس"‏.‏فقال‏:‏ " إن الله قتله‏.‏" ). ولقد شرحنا هذا فى بحث ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) وفى مقال بحثى عن الجبرية السياسية فى الدولة الأموية، وكيف عارضها أحرار المسلمين المعروفون بالقدرية لقولهم : ( لا قدر وإنما الأمر أنف ) أى إن الظلم الأموى ليس قدرا الاهيا ، وإنما هو ظلم بشرى يقوم برغم أنوف الناس . وكان القدرية هم أول المفكرين الأحرار فى تاريخ المسلمين ، ولقد تعقبهم الخلفاء الأمويون والعباسيون بالاضطهاد ، وتبعهم فقهاء السلاطين بالتكفير .

12 ـ أهل الحسين عند يزيد فى دمشق :(ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشامإلى يزيد ومعه جماعة.  وقيل‏:‏ مع شمر وجماعة معه . وارسل معه النساء والصبيان وفيهمعلي بن الحسين.  قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته ، وحملهم على الأقتاب . فلم يكلمهمعلي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام .) وهناك رواية تقول إن يزيد عندما رأى رأس الحسين دمعت عيناه : ( وقال‏:‏ كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتلالحسين لعن الله ابنزياد .) وتقول رواية أخرى إن يزيد قال ( ..عجل عليه ابن زياد فقتله . قتله الله‏!‏ ) ( ..  ثم أدخل نساء الحسين عليه والرأس بين يديه،( أى رأس الحسين )،  فجعلت فاطمة وسكينة ابنتاالحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس ، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس‏.‏فلما رأين الرأس صحن ، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية‏.‏فقالت فاطمة بنت الحسين وكانت أكبر من سكينة‏:‏ " أبنات رسول اللهسبايا يا يزيد؟ " فقال‏:‏ " يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره‏.‏" قالت‏:‏ " والله ما ترك لنا خرص‏.‏"  فقال‏:‏ " ما أتى إليكن أعظم مما أخذ منكن‏.‏". فقام رجل من أهل الشام فقال‏:‏ "هب لي هذه " يعني فاطمة ،( يعنى يعتبرها من السبايا ويريد من يزيد أن يهبها له )،  فأخذت (فاطمة ) بثيابأختها زينب وكانت أكبر منها، فقالت زينب‏:‏ " كذبت ولؤمت .! ما ذلك لك ولا له‏.‏"  فغضب يزيد وقال‏:‏ " كذبت والله ، إن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلته‏.‏". قالت‏:‏"  كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدينبغير ديننا‏.‏"  فغضب يزيد واستطار ثم قال‏:‏ " إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدينأبوك وأخوك‏!‏ "قالت زينب‏:‏ " بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك‏.‏" قال‏:‏ " كذبت يا عدوة الله‏!‏ " قالت‏:‏ " أنت أمير تشتم ظالمًا وتقهربسلطانك. " فاستحى وسكت . ثم أخرجن وأدخلن دور يزيد ، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهنوأقمن المأتم ، وسألهن ( يزيد ) عما أخذ منهن فأضعفه لهن . فكانت سكينة تقول‏:‏ "ما رأيت كافرًابالله خيرًا من يزيد بن معاوية" ‏.‏ثم أمر بعلي بن الحسين فأدخل مغلولًا فقال‏ (على ) :‏ " لو رآنا رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ مغلولين لفك عنا‏."‏قال‏:‏ "صدقت‏." ‏وأمر بفك غله عنه‏...)  . ( وقيل‏:‏ ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصلهوسرّه ما فعل ، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم ، فندم علىقتل الحسين ، فكان يقول‏:‏ " وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمتهفيما يريد وإن كان علي في ذلك وهنٌ في سلطاني حفظًا لرسول الله ـ صلى الله عليهوسلم ـ ورعاةً لحقه وقرابته . لعن الله ابن مرجانة ، فإنه اضطره وقد سأله أن يضع يده فييدي أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله فلم يجبه إلى ذلك فقتله ، فبغضني بقتله إلىالمسلمين،  وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين. ما لي ولابن مرجانة ؟ لعنه الله وغضب عليه‏!‏) . لو كانت هذه الرواية صحيحة لكان من المنتظر أن يقوم يزيد بعزل عبيد الله بن زياد لأنه إفتأت وتصرف بعكس ما كان يريده يزيد . ولكن الذى حدث مناقض لذلك ، فقد استمر ابن زياد يحكم البصرة والكوفة متمتعا بثقة يزيد ، بل بعث يزيد بجيش أخمد ثورة المدينة وبجيش آخر يواجه ثورة ابن الزبير فى مكة . أى بلغ يزيد نهاية المدى فى الدفاع عن سلطانه . وأعتقد أن ما حدث من تعاطف ليزيد مع نساء الحسين يتّصل بالتعصّب الأموى لنساء بنى عبد مناف ، ومنهم بنو عمهم الهاشميون . فلم يكم مسموحا فى العصر الأموى التعرض لنساء بنى هاشم ، ليس إكراما لبنى هاشم ، ولكن لأنهن بنات عم من نسل عبد مناف .

13 ـ أهل الحسين من دمشق الى المدينة : ( ولما أراد أن يسيرهم إلى المدينة أمر يزيد النعمان بن بشير أنيجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلًا أمينًا من أهل الشام ومعه خيل يسير بهم إلىالمدينة . ودعا عليًا ليودعه وقال له‏:‏ " لعن الله ابن مرجانة‏!‏ أما والله لو أنيصاحبه ما سألني خصلةً أبدًا إلا أعطيته إياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولوبهلاك بعض ولدي ولكن قضى الله ما رأيت‏.‏يا بني كاتبني حاجةً تكون لك‏." ‏وأوصى بهم هذا الرسول فخرج بهم ، فكانيسايرهم ليلًا ، فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه، فكانوا حولهم كهيئة الحرس . وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم حتى دخلوا المدينة‏.‏فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب‏:‏ " لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهللك أن نصله بشيء؟ " فقالت‏:‏ " والله ما معنا ما نصله به إلا حلينا . "فأخرجتا سوارينودملجين لهما فبعثتا ها إليه واعتذرتا ، فرد الجميع وقال‏:‏ " لو كان الذي صنعت للدنيالكان في هذا ما يرضيني ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلىالله عليه وسلم‏.‏" .

خاتمة :

وتنتهى هنا مأساة الحسين فى كربلاء . ولكن ذيولها استمرت متفجرة فى العصر الأموى ، ثم من العصر العباسى حتى وقتنا هذا . وموعدنا مع التفاصيل ضمن إنتهاك المسلمين للشهر الحرام والمسجد الحرام .

اجمالي القراءات 13316