نداء الى أحرار المصريين قبل 30 يونية 2013

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٧ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا :

1 ـ تاريخ مصر الطويل ينقسم الى عصرين  : مصر الفرعونية ، وقد استمر هذا العصر من عهد مينا نارمر أول ملك مصرى قام بتوحيد مصر ـ الى ثورة 25 يناير 2011 . ثورة 25 يناير تمثل بداية عصر مصرى جديد ، تختلف فيه مصر الفرعونية المستبدة عن مصر المصرية الوطنية .

2 ـ فى مصر الفرعونية المستبدة رؤيتان : قرآنية وشعبية .

2 / 1 : الرؤية القرآنية أن الفرعون ـ أو أى حاكم مستبد ـ يؤمن أنّ مصر بأرضها وأهلها مطية يركبها ، وأنه يملك مصر ومن عليها وما عليها . وهذا ما أعلنه فرعون موسى حين عقد مؤتمرا رسميا حشد له قومه وجنده ( وليس الشعب المصرى الفلاح والعامل الكادح ) . وسجّل رب العزة وقائع هذا المؤتمر : (  وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) ، ثم تندر على ( موسى ) ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)، ويصور رب العزة إستخفاف فرعون بآله وقومه وجنده ، وطاعتهم له لأنهم كانوا مثله فاسقين :( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54)، وكانت النتيجة إغراقهم جميعا (  فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)) . وأصبحوا السلف السيىء لكل دولة مستبده يصل إستبداد الحاكم فيها الى إدّعاء الالوهية ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56)( الزخرف ) . لم يتعظ السلفيون الوهابيون ( الإخوان وحلفاؤهم ) من التكرار القرآنى لقصة فرعون ومصيره ، ولم يعتبروا بقوله جل وعلا عن فرعون : (  فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) ( النازعات ). ولهذا فإن مصير فرعون وقومه ينتظرهم .

 2 / 2 : الرؤية الشعبية : وهى التى تتوحّد مع الفرعون ، وتتخيل أنه لا يركبها ولا يملكها ، بل هى جزء منه . يعبّر عن الرؤية الفنّان المصرى فى تماثيله ، حيث يجعل الفرعون قائدا ، ويتبعه جنوده ، كلهم متشابهو الملامح ، بنفس الوجوه ، والأغرب أنها نفس ملامح وجه فرعون . أى إن فرعون وجيشه جزء واحد . وبالتالى يمكن القول بأن الشعب يتوحّد فى الفرعون ، ويتماهى فيه . ولقد عشنا هذا الشعور شبابا فى حكم عبد الناصر ، الفرعون الأسطورى المصرى فى القرن السابق ، وكّنت فى شبابى أستشعر العزّة المصرية من شخصيته ، وكان ابناء جيلى الذى نشأ فى عهده كذلك ، ثم سقطنا معه فى مستنقع هزيمة 1967 ، وشاركناه العار ، وخرجنا بلا وعى نطالب بعودته بعد أن تنحّى ، فقد أحسسنا بالضياع بدونه . المستفاد من هذا أن الشعب المصرى يكتسب ملامح الفرعون ، إن كان فى عزة وشموخ عبد الناصر ، او كان فى خسّة السادات أو فى حقارة ووضاعة حسنى مبارك . منذ بدايته بعد الثورة مباشرة كان السادات يتلقى الاعانات المالية من الأسرة السعودية ، وهى الأسرة التى ضغطت على عبد الناصر بعد مؤتمر اللاءات الثلاث فى الخرطوم حتى عيّن السادات نائبا له ، ثم كانت الخطوة التالية فى إغتيال عبد الناصر ليصبح السادات رئيسا . وفتح السادات مصر للوهابية والاخوان ، ولكنه أحرج السعوديين بكامب ديفيد والصلح العلنى مع اسرائيل ، وانقلب على السعودية ، فكان إغتياله وتولى مبارك الذى أسلم قياده للسعوديين والأمريكيين والاسرائيليين . وتأكد خضوع مصر للوهابية وتبعيتها للأسرة السعودية . وقامت ثورة 25 يناير لتخلع الملعون ، ولكن كان الطريق ممهدا لسيطرة الاخوان والسلفيين سياسيا ، بعد أن أخضع السادات ومبارك العقلية المصرية للسعودية ودينها الوهابى . وبالتالى فإن مصر رائدة التنوير أصبحت تابعة لثقافة التخلف الوهابى ، وأصبح نجوم الدعوة الدينية فيها من صبيان الوهابية النجدية. ونسى المصريون عظماء التنوير من محمد عبده ورفاعة وطه حسين وأحمد أمين ..، وحلّ محلهم ابن باز وابن عثيمين . وأقفر مبارك الساحة المصرية السياسية والثقافية لصالح الخليج وثقافته البدوية . ومن المقارنة المُخجلة أن يُقال الآتى : وفى تاريخ المسلمين كله ، يوجد مفكر مسلم مصرى وحيد ،  نشر آلاف الأبحاث من مقالات وكتب وفتاوى فى الاسلاميات والسياسة والتاريخ ، وفيها كلها جاء باجتهاد جديد غير مسبوق خلال 14 قرنا ، مع نشاط اصلاحى فى مجالات الديمقراطية وحقوق الانسان . الوحيد الذى قام بهذا هو كاتب هذه السطور ، ومع هذا كوفىء باضطهاد مبارك . وبينما أعيش منفيا عن مصر فإن قطيع الغباء السلفى يقيم حفلات التكريم لشخص سعودى وهابى اسمه العريفى .!! أين هذا العريفى من أحمد صبحى منصور ؟ .! ليس بعد هذا عار . ولكن المستفاد هنا فيما يخص موضوعنا ، أن الشعب المصرى فى خضوعه للاستبداد فإنه يكتسى بملامح الفرعون ، إن كان الفرعون فى شموخ عبد الناصر ويادته كان الشعب المصرى كذلك ، أما إذا كان الفرعون تابعا لدولة ما فإن الشعب يهبط الى درك التبعية لثقافة هذه الدولة ، ليس مهما أن كانت هذه الدولة السعودية قد أقيمت عام 1932 فقط ، وليس مهما أن بعض عمارت وسط البلد بالقاهرة أقدم عمرا من هذه السعودية . المهم أن حقارة السادات ومبارك إنعكست على الأغلبية المصرية فاعتنقت الوهابية وارتدت زيّها . وبدأت الصورة تتغير بثورة 25 يناير .

 3 ـ ملامح ثورة مصر 25 يناير : هى ثورة فريدة لأنها الوحيدة فى العالم التى جاءت بعد اكثر من 50 قرنا من إستبداد مُزمن ، ولأن القائمين بها شباب مسالم لا يطمع فى الوصول للسلطة ، بل يطمح للحياة الكريمة للجميع ، وقد تحمّل القتل وثبت حتى إندحر الفرعون الحقير وجلادوه . والأهم فى تفردها أنها حقّقت عمليا معنى الوطن والمواطنة . فمصر الوطن ليست فقط مساحة من الأرض ، أو موقعا على الخريطة ، ولكن الوطن المصرى قبل كل ذلك هو الانسان المصرى . أى إن الوطن ينقسم بالمساواة المطلقة على كل المصريين ، فإذا كان عدد المصريين 80 مليونا فإن نصيب الفرد المصرى هو واحد على 80 مليونا ، بغض النظر إذا كان هذا الفرد مسلما أم مسيحيا ، ذكرا أو انثى صبيا وليدا أو عجوزا ، غنيا أو فقيرا . تجسّدت المواطنة المصرية أروع ما تكون فى 25 يناير . وانسحب الثوار من الميدان ، بعد رحيل الفرعون الحقير ، فضاعت الثورة .

4 ـ وفى يوم الثلاثاء أول نوفمبر 2011 كتبت تحت عنوان : ( لا بد من ثورة مصرية أخرى لانقاذ الثورة المصرية الأولى) .ونحن اليوم ( 17 يونية 2013 )على موعد مع هذه الثورة الجديدة يوم 30 يونية القادم  . فمن الصعب التخلص من إرث 50 قرنا من ثقافة الاستبداد الفرعونى ، ومن الصعب التخلص من العبودية الفكرية والدينية للوهابية ، ولا بد أن تأخذ الوهابية السياسية ( الاخوان والسلفيون ) دورهم فى الحكم ليتم فضحهم ، وحتى يتأكد للناس أن الاخوان ليسوا فى الأصل مسلمين . والآن يأتى موعد مصر مع الثورة الثانية لتعيد مصر الى المصريين وليس الى الفراعين .

أخيرا :

فى تحقيق شعار ثورة 25 يناير ( عيش وحرية وعدالة اجتماعية ) وفى ضوء الثورة الثانية القادمة على حكم الاخوان ، نقترح أن يقوم الجيش والنخبة المدنية بالآتى :

1 ـ تشكيل مجلس رئاسى ثلاثى بوزارة تكنوقراطية لتسيير الاعمال ، مدتها سنتان ، على ألا يتم ترشيح أعضاء المجلس الرئاسى للرئاسة فيما بعد . وتكون مهمة المجلس الرئاسى وضع البلاد على الطريق الديمقراطى وتفعيل الاصلاح الدستورى والتشريعى ، وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية ، وتسليم السلطة بعد عامين لمن يتم انتخابه رئيسا و مجلسا تشريعيا .2 ـ إصلاح تشريعى دستورى يقوم على الحرية والعدل ، وتكافؤ الفرص للجميع حسب الكفاءة، و يؤكد على الفصل بين السلطات ( التنفيذية والتشريعية والقضائية ) واللامركزية وتأسيس الحكم المحلى فى المحافظات بانتخاب المحافظ ومدير الأمن والنائب العام فى كل محافظة ، وانتخاب مجلس نيابى يراقب للنهوض بالأقاليم .

3 ـ اصلاح تشريعى قانونى يزيل كل القوانين المقيدة لحرية الرأى والفكر والدين ، وكل القوانين التى تكبّل العمل السياسى والعمل الاجتماعى والنقابى ، وكل العقوبات التى تجرّم الرأى والنشاط السلمى ، وكل القوانين البيروقراطية التى تعوق الحركة الاقتصادية والاستثمارية . واستبدالها بقوانين تؤكد على حرية الاعلام والفكر والتفاعل السياسى السلمى .

4 ـ يتبع الاصلاح الدستورى والتشريعى إصلاح تعليمى على مستوى المناهج وطرق التدريس التى تنبذ التلقين وتؤسس الابداع والنقاش ، وتجعل مادة التربية الدينية فى تعليم الاخلاق والقيم العليا دون التعرض للخلافات العقيدية الدينية والمذهبية ، واصلاح المدارس ورفع كفاءة المدرس علميا ومستواه ماليا . والاصلاح الدينى بمنع استغلال الدين فى السياسة وحظر استخدام المساجد فى العمل السياسى ، وقصر دورها على الاصلاح الأخلاقى .

5 ـ التأكيد على أن دور الدولة هو فى ضمان حرية الفرد وأمنه ، وحقه فى العدل السياسى (  الديمقراطية ) والعدل الاجتماعى ( التكافل الاجتماعى ) والعدل القضائى ( فى المحاكم ). والتأكيد أيضا على أنّ دور الجيش هو فقط فى الدفاع عن الوطن وليس حكم الوطن ، وأن يكون الجيش خاضعا للسلطة السياسية المدنية وتحت الرقابة المالية . وأن يكون دور الشرطة فى حماية المواطن وخدمته وليس إنتهاك حقوقه وكرامته . وأى تجاوز من هاتين المؤسستين اللتين تحملان السلاح لا بد أن يُقابل بأقصى عقوبة .

والله جل وعلا هو المستعان .

اجمالي القراءات 13338