( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٠ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا :

1 ـ يوم السبت أول أمس ، خرجت مع أولادى فى نزهة ، وصمّمت حبيبة العمر ألّا أصطحب معى الورقة والقلم لأستمتع بجمال الطبيعة الأمريكية . جلسنا فى حديقة عمومية على نهر البوتوميك الذى يحتضن العاصمة واشنطن ، وكان امامنا فى الناحية الأخرى من النهر مطار رونالد ريجان المحلى . الحدائق العمومية أهم ما يميز المدن الأمريكية ، وهى جنات يتفنّن الأمريكيون فى التوسع فيها ونشرها والعناية بها ، وأن تكون مجانا لإسعاد الناس .  ويعزّز ذلك أن معظم الأرض الأمريكية تتخللها الغابات ، وتكسوها الخضرة وتجرى من تحتها الأنهار ، وللأمريكيين ولع هائل بحماية الأشجار ، ويتعاملون معها ككائن حىّ . والاهتمام أكبر بالحيوانات الأليفة والحيوانات البرية التى تعيش فى الغابات ، وتتخلل المدن. وترى الغزلان والأرانب وحيوانات أخرى تغزو الطرق وتقترب من البيوت ، علاوة على الطيور بكل أنواعها ، ولكن لا يجوز صيدها إلا بتصريح . وهناك إشارت ضوئية لحماية الحيوانات البرية عند عبورها الأسفلت الذى يتخلل الغابات ، وهناك مستشفيات للعناية بالحيوانات الأليفة من القطط والكلاب ، وهى تتمتع بمكانة هائلة ، ولها أطعمتها وأدويتها ، بل وهناك مستشفيات لعلاجها النفسى .!. وفى أمريكا نشاط إقتصادى هائل يقوم على رعاية القطط والكلاب وأطعمتها ورعايتها الصحية والنفسية والبرامج التليفزيونية الخاصة بها . هى رعاية لا يحظى بها أى مصرى مطحون فى وطنه.!! ما علينا .!

2 ـ جلسنا فى الحديقة الخضراء ، والى القُرب منا دورة مياه انيقة نظيفة ، وتظللنا أشجار من التوت ، وتنتشر المقاعد المريحة حولها ، والخضرة التى تكسو الأرض قد علتها طبقة من ثمار التوت الأحمر والأخضر الفاتح ، وتتجمع أسراب الأوز والبط البرى بألوانها الرائعة  تلتقطه ،وتتجول بيننا بلا خوف إذ تعودت ألا تخاف البشر. أفرع أشجار التوت تقترب من أيدينا مثقلة بالتوت ، إمتدت اليها أيدينا فى خجل ، ونحن فقط الذين نفعل هذا ، بينما لا يأبه بها روّاد الحديقة الأمريكان مع انهم يشترونه غاليا من السوبر ماركت . فوجئنا بالمذاق الرائع للتوت الذى مع كثرته فلا يهتم به أحد . تذكرت عندما كنت فى سان فرانسيسكو ( ولاية كاليفورنيا )عام 1987 ، أتجول فى أحد شوارعها، وكانت تغطيه أشجار البرتقال ، والبرتقال الذى تنتجه ولاية كاليفورنيا من أجود الأنواع .  وكان طريق الأسفلت فى هذا الشارع مطليا باللون الأصفر ، من كثرة البرتقال الساقط فى الشوارع والذى ( تسحله ) السيارات المسرعة ، ولا يأبه أحد بجمع ثمار البرتقال ، مع إنهم يشترونه من السوبرماركت . الأمريكيون أناس يتمتعون بالحياة الدنيا ، وقد جعلوا من وطنهم جنّة، أما المصريون والعرب والمسلمون فى بلادهم فقد أضاعوا الدنيا ..والآخرة .!

3 ـ ما علينا ..بل علينا! .لأننى كمصرى مغترب يحمل مصر وجعا داميا دائما فى قلبه رُحت أقارن بين مصر والجنة الأمريكية . مصر هى صحراء قاحلة يتخللها وادى النيل ، وهى تخلو من الغابات الطبيعية والمراعى الطبيعية التى تغطى معظم أمريكا . والأشجار المصرية معظمها مُستزرع وليس طبيعيا ، وكذلك نبانتات المرعى كالبرسيم . ومع قلة الأشجار فى مصر فالتقطيع لها وإهدارها وإهمالها عادة مصرية ذميمة يتنافس فيها المصريون حكومة وشعبا . أمريكا تحظى بكمية أمطار هائلة لا تحتاج اليها ، وتمتلىء بالأنهار العملاقة ، الميسيسبى  وميسورى وكلورادو..الخ  ، وانهار أقل ، وفيها مساحات شاسعة هائلة من المستنقعات النهرية ، تعجّ بالأسماك المتنوعة والضخمة والحيوانات البرمائية المتنوعة . والمحافظة على الأنهار والمياه العذبة وما يرتع فيها ولع أمريكى ، يقابله الولع المصرى بتلويث النيل مع ندرة الأمطار التى تسقط على مصر . أمريكا هى التى تتحكم فى أنهارها. معظمها ينبع ويصب فى أمريكا . أما مصر فهى المصب للنيل ، ويتحكم فى منابع النيل دول أخرى .

وفى التسعينيات كتبت مقالات أدعو فيها لأن تتوازن السياسة المصرية فى تعاملها مع الموقع المصرى والموضع المصرى ، كما كان يفعل حكام مصر الأقوياء من حتشبسوت الى محمد على  والخديوى اسماعيل . الموقع يمثله موقع مصر على البحر المتوسط ومدخل آسيا ، ويتركز فى سيناء وقناة السويس . والموضع هو النيل وعلاقة مصر بدول المصب فى أفريقيا والبحر الأحمر جنوبا . يستلزم الاهتمام بالموقع مدّ النفوذ المصرى شرقا عبر الشام كمنطقة حيوية لحماية مصر ، ويستلزم الاهتمام بالموضع  مد النفوذ المصرى جنوبا فى أفريقيا عبر النيل والبحر الأحمر لتأمين الحياة المصرية . وشاء الغباء السياسى لعبد الناصر والسادات ومبارك أن يركزوا على الموقع المصرى ، بالانغماس فى الصراع مع اسرائيل ، وإهمال التواصل مع دول حوض نهر النيل . بل إن السودان الذى كان قطعة من مصر بعد أن فتحه ( محمد على ) وأسّس فيه مدينة الخرطوم قد فرّط فيه عبد الناصر ، وبعد تحطيم وحدة مصر والسودان لم تُفلح مصر ولم يُفلح السودان . وبعد أن وصلت الفتوحات المصرية الى الصومال ووصلت الاكتشافات المصرية الى جنوب السودان وأواسط أفريقيا فى عهد الخديوى اسماعيل أهدر عبد الناصر هذا كله فى إنشغاله باسرائيل والقومية العربية على حساب الموضع المصرى والنيل الأفريقى . هذا بينما وصل محمد على الى التحكم فى الشام وفى السودان معا حماية لمصر موقعا وموضعا . ولكنها خيبة العسكر المصرى الجاهل المستبد من عام 1952 . ترتب على التركيز على الموقع هزائم متوالية لمصر فى صراعها مع اسرائيل حتى لقد فقدت سيناء نفسها ، وأصبحت سيناء تحت رحمة اسرائيل . ثم جاء العار الإخوانى يحكم مصر فأصبحت سيناء تابعة لحماس .! ، ثم إكتمل العار بالخازوق الذى البسته اثيوبيا للرئيس الاخوانى الأبله المسمى محمد مرسى . كان خازوقا ضخما فى حجم سد النهضة الاثيوبى ، وبتمويل من السعودية وقطر ...أسياد مرسى وعشيرة مرسى .!.

4 ـ تدفع مصر الآن ثمن هذا كله ، بعد أن كانت تشتهر بأهرامات الجيزة  أصبحت مشهورة بأهرامات الزبالة . وبعد إشتهارها بالمناخ المعتدل تحول مناخها الى تلوث ، وبعد أن كان يُقال أن من يشرب ماء النيل لا بد أن يعود اليه أصبح السياح يتخذون سُبل الوقاية من مياه النيل خشية العدوى . بهذا التلوث فى الماء والمناخ والهواء والتربة توطّنت أمراض فى مصر إكتسبت الجنسية المصرية ، وأصبحت  الأمراض النفسية تتجول فى الشارع المصرى تسعى على قدمين فى شكل بشر يعذبون أنفسهم بأيديهم . وتحقّق فيهم قول الله جل وعلا : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)( الروم ). ظهر الفساد فى مصر فى البر والبحر بما كسبت ايدى المصريين ، وهم بهذا الفساد يعيشون ويتنفسون ، ثم يجعلون السبب فى هذا الشقاء التآمر الأمريكى الاسرائيلى .!.

5 ـ وكمفكر مسلم ، حُبُّه الأكبر هو القرآن الكريم ـ رجعت الى كتاب الله جل وعلا أستنجد به فى تفسير هذا التناقض بين أمريكا ومصر ، بين التلوث المصرى القاتم والجمال الأمريكى القائم . تذكرت قوله جل وعلا :( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً )  (58) الاعراف ).

ثانيا :

1 ـ الكلمة العربية ( نكد ) من الصعب ترجمتها الى اللغة الانجليزية ، ربما لأن الانجليز والأمريكان لا يعرفون ( النكد ).!.( النّكد ) له معنى مركّب مُعقّد ، يجمع بين الحُزن والغمّ والاحباط واليأس والاكتئاب. تشكيلة من البؤس والقهر تركّزت إزدحمت فى كلمة واحدة . والاحساس بالنكد يتعاظم لدى من لديه الوعى ، ويفتقد الشعور بالكرامة والحرية فى وطنه ، وهذا ما كنت أعانيه فى مصر ، وفى معايشتى للنكد كنت أتمثل بقول الشاعر أبى  الطيب المتنبى :

ومن نكد الدنيا على الحّرّ أن يرى    عدوا له ما من صداقته بُدُّ

وفى جلستى الهادئة فى هذه الحديقة الأمريكية تذكرت قول المتنبى :

ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله   وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم

أجلس فى نعيم ـ والحمد لله جل وعلا رب العالمين ، ولكن الوجع المصرى ينزف داخلى ينغّص إحساسى بالسعادة ، اشقى به بينما الجهلاء ناشرو النكد فى مصر ينعمون بالشقاء الذى جلبوه لمصر والمصريين.  وتذكرت كيف كنت أرى ثقافة النكد السّنية الحنبلية الوهابية السلفية تزحف الى مصر من كل النواحى ، وكيف كنت أحاول وقف زحفها ما إستطعت فأتلقى الطعنات واللعنات . والآن ، وبعد ثلاثين عاما سيطرت ثقافة النّكد على مصر ، وتحكّمت فى التعليم والأزهر والمساجد والشوارع والمقاهى ووسائل الاعلام ..ووسائل المواصلات ، وبدت أعراضها المرضية ( من المرض ) واضحة على الوجوه والألسنة. الآن  أصبح كل أمر عادى يستلزم فتوى من فقهاء النّكد ، وهم يصدرون فتاويهم بالتحريم والحظروالتزمت ليحيلوا حياة المصريين الى نكد فى نكد . الموسقى حرام والغناء حرام والباليه حرام وكل المُتع التى أباحها رب العزة حرام .  كل شىء إما حرام أو محظور أو مكروه . والقاعدة عندهم أن كل ما لم يعرفه الأئمة والسلف ( الصالح ) فهو بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار . يستثنون منه ـ بسبب الضرورة الشرعية ـ ما يصنعه الكفّار فى الغرب من وسائل الاعلام ينشرون بها فقه النّكد وأسلحة الدمار التى يقتلون بها الأبرياء . المرأة قاموا بتعليبها فى النقاب، ونفيها بالحجاب ، وإحتفظوا بها عورة بين سيقانهم ، هى بالنسبة لهم الولع والوجع ، بها يعيشون ثقافة النصف الأسفل ، ولم يبق ألّا الإفتاء بإلغاء النساء .

2ـ كنت أرى ملامح ما يحدث الآن يتشكل فى أوائل التسعينيات ، وأتذكر نقاشا بينى وبين الراحل الحبيب د. فرج فودة الذى إغتالوه فى هذا الشهر عام 1992 . وكنا نتندر على فتاويهم ، فقفز على اللسان تعبير ( فقه النّكد ) ، وأعجبه التعبير فكتب مقالا بهذا العنوان ( فقه النكد ) الذى يحرّم ما يحبه الناس . وقتها أعجبت الناس آخر أغنية شدا بها موسقى الأجيال  محمد عبد الوهاب : ( من غير ليه ) ، فصدرت فتوى من الشيخ عبد الله المشدّ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر تحرّم الأغنية لأنها تعترض على القضاء والقدر . هذا مع أنه فى عهد عبد الناصر ، وقبل أن تُبتلى مصر بالنّكد الوهابى السلفى كان عبد الحليم حافظ يغنى قصيدة للشاعر المصرى الرائع كامل الشناوى ( لست قلبى ) ، يقول فيها ( قدر أحمق الخُطا ..) فما تحرّك الأزهر ضده .

4 ـ بدأ فقه النّكد يتحرّك فى أتجاهين : التزمت والاستحلال . التزمت بتحريم المباح وحظره ومنعه ، والاستحلال للدماء والأعراض ، بالقتل باكذوبة حدّ الردة . كان فرج فودة نفسه أبرز ضحية لهذا الاستحلال ، فلم يقدروا على مواجهة قلمه فقتلوه خسّة ودناءة . ومن وقتها بدأ فقه النّكد ينتشر ويتوغّل ويتحكّم ، ويشّوّه عقول المصريين ، ويُفسد قلوبهم. وبفساد العقول والقلوب فسدت العلاقات ، وفسد المناخ ، وظهر الفساد فى البر والبحر والماء والهواء والنيل والطرقات والمصالح الحكومية والأهلية بما كسبت أيدى المصريين .  ولا يزال البوم الوهابى السلفى ينشر فقه النّكد فى قنواته الفضائية يستحل الدماء ويحظر الحلال ويمنع المُباح ، ويُنغّص على الناس حياتهم ويُحيلها الى جحيم ، كأنما لا يكفيهم جحيم الأسعار وتطرف المناخ وتلوث الهواء والماء وإنقطاع الكهرباء وزحمة المرور وحوادث الطرقات ونكبات الأمراض وفضيحة الرئاسة الاخوانية فى العالم . وأصبح علاج مصر مرهونا بعملية جراحية تستأصل من جسدها هذا السرطان  الوهابى ، وإلا فالبديل هو الضياع أو الحرب الأهلية .!

ثالثا :

1 ـ فى أمريكا عصابات إجرامية ، وحوادث قتل فردية وجماعية ربما تفوق بلادا كثيرة . ولكنها مهما بلغ السّوء فيها فهى ( جرائم علمانية ) بمعنى أن تظل فى حُكم القانون ( جريمة ) لها توصيف قانونى ، ولها عقوبة قانونية ، يحكم بها قضاء أقرب ما يكون للعدل ، لأن القضاء سُلطة مستقلة ، ولأن ( النيابة ) مُنتخبة من الشعب ، وكذلك رئيس البوليس، ولأن ( المحلفين ) هم اصحاب الشأن فى إصدار الحكم الذى ينطق به القاضى ، وهؤلاء المحلفون يتم إنتخابهم من المجتمع وفق آلية شفافة ونزيهة وتحت مراقبة إعلام حّرُّ مستقل . والقانون يتم إصداره من كونجرس يمثّل الشعب جاءت به انتخابات حُرة نزيهة ، وهذا القانون يسرى على الجميع بلا إستثناء ، وخصوصا أرباب السلطة التنفيذية من الرئيس فمن دونه ، وهم (خدم للشعب ). من هنا تحولت أمريكا الى جنة فى عين مفكّر مُسلم مثلى ، شعر فيها بكرامته مذ جاءها لينجو بحياته من فقه النكد وشريعة الاستحلال الارهابى الوهابى  .

2 ـ فى النهاية فالمجرم الأمريكى يعلم تماما أنه مجرم . ومعنى أنه يعرف أنه مجرم وأن ما يرنكبه هو إجرام أنّ إحتمال التوبة لديه قائم ووارد . أما الذى لا يمكن ان يتوب فهو هذا السلفى الاخوانى الوهابى الذى يجعل الجريمة فريضة دينية، يقتل الناس الأبرياء باسم الجهاد وحدُّ ردة و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . يستحل الدماء والأموال والأعراض باسم الدين . هذا تستحيل توبته . هنا الفرق بين مجرمى أمريكا ومجرمى مصر أصحاب العمائم واللحى  .

3 ـ هنا نتدبر قوله جل وعلا : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ).  أمريكا التى أعايشها وأعيش فيها ، أشهد بأنها بلد طيب ، لأن فيها حرية الدين مطلقة كما شرع رب العزّة جل وعلا ، وفيها أعلى قدر متاح من تطبيق العدل القضائى والعدل السياسى ( الديمقراطية ) ، وفيها مجالات التبرع للخير واسعة بلا منّ ولا اذى . ومصر التى عشت فيها معظم حياتى ولازلت أحملها وجعا فى القلب هى بلد خبيث . لم تكن كذلك ، لكن اصبحت كذلك مذ سيطرت عليها الوهابية .

4 ـ البشر هم نبات الأرض المتحرك العاقل ، والله جل وعلا يقول:( وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً (17)   نوح ). والانسان يتأثر بالأرض التى ينبت فيها ، فالسيدة مريم وُلدت فى مجتمع طاهر ، ونشأت فى مجتمع طاهر فقال جل وعلا عنها يصفها بالنبات : ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً) (37) ال عمران ). وهناك تربة خبيثة ، أو بلد خبيث، وهذا البلد الخبيث الذى يظهر فيه الفساد لا يُنبت إلا النكد ، يقول جل وعلا : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ). والبشر ايضا هم الذين يجعلون البلد طيبا أو يجعلونه خبثا . الفساد الأخلاقى يفسد الأرض والمناخ والتربة . فالذى يسرق قد يحرق المكان ليخفى جريمته ، والقاتل يلقى بجثة القتيل فى النهر فيفسد النهر . والمستبد الذى يحترف التجارة مستخدما فيها نفوذه يُهلك البلاد والعباد . ويغطى المستبد على فشله بالدخول فى مغامرات حربية تدمر الأخضر واليابس. قد تكون هذه جرائم علمانية ، إقترفها هتلر وموسولينى وستالين القذافى وصدام وعبد الناصر . الأفظع منها أن تتستّر بالدين ، وتزعم أنها شريعة الرحمن . إذا حدث هذا فى بلد ما أصبح بالفعل بلدا خبيثا لا يخرج منه سوى النكد. 

5 ـ إن الله جل وعلا أنزل القرآن رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) فجعله الوهابيون إرهابا للعالمين. وأمر جل وعلا بالعدل والاحسان ونهى عن الفحشاء والمُنكر والبغى ، ووعظنا لعلّنا نتذكر ( النحل 90 ). فلم نتذكر ، بل إتّبعنا السلفية الوهابية التى تظلم وتقتل وتسلب وتنهب وتفسق باسم رب العزة جل وعلا . وتمكّن السلفيون من السيطرة الدينية على مصر خلال أربعين عاما. وبعد عزل المخلوع الملعون ظهرت السلفية بثورا على الجسد المصرى ، كانوا سرطانا يتمدّد داخل الجسد ، ثم أتيح له أن يظهر طفحه على الوجه ، دمامل وتقرّحات ، وظهرت رموزهم على الساحة الاعلامية والسياسية تتقيأ مُنكرا من القول وزورا ، بما يؤكد أنهم عاهات بشرية ، عاشت منغلقة على أنفسها فى كهوف التراث السلفى ، ثم ظهرت وانتشرت فى الاعلام تقول ما يندى له الجبين كذبا وأفتراءا وسخافات وفضائح ، وتراه حسنا .  لو كان هؤلاء فى مجتمع طيب صالح صحيح العقل لبادر بنفيهم حماية للمجتمع منهم ، ولقام بوضعهم فى مصحات عقلية . ولكن لأنه مجتمع فاسد فإن لهم أتباعا وأنصارا ومعجبين بالملايين.

6 ـ أى نقرأ قوله جل وعلا : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً ). ونقول : ( صدق الله العظيم ).!!

ودائما : صدق الله جل وعلا العظيم ..ولو كره السلفيون .!!

اجمالي القراءات 14431