( كتاب الحج ب 6 ف 3 ) هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ) ؟

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٨ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين    

الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل الثالث : هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ) ؟

 أولا :

1 ـ توفى معاوية فى رجب عام 60 ، وهو فى الثمانين ، بعد أن حكم 19 سنة و8 أشهر . ودُفن فى دمشق ، يقول عنه المؤرخ المسعودى ( وهو شيعى الهوى ) : ( قبره يُزار الى هذا الوقت ( 332عام  )، وعليه مبنى يُفتح كل إثنين وخميس ). وبويع يزيد ، بل وأخذ البيعة لابنه معاوية بن يزيد  .وحكم يزيد 3 سنين و 8 أشهر تقريبا ، ثم مات فى شبابه فجأة فى 17 صفر عام 64 .

2 ـ ترك معاوية وصية لابنه يزيد . وهناك روايتان عن هذه الوصية ، أحدهما أن معاوية هو الذى قالها مباشرة لابنه يزيد ، والأخرى أن يزيد كان غائبا يتصيد فترك له معاوية وصية مكتوبة مع الضحاك بن قيس الفهرى والى شرطة دمشق ومسلم بن عقبة . تقول الرواية الأولى : ( لما مرض مرضته التي هلك فيها، دعا ابنه يزيد فقال‏:‏ يا بني إني قد كفيتك الرحلة والرجال‏ ووطأت لك الأشياء، ودللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر‏:‏ الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏. فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك‏.‏ وأما الحسين فإن أهل العراق لا يدعونه حتى يخرجونه عليك، فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏.‏ وأما ابن أبي بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو‏.‏ وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، وإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرباً إرباً‏.‏ ).  وتقول الرواية الثانية : ( قال غير واحد‏:‏ فحين حضرت معاوية الوفاة كان يزيد في الصيد، فاستدعى معاوية الضحاك بن قيس الفهري - وكان على شرطة دمشق - ومسلم بن عقبة فأوصى إليهما أن يبلغا يزيد السلام ويقولان له يتوصى بأهل الحجاز، وإن سأله أهل العراق في كل يوم أن يعزل عنهم عاملاً ويولي عليهم عاملاً فليفعل‏.‏ فعزل واحد وأحب إليك من أن يُسل عليك مائة سيف، وأن يتوصى بأهل الشام، وأن يجعلهم أنصاره، وأن يعرف لهم حقهم، ولست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة‏:‏ الحسين، وابن عمر، وابن الزبير‏.‏.. فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة، وأما الحسين فرجل ضعيف، وأرجو أن يكفيكه الله تعالى بمن قتل أباه وخذل أخاه، وإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏ وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فافصح عنه فإني لو صاحبته عفوت عنه‏.‏ وأما ابن الزبير‏:‏ فإنه خب ضب فإن شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل منه، واصفح عن دماء قومك ما استطعت‏.‏ ). يجمع بين الروايتين معرفة معاوية بأن أهل العراق سيحثون الحسين على الثورة ، ووصية معاوية لابنه بأن يستوصى بالحسين خيرا لو حدث هذا . ولقد فعل يزيد عكس هذا .

3 ـ لقد قام معاوية بأسباب الاستحقاق بفرض ابنه خليفة بعده ، أو على حد قوله فى الرواية الأولى : ( يا بني إني قد كفيتك الرحلة والرجال‏ ووطأت لك الأشياء، ودللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب . )، ولكنه ترك لابنه مشكلة معلقة تنتظره ، وهى معارضة أربعة أشخاص ( فى الرواية الأولى : ابن ابى بكر وابن عمر وابن الزبير والحسين ) أو ثلاثة اشخاص فى الرواية الثانية ( ابن عمر وابن الزبير والحسين )، وقد أوصاه بالسياسة التى يجب أن يتبعها مع كل منهم . وكان مفروضا على يزيد أن يتبعها ، ولكنه خالف وصية أبيه ، مما ترتب عليه مذبحة كربلاء ، وتوابعها ، ومن توابعها هذا الموت المفاجىء والغامض ليزيد نفسه فى فورة شبابه ، ثم الموت السريع بالسّم لابنه ولى عهده معاوية بعد أن إعتزل الخلافة ، وانتقال الحكم من فرع معاوية الى فرع الحكم بن العاص . أى دفع يزيد الثمن هو وعائلته .

ثانيا :

1 ـ فى ضوء ما نعرفه من شخصية معاوية فإنه لم يكن ليتصرف كابنه يزيد فى مواجهة ثورة الحسين . كان سيستخدم كل مكره وحيله ليتجنب هذه المذبحة المروعة ، كما كان يفعل باستخدام المال وسحره العجيب ، بل حتى لو عجز عن هذا كان سيلجأ الى الاغتيال بالسّم للحسين منعا لمصيسبة أكبر . أما يزيد فقد تصرف بالمبادرة الى الحرب ، بالضبط كما كان يفعل ( على ) فى خلافته . وفى الحرب يخسر الخصمان ـ عادة ـ  ولكن بدرجات متفاوتة .  المقارنة هنا بين ( على ) و( يزيد ) موجعة لمن يؤلهون (عليا ) ولكن هذه المقارنة السياسية نراها ضرورية وبلا أى حساسيات ، لكى نجيب على السؤال المُحرج الآخر ، عنوان هذا المقال : (هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ) ؟

2 ـ  طبقا للتشريع الاسلامى فإنه من حق الحسين أو أى شخص أن يثور على الحاكم الظالم المستبد رافعا راية العدل ، مطالبا بأن يقوم الناس بالقسط ، كما جاء فى قوله جل وعلا (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) ( الحديد ) وكتبنا فى هذا كثيرا . ولكن هذا يستلزم وعيا بتكاتف الناس جميعا فى إقامة القسط ، وفى الاستحقاق أى النضال فى سبيله بالقوة وبالحديد والنار كملجأ أخير لأن المستبد لن يتنازل طواعية عن سلطانه بالوعظ واللين ، لا بد من إزاحته بالقوة والبأس الشديد . بعدها، يقوم الناس جميعا بتطبيق القسط ، بإقامة نظام حكم اسلامى مؤسّس على الديمقراطية المباشرة والحرية الدينية المطلقة فى الدين والعدل المطلق بين الأفراد والتكافل الاجتماعى. وهذا ما كان مطبقا فى دولة الرسول عليه السلام ، ولكن بدأ تدميره منذ بيعة السقيفة ، ثم بالفتوحات ، ثم بالفتنة الكبرى ، تم الاجهاز عليها تماما ببيعة يزيد وتوارث الحكم بالقوة والمال ، والاستحقاق السياسى المُناقض للاسلام .

3 ـ والحسين لو أراد أن يعيد دولة القسط التى أقامها خاتم المرسلين كان سيسلك سُنة جده عليه السلام  وليس سُنة أبيه (على بن أبى طالب ) . أى كان على ( الحسين ) أن يبدأ بالدعوة الى تغيير ما جاءت به الفتوحات التى أضاعت الاسلام والتى أسّست الحروب الأهلية بين المسلمين ، والتى أدّت فى النهاية الى صعود معاوية ثم بيعة يزيد . لم يكن هذا مستحيلا فى الجيل الثانى بعد الصحابة فى عهد الحسين ، فالذكريات العطرة للدولة الاسلامية لا تزال أصداؤها باقية حيّة ، كما أن جراح الفتنة الكبرى أيضا لا تزال تنزف ، والقرآن مُيسّر للذكر ، والاحتكام اليه بإخلاص ممكن ، وهو فريضة واجبة عند التنازع والاختلاف . ليس مهما الوقت الذى يستغرقه الاعداد ، وليس مهما من يقود . المهم هو أن يقوم الناس بالقسط يدا بيد وكتفا بكتف ، يثورون معا تحت قيادة رشيدة واعية تطلب رضا الله جل وعلا وتؤمن بالآخرة ولا تريد الدنيا وحُطامها . كان هذا مُمكنا . بل كان تحقيقه كفيلا بأن تنعم الأمم المفتوحة بالعدل والمساواة والحرية الدينية والسياسية ، لا فارق بين عربى وعجمى فى الحقوق ، بما يكون تعويضا مناسبا وتكفيرا عما ألحقه جيل صحابة الفتوحات بأغلبية السكان فى دولة الخلفاء . ولكن إستقراء تاريخ الحسين قبل وبعد إغتيال أبيه وفى ثورته على يزيد يؤكّد أن سعيه كان للحكم بنفس طريقة الخلفاء ، على الأقل إن لم يكن على طريقة عثمان فسيكون على طريقة عُمر وعلى وأبى بكر ، فى ظلم الأغلبية العظمى من الخاضعين للخلافة وهم الشعوب المقهورة . ومن يظلم الأغلبية لن يكون ـ غالبا ـ عادلا فى تعامله مع الأقلية ، وسيلقى كيدا وسيعيش صراعا سياسيا ، قائما على الاستحقاق السياسى فى أن الدولة لمن غلب . طبقا لما أسّسته الشريعة السّنية . وليس هذا فى صالح ( الحسين ).!

4 ـ من الناحية الشرعية السّنية والتى تأسست فيما بعد تعترف بالأمر الواقع ، فإن يزيد أصبح خليفة شرعيا ، إذ بايعه ( أهل الحلّ والعقد ) فى بيعة خاصة ثم بموافقة صريحة أو ضمنية من جمهور العرب . كما حدث فى بيعة ابى بكر وعمر وعثمان ، وعلى .  بويع يزيد فى حياة أبيه من القادة ورءوس القبائل ، وبالتبعية جمهور قريش والعرب . الذى رفض البيعة ثلاثة أو أربعة ، هؤلاء الثلاثة أو الأربعة ليسوا بشىء بالمقارنة بمّن عارض خلافة (على ) وثار عليه . فقد عارض عليا رءوس من الصحابة من الزبير وطلحة والسيدة عائشة الى معاوية وعمرو والمئات من الصحابة الأنصار والقرشيين ، ويضاف اليهم مئات الالوف الذين حاربوا عليا فى الجمل وصفين . فأين هؤلاء من أربعة أو ثلاثة فقط عارضوا البيعة ليزيد . ولقد بادر  (على ) معارضية بالحرب ، مع كثرتهم وتنوعهم ، وهكذا فعل يزيد مع ثورة الحسين،أى سار يزيد على سُنّة (على ) فى المبادرة بحرب الثائرين على خلافته الشرعية .

5 ـ على أن التشريع السّنى فى إعترافه بحكم الخليفة المتغلّب على الحكم إنما يُجيز بطريق غير مباشر حق الثورة وحق الخروج على السلطان القائم ، وحين يأخذ هذا الثائر بأسباب النصر أى بالاستحقاق ويتغلّب يحظى بالاعتراف بشرعيته السياسية كمتغلب على الحكم ، فإذا انهزم خسر حق الشرعية السياسية  . وبتطبيق هذا على حالة الحسين ، فإنه بغض النظر عن مدى أحقيته فى الخلافة فإن الفيصل هو مدى إستحقاقه ، أى مدى قدرته على تغيير الواقع الجديد الذى خلقه معاوية بجعل يزيد خليفة . والاجابة معروفة ، فقد إنهزم الحسين ، وأظهر فشلا يجعله المسئول الأول عن المذبحة التى تعرض لها هو أهله ومن تطوع للدفاع عنه . وهذا الفشل ينفى عنه الاستحقاق ، وبالتالى فقد أعلن له حقا سياسيا وفشل فى ثورته لأنه لم يأخذ بأسباب النجاح أو أسباب الاستحقاق ، ففقد الحق الذى يزعمه لأنه بلا إستحقاق . 

6 ـ والمُحبّون للحسين علموا مقدما بعدم قدرته على ( الاستحقاق ) ونصحوه ، فلم ينتصح ، بالضبط كما كان يفعل أبوه مع الناصحين . والنتيجة فشل الأب وفشل الابن . ولم يتّعظ بعض ذرية (على ) الذين عادوا للثورة مرات عديدة فى العصرين الأموى والعباسى ، وخسروا ، فى إصرار عجيب على الغباء . ويحتفل الشيعة بهذا الغباء إذ يقدسون الفاشلين ، ويحتفلون بذكريات الفشل ، ويجعلونه من طقوس دينهم الشيعى فى إحتفالات التطبير الدامية التى تستوجب الرثاء .

ثالثا : الحسين يرفض نُصح الناصحين :

1 ـ بموت معاوية وتملك يزيد خرج الحسين من المدينة إلى مكة ، ليعدّ للخروج على يزيد . شاع هذا وذاع ، فجاء للحسين كثيرون ينصحونه ، ولكن بلا فائدة . بمجرد خروجه من المدينة قاصدا مكة جاء له ناصح أمين ، تقول الرواية : ( خرج الحسين من المدينة إلى مكة ، لقيه عبد الله بن مطيع فقالله‏:‏ جعلت فداك‏!‏ أين تريد؟  قال‏:‏ أما الآن فمكة وأما بعد فإني أستخير الله‏.‏قال‏:‏ خار الله لك وجعلنا فداك‏!‏ فإذا أتيت مكة فإياك أن تقربالكوفة فإنها بلدة مشؤومة.! بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه.الزم الحرم. فإنك سيد العرب ، لا يعدل بك أهل الحجاز أحدًا ، ويتداعى إليك الناس من كلجانب. لا تفارق الحرم . فداك عمي وخالي‏!‏ فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك‏.‏). هنا نصيحة هائلة تجعله أملا فى التحرر من ظلم بنى أمية ، وتوضح له سبيل الاستحقاق ، فتحذره مقدما من الذهاب للكوفة ، وتذكّره بما حدث فيها لأبيه وأخيه . وتنصحه بالبقاء فى الحرم ، وتجهيز الاستحقاق ، حيث يتداعى اليه الناس ويقوى بهم على مواجهة الأمويين . ولم يأخذ الحسين بهذه النصيحة الذهبية .بل عمل ضدها وأسرع بارسال ابن عمه مسلم ابن عقيل للكوفة ليمهّد له الأمر فيها .

2 ـ وعلم بهذا إبن عباس وهو فى مكة . وقد رأينا من قبل نصيحة ابن عباس لعلى فى بدء خلافته ، وعصيان (على ) للنصيحة . وبنفس العصيان واجه الحسين نصيحة ابن عباس . ويذكر المؤرخ المسعودى ( وهو شيعى الهوى ) موقف ابن عباس من خروج الحسين . يقول : ( فلمّا همّ الحسين بالخروج من مكة الى العراق أتاه ابن العباس فقال : يا ابن عم ، بلغنى أنك تريد العراق ، وأنهم أهل غدر ، وإنما يدعونك الى الحرب ، فلا تعجل . وإن أبيت إلّا محابة هذا الجبّار وكرهت المقام فى مكة فاشخص الى اليمن ، فإنها فى عُزلة ، ولك فيها أنصار وإخوان ، فأقم بها ، وبث دُعاتك ، واكتب الى أهل الكوفة وانصارك بالعراق فيُخرجوا أميرهم ، فإن قوُوا على ذلك ونفوه عنهم ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم . وما أنا لغدرهم بآمن .!. وإن لم يفعلوا أقمت بمقامك (باليمن ) الى أن يأتى الله بأمره ، فإن فيها حصونا وشعابا .) . هنا نصيحة ذهبية كبرى . الذهاب الى اليمن والتحصّن بجبالها وأهلها . وعدم الذهاب الى العراق بتاتا إلا بعد أن يطردوا الوالى الأموى وكل أنصار الأمويين ، وحتى لو فعلوا فلا يأمنهم ابن عباس . وردّ الحسين على هذه النصيحة بقوله : ( يا ابن عم ، إنى لأعلم أنك لى ناصح ، وعلىّ شفيق ، ولكن مسلم بن عقيل كتب لى بإجتماع أهل المصر على بيعتى ونُصرتى ، وقد أجمعت على المسير اليهم . ). فقال له ابن عباس يحذّره بقوة من الذهاب الى الكوفة : ( إنهم من خبرت وجرّبت ، وهم أصحاب أبيك وأخيك ، وهم قتلتك غدا مع أميرهم. إنك لو خرجت فبلغ ابن زياد خروجك إستنفرهم اليك ، وكان الذين كتبوا لك أشد  من عدوك . فإن عصيتنى وأبيت إلّا الخروج الى الكوفة فلا  تُخرجنّ نساءك واولادك معك .!. والله إنى لخائف أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون اليه .! ) . وهذا بالضبط ما حدث للحسين وآله . وقد رد الحسين على النصيحة بنفس العناد ( العلوى ) الموروث فقال : ( لأن أُقتل والله بمكن كذا أحبُّ الىّ من أن استحل مكة .) . يقول المسعودى : ( فيئس منه ابن عباس ، وخرج من عنده ، فمرّ بعبد الله بن الزبير ، فقال له : قرّت عينك يا ابن الزبير .! . هذا الحسين يخرج الى العراق ويخلّيك والحجاز . وأنشد : مالك من قنبرة بمعمر    خلا لك الجوُّ فبيضى وصفرى   ونقّرى ما شئت أن تنقرى .) وكان ابن الزبير فى طموحه للخلافة يكره وجود الحسين فى مكة ، ويتمنى رحيل الحسين عنها الى العراق ليقتله أهل العراق وليخلو له الجوّ. وهذا فعلا ما حدث .

3 ـ وطبقا لما يذكره المسعودى فقد تطوّع شيخ بنى مخزوم فى مكة وحكيمها أبو بكر بن الحارث بن هشام بنصيحة الحسين . فقال له : ( يا ابن عم ، إن الرحم يظائرنى عليك ، ولا أدرى كيف أنا فى النصيحة لك ؟ !. فقال له الحسين : يا أبا بكر ما أنت ممّن يُستغشّ ولا يُتّهم ، فقل ". فقال أبو بكر : كان أبوك أقدم سابقة وأحسن فى الاسلام أثرا وأشدّ بأسا،والناس له أرجى،  ومنه أسمع ، وعليه أجمع . فسار الى معاوية والناس مجتمعون عليه إلّا أهل الشام ، وهو أعزّ منه (أى من معاوية ) ، فخذلوه (أى شيعته ) وتثاقلوا عنه ، حرصا على الدنيا وضنّا بها ، فجرّعوه الغيظ ، وخالفوه حتى صار الى ما صار اليه ..ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا . وقد شهدت ذلك كله ورأيته . ثم أنت تريد أن تسير الى الذين عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعدّ ( أكثر عُدة واستعدادا ) منك وأقوى ، والناس منه أخوف ، وله أرجى ؟ .! . فلو بلغهم مسيرك لاستطغوا الناس بالأموال ، وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك من وعدك ان ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ اليه ممّن ينصره . فاذكر الله فى نفسك .! ) ولم يزدد الحسين بهذه النصيحة إلا عنادا ، فقال له : ( جزاك الله خيرا يا ابن عم . فقد اجهدك رأيك ، ومهما يقض الله يكن .) فقال ابو بكر بن الحارث يائسا : ( إنّا لله .! وعند الله نحتسب يا أبا عبد الله .!) . وتركه ، ودخل أبو بكر بن الحارث على ابن عمه الحارث بن خالد المخزومى والى مكة ، وهو يقول شعرا : ( كم نرى ناصحا يقول فيُعصى     وظنين المغيب يلقى نصيحا .) وأخبر ابن عمه بما دار بينه وبين الحسين ، فقال الحارث : نصحت له ورب الكعبة .!) .

وحتى فى الطريق الى الكوفة توالت عليه النصائح والتحذيرات ، وقيل له عن أهل الكوفة : ( إنّ قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) ..!! فما إزداد سوى العناد ، ساعيا الى حتفه بظُلفه . وفى النهاية فالحسين هو الذى تسبب فى قتل نفسه وأهله واصحابه . فهل كان الحسين يصلح أصلا للخلافة ؟ وهل كان أصلا من حقه الثورة على ( يزيد ) ؟

الخاتمة :

دعنا نتصور حدوث هذا فى الصين ، حيث يبادر زعيم محبوب طيب القلب بالثورة على حاكم ظالم بلا إعداد ، ويقبل أن يضع مصيره ومصير اهله فى أيدى قوم يعرف خداعهم وغشّهم ، ويرفض نصح الناصحين ويصمم على أن يخرج بأهله فى حركة إنتحارية معروف نتيجتها مقدما . ودعنا نطلب رأى أى شيعى فى هذا الزعيم الصينى .  لا ريب أن الأخّ الشيعى سينهال سبّا وشتما لهذا القائد الصينى الفاشل الغبى الذى تسبّب فى قتل نفسه وأهله وأنصاره، ولا بد أن الأخ الشيعى سيستنكر أن يصلح هذا الزعيم الصينى للقيادة ، لأنه لو كان قائدا لدولة الصين لأورد أهل الصين مورد التهلكة . فإذا قيل لهذا الشيعى إن هذا بالضبط ما فعله الحسين بنفسه وأهله وأنصاره فى كربلاء .. عندها سيثور الشيعى فى وجهك ، وسيتهمك بالكفر ومّناصبة ( اهل البيت ) العداء .

الحسين عندنا ـ وفى الحقيقة ـ هو شخصية تاريخية بشرية إنسانية نحكم عليها بالمكتوب عنها وفق منهج تاريخى صارم موضوعى بارد لا مجال فيه للتقديس. أما الحسين عندهم فهو ( سيد شباب أهل الجنة ) وهو اله مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، ولا يمكن نقده أو مناقشة ما حدث منه . ولهذا ظل التأريخ للحسين مقصورا على البكاء والعويل لما حدث له ، وتحميل يزيد وحده المسئولية . وفى خضم أنهار الدموع ارتقت شخصية الحسين الى علياء التقديس . ثم جئنا لنهبط به وبغيره الى مستوى البشر نحاسبه ونقيّمه بالروايات المكتوبة فى تاريخه ..

وفى النهاية ، وكالعادة ، ننتظر السّب والشتم ممّن يعبد الحسين وآل الحسين ..ولا بأس . نحن نعفو مقدما ونصفح فى سبيل التنوير ..لعلّ وعسى .!!

اجمالي القراءات 17823