درب العوالم : ردا على خصومنا فى الدين :

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٣ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : شيوخ العوالم

1 ـ هناك ( عالم ) بكسر اللام ، أى متخصص فى مجال بحثى ، فى القرآن وتراث المسلمين ، فى التاريخ والعلوم الانسانية ، وفى العلوم الطبيعية . ولهذه العلوم مناهج بحثية . جمع ( عالم ) : ( علماء ) .

وهناك دخلاء فى مجال العلم بالاسلام والمسلمين ، يدافعون عما وجدوا عليه آباءهم من أديان أرضية وآلهة بشرية وحجرية ، يرددون نفس الكلام التافه المتوارث من قرون ، ويسوقون نفس الحُجج الساقطة دون خجل أو حياء ، ويخلطون السّب والشتم والافتاء بالقتل بالدعوة أحيانا الى عدم قراءة ما يقوله العلماء الحقيقيون من إجتهادات علمية تستدعى المناقشة الجادة ، وليس رقص ( العوالم ).

2 ـ فهناك فى اللهجة المصرية ( الرائعة حقا ) مصطلح ( عالمة ) بسكون اللام وفتح الميم ، وجمعها ( عوالم ) . و( العالمة ) فى اللهجة المصرية  ( الرائعة حقا ) هى الأنثى التى تحترف الرقص البلدى ، وهو أسوأ أنواع الرقص فى العالم كله . هو رقص جنسى يتخصص فى تحريك الأرداف والصدور والبطون بطريقة مقززة ، يتقايأ منها الرجل المحترم فى حالته الطبيعية ، ولكن ربما يهواه إذا تملكته حيوانية الشهوة . ومع هذا فإن بعض الذكور من المصريين يحترفون هذا الرقص العار ، وقد تعرض لهذا بالتفصيل العلامة أحمد أمين ( 1886 : 1954 )  فى كتابه ( الرائع حقا ): ( قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية ) ، وقبله العلامة الفرنسى المتمصّر ( كلوت بك ) ( 1793 : 1868 ) فى كتابه ( الرائع حقا ) : ( لمحة عامة الى  مصر). وكلاهما تعرض لرقص العوالم النساء ورقص الذكور، أو بتعبير كلوت بك (الخولات )، وكلاهما وصف هذا الرقص بما يستحق من تحقير .

3 ـ هى فعلا ثقافة ، أقصد ثقافة العوالم ، لها عالمها الخاص وتعبيراتها الجسدية ، ولها محترفوها من النساء و ( الذكور ) ولا نقول الرجال . وهى ثقافة مستمرة باستمرار الفسوق والعصيان ، تزدهر حينا وتخفت أحيانا . وهى مهنة  إحتراف تدرّ  دخلا محترما عن عمل غير محترم . وقد خفت صوتها بعد حركة العسكر عام 1952  وحتى عصر عبد الناصر ، وبعد أن اشتهرت بالفجور فى القاهرة بركة الرطلى والكيت كات ومنطقة الجزيرة ، إنحسر هذا كله فلم يعد من مواطن درب الهوى وعالم العوالم سوى شارع ( كلوت بك ) الذى أطلق على العلامة الفرنسى المتمصر مكافأة له على أنه نهض بالطب المصرى فى عهد محمد على ، وكان علامة على تغلب الثقافة الفرنسية والنفوذ الفرنسى فى عصر محمد على . فلما إحتلت انجلترة مصر عاقبت كلوت بك بأن جعلت شارع ( كلوت بيه ) ماخورا كبيرا يتسكع فيه جنودها وجنود حلفائها فى الحربين العالميتين . نهضت مصر بالراية القومية العربية فى عصر عبد الناصر وخفت فيها الانحلال الخلقى وخفت أيضا دور المؤسسات الدينية وصوت شيوخها لانشغال الجميع بالحُلم العربى ، وبسقوطه  عاد الفساد الخلقى والفساد الدينى يزلزل المجتمع المصرى بذاك النفط الملعون فأصبح  الانحلال الخلقى تجارة رائجة فى مصر ، يعززها النفاق الدينى والتدين السطحى و الاحتراف الدينى ، فإشتهر بالانحلال  شارع ( الهرم ) ، والذى يرتاده سياح الخليج الوهابيون ، ويعرفون خباياه أكثر من سكان هذا الشارع . المضحك أن الخليجيين الوهابيين الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها هم متخصصون فى شارع الهرم دون أن يزوروا الهرم نفسه ، لأن الذهاب للأهرامات ( الوثنية ) ( كُفر بواح ) ، اما الذهاب لشارع الهرم ففيه ( الشفاعة والسماح ).!

4 ـ ولأنها ثقافة العوالم ، تنشد الرزق الوفير وتتأسس على الفسوق والعصيان ، ولا تحتاج الى موهبة ، فالشبه واضح بينها وبين الإحتراف الدينى . كلاهما يروج برعاية الشيطان ، وكلاهما يحارب الرحمن . وإن كان فسوق العاهرة العالمة الرقّاصة المحترفة أقل جُرما من  شيوخ الاحتراف الدينى فى الأديان الأرضية . فالراقصة العاهرة تأخذ المال وتقدم فى المقابل ( مُتعة ) حسية ملموسة بصرية وجسدية ، أما محترفو الأديان الأرضية فلا يبيعون سوى مخدرات عقلية وأكاذيب سنية وصكوك غفران وهمية . والراقصة العاهرة تعتزل عند المشيب ، أما شيوخ الدين الأرضى فتزدهر تجارتهم بالخبرة عند المشيب . والراقصة العاهرة قد تتوب فى الدنيا توبة نصوحا فيقبل الله جل وعلا توبتها يوم القيامة ، ولكن الله جل وعلا لا يغفر أبدا لمن يموت مشركا : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116)( النساء )( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65)( الزمر ). الراقصة العاهرة قد تهتدى ويهديها الله جل وعلا لو إختارت الهداية بإخلاص ، ولكن الله جل وعلا لا يهدى من يحترف إضلال الناس ، يقول جل وعلا لخاتم النبيين عن المشركين المُضلّين : (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ )(37) النحل ) . أى مستحيل هدايتهم مهما حرص النبى على هدايتهم .  وشيوخ العوالم محترفو إضلال ، فلا أمل فى هدايتهم . وبلا خجل ولا وجل وإبتغاء مرضاة الله جل وعلا نقول إن أى داعرة عاهرة راقصة محترفة متفرغة ليلها ونهارها للفسق هى أفضل من أئمة السنيين والشيعة والصوفية فى عصرنا الراهن . لا يهمنا هنا الشعراوى و لا القرضاوى ولا المحلاوى ولا ..ابن آوى .. ولا يهمنا هذا المعتوه القائل : هاتوا لى راجل .!

5 ـ هذا التشابه والتداخل بين (عوالم ) الراقصات والعاهرات وبين ( عوالم ) الشيوخ وأئمة الضلال يتضح فى  عصرنا حيث إرتبط سقوط المسلمين فى الحضيض بعلو شأن الشيوخ ( العوالم ) وسيطرتهم على الحياة الدينية اليومية للمسلمين ، فكل حركة تستلزم منهم فتوى ، وفتاويهم لا معقّب لها ، فهى (رأى الدين ).! .وهم المسيطرون على القنوات الفضائية ووسائل الاعلام والاعلان ووسائل الاتصال وحتى وسائل المواصلات ، ولا ينافسهم فيها إلا (عوالم ) الرقص والفن الهابط الجنسى . ويسير الانحلال الدينى جنبا الى جنب مع الانحلال الخلقى ، يمارسه الناس سرا أوعلنا حسب الظروف ودرجة السماح ومستوى النفاق . وكل هذا برعاية أساطير الشفاعات السّنية التى تنتظر العاهرين والعاهرات . يذيع هذا الإفك العوالم من الشيوخ ، وتستفيد به العوالم من الرقيق الأبيض .

6 ـ وشيوخ العوالم نوعان فى الأغلب : منهم دعاة لتقديس ما وجدوا عليه آباءهم يرقصون تحميدا وتقديسا على أنغام الأئمة السابقين ، ومنهم شيوخ وأئمة إحترفوا أيضا ( الرقص ) فى مواكب السلطان . هؤلاء جميعا إنتماؤهم الأصيل ( للعوالم ) ، يحترفون مثلهن الرقص وحرق البخور، وينفق أحدهم حياته ووقته وطاقته نفاقا للمستبد القائم ، أو تقديس البشر والحجر. ولأنه لا وقت لديهم للتبحّر فى العلم ، ولأنهم ( عُراة ) من موهبة البحث فهم يكتفون بإجترار ما قاله السابقون فى العصور الوسطى .

7 ـ وبعد جهاد إستمر قرنا من الزمان  نجح شيوخ العوالم فى عزل مجتمعاتهم عن الحضارة الحديثة ، وجعلوا تلك المجتمعات فى القرن الحادى والعشرين بعد الميلاد تعيش فى القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد .!! أراحوا أنفسهم من الاجتهاد فى إنتاج فكر إسلامى يواكب العصر ، هذا مع تسليمهم بأن الاسلام رسالة عالمية صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان .

8 ـ ثم ، فوجىء أولئك ( العوالم )  بظهور تيار أهل القرآن الداعى الى الاصلاح السلمى والدينى من داخل الاسلام ، والذى يقوم عمله العلمى على أساس الهدم والبناء ، هدم خرافات الأديان الأرضية للمسلمين من الكفر العقيدى بتقديس البشر والحجر ، وهدم الكفر السلوكى للمسلمين الارهابيين الذين جعلوا جهادهم فى قتل الأبرياء . وبجانب الهدم يقوم أهل القرآن بالبناء ، برؤية قرآنية بديلة تؤكد القيم الاسلامية العليا فى السلام والحرية المطلقة فى الدين والفكر والسياسة ( الديمقراطية المباشرة ) والعدل والاحسان والتسامح والرحمة وحقوق الانسان وتكريم الانسان .

ثم وصل إجتهاد ( أهل القرآن ) الى منبع الشرور الذى نبتت فيه طحالب الأديان الأرضية ، وهو المناقشة القرآنية والتاريخية للفتوحات وصحابة الفتوحات . عندها نسى أصحاب الأديان الأرضية خلافاتهم واتحدوا فى مواجهتنا . هذا ، مع أنه لا خلاف معنا حول الاعتماد على القرآن ، ولا خلاف معنا حول الاعتماد على المصادر التراثية والتاريخية المعتمدة ،فنحن وهم نعتمد عليها . ولكن الفارق شاسع وهائل بين إجتهاد الباحثين العلماء ورقص الشيوخ العوالم . لذا تحملنا ـ ولا زلنا نتحمل ـ هجوم العوالم علينا ، هو هجوم أفظع من هجوم ( الفنانات الراقصات العوالم ) ، فهجومهن ناعم ( حُنيّن ) بالرقص والعُرى وألفاظ جنسية منتقاة تعرفها الحوارى المصرية وقاع المجتمع المصرى . أما هجوم ( العوالم ) من الشيوخ فهو فظّ  غليظ القلب ، من النوع السّام القاتل الدامى الداعى للقتل بتهمة الردة .

9 ـ ونحن لنا خيارات قرآنية فى الرد عليهم ، بالعدل ( رد السيئة بمثلها )أو بالاحسان ، أى العفو : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)  ) ( الشورى ) . ونمارس هذا وذاك كما نشاء ، مع أننا لا نصل الى مستواهم فى التكفير والتخوين والافتراء والدعوة للقتل ، لأن منهجنا السلمى الاصلاحى يقوم بتوضيح الحق ومعالم الكفر العقيدى والاجرامى السلوكى ، للوعظ والتحذير والترغيب والترهيب ، وأملا فى هداية المخدوعين قبل الموت . ثم بعد التوضيح نحترم حق كل فرد فى اختياره العقيدى وننتظر الحكم علينا وعليهم يوم القيامة. منهجنا أن نقول لهم : (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام) (  وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود) (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر) .

10 ـ هؤلاء (العوالم ) من الشيوخ وأتباعهم لهم علينا حُجّتان بائستان ، ولكن لا يملّون من تكرارهما من  السبعينيات بلا سأم حتى الآن . الحجة الأولى : هل كل المسلمين على ضلال ، وأنت الوحيد الذى هو على الحق ؟ ولماذا تقول شيئا لم يقله من قبل الأئمة السابقون ؟ هل أنت أفضل منهم ، وهل كلهم مخطئون وحضرتك الذى تنفرد عنهم بالحق ؟

11 ـ أساس هاتين الحُجتين البائستين الساقطتين أنّ ثقافة شيوخ العوالم تعرف الحق بشخص قائله . وليس بكلمة الحق فى حد ذاتها بغضّ النظر عن قائلها . بمعنى لو قال القرضاوى شيئا فهو حقّ مهما خالف قول القرضاوى الاسلام والعقل  ، لأن القائل هو القرضاوى عليه سحائب الرحمة والرضوان . ولو نطق الخمينى بشىء فهو الحق ولو كره الكارهون . ومثلا ، فهم يصدقون البخارى فى زعمه أن النبى محمدا عليه السلام  أباح الزنا ، وأنه كان  مهووسا بالنساء وبالجنس . وقد ناقشنا هذا فى كتابنا ( القرآن وكفى ) وفى حلقات ( فضح السلفية ) .ولأن البخارى عندهم اله مقدس فكل ما يقوله صادق ، حتى لو خالف القرآن الكريم وطعن فى الرسول الكريم . فالحق عند شيوخ العوالم مرتبط بما يقوله أئمتهم ، سواء كانوا شيعة أو سنّة أو صوفية . وعندما يعترض أهل القرآن على هذا التخريف ويناقشونه مناقشة علمية يقال لهم : ومن أنتم ؟ . وكل ما نقوله بالقرآن الكريم فهو عندهم كذب وكفر وإزدراء للدين يستوجب السجن عند اللزوم ، أو القتل بحدّ الردة المزعوم . وليس مهما أننا نقول الحق لأن الحق عندهم مرتبط بالشخص الذى يقدسونه أو يبجّلونه .

12 ـ وهو نفس منطق الكفرة الذى أورده رب العزّة ، فقد كانت حّجتهم ضد القرآن هو أنهم إستكثروا أن ينزل القرآن على ( محمد ) وهو بمقياسهم ليس عظيما ، فالعظمة عندهم هى لأبى سفيان ولأبى لهب والوليد بن المغيرة ، أى هى لكبار المجرمين . يحكى رب العزة قولهم : (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف).وأوضح رب العزّة أنها عادة فى أى ( قرية) أى مجتمع فى المصطلح القرآنى ، حين يسيطر على هذه القرية كبار المجرمين . وهم حين تأتيهم الهداية يستنكفون أن تأتى الهداية من شخص آخر ، ويكفرون عتوا وإستكبارا لأن رب العزة جل وعلا قد إختار غيرهم ليقود مسيرة الهداية : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) الانعام ).

ولذا عاملوا النبى عليه السلام بإحتقار ، وكانوا يسخرون من مظهره المتواضع ، يشيرون اليه قائلين ساخرين. يقول جل وعلا : ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (36)،( الأنبياء )(  وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) الفرقان) . لذا قالوا للنبى عليه السلام نفس ما يقال لنا : لماذا أنتم ؟ ولماذا لم يقل ذلك من قبلكم علماؤنا المبجّلون المقدّسون . قالتها قريش للنبى عليه السلام ، أنهم لم يسمعوا قبل ذلك بهذا الذى يقوله القرآن الكريم (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا (8) ص ) . وحين نستشهد بالقرآن يقال لنا نفس الكلام .!

13 ـ أما حجتهم الأشد بؤسا فهى إعتبار الكثرة العددية دليلا على الهداية للحق : (هل كل المسلمين على ضلال ، وأنت الوحيد الذى هو على الحق ؟  )، وهذا طبقا لعقيدتهم الساقطة بخرافة الاجماع ، وقولهم البائس بأنه لا تجتمع أمتهم على ضلال ، بينما كلهم فى ضلال وفى شقاق بعيد ، وفى حروب يشيب لها شعر الوليد .  

14 ـ واقع الأمر أن المسلمين عددا قد جاوزا البليون ونصف البليون من كل أتباع الديانات الأرضية ( سنّة وصوفية وشيعة )، وأن الأغلبية الساحقة منهم ضالون متخلفون وفى الجهالة يعمهون . وهذا الواقع يؤكده رب العزة فى القرآن الكريم . فالله جل وعلا يصف ويصم أكثرية البشر بالضلال فى العقيدة ، وأنهم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يبصرون ولا يهتدون ، ولا يؤمنون ، وما يؤمن أكثرهم بالله جل وعلا إلا وهم مشركون . ويصف هذه الأكثرية بمصطلح ( الانسان ) ، ويوصف هذا الانسان بأنه ما أكفره ، وبأنه كفور وأنه كفور مبين وأنه خصم لرب العزة جل وعلا . ولسنا فى معرض استعراض آيات القرآن الكريم فهى كثيرة جدا ، ولكن نكتفى منها بقوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام : (  وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)( الأنعام )، اى إنّ أكثرية البشر ليسوا فقط ضالين بل ( مُضلّين )،وليسوا ( مضلين ) عاديين بل يستطيعون إضلال النبى نفسه لو أطاعهم .! فهل نقرأ هذه الآية الكريمة ونقول : ( صدق الله العظيم ) ؟ أم نظل نكذّب بالقرآن الكريم ونفترى على الله جل وعلا كذبا كما يفعل ( العوالم ) .

14 ـ ولقد وصف رب العزةهؤلاء الشيوخ العوالم وأئمتهم السابقين بالاجرام وبالظلم لرب العزة فقال جل وعلا: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)( يونس )( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ )(37) الاعراف ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) الانعام ).

وقال جل وعلا عن موقف شيوخ العوالم يوم القيامة وشهادة الأشهاد عليهم : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود ) وقد وعد رب العزة الرسل والمؤمنين المجاهدين والأشهاد بالنصرة فى الدنيا والآخرة فقال جل وعلا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) ( غافر ). ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من هؤلاء الأشهاد على أقوامهم يوم القيامة .

15 ـ وهؤلاء الأشهاد هم قليلون فى هذا العالم . وأيضا فإن أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أقلية وليسوا كثرة عددية : ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ  (24) ص) . وهذه القلّة المؤمنة الضئيلة من الأشهاد وغيرهم ستنقسم يوم القيامة الى نوعين حسب الايمان والعمل: السابقون المقربون وأهل اليمين. وكلاهما (ثلّة ) أى مجموعات قليلة العدد : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14) الواقعة ) (لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40)( الواقعة ).

 أخيرا :

هذا هو وضع الكثرة ووضع القلة بالنسبة للهداية طبقا لما قاله رب العزة ..مرة أخرى : هل نقول : صدق الله العظيم ؟ أم نكذّب رب العزة طاعة لشيوخ العوالم المحتجين علينا بكثرتهم العددية ، وبجهودهم فقد أصبح المسلمون بكثرتهم العددية أحطّ البشر فى هذا العصر ، هذا هو الواقع الذى يصدّق بالقرآن مهما قال الشيوخ العوالم .

اجمالي القراءات 14895