مقدمة :
1 ـ كان حمقى الحنابلة يتهموننا بالتشيع ، وكان الشيعة يهللون لما نكتبه نقدا فى الدين السّنى ، خصوصا مع تعرضنا لتحليل شخصيات ( ابى بكر وعمر وعثمان ). ثم كانت صدمة الشيعة قاسية عندما تعاملنا مع الاههم ( على بن أبى طالب ) بنفس الموضوعية بلا تقديس ولا تمجيد ، فكان نقدهم لنا . الآن لم تصبح لحمقى الوهابية حّجة علينا فى أتهامنا بالتشيع ، وهم لو قرءوا لنا أول كتاب أصدرناه عام 1982 عن ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) لرأوا أننا من البداية ضد التصوف والتشيع . وبالتالى فأن منهجنا واضح ، فى التعامل الموضوعى مع الشخصيات التاريخية بغضّ النظر عمّن يقدسها وفى الفصل الحازم والباتّ بين الاسلام (وهو القرآن الكريم فقط ) والمسلمين بتاريخهم البشرى وحضارتهم البشرية وتراثهم البشرى وأديانهم الأرضية . نحن نُنكر وبكل قوة أن يكون عمل المسلمين جزءا من الاسلام ، بل هو منسوب بخيره وشرّه لمن قام به ولمن قال به ومن إعتقده ، وليس لرب العزة جل وعلا شأن به ، بل سيحاسبهم جميعا على ما عملوه من صالحات وسيئات . ونؤمن بأن المسلمين لو قدروا الله جل وعلا حق قدره ما ارتفعوا بالبشر الى مصافّ التقديس الواجب لله جل وعلا وحده .
2 ـ بالنسبة للشيعة بالذات فلنا تاريخ طويل فى الدفاع عن الشيعة المقهورين فى مصر والخليج، ولكن تبخّر هذا كله عندما تعرضنا بالتحليل التاريخى المحايد لشخصية (على بن أبى طالب ) . هذا النقد الشيعى لنا يعنى إما أن تكون معهم فى التبرى والتولى وإمّا أن تكون ضدهم ، ولا مجال للتوسط . لا يكفى أن تتبرّى أو أن تنتقد أبا بكر وعمر وعثمان ، بل لا بد أن توالى وتقدّس عليا ومن يزعمون أنهم آل البيت . ( آل البيت قرآنيا هنّ أزواج النبى ، وليس عليا وذريته ). هذا يذكرنا بشيمة أساس لدى أصحاب الديانات الأرضية من اليهود والنصارى والسنيين والشيعة والصوفية والبوذيين والسيخ ..الخ ، وهى أنهم لن يرضوا عنك أبدا إن لم تتبع ملتهم ، وهذا ما قاله رب العزة جل وعلا لخاتم النبيين عليه السلام: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )البقرة (120).
3 ـ أننا ( أهل القرآن ) ننقد عقائد الشيعة والسّنة والتصوف، ونؤكد تناقضها مع الاسلام. وبعد إقامتنا الحُجّة عليهم قرآنيا نحترم حرية كل انسان فى إختيار عقيدته طالما لا يقع فى الاكراه فى الدين. ثم إننا لا نفرض رأينا على أحد ولا نفرض أنفسنا على أحد ، ولا نطلب أجرا من أحد ، نقول ما نعتقده حقا طلبا للاصلاح وتبرئة للاسلام من أوزار المسلمين ، ولا نعتقد فى أنفسنا العصمة ، بل نحن باحثون عن الحقيقة ، نثمّن النقد الموضوعى ونستفيد به ونشكره .
3 ـ والنقد المّوجه لنا منه ما هو هراء ( بالهاء وليس الخاء ) ، يشبه أنين المرأة الهلوك عند الجماع الجنسى ، وهذا لا نأبه به ، ضمن طريقنا فى الاعراض عن صعاليك الانترنت . ثم هناك نوع من التساؤلات سبق الرد عليها ، ولكن نُعيد الرد هنا لمزيد من التوضيح .
أولا : احاديث المناقب لا نأخذ بها :
1 ـ بعضهم يحتج علينا بالأحاديث الواردة فى فضل أبى بكر وعمر وعثمان وتقديس (على ) . دينيا ، نحن لا نأخذ بهذه الأحاديث لأننا لا نؤمن إلا بحديث رب العزة فى القرآن الكريم :(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )الاعراف: 185،المرسلات : 50) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) الجاثية :6) .ثم أنها تحوى كلاما عن الغيبيات ، وطبقا للقرآن الكريم فلم يكن النبى يعلم الغيب :(قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (الأحقاف 9 )( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الانعام 50 )(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ ) الاعراف (188).
من ناحية البحث التاريخى ، نحن لا نأخذ بها ، لتعارضها وتناقضها ، فقد كانت من أساليب الحرب الفكرية المذهبية التى بدأت مبكرا على هامش الفتنة الكبرى ، وإشتعلت نيرانها وتأجّجت فى حمأة الصراع السنى الشيعى . ومثلا ، فإن (الأخ الاستاذ أبو هريرة ) أكبر كذاب فى تاريخ أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط أشاع أحاديث فى فضل معاوية والأمويين، فقابله الشيعة بأحاديث فى تقديس (على ) وذريته ، واستمر هذا فى العصرين العباسى والمملوكى . ولا تخلو كتب الشيعة من أحاديثهم فى التبرى والتولى . والباحث التاريخى المحايد لا بد أن يهمل هذا كله ، خصوصا وأن نبرة التعصب واضحة فيها. وطبقا لمنهج البحث التاريخى فإن أقرب المصادر التاريخية صُدقية فى الحديث عن الخلفاء ( الراشدين ) هى المصادر التاريخية الأقدم المكتوبة فى العصر العباسى الأول ، من مؤرخين أمثال الواقدى وابن سعد ثم الطبرى . ومن جاء بعدهم نقل عنهم . ومن الكذب الصريح أن ترى روايات عن (على ) وغيره تمت كتابتها فيما بعد وعبر إسناد مصنوع كما كان يفعل ابن الجوزى ت 597 فى ( المنتظم ) ، والأكثر منه جرأة على الكذب ما ارتكبه الشريف الرضى فى كتابه ( نهج البلاغة ) .
2 ـ ( نهج البلاغة ) من تأليف الشاعر العباسى البغدادى الشريف الرضى ( 359 : 406 ) ، والذى كان نقيبا للعلويين الطالبيين فى زمنه ، وينتهى نسبه للإمام الكاظم . و قد جمع الشريف الرضى فى كتابه ( نهج البلاغة ) المتداول فى عصره من خطب وأقاويل نسبها الشيعة لعلى بن أبى طالب ، وكان من عادتهم نسبة كل مايحبون من الحكم والمواعظ الى ( على بن أبى طالب ) تعظيما لشأنه ، ووفق ما شاع فى العصرين والأموى والعباسى من أقاويل القُصّاص التى توجّه وعظا ونقدا بطريق ضمنى للحكام وقتها ، وهذا ما فعله الشريف الرضى إذ وجّه نقدا لبنى بويه على لسان ( على بن أبى طالب ) فى كتابه ( نهج البلاغة )، وقد كان نبو بويه شيعة ، ولم يمنعهم تشيعهم من ظلم بعض المنتسبين لآل البيت. لذا كان إصلاحهم مأمولا لو جاء على لسان ( على بن أبى طالب ) . ولأن عصر الشريف الرضى كان مثقلا بالمظالم فإننا نعتبر جمعه لهذا الكتاب نوعا من الاحتجاج على مظالم بنى بويه المتحكمين فى الدولة العباسية ، خصوصا وأن والده أبو أحمد كان عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والبويهية، وقد لقبه أبو نصر بهاء الدين بالطاهر الأوحد، وولي نقابة الطالبيين خمس مرات، ومات وهو النقيب وذهب بصره، وأوجس منه خيفة عضد الدولة البويهى فقبض عليه وحمله إلى قلعة بفارس، فلم يزل بها حتى مات عضد الدولة فأطلقه شرف الدولة ابن عضد الدولة ،واستصحبه حين قدم بغداد. أى كان من ضحايا الظلم . ويعتبره الشيعة ( نهج البلاغة ) كما لو كان قرآنا مقدسا ، ولذا وضعوا عليه الحواشى والشروح والتفسيرات . وأهمها شرح نهج البلاغة لأبى الحديد المعتزلى الذى أدرك العصر المملوكى ومات عام 656 هجرية .
من الناحية التاريخية البحثية فليس ( نهج البلاغة ) مصدرا تاريخيا معتمدا فى التأريخ لعلى بن أبى طالب ، وإن كان فى نظرنا يعتبر صادقا فى التعبير عن معتقدات الشيعة وثقافتهم والمتداول عندهم فى عصر الدولة البويهية وسيطرتها على الخلافة العباسية ؛ فهو نتاج العصر العباسى ولغته وثقافته ، بما يجزم بأنه لا صلة لهذا الكتاب بعصر الخلفاء ( الراشدين ) بثقافتهم البدوية البسيطة الرشيقة السطحية . كما أن خلافة ( على ) المثقلة بالأحداث العظام لم تكن لتتيح له كل هذه الخطب والمواعظ . هذا يستلزم شخصا متفرغا جالسا فى بيته أو فى المسجد يعطى مواعظ ودروسا لطلبة طيبين مطيعين . لقد قام الشريف الرضى بخدمة عقيدته الشيعية بلا حرج فى وقت حكم بنى بويه الشيعة ، فذكر الأحاديث المعتمدة لدى الشيعة ، ووضع السّب فى حق أبى بكر وعمر ، ممّا ألهب محققّى الدين السنى،والحنابلة منهم بالذات .
وقد تنبّه بعض محققى السّنة فى طعنه على ( نهج البلاغة ) الى الفارق الزمنى بين إغتيال ( على ) وعصر المؤلف الشريف الرضى ، وهى فترة تقترب من ثلاثة قرون ونصف القرن ، وهاجم الشريف الرضى بأنه لم يلتزم بمنهجية السنييّن فى الاعتماد على السّند والعنعنة . وهو كلام جميل يدل على عقل سقيم . فالسنيون نشروا أكاذيبهم عن النبى فيما يعرف بالحديث النبوى باصطناع أسانيد وعنعنات مزيفة ، وقد أراحنا منها الشريف الرضى ، فذكر الأقاويل المذكورة فى كتابه كما لو كان قد أخذها مباشرة من ( فم ) ( على بن أبى طالب ) بعد قرون من موت (على بن أبى طالب) . أما عن إحتجاج السنيين بالفترة الزمنية بين موت (على ) وتأليف ( نهج البلاغة ) فهى حجّة أكبر على السنيين الذين ظلوا يزيفون أحاديث وينسبونها للنبى عليه السلام من عصر الراشدين الى عصر السيوطى فى القرن العاشر الهجرى وبعده . ولم يحتجّ أحدهم بهذه الكثرة المليونية من الأحاديث التى تضخّمت بتوالى القرون ، وتوالى العصور . ولم ينتبه أحدهم الى الفترة الزمنية بين السيوطى وموت خاتم المرسلين عليه وعليهم السلام . أى كما يقول الشاعر ( رمتنى بدائها وإنسلّت ) .
ثانيا : قضية الحق والاستحقاق بين السياسة والدين :
1 ـ ينطلق الشيعة من أرضية كاذبة هى ( أحقية) (على ) بالخلافة دون أبى بكر ، و( أحقية ) الحسين بالخلافة من يزيد بن أبى سفيان . هى أرضية كاذبة دينيا وسياسيا. ونشرح ذلك بإيجاز. فعلى فرض أن لك الحق فى شىء فليس معنى هذا أن تناله فى دنيا الواقع . الحصول على ( الحق ) لا بد له من ( الاستحقاق ) ، أى أن تتأهّل بالقوة المناسبة والوسائل التى تستطيع وتستحق بها الحصول على حقك . النبى محمد عليه السلام كان على الحق ، ولكنه لجأ الى وسائل الاستحقاق بالصمود والهجرة وتكوين الدولة والدفاع عنها . لم يجلس الى جانب حائط معتزا بالحق الذى معه منتظرا أن تنزل ملائكة السماء لتؤسس له إستحقاقا للحق الذى يؤمن به. وفى الصراع العربى الاسرائيلى يهتف العرب بأنّ لهم الحق ، ولكنهم لا يفلحون فى التمكين بالاستحقاق ، او الاعداد للحصول على هذا الحق . فعل الاسرائليون الصهاينة عكس ذلك ، إعتقدوا أن لهم حقا فى فلسطين لا يوافقهم عليه معظم العالم ، ولكنهم أعدوا العدة للاستحقاق فاعترف لهم العالم بالاستحقاق .
2 ـ فى الاسلام ، هناك ( حق ) وهو القرآن الذى نزل بالحق واحتوى الحق : (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) الاسراء (105) . ولكن الحقّ القرآنى يحتاج إستحقاقا بالدعوة وبالجهاد ومواجهة أعداء الحق ، لذا يقول جل وعلا يأمر خاتم المرسلين بأن يجاهد بالقرآن الكافرين:( فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) الفرقان(52) . على المستوى الفردى الشخصى ، فهناك الحق القرآنى المعروض للهداية ، وللبشر حرية الاختيار بين الهداية والضلال ، وبالهداية للحق ( يستحقون ) الجنة . فالجنة هى بالاستحقاق . والنار كذلك ، يستحقها من يسعى اليها بالفسوق والعصيان .
3 ـ ومن هذا المنطلق يكون تقييم الصحابة دينيا وسياسيا : هناك صحابة وصفهم رب العزة بأنهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وأنه جل وعلا رضى عنهم ورضوا عنه ، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 100) ، ومنهم من قال جل وعلا عنهم (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ) الأحزاب 24 ) . هؤلاء إستحقوا الجنة بعملهم الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا . يقول جل وعلا عن أصحاب الجنة يوم القيامة (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الاعراف 43) . وهناك من الصحابة من أنبأ الله جل وعلا مقدما أنهم من اصحاب النار أى ( يستحقون ) عذاب النار بعملهم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة 101) . أى أن إستحقاق الجنة أو أستحقاق الجحيم هو بعمل الانسان فى هذه الدنيا . يسرى هذا على الصحابة وغيرهم .
4 ـ وبالفتوحات التى تناقض الاسلام وتحمل إسمه زورا وبُهتانا فإن صحابة الفتوحات قد كفروا بالله جل وعلا ورسوله ، وأرادوا الدنيا وباعوا الآخرة ، فاحتفل بهم التاريخ الذى يتراقص دوما فى مواكب الطغاة ، ولذا فقد إحتل الخلفاء الراشدون وغير الراشدين عناوين التاريخ ، وإمتلأت صفحاته بدماء ضحاياهم . وهم بها قد إستحقوا عذاب الجحيم وغضب رب العزة ولعنته التى تحيق بمن يقتل إنسانا بريئا مسالما واحدا، يقول جل وعلا :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(94) النساء) ، فكيف بملايين الأبرياء ؟! واقع الأمر أن صحابة الفتوحات قد تصارعوا على متاع الدنيا ، وفى سبيلها باعوا الاسلام والدار الأخرة ،وهنا يكون الاستحقاق السياسى بمدى النجاح أو الفشل. ليس هنا كلام عن ( الحق ) او ( النّص ) على خلافة فلان او علان . هو صراع على السلطة والثروة ، الناجح فيه هو الذى يصل الى الحكم ، ويكون قد أعدّ للأمر عُدّته باصطناع الأنصار وشراء العملاء ، ومراضاة هذا وخداع ذاك طبقا للقيمة السياسية الكبرى المنافية للأخلاق ، وهى ( المنفعة ). وقد أفلح معاوية فى فنّ الدهاء والرشوة والاغتيال ، بينما فشل (على ) لأنه ( رقص على السلم )، زعم انه يريد الآخرة ، وهو غارق فى الصراع على الدنيا ، بل أتاح لبعض أتباعه أن يزايدوا عليه وأن يخرجوا عليه مما زاد فى فشله وسبّب مقتله . ثم، إن الدولة الاسلامية تتناقض مع الدولة الدينية التى يقوم على أساسها الفكر الشيعى والسّنى، والتى تمت إقامتها قرونا ولا تزال . الدولة الاسلامية هى دولة الديمقراطية المباشرة ، وهذا ما أوضحناه فى مقال عن التناقض بين الدولتين الاسلامية والدينية . وطالما أن الاستبداد الفرعونى مرفوض قرآنيا فإن ( النّص ) على (إمام متألّه ) يحكم متمتعا بالعصمة الالهية هو خروج بشع عن الاسلام ، ويستوجب من قائليه حُمرة الخجل لو كانوا فعلا يؤمنون بالله جل وعلا واليوم الآخر .
نهاية المطاف أنه لا حق ولا إستحقاق لعلى وبنيه دينيا أو سياسيا . فقد كفروا بالله جل وعلا دينيا وفشلوا فى الدنيا سياسيا. ونعيد التأكيد هنا أننا نحكم طبقا لروايات تاريخية معروفة وشخصيات تاريخية معروفة ، ولكن لا محل لها فى عقيدة الاسلام .
ثالثا : ألا يوجد صحابة أبرار ؟
1 ـ . ولأن موضوعنا هو عن ( إنتهاك الأشهر الحرم ) فلا مجال هنا لأولئك الصحابة الأطهار فى الانتهاك بل المجال لصحابة الفتوحات . نحن نؤمن بوجود صحابة أطهار أبرار سابقين رضى الله جل وعلا عنهم ورضوا عنه . بل إنّ من ينكر وجودهم فهو كافر بالقرآن الذى أكد فى آيات متفرقة على وجودهم ، ولكن المشكلة فى التاريخ أنه لا يأبه إلا بمجرمى الحرب والطغاة سفاكى الدماء . ومع ذلك فإن بين سطور التاريخ ترى نماذج لبعض الصحابة الذين نعتقد أنهم ـ طبقا للمكتوب عنهم ـ من الأبرار السابقين. ونعطى هنا مثلا:
2 ـ مصعب بن عمير : سبق زمنا فى الدخول فى الاسلام . وإسلامه أحدث تغييرا جذريا فيه . كان فتى مترفا منعما ، وعندما أسلم فقد حنان أمه وعطفها ، وتعرض للتعذيب والحبس ، وعاش فقيرا رثّ المظهر بعد تنعمه ورفاهيته . وهاجر للحبشة ، ثم عاد الى مكة ، ثم كان أول من هاجر الى المدينة ،إذ بعثه رسول الله عليه السلام بعد بيعة العقبة الى المدينة ليدعو أهلها الى الاسلام ، فكان لهم إماما للصلاة ، وأسلم على يديه كبار الأنصار ، ومنهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير . ثم كان مقتله فى موقعة (أُحد ) دفاعا عن النبى عليه السلام ، فقد حمل أُبيّ ابن خلف على النبى يريد قتله، فتصدى له مصعب بن عمير مدافعا عن النبى وضرب وجه أبى بن خلف وصرعه . وظل مصعب يحمل لواء النبى مدافعا عنه معرضا نفسه للقتل حتى قتله ابن قميئة ، وهو يظن أنه قتل النبى.وبعد مقتله لم تكن عليه من الثياب ما يستره ، مما أبكى الناس عى فتى قريش المدلل المنعّم المترف الذى ضحى بنعيم الدنيا فى سبيل الله جل وعلا. رحمه الله جل وعلا.
أخيرا : ولا تزال لنا وقفة أخرى فى الردود .