المقصد الأساسي لهذه المقالات هوالحض على إعادة النظر في تراثنا الموصوف بالإسلامي ,واستخلاصه من بين براثن الإسرائيليات:
ويتمادى الوضَّاعون في تخيلاتهم حتى تقترب بهم من الكفر والخروج من الملة , مثل قولهم إن آدم تُعرض عليه أرواح ذريته وهو جالس في السماء الدنيا , فيصنفها بين طيِّبة وخبيثة , ويأمر بالطيبة فتدخل الجنة , ويأمر بالخبيثة فتدخل النار (المرجع : كتاب الإسراء والمعراج لابن حجر العسقلاني والسيوطي – جمع وتحقيق محمد عبد الحكيم القاضي) . وذاك التصنيف والأمر بالدخول في الجنة أو النار , من أمر الله وحده وليس لبشر وإن كان نبيا . ومثل قولهم إنه أثناء الإسراء مع جبريل , قابل النبي خلقا من الخلق فقالوا له :"السلام عليك يا أول , السلام عليك يا آخر , السلام عليك يا حاشر , فقال له جبريل : اردد السلام يا محمد , فرد السلام (المرجع السابق). والمعلوم أن الوصف بالأول والآخر والحاشر لا يجوز لغير الله تعالى , والغريب أن يسمع النبي وجبريل ذلك ولا ينتقدانه . وزعموا أن النبي رأي أثناء عروجه الجنة والنار, علما بأنهما لم تُخلقا بعدُ , فمآل الكون كله إلى فناء - عدا الله تعالى – فما معنى خلقهما دون وظيفة في الدنيا إذ تبقيان خاليتين بلا نزلاء حتى قيام الساعة , ثم تدميرهما وإعادة إنشائهما بعد الدنيا في الآخرة والله منزه عن العبث . وسدرة المنتهى...أشَجَر وزرع في السماء وأنهار دجلة والفرات وسيحون وجيحون ؟! وماذا يصنع الأنبياء في السماوات العُلى! إنهم بشر عاشوا ثم ماتوا , وهم في ذلك مثل سائر الخلق ومثلنا بعد الممات بانتظار البعث يوم القيامة . ولما تباينت مزاعم الوضاعين واختلف كلامهم عن سكان السماوات من الأنبياء , كان تداركهم أشد غرابة , فلما اختلفوا مثلا بشأن مكان نبي الله إبراهيم , قالوا مرة إنه كان في السماء السادسة ومرة أخرى في السماء السابعة , واستدلوا بذلك على أن الإسراء حدث مرتين ,"ويكون في كل مرة وُجد في سماء , وإحداهما موضع استقراره ووطنه , والأخرى كان فيها غير مستوطن ( المرجع : صحيح مسلم بشرح النووي ).وذكروا أنه كان مسندا ظهره إلى جدار البيت المعمور في السماء السابعة , ولما تباينت مزاعمهم عن هذا البيت المعمور , عادوا فقالوا إنه في السماء الرابعة , وقيل في السادسة , وقيل تحت العرش , وهو بيت على مثل البيت الحرام لو سقط لسقط عليه ! حُرمته في السماء كحرمته في الأرض , واسمه الضراح! واختلفوا في الحكمة في اختصاص كل نبي بالسماء التي لقيه النبي فيها , ولماذا لم يجتمع كل الأنبياء معا في مكان واحد , وانتهوا إلى أنه لا حكمة من وراء ذلك , وإنما أُمروا بملاقاته فمنهم من سبق ومنهم من لحق ! وكُتب التفاسير التي ورد بها أن الأرض يحملها حوت , ليس بالغريب عليها أن تقول بصعود النبي إلى السماوات السبع على بساط الريح , فالعقلية الخرافية هي التي أنتجت مثل هذا الكلام , وهي نفسها التي تقبله وتروجه , وهي عقلية قلما تنهزم أمام العلم والمنطق بسهولة . انتهى المقال العاشر ويليه الحادي عشر بإذن الله تعالى , بتصرف من كتابنا .....بين القرآن والتراث-نبيل هلال هلال