مصر منطرحة الآن على وجهها وبطنها، فهل سيستطيع شبابها إعادتها لتقف على قدميها؟!!. . كان الثعلب قد نجح في القفز على ظهر الفيل وأنشب مخالبه في رقبته، فاضطر الفيل للركوع على ركبتيه، لكن غالباً لبعض الوقت، حتى يتمكن من الإتيان بالثعلب تحت أقدامه الغليظة الضخمة.
هي أكذوبة ابتلعناها أنه في عهد مبارك كانت القبضة الأمنية ضد الآراء الحرة، والعكس هو الصحيح إلا القليل النادر، فالقبضة الأمنية في أغلب إن لم يكن كل ممارساتها كانت قوية على الإرهاب، بل وبصورة أقل أحياناً مما ينبغي، ومصادرة الفكر ومطاردة المفكرين كان أغلبها من الظلاميين عبر تلاعبهم بالقانون، فوفق هذه الكذبة الهائلة أدخلنا خيرة رجال الأمن والسياسة للسجون، وأخذنا في مطاردة رجالات الاقتصاد، لنبدأ بعدها نهضة التسول والخداع والتهديد بالمذابح إن قلنا لا لزبانية الظلام، بعدما أتينا بأكثر المخلوقات بشاعة ليحكمونا. . حجم الأكاذيب الذي تمخضت عنه الثورة مذهل، هي أشبه بكتلة هائلة من الأكاذيب تتدحرج لتسحقنا تحتها!!
لا أقول أن مبارك ورجاله كانوا ملائكة أو أبرياء تماماً، إذ يكفي محاولته توريثنا لنجله لنصب عليه وابل النقمات التي يستحقها، رغم أننا نورث فعلياً للعسكر منذ انقلاب يوليو المشؤوم، وحتى لا يسيء أحد فهمي، عصر مبارك كان حافلاً بالفساد والتقصير، كما كان أيضاً حافلاً بالإنجازات السياسية والاقتصادية والأمنية، وكان ينبغي تغيير هذا النظام السياسي بعدما تعذر إصلاحه من الداخل، لكن هذا لا يعني بأي حال أن نتجاهل الإنجازات ونقلبها مسالباً، ولا أن نأتي بالمجرمين ليحاكموا ويعزلوا أسيادهم ذوي التاريخ المجيد في خدمة هذا الوطن، وإن شاب أداؤهم القليل أو الكثير من التجاوزات والأخطاء، فنحن شئنا أم أبينا دولة من دول العالم الثالث، وشتان بين نظام حكم يرتكب بعض الأخطاء أو الخطايا، وبين نظام حكم هو جريمة في حد ذاته، فلا ينبغي أن ننساق في تقييمنا للعهد الماضي للتهويلات والمبالغات التي يروجها من يعدون عاراً في جبين الإنسانية.
هناك من آمنوا بالثورة وأهميتها وأنا واحد منهم، وهناك من تخوفوا منها وتحسبوا ممن سيقفزون عليها، ورغم تحسبي الشخصي ممن سيطروا عليها بالفعل، إلا أنني اعتقدت ومازلت أعتقد أن الثورة كانت ضرورة بعد فشل كل محاولات إصلاح النظام من داخله، وأن علينا الآن أن نستعيد توازننا، ونغير ما يجب أن يتغير من أنفسنا حتى نستطيع التخلص ممن قفزوا فوق ظهورنا والتقدم لما أفضل، لكننا وقد أثمرت الثورة حتى الآن هذه النتائج الوبيلة، فليس من حقنا أن نتعالى على من رفضوها تخوفاً منذ البداية، فلقد ثبت أن تخوفاتهم حقيقية، وأن تفاؤلنا المفرط كان في غير محله. . علينا توسل التوافق مع الملايين التي نطلق عليها الآن فلولاً، لكي يساعدونا في إصلاح من أفسدته ثورتنا غير الميمونة، وعلينا بالتوازي مع هذا أن نتراجع عن تضخيمنا لمساوئ عهد مبارك، ذلك العهد الذي كان مقصراً وفاسداً ومهيمناً، لكن ليس بالدرجة التي صورتها الأكاذيب والأضاليل التي روجها نزلاء السجون من الظلاميين والإرهابيين. . التقييم الموضوعي الصادق والأمين للماضي هو البوابة نحو مستقبل أفضل.
إن من يزايدون الآن باسم الثورية رفضاً للفريق/ أحمد شفيق ومؤيديه، أولى بهم أن يخجلوا من أنفسهم وجهالاتهم التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن، أولى بهم أن يطلبوا المغفرة ممن نسميهم "حزب الكنبة"، فهؤلاء المسالمين الخانعين الراضين بالقضاء والقدر، أخذناهم نحن بحماقاتنا إلى مصير مظلم لا ندرك حتى الآن أبعاد الخراب الذي يمكن أن يجلبه علينا. . علينا بتواضع حقيقي محاولة أن نستعيد ثقة هذه الملايين بنا، وهي ثقة صعبة المنال بعدما أثبت الواقع حجم جهلنا وتفاهتنا، بدون هذه الملايين سيكون المصير المستحق لمن نلقبهم "ثواراً" و"عاصري ليمون" هو السجون التي يرسلهم إليها مرسي ونظامه الآن.
تعقلوا وتواضعوا يا أهل الحناجر وقذف الأحجار ورمي المولوتوف، تعقلوا واحتموا بإخوانكم "الفلول" و"حزب الكنبة"، فهؤلاء هم القادرين معكم على إصلاح ما أفسدتموه، فالإصلاح لن يحدث إلا إذا تغيرنا جميعاً معاً، وغادرنا إلى الأبد أفكارنا وقيمنا ومثلنا وسلوكياتنا العتيقة، وفتحنا قلوبنا وعقولنا لحضارة العصر وقيمه ومعاييره، وإلا يكون المصير الأسود الحالي هو أكثر ما يليق بنا ونستحقه.
تعقلوا وتواضعوا يا أهل الحناجر وقذف الأحجار ورمي المولوتوف، تعقلوا واحتموا بإخوانكم "الفلول" و"حزب الكنبة"، فهؤلاء هم القادرين معكم على إصلاح ما أفسدتموه، فالإصلاح لن يحدث إلا إذا تغيرنا جميعاً معاً، وغادرنا إلى الأبد أفكارنا وقيمنا ومثلنا وسلوكياتنا العتيقة، وفتحنا قلوبنا وعقولنا لحضارة العصر وقيمه ومعاييره، وإلا يكون المصير الأسود الحالي هو أكثر ما يليق بنا ونستحقه.
Kamal Ghobrial