( كتاب الحج ب 4 ف 18 ) انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عثمان

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٨ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل السادس عشر  : انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عثمان .

 أولا : البلاد المفتوحة أسوأ حالاً في عهد عثمان

1 ـ ونبدأ بالإشارة إلى حال الغلابة الذين أكل العرب اموالهم واسترقوا نساءهم وأولادهم .أهل البلاد المفتوحة .ونسأل هل ساءت أحوالهم أم تحسنت في عهد عثمان ، والإجابة على السؤال تعطي سبب مقتل عثمان ، فالله تعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

2ــ لقد استمرت الفتوحات في خلافة عثمان: ففي سنة 24هـ فتح العرب الرى ، سنة 26هـ فتحوا سابور ، سنة 27هـ أغاروا على قبرص وفتحوا أرجان وداربجرد ، وفتحوا شمال أفريقيا وأغاروا على الأندلس ، سنة 28هـ فتحوا قبرص وغنموا أموالا هائلة وسبوا آلافا من السبايا فبكى أبو الدرداء وقال " سلط الله عليهم السبي لأنهم ضيعوا أمر الله" ، سنة 29هـ فتحوا أصطخر في الشرق ، سنة 30هـ فتحوا جنديا سبور ونيسابور وطوس وسرخس ومرو وبيهق في أواسط آسيا ، وكثرت الأموال حتى كان عثمان يأمر للفرد الواحد بمائة ألف بدرة مال في كل بدرة أربعة آلاف أوقية ذهب ، سنة 31هـ الانتصار على الروم في معركة ذات الصواري البحرية في البحر المتوسط ، وفتح أرمينية ، وسنة 32هـ استكمال فتح مرو وفتح الطالقان وطخارستان في الشرق ،والإغارة على القسطنطينية ، وسنة 33هـ الإغارة على الحبشة وغزو النوبة ، سنة34هـ ، سنة35هـ التذمر ثم حصار عثمان ثم مقتله.ومن العرض السريع لأهم الأحداث في خلافة عثمان يظهر أن الفتوحات استمرت حتى قبل مقتله بعامين.أى بعد توقف الغزو بعامين فقط جاء الانتقام الالهى من عثمان بقتله فى الشهر الحرام .

3 ـ وقد استمر السلب والسبي أثناء وبعد المعارك ، بالإضافة إلى الجزية والخراج بعد توطيد الحكم واستقراره ، وكان دفع المهزومين الجزية يعد دليلاً على إسلامهم ، كما كان رفضهم دفع الجزية دليلاً على كفرهم ، نفهم هذا من قول الطبري عن سعيد بن العاص أنه : ( صالح أهل جرجان وكان يجبون أحياناً مائة ألف وأحياناً مائتي ألف وأحياناً ثلاثمائة ألف" أي كانوا يدفعون هذا المقدار جزية ثم يقول الطبري " ثم امتنعوا وكفروا فلم يعطوا خراجاً حتى اتاهم يزيد بن المهلب ) ، أي أنهم حين امتنعوا عن دفع الأموال صاروا كفاراً. أي ارتبط اسلام أولئك الناس الذين لم يدخلوا الإسلام بدفعهم الأموال للعرب ، فإذا امتنعوا صاروا كفاراً مستحقين للقتال والغزو والتأديب ، وهذا ما كان يحدث في إعادة الغزو لإجبارهم على دفع الأموال ، وهذه الأموال التي تضخمت لدى العرب بالظلم هي التي سببت اختلافهم ، وكانت السبب المباشر في قتل عثمان ثم الفتنة الكبرى.

4 ـ وهنا لا نجد اختلافا بين موقف عثمان وعمر فيما يخص ظلم البلاد المفتوحة وسلب أموالها وسبي أهلها ، بل ربما نجد ظلمًا أكبر في عهد عثمان مبعثه التساهل مع الولاة والحـُمـَّى والشراهة  في جمع المال بأي طريق ، ونعطي على ذلك أمثلة من مصر نسوقها مما ذكره المقريزي المعروف بتعصبه ضد الأقباط ، يقول نقلا عن ابن الحكم : ( إن عمر كتب لعمرو بن العاص بأن تختم في رقاب أهل الذمة بالرصاص ، وجزّ نواصيهم )، وذلك مع فرض الجزية على الرءوس وكانت 40 درهما أو دينارين، ثم جزية عينية ، ونقل المقريزي رسائل لعمر يستحث فيها عمرو بن العاص على زيادة الخراج والجزية ، ويعتذر له عمرو بأن ذلك يستلزم إصلاحات وتعميراً ورفقاً بالناس وكان ما يجمعه عمرو من جباية مصر 12مليون دينار .. هذا عن عمر.  ثم عزل عثمان عَـمْـربن العاص  وولى مكانه عبد الله بن سعد الذي جبى بالعسف والظلم الزائد خراجاً من مصر قدره 14مليون دينار ، فأعجب ذلك عثمان فقال لعمرو: " لقد درَّت اللقحة (أي الناقة) بأكثر من درها الأول " ، أي درت مصر ـ البقرة الحلوب ـ لهم بخراج أكثر في ولاية ابن سعد ، فقال له عمرو: "أضررتم بولدها" أي أجعتم وأرهقتم الناس. أى أن عثمان استنزف أموال مصر بأكثر مما استنزفه عمر في خلافته. ولنا أن نتخيل قسوة ابن سعد هذا في جمع الأموال ، حين نتذكر أنّه من أسباب ثورة العرب في مصر عليه وعلى عثمان أنه قتل رجلا عربياً اعترض عليه ، قتله ضربا بالسوط ، فكان الأعراب في مصر هم أقوى فرقة في الثورة على عثمان ، فإذا كان عبد الله بن سعد يفعل هذا في عربي مسلم من جيش الفتح فكيف به في تعامله مع المصريين الغلابة؟. إلى هنا ينتهي دور الغلابة في موضوع عثمان ، ويتبقى دور أموالهم المسلوبة وكيف فعلت بعثمان وبالعرب ، وهنا حكمة المولى القدير حين يتحول المال المسلوب إلى سيف انتقام يتقاتل بسببه الظالمون.وهذا يستلزم تحليلا سريعا .

 ثانيا : مؤامرة إستخلاف عثمان بدلا من ( على ) :

1 ـ المتفق عليه بين المؤرخين أن عمر بعد أن طعنه أبولؤلؤة الفارسى المجوسى عيّن كبار الصحابة ليختاروا من بينهم خليفة( على ، عثمان ، الزيبر ، طلحة ، سعد ، عبد الرحمن بن عوف )، وجعل معهم ابنه عبد الله ليكون له حق التصويت دون حق الترشيح . وأمهلهم مدة لهذا . ولأن كل واحد من الستة كان يطمع فيها لنفسه ، فاقترح عبد الرحمن بن عوف أن يلى الخلافة مؤقتا على ان يقوم بالتشاور وإختيار خليفة ويعلنه وينتهى بهذا دور عبد الرحمن . ووافقوا على رأيه ، وبدأ عبد الرحمن بن عوف يستشير كل واحد من رفاقه الخمسة ، فيمن يراه خليفة بدلا منه، وانقسمت الآراء بين (على) و(عثمان) . وواصل عبد الرحمن بن عوف مشاوارته مع أهل المدينة فكانت الآراء بين ( على ) و ( عثمان ) . وكان لابد لعبد الرحمن بن عوف ان يعلن واحدا منهما خليفة فى مؤتمر عام فى المسجد ، فاستدعى عليا فى البداية وطلب منه أن يعلن التزامه بسيرة عمر وأبى بكر ، فقال مايعنى انه سيبذل جهده فى السير على طريقهما ، ولم تعجبه كلمة ( على )، فاستدعى عثمان فاستجاب بلا تحفّظ . وبمقتضى سلطته فى الاختيار أعلن عبد الرحمن بن عوف إختيار عثمان ، وبويع خليفة . هذا هو ( السيناريو) الذى ظهر للناس ، والذى قام فيه عبد الرحمن بن عوف بدور البطولة .ونراها مؤامرة حيكت ضد ( على ).

2 ـ  عبد الرحمن بن عوف كان شريكا لعمر ولعثمان فى التآمر على قتل أبى بكر وفى استخلاف عمر بعده . لذا كان لا بد لحماية نفسه من ان يختار عثمان بدلا من ( على ) . إن النفوذ القرشى تركز فى بنى هاشم ويمثلهم ( على ) وبنى أمية ويمثلهم عثمان، وبقية رءوس الصحابة من قبائل قرشية أقل شأنا . وهناك الخشية من أن الخلافة لو وصلت لبنى هاشم فلن تخرج منهم،وبالتالى تضيع طموحات الآخرين، وهذا عكس عثمان الأموى ، فليس بوسع عثمان أن يجعل الخلافة فى بنى أمية .

3 ـ ولقد تطلعوا الى خليفة سهل ليّن الجانب ، ولم يكن ( على ) هو الشخص المناسب . لقد تشوقوا الى عهد جديد يتمتعون فيه بالثروة والنفوذ فى ظل خليفة هيّن ليّن بعد أن أمسك عليهم عمر ، ورأوا أن ( عليا ) سيكون إمتدادا لعمر. وقد ملّ الناس شدّة عمر وحزمه وصرامته ودرّته ، وقد منع كبار الصحابة من الانسياح فى البلاد المفتوحة وألزمهم بالبقاء الى جانبه فى المدينة ،يروى الطبرى: (قال الشعبي : لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملته قريش  ) ، وعثمان هو الذى فتح لهم باب الثراء وجعلهم مراكز قوى فى خلافته . يقول الطبرى: ( فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر ، فانساحوا في البلاد ، فلما رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع اليهم من لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام ) ، ( فلما ولي عثمان خلّى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس فكان أحب إليهم من عمر .) ( لم تمض سنة من إمارة عثمان حتى اتخذ رجال من قريش أموالا في الأمصار ، وانقطع إليهم الناس ، وثبتوا سبع سنين ، كل قوم يحبون أن يلي صاحبهم . ) . وفعلا حققوا ثروات لم يحلموا بها فى خلافة عثمان . وكأن أولئك الخمسة ( عبد الرحمن بن عوف ، طلحة ، الزبير ، سعد ) أكثر من إستفادوا فى خلافة عثمان بالاضافة الى عثمان نفسه .

4 ـ ونعيد التذكير بثرواتهم:( عثمان )مع شدة كرمه وكثرة عطاياه كان له يوم مقتله ثلاثون الف الف درهم وخمسمائة الف درهم ومائة الف دينار ، وقد نهبها الثوار الذين قتلوه ، بالاضافة الي ما قيمته مائتا الف دينار من الاصول . (الزبير ابن العوام ): كان لديه 35 الف الف درهم ومائتا الف دينار ، ويقال 51 الف الف درهم او 52 الف الف درهم ، بالاضافة الي مساكن وعقارات وخطط في الفسطاط والاسكندرية والبصرة والكوفة ، كما ترك غابة او بستانا هائلا بيع بـ الف الف وستمائة الف . ( عبد الرحمن بن عوف ): مات سنة 32 هـ قبيل عثمان ، ترك ذهبا كانوا يقطعونه بالفئوس حتي محلت ايدي الرجال منه .(سعد ابن ابي وقاص) : ترك 250 الف درهم بالاضافة الى قصره المشهور فى العقيق . (طلحة بن عبيد الله ): كان في يده خاتم من ذهب فيه ياقوته حمراء ، وكان ايراده من ارضه في العراق الف درهم يوميا او ما بين 400 الي 500 الف درهم سنويا في رواية اخري ، وترك بعد موته الفي الف درهم ومائتي الف درهم ، و مائتي الف دينار ، وترك اصولا وعقارات بثلاثين الف الف درهم .وترك مائة بهار مليئة بالذهب في كل بهار ثلاثة قناطير او اثنين من الارادب ، أي ترك 300 اردبا ذهبا او 200 قنطار ذهبا ( طبقات ابن سعد 3/ 53 ، 76 ، 77، 157 ) ( المسعودي مروج الذهب 1/ 544 : 545).

5 ـ لذا نرى إن إستخلاف عثمان كان مؤامرة محبوكة ، وكان ( على ) ضحية لها . ونرى أصابع أبى سفيان ليست عنها ببعيدة ، تقول الرواية التى ذكرها المسعودى فى مروج الذهب ج 1 ص 551 ، ونراها صادقة : ( حين بويع عثمان دخل أبو سفيان داره ومعه بنو أمية ، فقال ابو سفيان ـ وكان قد عمى ـ أفيكم أحد غيركم ؟ قالوا : لا . قال : يا بنى أمية تلقفوها تلقف الكرة ، فو الذى يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم . ولتصيرنّ الى صبيانكم وراثة .).وتحقق أمل أبى سفيان فيما بعد .

ثالثا : كان مستحيلا أن تنشب ثورة ضد عمر للأسباب التالية:

1 : فقد أشغل العرب بالفتوحات والانتصارات ، فعاشوا عصرا لم يحلموا به ، وظلوا فى غزو وسلب ونهب وسبى وتوطيد للحكم طيلة عهده دون أن يلتقطوا أنفاسهم ، بل إستمر هذا فى عهد عثمان باستمرار الغزو والسلب والنهب . فلما توقف الغزو إختلفوا وقتلوا عثمان ودخلوا عصر الفتنة الكبرى ولم يخرجوا منها حتى الآن . كان جهادهم وغزوهم ليس فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل المال والنساء والسلطة والثروة ، لذا سرعان ما اختلفوا بمجرد توقف الغزو ، وكان الاختلاف حول المال .

 2 : جمع عمر بين العدل والحزم فى تعامله مع العرب ، لم يميّز نفسه أو أقاربه على أحد ، وجعل العرب جميعا حزبا واحدا فى مواجهة الأمم المفتوحة التى صارت غنيمة للعرب جميعا. بالعدل ضمن ولاءهم ، وبالحزم أخاف منه الجميع ، فلم يجرؤ أحد على مواجهته،سواء من قريش أو من قبائل العرب .

3 : الى جانب العدل والحزم استعمل عمر دهاءه فى ضمان ولاء أكبر قوتين فى قريش ؛ الأمويين والهاشميين . حافظ على ولائه لأبى سفيان ، وترك معاوية يحكم الشام منفردا ، والأمويون أصحاب علاقات بقبيلة كلب،وهم القوة الحربية التى تسيطر على الشام ،وقد ضمن معاوية ولاءهم ، وتعزّز هذا بزواج معاوية من ميسون بنت بحدل الكلبى زعيم قبائل كلب ، وأنجب منها إبنه يزيد . وعزّز هذا أيضا استمرار معاوية فى الحكم مؤيدا لعمر ، يغزو باسمه الروم ويسلب وينهب دون مساءلة من عمر . ثم إستطاع عمر بدهائه أن يستميل الى جانبه بنى هاشم و( عليا )، فجعل ( عليا ) مستشارا له، وتزوج ابنة (على) وأنجب منها ، بنفس الكيفية التى جعل النبى يتزوج حفصة بنت عمر.

رابعا : حتمية الثورة على عثمان

1 ـ كان حتميا أن يثور العرب على ( عثمان ) لاختلاف شخصيته عن عمر ، ولاختلاف عهده عن عهد عمر ، إذ شهد العرب تغييرات هائلة لم تكن فى أحلامهم ، بما أصبح فى أيديهم من مستعمرات وكنوز . وهم حتى ملّوا شدة عمر ، فكيف بهم مع خليفة فاسد مثل عثمان . لقد أشار المؤرخون لأسباب الثورة على ( عثمان ) ومقتله . منها إنحيازه لأقاربه الأمويين ، وإنسياح الصحابة فى الأمصار ، وكان عمر قد حجر عليهم وأبقاهم الى جانبه فى المدينة ، فسمح لهم عثمان بالخروج فأصبحوا مراكز قوة وثروة وأطماع سياسية ، وبالتالى تركزت الثروات فى قريش خصوصا الأمويين مما أثار الأعراب وهم جند الغزو والفتح . ونرى أن الأسباب الأساس هى توقف الفتوحات ، وفساد عثمان وعناده ، وتآمر قريش عليه بما فيهم الأمويون.

2 ـ عندما ثار الأعراب والعرب فى حركة الردة وهزمتهم قريش رأت قريش أن العرب بما تعودوه من غزو وتقاتل لن يكفوا عن الثورة بالردة أو بأى حُجّة ، فكانت إستنفاذ طاقتهم وإدمانهم السلب والنهب والغزو بالفتوحات . وقتها وصلت الدولة الكسروية الى مرحلة من الترف والفساد ممّا سهل سقوطها سريعا أمام العرب.  وصمد الروم إذ تحصنت عاصمتهم بالبحر ، فاستمرت القسطنطينية رأسا بلا جسد بعد أن إقتطع العرب جسدها ومستعمراتها فى مصر والشام وشمال افريقيا . بتوقف الغزو فى عهد عثمان رجع العرب الى طبيعتهم الأولى للتقاتل فيما بينهم ، كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله . فكان حتما بعد توقف عثمان عن الغزو أن يثوروا على عثمان ، خصوصا وأنه كان نقيضا لعمر فى فساده ومحاباته لأهله وعناده ورفضه للاصلاح الى نهاية حياته، ومع تأكده من أنهم سيقتلونه .

خامسا : تآمر قريش على عثمان

1  ـ إلا إن المثير للإهتمام هو تآمر قريش على ( عثمان ) . وهذا ما نقرأه بين سطور الروايات التاريخية ومجريات الأحداث . ( معاوية ) فى تنفيذه لخطة أبيه أبى سفيان بعد موت أبيه ، أسهم فى تشجيع عثمان على الفساد وسلّط عليه ابن عمه مروان بن الحكم  ، ثم تركه وحيدا يواجه الثورة عليه دون أن ينجده بجيش يأتى من دمشق الى المدينة. لقد ظل عثمان محاصرا 49 يوما يستغيث ، ولا مغيث . بل اكتفى معاوية بنشر أنباء تفيد بقدوم جيش لنصرة عثمان ، فجعل الثوار يسرعون بقتل عثمان قبل ان يأتى الجيش المزعوم لنجدة عثمان !. وقتلوا عثمان ولم يكن هناك جيش آت فى الطريق ممّا مكّن الثوار من بيعة ( على ) واستمرار سيطرتهم على المدينة وهم آمنون بعد أن تأكدوا من عدم وجود جيش قادم . أى إن معاوية هو الذى حرّض على قتل ابن عمه عثمان. إنّ كل ما حرص عليه معاوية هو ان يحصل من أرملة عثمان على ( قميص عثمان ) ليستغله فى الوصول للحكم . أى كان لزاما قتل عثمان ليتخذ منه معاوية حُجة للمطالبة بثأر عثمان . فهل يطالب بثأر عثمان وعثمان حىُّ يُرزق ؟ . وبالمطالبة بثأر عثمان وصل معاوية للحكم ، ومعه جيشه من قبائل كلب الذين تعودوا السمع له والطاعة .  

2 ـ وهناك ناحية لم يتعرض لها الباحثون فى تاريخ الفتنة الكبرى ، وهو دور الحزب ( البكرى ) فى قتل عثمان . نقصد بالحزب البكرى السيدة عائشة ومحمد بن أبى بكر ، والزبير صهر أبى بكر ، وطلحة ، وهو ابن عم أبى بكر . فهو ( طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ) وأبو بكر هو ( أبو بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة .) . الزبير كان منحازا لعلى ، فأم الزبير هى صفية بنت عبد المطلب ، عمة النبى وعمة (على ) . ولكن الثروة التى هبطت بعد الفتوحات غيّرت النفوس ، وجعلت الزبير صاحب طموح سياسى يرى فى إبن خاله ( على ) عقبة فى وصوله للخلافة ، لذا إنحرف عن (على ) وإنضم الى حزب البكريين تبعا لزوجته أسماء بنت أبى بكر وأختها السيدة عائشة ، فالتصق بطلحة بن عبيد الله . ويجمعهم انهم ليسوا من بنى عبد مناف ( أى ليسوا من بنى هاشم وليسوا من بنى أمية وعبد شمس ).

3 ـ لم يكن لعائشة أن تنسى مقتل أبيها بالسّم ، بيد عمر ومعه عثمان . ولكن منعتهم هيبة عمر و قسوته ، وقد رأوه بعد بيعة السقيفة يكاد يحرق بيت السيدة فاطمة ، ثم يكاد يقتل سعد بن عبادة ثم يقتله فيما بعد بعد أن تولى الخلافة. إشتدت سطوة عمر بعد خلافته ، وكان من الطبيعى أن يكتم الحزب البكرى كراهيته لعمر فى حياة عمر ، ولكن هذه الكراهية إنطلقت فى خلافة عثمان تنتقم من عثمان حليف عمر . فالصبى محمد بن أبى بكر الذى مات أبوه وتركه صغيرا يتيما تربى فى حجر زوج أمه ( على بن أبى طالب ) عاش على كراهية عمر وعثمان بسبب مقتل أبيه ، لذا كان من قادة الثورة على عثمان ، وكأن أول من أقتحم بيت عثمان ، وهناك رواية تقول إنه أول من ضرب عثمان ، ورواية أخرى نفهم منها أنه كان على وشك أن يقتل عثمان لولا أن قال له عثمان كذا وكذا .وسنعرض لهذا فى المقال التالى عن مقتل عثمان .

4 ـ أما السيدة عائشة فبدون مبرر ظاهر كانت تطعن فى عثمان وتُحرّض على لقتله، ومشهور قولها :    ( أقتلوا نعثلا ، فإن نعثلا قد كفر ). و ( نعثل ) هو لقب عثمان فى الجاهلية . هذا مع أن عثمان كان كريما معها ومع ابن عمها طلحة بن عبيد الله . وعندما تحققت دعوتها وجاء الثوار يحاصرون عثمان فى منزله تركت السيدة عائشة المدينة الى مكة بحجّة أداء فريضة الحج . تقول رواية الطبرى : ( وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة . ) وخافت عائشة على أخيها الصغير الشاب محمد بن أبى بكر ، فطلبت منه ان يأتى معها بعيدا عن المدينة ، فأبى  تقول الرواية : عنها : ( واستتبعت أخاها فأبى. ) لأنه كان من زعماء الثورة على عثمان . ولقد إحتج عليه حنظلة الكاتب فقال : ( يا محمد، تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم؟  فقال: ما أنت وذاك يابن التميمية؟  فقال ياابن الخثعمية إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف. ) أى إن الخلافة لو زالت عن عثمان الأموى فستذهب الى (على ) الهاشمى ، أى هى فى بنى عبد مناف دون ذرية أبى بكر .

5 ـ وقبل أن تترك عائشة المدينة لحق بها مروان بن الحكم وآخرون يرجون بقاءها لتنصر عثمان فى محنته ، تقول الرواية :( وأرادت عائشة الحج وعثمانمحصور ، فأتاها مروان وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص، فقالوا: "يا أم المؤمنين لو أقمت ، فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع اللهبه عنه .! " فقالت : " قد حلبت ظهري وعريت غرائزي ولست أقدر على المقام."  فأعادوا عليها الكلام،  فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم . فقام مروان وهو يقول‏:‏

وحرّق قيس علي البلاد   حتى إذااستعرت أجذما

فقالت عائشة:  أيها المتمثل عليّ بالأشعار ، وددت والله أنك وصاحبك هذاالذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا ، وأنكما في البحر.".!.) الى هذا الحد كانت تكره عثمان والأمويين .!.وفى طريقها الى مكة قابلت ابن عباس ، وقد كان عثمان قد بعثه أماما للحج : ( فخرج ابن عباس فمر بعائشة في الصلصل ، فقالت : " يابن عباس أنشد الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار وتحلبوا من البلدان لأمر قد حمّ ،  وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر." )، أى تدعو ابن عباس بلسانه الفصيح أن يدعو لأن يخلع الناس عثمان وأن يولوا طلحة لكى يسير بسيرة ابن عمه أبى بكر ، فرد عليها ابن عباس إن الناس حينئذ سيختارون عليا وليس طلحة : ( قال قلت : يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا . ) يعنى ( على بن أبى طالب ) ( فقالت : " ايها عنك .! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك . ).!. أى كانت السيدة عائشة تعمل من أجل أن يتولى ابن عمها طلحة الخلافة ، وأن يتصدر بنو تيم قومها زعامة قريش والعرب دون بنى هاشم وبنى أمية ، وهما معا يتمتعان بكراهية السيدة عائشة ، وهذا يفسر خروج طلحة والزبير على خلافة ( على ) بعد ان بايعاه ، وما حدث فى موقعة الجمل بزعامة السيدة عائشة .

6 ـ وتآمر طلحة على (عثمان ) يستحق وقفة . فقد كان عثمان كريما معه الى أقصى حد . وصار فى خلافة عثمان من أثرى الصحابة ، ومع ثرائه كان يستدين من عثمان مستغلا كرم عثمان . تقول الرواية : ( كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا ، فخرج عثمان يوما إلى المسجد، فقال له طلحة: " قد تهيأ مالك فاقبضه ." قال : "هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك .! ) أى خاطبه فى المسجد علنا ليسحث كرم عثمان ، فأكرمه عثمان بالتنازل له عن المال . ومع هذا ففى محنة عثمان وهو محصور قد منعوه الماء فقد جاء ( على ) الى طلحة يناشده أن يساعده فى حماية عثمان ، فرفض طلحة ، تقول الرواية : ( .. قال علي لطلحة : " أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان ." قال : " لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها . " ). أى هو حقد شديد على بنى أميه لا يضاهيه إلا حقد عائشة .

7 ـ وهناك رواية تشير الى أن طلحة تآمر مع الثوار ، وكان يتسلل اليهم يعطيهم الأوامر وهم قائمون على حصار عثمان فى بيته : ( .. قال وحدثني عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة قال : دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنده ساعة ، فقال : " يا ابن عياش تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من علي باب عثمان ."، فسمعنا كلاما ، منهم من يقول ما تنتظرون به ومنهم من يقول انظروا عسى أن يراجع.  فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله ، فوقف فقال : " أين ابن عديس ؟" فقيل : " ها هو ذا :. قال فجاءه ابن عديس ،  فناجاه بشيء ثم رجع ابن عديس ، فقال لأصحابه : " لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده : . قال فقال لي عثمان : " هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله.! " .  ثم قال عثمان : " اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم . والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا  وأن يسفك دمه .!. إنه انتهك مني ما لا يحل له." ...  قال ثم رجع عثمان . قال ابن عياش : فأردت أن أخرج فمنعوني ، حتى مر محمد بن أبي بكر فقال : " خلوه " ، فخلوني .) 

8 ـ وشارك الزبير فى التآمر على ( عثمان ) ، وإن تظاهر بغير ذلك ، إذ أمر ابنه عبد الله أن يدافع عن  عثمان مع الحسن والحسين ، ثم انسحبوا بأمر من عثمان . ولكن الزبير سارع بالخروج من المدينة عندما عرف بأنهم على وشك إقتحام بيت عثمان وقتله . تقول الرواية : ( وكان الزبير قد خرج من المدينة فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله ، فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو ، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. رحم الله عثمان وانتصر له .) بعد مقتل عثمان تأوهوا وأظهروا الحزن على قتله توطئة للمتاجرة بدمه ، كما فعلوا بخروجهم على خلافة على . وحتى ( طلحة ) تصنّع الحزن على مقتل عثمان ، تقول الرواية : ( وأتى الخبر طلحة فقال : رحم الله عثمان وانتصر له وللإسلام . وقيل له : إن القوم نادمون . فقال : تبا لهم . وقرأ فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون . )  .

9 ، وفى الفصل التالى ( الانتقام الالهى من عثمان  ) تفصيلات عن الثورة وقتل الثوار لعثمان وسلب أمواله والعبث بزوجته ومنع دفنه فى مدافن المسلمين . 

اجمالي القراءات 13071