كتاب الحج ب 4 ف 16 : أبو سفيان فى خلافة ( عُمر)

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٤ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل السادس عشر :  أبو سفيان فى خلافة ( عُمر)    

  أولا : تولى عمر الخلافة

 1 ـ بمجرد موت أبى بكر ودفنه ليلا تولى عمر الخلافة فى الصباح التالى مباشرة. تقول الرواية : ( توفي أبو بكر الصديق مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادىالآخرة سنة ثلاث عشرة ، فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر رحمهالله ) . وهذا يشير الى مؤامرة رتبت لكل شىء ، وهناك رواية تذكر أن أبا بكر وقت إحتضاره أملى على عثمان كتابا باستخلاف ( عمر ) ، فى حضور ( عمر )، وأن أبا بكر وهو يملى الكتاب فقد الوعى قبل ان يذكر إسم ( عمر ) خليفة له ، فسارع عثمان بكتابة اسم عمر ، فلما أفاق أبو بكر رضى بما كتبه عثمان . تقول الرواية ( ..  لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذُهب به قبل أن يسمي أحدا . فكتب عثمان : " إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ". ثم أفاق أبو بكر ، فقال : اقرأ علي ما كتبت ، فقرأ عليه ذكر عمر،فكبّر أبو بكر ، وقال : أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس ، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرا ، والله إن كنت لها لأهلا . " ثم أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان : للناس أتبايعون لمن في هذا الكتاب ؟ فقالوا نعم .).ولقد كان عثمان يلازم أبا بكر فى مرضه المفاجىء ، وهنا نرى ( عمر ) حاضرا ، وقت أن أملى أبو بكر كتاب استخلافه ، ، ومفهوم أنه كان إجتماعا خاصا حول أبى بكر وهو يحتضر لم يحضره سواهما ، ثم خرجا للناس بكتاب فيه استخلاف عمر . وهذا يشير الى وجود مؤامرة  حضرها عمر وادارها من البداية الى النهاية.

2 ـ وخارج تلك الغرفة المغلقة شاعت أنباء استخلاف عمر لتصل للناس فى المدينة وفى الجزيرة العربية وللجيوش التى تقاتل وقتها فى سوريا والعراق . ثم صيغت مختلف الروايات بناء على ما شاع وقتها . ومنها أن أبا بكر قد عهد بالخلافة الى ( عمر ) بعد إن إستشار (عبد الرحمن بن عوف ) وأنه أملى العهد على  عثمان ، فكتبه عثمان . تقول الرواية  : ( ذكر استخلاف عمر رحمه الله:  ..أن أبا بكر الصديق لما استعزبه دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال عبد الرحمن : ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني . فقال أبو بكر:  وإن . فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من رأيك فيه . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر. فقال : أنت أخبرنا به . فقال : على ذلك يا أبا عبد الله . فقال عثمان : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله . فقال أبو بكر : يرحمك الله ، والله لو تركته ما عدوتك . وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار.  فقال : أسيد اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضى ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه . وسمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر لعمر علينا وقد ترى غلظته؟  فقال أبو بكر : أجلسوني ، أبالله تخوفوني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم . أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك . ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال : اكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا . وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم . والخير أردت . ولا أعلم الغيب.وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . والسلام عليكم ورحمة الله." ثم أمر بالكتاب فختمه.) . ولا يمنع من قبول تلك الرواية تأسيسا على أن أبا بكر بعد أن تم تسميمه دون أن يدرى وشعر بالموت سارع باستخلاف عمر ، وهو المرشح الأقرب اليه يومئذ .

وهناك رواية تحكى إعتراض( طلحة بن عبيد الله) على ترشيح أبى بكر لعمر ، وتصميم أبى بكر على ترشيح عمر . تقول الرواية ( .. ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال: استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه؟ ، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك! فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أبالله تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك.).

 ويعضد هذا روايتان عن السيدة عائشة باعتراض ( على ) و ( طلحة ) على ترشيح ( عمر ) : ( قال أخبرنا سعيد بن عامر قال أخبرنا صالح بن رستم عن بن أبي مليكةعن عائشة قالت : لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا : يا خليفة رسول الله ماذاتقول لربك إذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا بن الخطاب ؟ فقال : أجلسوني . أباللهترهبوني؟ أقول : استخلفت عليهم خيرهم. ) ، ( قال أخبرنا الضحاك ابن مخلد أبو عاصم النبيل قالأخبرنا عبيد الله بن أبي زياد عن يوسف بن ماهك عن عائشة قالت : لما حضرت أبا بكرالوفاة استخلف عمر، فدخل عليه (علي) و( طلحة ) فقالا : من استخلفت ؟ قال :عمر.  قالا : فماذا أنتقائل لربك ؟ قال : أبالله تفرقاني ؟ لأنا أعلم بالله وبعمر منكما . أقول استخلفت عليهم خيرأهلك .) ملاحظة :هل لله جل وعلا أهل ؟ سبحانه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، سبحانه الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ). ومهما يكن من تداخل الروايات وتناقضها فإن المفهوم أن أبا بكر مات سريعا وتم دفنه بسرعة ، وبسرعة فائقة وفى الصباح التالى كان ( عمر ) خليفة ، وصيغت من أجله هذه الروايات ، والله جل وعلا هو الأعلم بصحتها .

3 ـ ونعيد التأكيد على أننا بصدد روايات تاريخية إن صحّت بمنهج البحث العلمى التاريخى فهى حقائق تاريخية ، والحقيقة التاريخية ليست مطلقة ، بل نسبية ، وليست حقائق إيمانية إعتقادية كحقائق القرآن ، ولكنها أقوال بشر ، يصدقون ويكذبون. فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وسعد وعائشة وخالد وعمرو وابو هريرة ..الخ ..كلهم شخصيات تاريخية وليسوا مذكورين فى القرآن ، والعلم بهم جاء من تاريخ بشرى مكتوب . ولو أنكرت وجودهم فلا يُنقص ذلك من إيمانك شيئا . ولو انكرت كل تاريخ المسلمين فلن تكون مساءلا عن ذلك يوم القيامة . ولكن إذا أنكرته جملة وتفصيلا فلا مجال لك بين العقلاء . لك حق الاعتراض بمنهج البحث العلمى التاريخى ، ولكن لا بد ان يكون الرأى مدعما بأدلة تعبر عن تخصص فى البحث التاريخى .أما إذا إعترضت لأنك تقرأ كلاما جديدا لم تعرفه من قبل ، أولأنك عشت على تقديس أبى بكر وعمر والصحابة وترفض بحث تاريخهم فإن وجودك معنا مضيعة لوقتك ووقتنا ، فنحن نخاطب العقلاء المثقفين الراغبين فى العلم . 

ثانيا : محاسبة عمر للولاة بالمصادرة والضرب والعزل

1 ـ إشتهر عمر فى خلافته بالعدل بين العرب المسلمين ، مع ظلمه الفادح للشعوب الى غزاها واحتلّها وسلب خيرها واضطهد ابناءها . والتفاصيل فى بحثنا ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) . ولكنّ عمر  حابى معاوية بن أبى سفيان ، بما يؤكّد أنه كان عميلا لآبى سفيان من قبل ، وأنه ظل مخلصا لعمالته لأبى سفيان حتى وهو خليفة حازم شديد البأس يطارد الناس بالدرّة ويرهبه الناس جميعا. وتتجلى هذه المحاباة  فى معاملته للولاة الذين تعرضوا  للعزل ، أو العزل مع مصادرة الأموال ، أو العزل ومصادرة الأموال والضرب ...ما عدا معاوية . بل على العكس تمت ترقية معاوية ، وحقق عمر أمل أبى سفيان فى أن يصير معاوية هو المسيطر على الشام كله ، ويترسّخ فيه نفوذه الى أن أسّس فيما بعد أول ملكية وراثية فى تاريخ المسلمين مقرها الشام وعاصمتها دمشق .

2 ـ سعد بن أبى وقاص مع كل منزلته ومع انه فاتح العراق وقائد النصر فى القادسية عيّنه عمر واليا على العراق ثم عزله وصادر نصف امواله . وأشهر ولاة العراق وهو أبو موسى الأشعرى عزله عمر وصادر نصف أمواله .  وتقول الرواية أن عمر (  دعا الحارث بن كعب بن وهب فقال‏:‏ ما قلاص وأعبُد بعتها بمائتي دينار قال‏:‏ خرجت بنفقة معي فتجرت فيها‏.‏ فقال‏:‏ أما والله ما بعثناكم لتتجروا في أموال المسلمين‏!‏ أدها‏.‏) .!

3 ـ وهناك من تعرض لمصادرة نصف امواله دون عزل ، وأشهرهم عمرو بن العاص والى مصر . بعث اليه عمر بمحمد بن مسلمة الذى كان يمثّل ( جهاز المحاسبات فى عصر عمر ) ليحاسب عمرا على أمواله وليصادر نصفها . وغضب عمرو ، وتكلم بالسوء فى حق عمر بن الخطاب وأبيه الخطّاب ، ثم خاف عمرو من عاقبة أن يوصّل محمد بن مسلمة هذا الكلام لعمر فترجى محمدا بن مسلمة ألّا يبلغ عمر بما قاله فى حق أبيه . تقول الرواية : ( وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر‏:‏ " من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص . سلام عليك . أما بعد . فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد‏.‏ وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك . فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ولا تكتمه‏" .‏ فكتب إليه‏:‏ " من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين‏.‏ سلام عليك‏.‏ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد‏.‏ فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي‏.‏وإني اعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله ، وليس في رزق أمير المؤمنين سعة‏.‏ وبالله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك ، فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها‏.‏ ولعمري إن عندك من لا يذم معيشته ولا تذم له‏.‏ وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فأنى كان ذلك ولم نفتح قفلك ولم نشركك في عملك‏؟" .‏ فكتب إليه عمر‏:‏ " أما بعد . فإني ـ والله ـ ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع‏!‏ وما يغني عنك أن تزكي نفسك . وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك‏.‏ فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال ثم لم يعوزكم عذر ، تجمعون لأبنائكم وتمهدون لأنفسكم‏.‏ إنما تجمعون العار وتورثون النار .والسلام‏ ".‏ فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً‏.‏ فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئاً‏.‏ فقال له عمرو‏:‏ " أتحرمون طعامنا ؟ " فقال‏:‏ " لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنك قدمت إلى طعاماً هو تقدمة شر‏.‏ والله لا أشرب عندك الماء.  فاكتب لي كل شيء هو لك ولا تكتمه‏.". ‏ فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه‏.‏ فأخذ إحداهما وترك الأخرى‏.‏ فغضب عمرو بن العاص فقال‏:‏ " يا محمد بن مسلمة،  قبح الله زماناً عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل‏.‏ والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه ، والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزوراً بالذهب والفضة"‏.‏ قال له محمد ابن مسلمة‏:‏ " اسكت . والله عمر خير منك ، وأما أبوك وأبوه ففي النار‏.‏ والله لولا الزمان الذي سبقك فيه لألفيت مقتعد شاة يسرك غزرها ويسوءك بكؤها‏.‏ " فقال عمرو‏:‏ " هي عندك بأمانة الله "‏.‏ فلم يخبر بها عمر‏.‏ )

4 ـ ونتوقف مع أبى هريرة ، الحرامى وراوى الحديث المقدّس لدى السنيين جميعا . فهو أشهر من تعرض للعزل والمصادرة والسبُّ والضرب من عمر . تقول الرواية عن ( عمر ): ( : ثم دعا أبا هريرة فقال له‏:‏ هل علمت من حين أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال‏:‏ كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت‏.‏ قال‏:‏ قد حسبت لك رزقك ومؤونتك وهذا فضل فأده‏.‏ قال‏:‏ ليس لك ذلك‏.‏ قال بلى والله وأوجع ظهرك‏.‏ ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال‏:‏ إيت بها‏.‏ قال‏:‏ احتسبتها عند الله‏.‏ قال‏:‏ ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً‏.‏ أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين‏!‏ ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر‏.‏ وأميمة أم أبي هريرة‏.‏) نلاحظ هنا أن عمر يقول لأبى هريرة (استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين )، وأن أبا هريرة رفض إرجاع المال ، وأن عمر قام فضربه حتى أسال دمه ، بل وسبّه قائلا عن أمه : ( ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر.).

ويعترف أبو هريرة بما حدث ، ولكنه كعادته يكذب فى التفاصيل ليبرىء نفسه ، وهذا طبعا بعد موت ( عمر ) . يروى أبو هريرة عن نفسه كما جاء فى الطبقات الكبرى لابن سعد : (  لما عزلني عمر عن البحرين قال لي‏:‏ يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله؟ قال‏:‏ فقلت‏:‏ ما أنا عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما،  ما سرقت مال الله‏.‏ قال‏:‏ فمن أين لك عشرة آلاف قلت‏:‏ خيل تناتجت وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت‏.‏ قال‏:‏ فقبضها مني‏.‏)      

أمام السنيين السلفيين ابن كثير ، عاش في العصر المملوكي وقد توفي سنة 774 ، احتفل بأبي هريرة في مؤلفاته ونثر فيها أحاديث أبي هريرة ، وخصوصا في تفسيره المشهور " تفسير ابن كثير". إلّا إنّ ابن كثير فى تاريخه ( " البداية والنهاية " ) ذكر قصة حياة أبي هريرة في الجزء الثامن في وفيات سنة 59 هـ  . ونأتي ببعض ما ذكره ابن كثير ونضع عليها بعض الملاحظات:

  • يعترف ابن كثير بأن أبا هريرة أسلم سنة فتح خيبر أي سنة 7هـ . وهنا نتساءل لماذا رووا أحاديث لأبي هريرة يتحدث فيها عن أمور وقعت في مكة مثل الإسراء وحديث النبي مع أبي طالب يعرض عليه الإسلام قبل موته ؟ ولماذا رووا أحاديث لأبي هريرة وقعت قبل أن يأتي للمدينة ويعلن إسلامه ومنها ذلك الحديث الذي يمدح فيه عثمان ويقول فيه أبي هريرة " دخلت علي رقية بنت رسول الله امرأة عثمان وبيدها مشط فقالت لي : خرج رسول الله من عندي آنفا وقال لي عن عثمان: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي خلقا وقد قال " الحاكم" في كتابه " المستدرك" أن ذلك الحديث واهي المتن فإن رقية ماتت سنة (3) من الهجرة في غزوة بدر وأبا هريرة أسلم بعد فتح خيبر فكيف يكون موجودا في المدينة حينئذ.  
  • ويعترف ابن كثير أن الرسول عليه السلام " بعث أبا هريرة إلي البحرين مع العلاء بن الحضرمي وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 هـ ، وظل أبوهريرة في البحرين حتى توفي النبي ." ، أي أن أبا هريرة صحب النبي في المدينة سنة واحدة وتسعة أشهر فقط . ونتساءل هنا: هل يتفق ذلك مع آلاف الأحاديث التي رواها عن النبي ؟ .
  • وقد كان الصحابة يستنكرون كثرة رواياته . ويروي البخاري وابن كثير دفاع أبي هريرة عن نفسه وقوله " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله .! والله الموعد .!! أني كنت امرأ مسكينا اصحب رسول الله علي ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم الصفق ـ أي التجارة ـ في الأسواق وكان الأنصار يشغلهم القيام علي أموالهم " ومعني كلامه أن المهاجرين والأنصار انفضوا عن النبي وتركوه وحده مع أبي هريرة .. فهل  هذا معقول ؟ وحتى لو كان ذلك معقولا فهل تكفي صحبته للنبي مدة (21) شهرا ليروي عنه آلاف الأحاديث ؟.
  • ويعترف ابن كثير أن السيدة عائشة أنكرت روايات أبي هريرة واستنكرت كثرة مروياته عن النبي فقال لها : أني والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ولكن أري ذلك شغلك !!.  هنا نتساءل : أيهما كان أكثر ملازمة للنبي أم المؤمنين عائشة أم أبوهريرة ؟ وأيهما كان علي الحق ؟ وهل يجوز أن يخاطبها هكذا ؟.   
  • ويعترف ابن كثير بان الخليفة عمر اتهم أبا هريرة بالسرقة وعزله عن البحرين وضربه وصادر أمواله . وقد ذكر ابن كثير دفاع أبي هريرة عن نفسه ولم نسمع وجهة نظر الفاروق عمر.  ونتساءل : أيهما كان علي الحق عمر أم أبو هريرة ؟ وإذا اعترف أبوهريرة بنفسه بان عمر اتهمه بالسرقة وضربه فهل يصح وصف أبي هريرة بالعدالة ونأخذ عنه الحديث ؟.
  • ويعترف ابن كثير بان عمر هدد أبا هريرة وقال له: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو ألحقنك بأرض دوس "أي أرض قبيلته ،  وأنه قال لكعب الأحبار اليهودي:" لتتركن الحديث عن الأول " أبي هريرة " أو ألحقنك بأرض القردة " أي أرض اليهود .!. ويذكر أن عمر قال : " أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به " أي السنة العملية . ويذكر ابن كثير قول أبي هريرة أنه لم يستطع أن يروي أحاديث عن النبي في خلافة عمر خوفا من أن يضربه عمر ، ويذكر ابن كثير قول عمر لأبي موسي الأشعري حين بعثه للعراق إنك تأتي أقواما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوى النحل فدعهم علي ماهم فيه ولا تشغلهم بالأحاديث .. ونتساءل أيهما كان علي الحق عمر أو أبوهريرة ؟.
  •  ويعترف ابن كثير بأن أبا هريرة كان يدلس في الأحاديث وأنه كان ينسب ما يسمعه من كعب الأحبار للنبي وإذا عرفنا أن كعب الأحبار هو مصدر الإسرائيليات  في تراث المسلمين فمن الذي كان بوقا لكعب الأحبار ؟.
  • أخيرا ..يعترف ابن كثير بأن معاوية في خلافته كان يعطى أبا هريرة ،وأنه ولّاه علي المدينة وأنه عندما مات أبو هريرة أعطي معاوية ذريته أموالا لأن أبا هريرة كان من حزب عثمان والأمويين ، أي أنه بالتالي كان ضد "علي" وحزبه . ومعروف أن أبا هريرة شارك في معركة صفين مع معاوية ضد علي .أى كان أبو هريرة بوقا للأمويين يصنع لهم الأحاديث ، وهذا ما توسعنا فيه فى بحث ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) .

ومعذرة لأننا دخلنا فى تفصيلات عن أبى هريرة ، ولكنها ليست بعيدة عن الموضوع لأن أبا هريرة هو أكثر من خدم الأمويين ، فقد أعتمد معاوية على ( عمر ) ثم على ( عثمان ) ثم على ( أبى هريرة ) .!

 ثالثا : محاباة عمر ( العادل ) لمعاوية    

1 ـ وتتجلى هذه المحاباة بأن معاوية هو الوحيد من ولاة عمر الذي لم يتعرض للمصادرة أو الاهانة أو العزل . بل أكرمه عمر بأن جعله والى الشام كله . فى البداية قسّم عمر الشام بين إبنى أبى سفيان ، فكان الابن الأكبر يزيد واليا لدمشق ، وكان معاوية واليا على الأردن . ومات يزيد بن أبى سفيان فى طاعون عمواس عام 19 ، فعيّن معاوية أخاه معاوية محله فى دمشق ،أى جمع له الشام كله ، وبعث عمر بالخبر لأبى سفيان ، تقول الرواية :( ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان عام 19 فى طاعون عمواس أمّر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها )، إستأثر معاوية بقيادة الجيش وبالخراج ، أى جمع بين السلطة والثروة فى الشام كله . وتقول رواية أخرى: ( ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه معاوية ، ونعاه لأبي سفيان ؟فقال : "من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين؟"  فقال:" معاوية." فقال : "وصلتك رحم ". فاجتمعت لمعاوية الأردن ودمشق  )، وتقول رواية أخرى ( وكانت الشام قد جمع جمعها لمعاوية ابن أبي سفيان ).وظل معاوية واليا على الشام حتى مات عمر:( ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردن ). وظل معاوية مستقرا بالشام فى خلافة ابن عمه عثمان ، بل كان معاوية هو الذى يعيّن من لدنه ولاة على مدن الشام، كأى حاكم مستقل ، تقول الرواية عن موت عثمان وولاته : ( مات عثمان وعلى الشام معاوية وعامل معاوية على حمص عبدالرحمن بن خالد بن الوليد ،وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة ، وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان ، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني ، وعلى البحر عبدالله بن قيس الفزاري ).

2 ـ وعن علاقة عمر بأبى سفيان فى خلافته تقول الرواية : ( وكان عمر بن الخطاب ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏ يُفْرش له فِراش في بَيْته في وَقْت خلافته فلا يجلس عليه أحد إلا العبَّاس بن عبد المطّلب وأبو سُفيان بن حَرْب‏.‏ ).

3 ـ وهناك روايات حيكت وراجت بهدف التغطية على محاباة عمر لمعاوية وعلاقة عمر بأبى سفيان . ونعطى منها :   ( زار أبو سفيان معاوية بالشام فلما رجع من عنده دخل على عمر‏.‏ فقال‏:‏ أجزنا أبا سفيان‏.‏ قال‏:‏ ما أصبنا شيئاً فنجيزك منه‏.‏ فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول‏:‏ قل لها‏:‏ يقول لك أبو سفيان‏:‏ انظري إلى الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما‏.‏ فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم‏.‏ فطرحهما عمر في بيت المال‏.‏ فلما ولي عثمان ردهماً عليه‏.‏ فقال أبو سفيان‏:‏ ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر‏.‏ ). لو صحت هذه الرواية لكان عمر أسرع الى محاسبة معاوية قبل أبى سفيان.

هى روايات كاذبة ، ولا تستقيم مع سؤال هام : لماذا عزل عمر كبار الصحابة كسعد بن أبى وقاص و أبى موسى الأشعرى وصادر أموالهم وتعقّب الجميع بالتفتيش على أموالهم وتغاضى عن معاوية فلم يرسل اليه رسوله ( محمد بن مسلمة )؟. فهل كان معاوية ملاكا لا تمتد يده الى الأموال التى يجبيها ؟ وهل كان معاوية خيرا من سعد بن أبى وقاص ؟ بل ورقاه عمر وترك له الشام يتصرف فيه حيث شاء ، فقد تميّز معاوية بسلطة مطلقة فى الشام بحيث كان يجهّز الجيوش ويبنى أول اسطول فى الشام ، يغزو الروم ، ويرجع بالغنائم ، ويعطى ويمنح .. ويسكت عمر ولا يسائله .وعلى سبيل المثال ففى سنة 22 ، غزا معاوية بلاد الروم ودخلها في عشرة آلاف فارس من المسلمين‏ ، ورجع بالأسلاب والغنائم . فهل حاسبه عمر على ما أنفق وعلى ما غنم ؟ ..

ألا يؤكد هذا أن عمر كان عميلا لأبى سفيان ؟ وأنه ظل مخلصا لأبى سفيان حتى وهو خليفة ؟  

اجمالي القراءات 20071