.
4- الله نفسه ينفي العروج النبوي قولا واحدا ,فهل من مكذب؟ المقال الرابع من سلسلة القرآن في مواجهة التراث

نبيل هلال في الجمعة ٠٣ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

والحديث في سورة النجم-كما أسلفنا-جاء في صيغة الماضي وليس المستقبل :" لقد رأى من آيات ربه الكبرى" , أي تمت رؤية تلك الآيات وليس لها علاقة بما سيحدث مستقبلا في الإسراء بعد ست سنوات (انظركتاب( المصحف)– د . مصطفى زايد – ص 72-73 ).والآيتان 17, 18 من سورة النجم تقولان :"ما زاغ البصر وما طغى , لقد رأى من آيات ربه الكبرى", والكلام عن زيغ البصر لمَّا رأى النبيُ جبريلَ بالقرب من مكة , كلام مقبول ومعقول , فمن المنطقي أن يظن النبي زيغ بصره لما رأى جبريل للمرة الأولى , والله يؤكد له أنه ليس ثمة زيغ فيما رأى , وما رآه كان آية كبرى , والظن بزيغ البصر غير وارد فيما لو كان النبي في السماء - بحسب رواية العروج- لأنه يعلم آنذاك أنه في معية الله ورحابه , وما يراه من آيات هي في عالم آخر غير عالم الأرض الذي أَلِفه . وثمة ملمح آخر ينبغي لفت النظر إليه , وإنني والله لأتعجب كيف يغيب هذا الملحظ عن المتوهمين للعروج النبوي , وهو أن الله تعالى في معرض حديثه عن المشركين أخبر أنهم علَّقوا إيمانهم بدعوة محمد على أن يأتيهم بعدة معجزات وأمور خارقة إثباتا لنبوته, ومن هذه الأمور طلبهم أن يعرج إلى السماء , ولو كان النبي قد سبق له العروج , لَمَا ذكر الله العروج مع مجموعة المعجزات التي طلبها منه المشركون , ولقال الله لهم في آياته إنه قد سبق للنبي أن عُرج به إلى السماوات العلى , ومن العجيب أن يزعم الزاعمون ان النبي أسري وعرج به في ليلة واحدة ثم تأتي سورة الإسراء بالذات وليس بها كلمة واحدة عن هذا العروج ,والأكثر عجبا أن يأتي في نفس السورة (الإسراء) قول الله رب العالمين وفيه نفي قاطع للعروج النبوي والتأكيد على بشرية النبي التي لا تسمح له بمثل هذا العروج ,اسمع معي إن شئت في سورة الإسراء ( نكرر: إنها سورة الإسراء ):" وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً{90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً{91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً{92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ (أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء )وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }الإسراء 93 ,والرقي في السماء هو العروج فيها, فالآية تثبت أن طلب المشركين بعروج النبي كان في زمن نزول سورة الإسراء التي نزلت بعد سورة النجم (المزعوم فيها عروج النبي) . والآية تثبت أن هذا الطلب التعجيزي كان مطروحا على النبي وسجَّله الله في سورة الإسراء , ولو كان النبي قد صعد إلى السماء لانتهى المشركون ولم يطلبوا هذا الطلب , وإن كان قد عُرج به وأخبرهم بذلك - فرضا- لطالبوه( بالكتاب) ليقرأوه . والله يطلب من نبيه أن يقول للمشركين إنه بشر وليس بوسعه العروج , :" قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ". ولو عُرج بالنبي فعلا , لطلب الله منه إخبار المشركين بذلك بدلا من الكلام عن بشريته وعجزه عن العروج . والمذكور في سورة النجم ليس المقصود به العروج , وإنما كان القرآن يتحدث عن واقعة ظهور جبريل للنبي . وعروج النبي – على فرض حدوثه – لن يصدقه أحد من المشركين , فهم لن يشهدوه بأنفسهم , فالعروج يَحدث للنبي وحده ولن يشاركه فيه أحد سواه , لذا لا يصلح أن يكون من نوع المعجزات التي يجريها الله على أيدي أنبيائه لإقناع المشركين , حتى وإن عُرج بهم أنفسهم , فلن يؤمنوا أيضا , الله نفسه يقول ذلك " وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ , لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ "الحجر14- 15 . والله الذي يعلم مكابرة المشركين وتكذيبهم عروجهم أنفسهم - فيما لو حدث- لأوْلى أن يكذبوا نبيه إن عُرج به , حتى إنهم لما طلبوا من النبي أن يرقى في السماء طلبوا منه أن يعود إليهم ومعه كتاب فهم يعلمون أنهم لن يكونوا شهودا على ذلك العروج . انتهى المقال الرابع ويليه الخامس إن شاء الله - بتصرف من كتابنا .....بين القرآن والتراث-نبيل هلال هلال

اجمالي القراءات 13622