كتاب الحج ب 4 ف 13 : ( عُمر) هو قاتل أبى بكر

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٧ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل الثالث عشر :  ( عُمر)  هو قاتل أبى بكر

 أولا : موت أبى بكر المفاجىء والغامض :

1 ـ كل الروايات عن موت أبى بكر تؤكّد  أنه مات مسموما ، أو إنه إغتسل فى يوم بارد فأصابته الحمى فمات . وأنه فى مرضه كان عمر يصلّى بالناس بدلا منه ، فى إشارة الى أنه الذى سيخلفه . كما لازمه فى مرضه عثمان   .

2 ـ ونعطى نموذجا من الروايات . يروى ابن سعد ( عن بن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلانحريرة أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله ، والله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد . قال فرفع يده . فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة .)،( توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة في جمادىالآخرة يوم الاثنين لثمان بقين منه . قالوا وكان سبب وفاته أن اليهود سمته في أرزة ويقال في جذيذة ، وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كف ، وقال لأبي بكر : أكلت طعاما مسموما سم سنة ، فمات بعد سنة . ومرض خمسة عشر يوما. ) ،ويقول إبن الأثير ( وكان قد سمه اليهود في أرز، وقيل في حريرة، وهي الحسو، فأكل هو والحارث بن كلدة، فكف الحارث وقال لأبي بكر: أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة، فماتا بعد سنة. وقيل: إنه اغتسل وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة ، فأمر عمر أن يصلي بالناس. ) ويقول ابن الجوزى فى المنتظم : ( في سبب موته قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن اليهود سمته في حريرة أكل منها هو والحارث بن كلدة فأخذ منها الحارث لقمة ثم قال‏:‏ كف فقد أكلت طعامًا مسمومًا سم سنة فماتا جميعًا للسنة يوم مات أبو بكر‏.‏ وروى ابن سعد عن عبد العزيز بن عبد اللهّ الأويسي عن الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب‏:‏ أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث‏:‏ ارفع يدك يا خليفة رسول اللّه واللهّ إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد‏.‏ فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انتهاء السنة‏.‏ والقول الثاني‏:‏ ذكره الواقدي عن أشياخه‏:‏ أن أبا بكر رضي اللّه عنه اغتسل في يوم بارد فَحُمّ خمسة عشر يومًا فكان لا يخرج إلى الصلاة وأمر عمر أن يصلي بالناس وكان عثمان الزمهم له في مرضه‏.‏) .

ثانيا : إغتيال أبى بكر بالسّم

1 ـ فى البداية ، لا نعتقد أن موت أبى بكر بسبب أنه إغتسل فى يوم بارد فأصابته الحمى فمات. هذا لا يتفق مع تفصيلات دفنه ليلا وبسرعة وبدون جنازة ، بل فى صمت ، حيث منع عمر نساء أبى بكر من النواح عليه . لو مات ميتة طبيعية ما استلزم الأمر كل هذه الاستثناءات . ونحن نتحدث عن موت خليفة فجأة وفى ظرف دقيق.  إى إنه إغتيال وليس موتا عاديا .

2 ـ نحن نقول إنّه إغتيال لأبى بكر بالسّم . وهو الاحتمال الثانى الذى جاءت به الروايات . ولكن  أحيانا تكون الرواية صادقة فى مجملها مع إحتوائها على بعض تفصيلات كاذبة . وهذا ينطبق على رواية موت أبى بكر بالسّم . فلا دخل لليهود فى إغتيال أبى بكر بالسّم ، لأنه لم يكن فى حرب معهم ، ولم يكن لهم ثأر عنده ، بل لم يكن لهم وجود أصلا فى المدينة وقتها .  ولو مات فعلا بالسم من يهودى لكان سهلا معرفة من أهدى الطعام المسموم لأبى بكر ومعاقبته . ثم هذا الطبيب الحارث بن كلدة .. كيف يعرف أنه طعام مسموم سوف يقضى عليهما بعد سنة بالضبط ؟ ولو صحّ هذا فسيكون مؤثرا فى قرارت أبى بكر طالما يعرف يحمل فى أحشائه سمّا سيموت منه بعد عام ، ولقد كان وقتها فى خضم حرب الردة ويتجه الى الفتوحات ، فهل يفعل ذلك وهو يعرف أنه مسموم سيقضى عليه السّم خلال عام . ولكن أبا بكر كان يتصرّف خلال العام الأخير من حياته كقائد نشيط ملىء بالطموح وحّب الحياة  . ثم تزعم الرواية أن الطبيب العربى المشهور الحارث بن كلدة قد مات فى نفس اليوم مع أبى بكر متأثرا بهذا الطعام المسموم . وهذا خطأ فادح لأن الحارث بن كلدة عاش حتى أدرك خلافة معاوية . فى كتاب ( عيون الانباء فى طبقات الأطباء ) وهو كتاب متخصص فى تاريخ الأطباء يذكر إبن أصيبعة ، أن الحارث بن كلدة عاش وبقى (أيام رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية رضي اللَّه عنهم . وقال له معاوية : ما الطب يا حارث ؟  فقال :  الأزم ، يعني الجوع . )  يعنى لم يمت مع أبى بكر .

ثالثا  : عمر هو قاتل أبى بكر

1 ـ إنّ أبا بكر مات مسموما بمؤامرة ( عمر ) . فقد كان المسيطر على أبى بكر فى خلافته ، ثم كان المستفيد من موته فتولى الحكم بعده . وساعده طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف . وقد كانوا مع عمر فى مشهد موت أبى بكر ودفنه ومبايعة عمر بعده . وسنراهم فى مؤامرات تالية .

2 ـ  مات أبو بكر فجأة ، بعد خلافة قصيرة جدا ( 27 شهرا تقريبا ) ، وهى أقصر مدة خلافة بين أقرانه الخلفاء ( الراشدين ) . مات أبو بكر فى حياة أبيه أبى قحافة. مات أبو بكر وقت أن كان فى شدة حيويته وقمّة نشاطه ، يتابع الفتوحات فى العراق والشام ، ويمتلىء فخرا بانتصارات خالد ، ويراسل خالد بن الوليد وبقية القادة بالأوامر . مات فى وقت حاسم ، أثناء معركة اليرموك ، وفى غضون خلاف شديد مع عمر ، الذى كان يلحّ فى عزل خالد . ومع أن أبا بكر إعتاد طاعة عمر فإنّه أصرّ على الاحتفاظ بخالد قائدا ورفض إلحاح عمر بعزله . وكان عزل خالد قضية حياة أو موت بالنسبة لعمر وأبى سفيان ، فتم إغتيال ابى بكر ، وكان أول قرار  لعمر هو عزل خالد واهانته ومصادرة أمواله ومصادرة بيت مال أبى بكر الذى كان يتصرف فيه أبو بكر وحده بعيدا عن عمر .   

رابعا : : عمر يسارع بدفن أبى بكر ليلا وبلا جنازة

1 ـ ولأنها مؤامرة قتل فإن عمر أسرع بدفن الضحية ليلا ،وقبل صباح اليوم التالى ،  ودون جنازة يحضرها الناس ، بل ومنع النواح عليه . والروايات كلها تتفق فى دفن ابى بكر ليلا بمجرد وفاته ، دون أن ينتظر عمر للصباح . ونستعرض بعض الروايات  :

2 ـ عن دفنه ليلا بدون جنازة : يروى ابن سعد ( قال أخبرنا معن بن عيسى قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن بن أبي مليكة أن أبا بكر دفن ليلا ) ( قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا الوليد بن أبي هشام عن القاسم بن محمد قال دفن أبو بكر ليلا ) ( قال أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن أبا بكر الصديق دفن ليلا )( أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر دفن ليلا ) (.. توفي أبو بكر ليلا فدفناه قبل أن نصبح . )

3 ـ وغريب أن يتم دفن شخص ما ليلا فى الظروف العادية . فكيف بخليفة المسلمين ؟ التعجب من الدفن ليلا  ظهر فى هذا التساؤل : ( قال أخبرنا وكيع بن الجراح عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال سئل أيُقبر الميت ليلا ؟ فقال : قد قُبر أبو بكر بالليل .)

4 ـ (عمر ) هو الذى دفن أبا بكر ليلا : ( قال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال أخبرنا بن جريج عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن بن السباق أن عمر دفن أبا بكر ليلا ..)( قال أخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري قال أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن عبد الله عن بن شهاب بلغه أن أبا بكر دفن ليلا ، دفنه عمر بن الخطاب )( قال أخبرنا أنس بن عياض عن يونس بن يزيد الأيلي عن بن شهاب أن عمر دفن أبا بكر ليلا  ).

5 ـ و ( عمر ) هو الذى صلّى عليه . يقول ابن الأثير فى ( الكامل ) عن دفن أبى بكر ليلا وصلاة عمر عليه : ( ودفن ليلاً وصلى عليه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. )

6 ـ و(عمر) هو الذى أنزله قبره مع آخرين : يروى ابن سعد: ( قال أخبرنامحمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن المطلببن عبد الله بن حنطب عن بن عمر قال حضرت دفن أبي بكر . فنزل في حفرته عمر بن الخطابوعثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر. ). ويقول ابن الأثير فى ( الكامل ): ( ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة،)   

7 ـ وحتى يتم الأمر بهدوء فقد منع عمر السيدة عائشة من النواح على ابيها وهددها بالضرب بالدرة ،   يروى ابن سعد : ( قال أخبرنا عثمان ابن عمر قال أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيدبن المسيب قال :  لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فبلغ عمر فجاء فنهاهن عنالنوح على أبي بكر ، فأبين أن ينتهين فقال لهشام بن الوليد أخرج إلى ابنة أبي قحافة، فعلاها بالدرة ضربات،  فتفرق النوائح حين سمعن ذلك . ). ( قال أخبرنامحمد بن عمر قال أخبرنا مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن عائشة قالت توفي أبو بكر بينالمغرب والعشاء فأصبحنا فاجتمع نساء المهاجرين والأنصار وأقاموا النوح وأبو بكريغسل ويكفن ، فأمر عمر بن الخطاب بالنوّح ففرّقن،  فوالله على ذلك إن كن ليفرقن ويجتمعن ).  ويذكر ابن الأثير فى ( الكامل ) ( وأقامت عائشة عليه النوح فنهاهن عن البكاء عمر فأبين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة، فأخرج إليه أم فروة ابنة أبي قحافة فعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوح حين سمعن ذلك. ) .

رابعا : عمر يسارع بالاستيلاء على بيت مال أبى بكر

 1 ـ فى بحث سابق لنا عن ( أبى بكر ) خدعتنا بعض الروايات عن أمانته المالية ، فأشدنا بأبى بكر ، واتخذناه حجّة ضد المستبد الحرامى فى عصرنا . والبحث منشور هنا ، وسبق نشره فى جريدة الدستور المصرية فى منتتصف التسعينيات . وحين دخلنا فى المقالات البحثية عن ( وعظ السلاطين ) تبين لنأ أن بعض الوعّاظ كان يختلق روايات تمدح أبا بكر وعمر بالعدل والأمانة ليطعن فى الخلفاء فى عصره ، وليعظهم بها إن أمكن . وهو نفس ما فعلته حين استشهدت بهذه الروايات مصدقا لها لآتخذ منها حُجّة على حرامية عصرنا . وأعترف هنا بخطئى فى موضوع أبى بكر بعد أن أعدت قراءة وتمحيص وفحص رواياته  .

2 ـ وتبين الآتى بايجاز : فوجىء أبو بكر والصحابة بالثروات التى وقعت فى أيديهم خلال المعارك الأولى لخالد بن الوليد فى العراق وما نهبه من المدن هناك ، وبعث بالخُمس منه لأبى بكر فى المدينة . كان هذا حدثا هائلا لم يروه من قبل . أبو بكر الذى إعتاد من قبل طاعة ( عمر ) أعطى نفسه حق التحكم فى توزيع هذه الأموال دون مشورة عمر ، وجعل لها مكانا خاصا . ولقد كان خالد بن الوليد هو محور الخلاف بين أبى بكر من ناحية وبين عمر وأبى سفيان من ناحية أخرى ، فمُعظم الغنائم جاءت من انتصاراته ، ومن البلاد الى أسرعت بالتسليم ودفع الجزية خوفا منه . واصبح خالد نجما ساطعا طموحا يهدد خطط أبى سفيان وعمر ، وأصبح بالتالى عنصر قوة لأبى بكر يستطيع به التحرر من سيطرة عمر وأبى سفيان ، وبالتحالف بين ابى بكر وخالد وبالغنائم يقوى أبو بكر فى مواجهة تسلط عمر وأبى سفيان . لذا رفض أبو بكر بكل إصرار عزل خالد ، ومعه كل الحق ، فلا يوجد سبب وجيه لعزل قائد عسكرى منتصر موهوب خصوصا إذا كان هذا العزل وسط معركة حاسمة يقودها هذا القائد . ولكن كل شىء يهون فى سبيل السلطة والثروة ،  ولذا أسرع عمر بقتل أبى بكر بالسّم ، واسرع بعزل خالد ، واسرع فى الاستيلاء على بيت المال ، وزعم أنه ليس فى بيت المال شىء ، وأن أبا بكر أنفقه فى سبيل الله .!! وذرف ( عمر ) دمعة على نزاهة أبى بكر الذى أتعب بأمانته من سيأتى بعده ..!!

3 ـ الروايات المصنوعة فى مناقب أبى بكر منها قول إبراهيم النخعي : ( كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته. ). هذا كلام إنفرد به ابراهيم النخعى الذى عاش فى عصر الحجاج بن يوسف ، فهو لم ير أبا بكر . وهو الوحيد الذى قال عن أبى بكر هذا :( كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته.  ) .

وهناك رجل مجهول من البصرة ذكر خبرا عن أبى بكر وعمر ، تقول الرواية فى ( الطبقات الكبرى لابن سعد : ( قال أخبرنا محمد بن عبيد قال حدثني وائل بن داود عن رجل من أهل البصرة ) لاحظ أننا لا نعرف هذا الرجل المجهول ، وكل ما نعرفه أنه رجل من البصرة ، ولم تكن البصرة موجودة فى عهد أبى بكر ..ما علينا .. دعنا نكمل الرواية عن هذا الرجل البصرى المجهول :  ( قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر ، فرآهما يوما مقبلين ، فقال : إن هذين لسيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين كهولهم وشبابهم إلا النبيين والمرسلين ) . وفى ضوء هدى القرآن الكريم  فهذه رواية كاذبة ، لأن النبى عليه السلام كان لا يعلم الغيب ، وكان مأمورا أن يعلن أنه ليس بدعا من الرسل وانه لا يدرى ماذا سيجرى له أو لهم فى الدنيا أو الآخرة ( الاحقاف 9 ) . ومع ذلك يصنعون رواية أخرة ينسبونها للشعبى تؤكد سابقتها : ( قال أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال أخبرنا ملك بن مغول عن الشعبي قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، فأقبلا ، أحدهما آخذ بيد صاحبه .  فقال : من سره أن ينظر إلى سيدي كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، فلينظر إلى هذين المقبلين. ).

4 ـ وفى الطبقات الكبرى لابن سعد روايات متناقضة فى ثروة أبى بكر أو تركته بعد موته : منها رواية تقطع أنه لم يترك شيئا : ( أخبرنا وكيع بن الجراح وأبو أسامة قالا أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب الله سكته . ).

وهناك روايات تقطع بأنّه ترك ثروة لورثته ، ومنهم أبوه أبو قحافة :( قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال ورث أبا بكر الصديق أبوه أبو قحافة السدس وورثه معه ولده عبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء وأم كلثوم بنو أبي بكر وامرأتاه أسماء بنت عميس وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج وهي أم أم كلثوم وكانت بها نسأ حين توفي أبو بكر رحمه الله ) ( قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة قال سمعت مجاهدا يقول : كلم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق رحمه الله .) .

5 ـ وهناك روايات مصنوعة زائفة تدافع عن ذمّة أبى بكر المالية . منها أنه أوصى قبيل موته بارسال ما زاد من ماله فى فترة خلافته الى الخليفة بعده ، أى عمر . فلما جىء لعمر بالمال بكى وقال :( لقد أتعب من بعده تعبا شديدا.). تقول الرواية :  ( قال أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير قالا أخبرنا الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت : لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي فإني قد كنت أستحله. قال وقال عبد الله بن نمير أستصلحه جهدي وكنت أصيب من الودك نحوا مما كنت أصيب في التجارة . قالت عائشة فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وإذا ناضح كان يسني عليه قال عبد الله بن نمير: ناضح كان يسقي بستانا له . قالت فبعثنا بهما إلى عمر. قالت : فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال : رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا. ) .

ورواية أخرى أنه أوصى بخمس ثروته التى جاءته من الفىء : ( أن أبا بكر أوصى بخمس ماله ، أو قال آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين .) ( قال أخبرنا عمرو بن عاصم قال أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة قال قال أبو بكر لي من مالي ما رضي ربي من الغنيمة فأوصى بالخمس .) ( قال أخبرنا عارم بن الفضل قال أخبرنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد : أن أبا بكر أوصى بالخمس ) .

ثم رواية مطولة فى نفس الموضوع : ( قال : جاءت عائشة إلى أبي بكر وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره ، فتمثلت هذا البيت‏:‏

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى    إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )

أى إن عائشة تتهم أباها ضمنا أن ما أغنى عنه ماله وما كسب . ولهذا غضب منها : ( فنظر إليها كالغضبان ثم قال : ليس كذلك يا أم المؤمنين ولكن : " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " ،  إني قد كنت نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا فرديه إلى الميراث قالت : نعم.  فرددته .) أى أعطاها بستانا وهى لا تستحقه ، فأمرها ان ترده الى ميراث العائلة ، فأطاعته . وتستمر الرواية وأبو بكر يمدح نفسه بعدها : (  فقال : أما إنا مند ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وأبرئى منهن ففعلت . ) . وهنا عبارة متناقضة ، كيف لم يأكل من بيت المال دينارا ولا درهما ، ثم فى نفس الوقت كان يأكل من طعامهم ويلبس من ثيابهم ، وكيف إقتنى عبدا وبعيرا ، وأمر بارسالها الى عمر وأن تتبرأ من ذلك عائشة ؟ ثم كيف تتفق هذه الرواية مع الرواية المشهورة التى قالوا أن أبا بكر فى أول خلافته خرج يمارس التجارة فمنعوه وفرضوا له مرتبا ، وطلب زيادته ( غلاء معيشة ) فزادوه .؟.. وتنتهى هذه الرواية الكاذبة بدموع عمر ـ كالعادة : ( فلما جاء الرسول عمر بكى ، حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ، ويقول : رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده . ) ومع ذلك ، يأمر عمر ـ ودموعه على خدّيه ـ  بقبض هذه الأشياء ، فيعترض عبد الرحمن بن عوف ويطلب إرجاعها الى ورثة أبى بكر فيرفض عمر ـ وطبعا كانت دموعه لا تزال تسيل على خده ، تقول الرواية : ( فلما جاء الرسول عمر بكى ، حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ، ويقول : رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده . يا غلام ارفعهن . فقال عبد الرحمن بن عوف : سبحان الله .! تسلب عيال أبي بكر عبدا حبشيا وبعيرا ناضحا وجرد قطيفة ثمن خمسة الدراهم ؟ قال : فما تأمر ؟ قال تردهن على عياله. فقال : لا والذي بعث محمدا بالحق ..لا يكون هذا في ولايتي أبدا ..خرج أبو بكر منهن عند الموت وأردهن أنا على عياله .؟ ! ..الموت أقرب من ذلك. ).

6 : الذى يتمشى مع المنطق وتسلسل الأحداث ، هو هذه الرواية ، مع وجود بعض خلل كالعادة فى تفاصيلها ننبّه عليه : ( .. وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن حنظلة بن قيس الزرقي عن جبير بن الحويرث قال وأخبرنا محمد بن هلال عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض ،) أى يقول ابن سعد أن تفصيلات أحاديثهم تداخلت مع بعضها ، ولهذا يحدث الخلل فى التفصيلات . ونقرأ الرواية : (  أن أبا بكر الصديق كان له بيت مال بالسنح معروف ليس بحرسه أحد . فقيل له : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجعل على بيت المال من يحرسه ؟ فقال : لا يخاف عليه .قلت :  لم ؟ قال : عليه قفل ) أى إتّخذ أبو بكر مكانا مّغلقا يحتفظ فيه بالمال دون حراسة ، إكتفاءا بوجود قفل عليه . ومفهوم هنا أن مفتاح القفل مع أبى بكر ، وأنه لا أحد غيره يدخل هذا المكان ، ولا احد يعرف مقدار مافيه ، ومقدار الوارد اليه والمنصرف منه . كل ذلك مع أبى بكر وحده . ولكن تقول الرواية بعدها :  ( قال وكان يعطي ما فيه حتى لا يبقى فيه شيء. )، فمن أعلمهم أنه يعطى كل ما فيه حتى لايبقى منه شىء ؟ وإذا كان الحال هكذا فلماذا يغلقه بالقفل ؟. وتمضى الرواية :  ( فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوّله ، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها .). أى أنشأ أبو بكر دارا جديدة فى المدينة وسكن الدار الجديدة ، وجعل منها جناحا لبيت المال ، وهذا طبعا بعد قدوم الغنائم بما لم يكن أبو بكر يتخيّله ، تقول الرواية : ( وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير ، وانفتح معدن بني سليم في خلافة أبي بكر ، فقدم عليه منه بصدقته ، فكان يوضع ذلك في بيت المال . فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقرا نقرا ، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا . وكان يسوي بين الناس في القسم الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير فيه سواء . وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله . واشترى عاما قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء .) أى إن أبا بكر هو الذى كان يتحكّم وحده فى المال ، وهو الذى يقوم وحده بتوزيعه . وكان عمر بعيدا عن هذا . وبالتالى لا بد أن تكون أول مهمة لعمر هى الاستيلاء على بيت المال ، وجرد ما فيه ، تقول الرواية : ( فلما توفي أبو بكر ودفن ، دعا عمر بن الخطاب الأمناء ، ودخل بهم بيت مال أبي بكر ومعه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهما ، ففتحوا بيت المال ، فلم يجدوا فيه دينارا ولا درهما . ووجدوا خيشة للمال فنقضت فوجدوا فيها درهما . فرحّموا على أبي بكر . ). دخل مع عمر أصحابه ممّن تآمر معه على قتل أبى بكر ، وبعد أن جردوا المال وصادروه أعلنوا أنه لا يوجد فيه شىء سوى درهم يتيم . وطبعا ترحّموا على ( أبى بكر ) . ولكن الشّك مع ذلك لم يفارقهم فى وجود المزيد ، فسألوا من كان يقوم بوزن الذهب والفضة : (وكان بالمدينة وزان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال ، فسئل الوزان : كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر ؟ قال : مائتي ألف .). هذا ما قاله الوزّان .

رواية أخرى فى نفس الموضوع تقول باختصار : ( وكانت له بيت مال بالسنح، وكان يسكنه إلى أن انتقل إلى المدينة، فقيل له: ألا نجعل عليه من يحرسه؟ قال: لا. فكان ينفق جميع ما فيه على المسلمين فلا يبقى فيه شيء، فلما انتقل إلى المدينة جعل بيت المال معه في داره. وفي خلافته انفتح معدن بني سليم، وكان يسوي في قسمته بين السابقين الأولين والمتأخرين في الإسلام وبين الحر والعبد والذكر والأنثى، فقيل له: لتقدم أهل السبق على قدر منازلهم، فقال: إنما أسلموا لله ووجب أجرهم عليه يوفيهم ذلك في الآخرة، وإنما هذه الدنيا بلاغٌ. وكان يشتري الأكسية ويفرقها في الأرامل في الشتاء.ولما توفي أبو بكر جمع عمر الأمناء وفتح بيت المال فلم يجدوا فيه شيئاً غير دينار سقط من غرارة، فترحموا عليه. ) .

نلاحظ هنا أن الرواية لم تتطرّق الى الغنائم التى جاءت لأبى بكر من خالد فى غزواته فى العراق ، والتى كانت سببا فى إصرار عمر على عزل خالد . فلما رفض أبو بكر قتله عمر .

وللحديث بقية مع خالد وعمر وأبى بكر وأبى سفيان .  

اجمالي القراءات 22319