كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الثانى عشر : ( عُمر) فى خلافة ابى بكر
مقدمة : رؤية للتخطيط السفيانى
كان عمر هو المسيطر على ( أبى بكر ) ، وكان أبوسفيان هو الذى يخطّط لعمر . وبدأ التنفيذ بمجرد موت النبى ، بل وحتى قبل دفن النبى واثناء تجهيز (على ) وآل بيت النبى لدفن النبى . أشعل أبوسفيان حرب الردة ، وشغل بها المسلمين ، وفى ظروف طارئة وعسيرة تمت بيعة أبى بكر فى إجتماع السقيفة ببطولة (عمر )، وظهر أبو سفيان فى مظاهرة يستنكر تولية واحد من أذلّ حى من قريش، ويدعو لتولية (على ) أو العباس ، وبهذا إقتنع أبو بكر برأى ( عمر ) فى تعيين يزيد بن أبى سفيان قائدا ضمن قواد المسلمين فى مواجهة المرتدين ، وهى التى تحولت بتأثير ( عمر / أبى سفيان ) الى فتوحات ، جنى ثمرتها معاوية فيما بعد . وببيعة السقيفة جرى تهميش الأنصار وحصر الحكم فى قريش ، كما جرى تهميش أهل النبى بإجبار ( على ) على البيعة لأبى بكر ، وتولية أبى بكر تحت نفوذ ( عمر ) ظاهريا ، ونفوذ قريش فى الحقيقة ، والتى يمثلها هنا أبو سفيان . كان أبو بكر مرحلة إنتقالية قصيرة تمهّد لوصول عُمر للخلافة ليعطى نفوذ أبى سفيان مساحة أكبر ، ثم بعده كان تعيين عثمان الأموى فى أواخر أيام أبى سفيان ، وأصبح معاوية أقوى وال فى خلافته ، وبعد التضحية بعثمان حورب ( على ) ليصل معاوية للحكم ، ويتحقق أخيرا حُلم أبى سفيان . نُعطى هنا بعض التفاصيل
أولا : عُمر هو بطل تولية أبى بكر وتهميش الأنصار :
1 ـ أبن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) يلخّص تاريخ الطبرى ، وينتقى ما يراه صحيحا منه رواياته ، ويقوم بتجميع بعضها أحيانا فى رواية واحدة . نلتقط منها هذه الرواية الموجزة تحت عنوان ( حديث السقيفة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ) يقول ابن الأثير : ( لما توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: منا الأمراء ومنكم الوزراء. ثم قال أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمة. فقال عمر: أيكم يطيبب نفساً أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم؟ فبايعه عمر وبايعه الناس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا علياً. قال: وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة. وقال الزبير: لا أغمد سيفاً حتى يبايع علي. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر، ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة.). واضح هنا الظهور المفاجىء لعمر كشخصية طاغية ، وهى لا تتفق مع نفاقه السابق لأقارب النبى .
2 ـ كانت الحُجة القوية لأبى بكر وعمر فى إجتماع السقيفة أن العرب لا تخضع إلّا لقريش ، أى لا يمكن أن يخضع العرب للأوس والخزرج ، وهم من العرب القحطانية اليمنية . وطالما كانت الحجة هى الهيمنة القرشية فأبو سفيان هو من يمثّلها . تقول رواية عن عمر رواها ابن عباس :( حين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن علياً والزبير ومن تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الأنصار، أحدهما عويم بن ساعدة، والثاني معن بن عدي، فقالا لنا: ارجعوا أقضوا أمركم بينكم. قال: فأتينا الأنصار وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة وجع، فقام رجل منهم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهط بيننا وقد دفت إلينا دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يغصبونا الأمر. فلما سكت وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك! فقام فحمد الله وما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه وقال: " يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، هم أوسط العرب داراً ونسباً .. " .. فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال: أنا جذيلها المحكم وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير. وارتفعت الأصوات واللغط، فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر: ابسط يدك أبايعك؛ فبسط يده ، فبايعته وبايعه الناس، ثم نزونا على سعد بن عبادة، فقال قائلهم: قتلتم سعداً. فقلت: قتل الله سعداً..). أى إن أبا بكر هو الذى إحتجّ بهيمنة قريش فى استحقاق المهاجرين للخلافة دون الأنصار .
3:ـ عمر يقتل سعد بن عبادة
بعد هزيمته السياسية فى بيعة السقيفة إعتزل سعد بن أبى عبادة الناس ولزم بيته مغاضبا رافضا بيعة أبى بكر . تقول الروايات : ( ثم تحول سعد بن عبادة إلى داره فبقي أياماً، وأرسل إليه ليبايع فإن الناس قد بايعوا، فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي.) وصمّم عُمر على أن يجعل أبا بكر يرغمه على البيعة : ( فقال عمر: لا تدعه حتى يبايع. ) وتدخل ابن سعد بن عبادة : ( فقال بشير بن سعد: إنه قد لجّ وأبى ، ولا يبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته، فاتركوه ولا يضركم تركه، وإنما هو رجل واحد. فتركوه.) . وآثر سعد بن عبادة السلامة ، ونفى نفسه الى الشام . ولم يتركه عمر هناك فبعث خلفه من قتله . تقول الرواية : ( وأما سعدُ بن عبادة فإنه رحل إلى الشام.) ( أبو المنذر هشام بن محمد الكلبيّ قال: بعث عمرُ رجلاً إلى الشام فقال: ادْعه إلى البَيعة واحمل له بكل ما قَدرت عليه فإن أبيَ فاستعن اللّهَ عليه. فقَدم الرجل الشام فلقيه بحُوران في حائطٍ فدَعاه إلى البيعة فقال: لا أبايع قُرشياً أبداً. قال: فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتَني! قال: أفخارج أنت مما دخلتْ فيه الأمة قال: أمّا من البَيعة فأنا خارج. فرَماه بسَهم فقتله. ) ، ( ميمون بن مِهران عن أبيه قال: رُمي سعد بنُ عبادة في حمّام بالشام فقُتل.) ( سعيد بن أبي عَروبة عن ابن سيرين قال: رُمي سعد بن عُبادة بسهم فوُجد دفينا في جسده. ) . وزعموا أن الجنّ هى التى قتلت سعد بن أبى عبادة ، وأنها قالت فى ذلك شعرا : ( فمات ، فبكته الجنّ ، فقالت:
وقَتلنا سيّد الخَزْ رج سعدَ بن عُبادة ورَميناه بسهمي فلم نُخْطِىء فُؤاده
ثانيا : عمر وتهميش (على ) والهاشميين
1 ـ هناك رواية أخرى فى الطبرى لآبى عمرة الأنصارى عن بيعة السقيفة تؤكد أنّ عمر هو الذى إحتجّ على الأنصار بهيمنة قريش : ( لما قبض النبي، صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الأمر، وكان مريضاً، فقال بعد أن حمد الله: " يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لأحد من العرب، إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به إلا القليل، ما كانوا يقدرون على منعه ولا على إعزاز دينه ولا على دفع ضيم، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ورزقكم الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً وأعطى البعيد المقادة صاغراً فدانت لرسوله بأسيافكم العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير العين. استبدوا بهذا الأمر دون الناس، فإنه لكم دونهم.". فأجابوا بأجمعهم: أن قد وفقت وأصبت الرأي ونحن نوليك هذا الأمر فإنك مقنعٌ ورضاً للمؤمنين . ثم إنهم ترادوا الكلام فقالوا: وإن أبى المهاجرون من قريش وقالوا نحن المهاجرون وأصحابه الأولون وعشيرته وأولياؤه! فقالت طائفة منهم: فإنا نقول منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا أبداً. فقال سعد: هذا أول الوهن. ) وتمضى الرواية وتذكر حضور أبى بكر وعمر وأبى عبيدة ، وخطبة أبى بكر اللينة وقوله للأنصار: ( " فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفاوتون بمشورة ولا تقضي دونكم الأمور." . فقام حباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في ظلكم ولن يجترىء مجترىء على خلافكم ولا يصدروا إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز وأولو العدد والمنعة وذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم أمركم، أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير ومنكم أمير.) هنا إنبرى له عمر يؤكّد حق المهاجرين بهيمنة قريش : ( فقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته! فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب! أنا أبو شبل في عرينة الأسد، والله لئن شئتم لنعيدنها جذعةً.فقال عمر: إذاً ليقتلك الله! فقال: بل إياك يقتل. ) . وانتهى الأمر ببيعة أبى بكر بنفس الحجّة وهى أن النبى من قريش ، وهذا ما قاله أحد زعماء الأنصار : ( فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر فلا تكونوا أول من بدل وغير! فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار إنا والله وإن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضى ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فيما ينبغي أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به الدنيا، ألا إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، من قريش وقومه أولى به، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.) ( فلما كان الغد من بيعة أبي بكر جلس على المنبر وبايعه الناس بيعة عامة . ).
كل هذا وجثمان النبى لم يدفن بعدُ : ( فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل: بقي ثلاثة أيام لم يدفن.. وكان الذي يلي غسله علي والعباس والفضل وقثم ابنا العباس ...).!
ثالثا : عمر يهدّد بحرق بيت (علي ) والسيدة فاطمة الزهراء :
1 ـ قال عمر فى أحقية المهاجرين دون الأنصار : (هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته! ). أى لم يحتج فقط بهيمنة قريش ولكنّ إحتجّ بالأهم ، وهو أن النبى من قريش ، فقال : ( ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته! ). وبالتالى فعلى كلامه فإن الأحق بالخلافة هو ( على ) وليس أبا بكر .! . ولأنّ عليا هو الأحق بالخلافة ـ حسب كلامه ـ ولأن عليا رفض البيعة لأبى بكر وأيده جماعة من المهاجرين إعتصموا مع ( على ) فى بيته ، كان لا بد لعمر أن يتطرّف فى تهديدهم حتى يبايعوا أبا بكر. تقول إحدى الروايات : ( بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة، رضي الله عنها، فبايعوه.). وهناك روايات أخرى مختلفة فى المدة التى ظل فيها (على ) رافضا لبيعة أبى بكر . ولكن أغلب الروايات وأصدقها تؤكّد رفض (على ) مبايعة أبى بكر ، وأنه إضطر لذلك خوفا من عُمر .
2 ـ ويذكر الطبرى رواية عن تهديد عمر بحرق بيت ( على ) : ( أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتا السيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه. ). وفى تاريخ الطبرى رواية عن ندم أبى بكر عن أشياء ، منها ( .. فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ) .!
3 ـ وبجانب الطبرى تواترت الروايات فى التراث السّنى تؤكد أن عمر كان على وشك أن يحرق بيت السيدة فاطمة الزهراء ، مع إختلاف فى التفاصيل . يروى البلاذرى فى ( أنساب الأشراف ): ( إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد بيعته، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب ! أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال : نعم ، وذلك أقوى ممّا جاء به أبوك.). وذكر ابن قتيبة فى تاريخه (الامامة والسياسة ) أن عمر جمع حطبا ليحرق بيت (على ) لأن عليا تخلف عن بيعة أبى بكر ، فقيل له : إن فيها فاطمة . فقال : وإن .!). ويروى أبو الفدا فى ( المختصر فى أخبار البشر ) : ( فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها، وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم، أو تدخلوا فيما دخلت به الأمة ).. ويذكر الشهر ستاني في الملل والنحل :(وكان عمر يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها! . وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ).
رابعا : متى بايع (على ) أبا بكر ؟
1 ـ وهناك رواية تؤكّد أنّ (عليا ) ظلّ رافضا لبيعة أبى بكر طيلة حياة زوجته السيدة فاطمة التى كانت تستحوذ على تعاطف الناس . وبموتها قلّ تعاطفهم مع ( على ) ، لذا إضطر ( على ) أن يبايع أبا بكر .
2 ـ يقول الطبرى : ( وكان لعلي وجه من الناس فى حياة فاطمة . فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي . فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ثم توفيت. ..) ( .. فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فارسل إلى أبي بكر أن إئتنا ولا يأتنا معك أحد . وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر . فقال عمر : لا تأتهم وحدك . قال أبو بكر : والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي ؟ قال فانطلق أبو بكر فدخل على علي ، وقد جمع بني هاشم عنده . فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا . ثم ذكر قرابته من رسول الله وحقهم . فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر . فلما صمت علي ، تشهّد أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فوالله لقرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي ، وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ، ولكني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وإني أعوذ بالله لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله . ثم قال علي : موعدك العشية للبيعة . فلما صلى ابو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر ، ثم قام علي فعظّم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته . ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قالت فأقبل الناس إلى علي فقالوا : أصبت وأحسنت . ) . أى تمّ الصلح بين أبى بكر و( على ) فى غياب عُمر .
خامسا : حرمان السيدة فاطمة من ميراثها من أبيها :
1 ـ فى الرواية السابقة إعتذار أبى بكر عن منع السيدة فاطمة من أخذ ميراثها : (وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ، ولكني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وإني أعوذ بالله لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله . )
2 ـ وفى تاريخ الطبرى رواية أخرى عن السيدة عائشة تقول ( أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر . فقال لهما أبو بكر :" أما إني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته . " قالت فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر . ). وحديث أبى بكر الذى نسبه للنبى ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) هو حديث كاذب . ليس فى القرآن منع لتوريث تركة النبى . فمن حق ورثته أن يرثوا تركته ، وهما عمه العباس ، وابنته فاطمة .
3 ـ أى تم تهميش بنى هاشم مع بداية تولى أبى بكر ، ليس فقط لتأكيد خلافة أبى بكر ، ولكن أيضا ليتسع المجال لعّمر أن يستحوذ على النفوذ فى دولة أبى بكر ، توطئة لأن يرث الخلافة من بعده . فقريش تعرف أنه لو جاءت الخلافة بعد النبى لبنى هاشم فلن تخرج منهم ، وبالتالى سيضيع أمل أبى سفيان . لذا كان لا بد من تداولها بعيدا عن ( على ) لتصل فى النهاية لبنى أمية ، وهم الذين يمثلون الهيمنة القرشية . كانت خلافة أبى بكر مجرد قنطرة يصل بها عّمر للخلافة .
سادسا : عّمر كان هو الحاكم الفعلى فى خلافة أبى بكر ، وكان المستفيد أبا سفيان
1 ـ لأنّ عُمر هو الذى قام بتعيين أبى بكر ، ومن أجله ارتكب ما ارتكبه ضد (على وفاطمة والهاشميين ) والأنصار وسعد بن عباده ، فقد أصبح النفوذ كله فى يد عّمر ، فهو المستشار صاحب الأمر والنهى . وفى حرب الردّة توسّط طلحة بن عبيد الله الصحابى المشهور وقريب أبى بكر بين أبى بكر والزبرقان والأقرع بن حابس ، وعقدا صلحا ، واشترط الزبرقان والأقرع أن يشهد عُمر على العقد . وبعد توقيع أبى بكر وطلحة والجميع ، رفض عّمر ومزّق الكتاب . جاء فى ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه عن حرب الردّة : (وخرج الزبرقان والأقرع إلى أبي بكر وقالا :" اجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك ألا يرجع من قومنا أحد." ففعل وكتب الكتاب . وكان الذي يختلف بينهم طلحة بن عبيدالله . وأشهدوا شهودا منهم عمر . فلما أتي عمر بالكتاب فنظر فيه لم يشهد . ثم قال لا والله ولا كرامة . ثم مزق الكتاب ومحاه . فغضب طلحة فأتى أبا بكر فقال : أأنت الأمير أم عمر ؟ فقال : "عمر ، غير أن الطاعة لي ".! فسكت .! ) .
2 ـ عُمر هنا هو المسيطر على أبى بكر ظاهريا . لأن هذه السيطرة كانت لصالح أبى سفيان . ومن البداية هو تخطيط أبى سفيان ، وعمر مجرد منفّذ . وهنا نسترجع ما قلناه من قبل عن مظاهرة أبى سفيان وتهديده لأبى بكر بأن الخلافة هى حق لبنى هاشم ولا ينبغى أن تكون فى بنى تيم أقل حىّ فى قريش . ننقل الخبر من ( العقد الفريد ) : ( ُتوفي رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان غائب في مَسعاة أخرجه فيها رسولُ اللهّ صلى الله عليه وسلم . فلما انصرف لقي رجلاً في بعض طرق مُقبلاً من المدينة فقال له مات محمد ؟ قال: نعم. قال: فمن قام مَقامه قال: بكر. قال أبو سفيان: فما فعل المُستضعفان عليّ والعبّاس قال: جالسين. قال: أما واللهّ لئن بقِيت لهما لأرفعنّ من أعقابهما ثم قال: إني أرى غَيرةً لا يُطفئها إلا دم. فلما قدم المدينةَ جعل يطوف في أزقّتها ويقول:
بني هاشم لا تَطمع الناسُ فيكم ولا سيما تَيمُ بن مُرة أو عَدِي
فما الأمرُ إلا فيكمُ وإليكمُ وليس لها إلا أبو حَسن عَلى ).
الجديد هنا أن عُمر هو الذى أشار على أبى بكر برشوة أبى سفيان لتفادى غضب أبى سفيان . تقول الرواية : ( فقال عمر لأبي بكر: " إنّ هذا قد قَدم وهو فاعل شرًّا، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستألفه على الإسلام . فدَع له ما بيده من الصَّدقة . " فَفَعل. فرضي أبو سفيان وبايعه.). وبعدها كان تعيين يزيد بن أبى سفيان رشوة أخرى . لم يقم عمر بتهديد أبى سفيان بالحرق كما فعل مع السيدة فاطمة الزهراء.!
أخيرا
1 ـ لأن عمر ( مرد على النفاق ) فإننا نرى إنقلابا هائلا فى شخصيته بعد موت النبى . كان متطرفا فى نفاق النبى وبنى هاشم ومتطرفا فى العداء لأبى سفيان ، فأصبح بعد موت النبى متطرفا فى العداء لبنى هاشم وصديقا لأبى سفيان . ومسيطرا على الخليفة أبى بكر .
2 ـ وعندما حاول أبو بكر التمرّد عليه وعلى أبى سفيان بادر عّمر بقتل أبى بكر..
3 ـ انتظرونا ..