أعظم نعمة على البشرية ... نعمة الإسلام...!
نعمة الدين ... والتخريب عن طريق الدين ...
الهداية عكس الضلال، ورضوان الله عكس غضب الله ...
" وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " 5:7
أما مصيبة الضلال ، أن يعيش الإنسان في ضلال ، الخزي في الدنيا ، إلى الذلة، إلى القهر ، إلى العبودية لأولياء الشيطان ، فإن آثاره سيئة جداً في الدنيا وفي الآخرة ، ومن أسوأ عواقب الضلال هو الخلود في جهنم. يمكن أن تعاني في فترة من حياتك ظروفاً صعبة ،تعاني من الفقر أو المرض لكنه لا يؤدي بك هذا إلى جهنم.
فالله عندما يُذكّر عباده بأنه منّ عليهم برسوله، ومنّ عليهم بأن أنزل عليه القرآن يتلوه على الناس يُعلمهم به ، يزكيهم به ، " وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ" (الجمعة:3) أولئك الذين عاصروه نعمة كبيرة عليهم ومِنّة عظيمة منّ الله عليهم، هم ومن بعدهم وَآخَرِينَ مِنْهُمْ (من الناس, من الأميين )" لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الجمعة:4) هذا فضل عظيم من الله أن يبعث الرسول عليه السلام في الأميين.
القرآن كتاب عظيم ، ثقافته عالية جداً ، عالية جداً تجعل هذه الأمة ـ لو تثقفت بثقافته ـ أعظم ثقافة ، وأزكى وأطهر نفوساً ، إنه يقول: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) فتكون نفوسهم زاكية ، مجتمعهم زاكي ، حياتهم زاكية ، نظرتهم صحيحة ، أعمالهم كلها زاكية.
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الكتاب هو القرآن الكريم ، كرره مرتين في هذه الآية ، لأنه هو المهمة الرئيسية للرسول عليه السلام هو أن يتلو الكتاب على الناس ، يعلم الناس بهذا الكتاب ، عمله كله يدور حول القرآن الكريم، يتلو عليهم الكتاب، (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) القرآن الكريم.
(وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الحكمة هنا ما هي؟. عادةً يقول بعض المفسرين أنها السُنة. يسمونها السنة ، الكتاب والحكمة قالوا: الكتاب والسنة، هذا غير صحيح.الحكمة أن تكون تصرفاتهم حكيمة ،أن تكون مواقفهم حكيمة ،أن تكون رؤيتهم حكيمة. الحكمة هي تتجسد بشكل مواقف ، بشكل أعمال ، هي تعكس وعياً صحيحاً ، وعياً راقياً ،تعكس زكاءً في النفس ، تعكس عظمة لدى الإنسان وحكمة في الأمور. (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وليست الحكمة هي السنُّة كما يقول بعض المفسرين لأن الله قال في آية أخرى لنساء النبي (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) (الأحزاب: من الآية34)هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت؟ ـ أو يذكرن ما يتلى من أحاديث في بيوتهن ـ فهل كان الحديث يُتلى كما يُتلى القرءان؟. وهل كان الحديث مكتوب أثناء حياة الرسول منه يًتلى؟
القرآن اسم عام للقرآن الكريم والقرآن الكريم داخله آيات ، وكلمة (آيات) في القرآن الكريم لا تعني فقط الفقرة من الكلام ما بين الرقم والرقم ، بل آياته حقائقه وأعلامه فيما يتعلق بالحياة ، ويتعلق بالتشريعات ، وفيما يتعلق بالهداية.
والقرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة كما قال في سورة الإسراء بعد أن ذكر عدة وصايا حكيمة (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ )(الاسراء: 39)كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سُنة إطلاقاً. رسول الله عليه السلام مُهمتُه هو أن يعلم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله.
وَيُزَكِّيهِمْ) تزكوا نفوسهم تسمو تطهر ، وعيهم يرتقي يرتفع بما فيه من الحكمة؛ ولهذا جاء في أكثر من آية يصف القرآن الكريم بأنه كتاب (حكيم) ،وسماه في أكثر من آية بأنه (حكيم) ، وأن آياته (أُحْكِمَت) ،وأن آياته (محكمة) إلى آخر ما في القرآن الكريم من ثناء على نفس القرآن .. أنه في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة، والعكس الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن لا يهتمون بالقرآن سيفقدون الحكمة ، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم ، في القضايا التي تواجههم ،مثلاً الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية والأمة الإسلامية ، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى ، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين وعلماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً، تجد موقف الناس الآن بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة ، أي هم فقدوا الآن المواقف الحكيمة مما يواجهون ، والرؤية الحكيمة لما يواجهون ، والنظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون.
فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأمية من جديد، على الرغم من أننا نقرأ ونكتب ، ومدارس متعددة وصحف ومجلات ومكتبات في الشوارع ومكتبات عامة في الجامعات ومراكز علم كثيرة جداً ، مدارس ثانوية وجامعات ومراكز علمية ، وكتب على الأرصفة ً تُباع ، ومجلات ، لكن لا يمكن أن يُخرج العرب من الأمية إلا القرآن الكريم فتصبح أمة ثقافتها أعلى من ثقافة الآخرين ، مواقفها حكيمة ، رؤيتها حكيمة.
نظرة فى واقعنا المعاصر،
وكيف يتم التخريب بإستخدام الدين، أحدث مهنة في الوطن العربي تحديدا هي مهنة الفقيه أو الداعية أو المفتي، حيث في العقود الأربعة الأخيرة تحديدا تصدرت هذه المهنة كافة المهن، فأصبحت تدرّ على أصحابها ذهبا وشهرة. فيكفي الإلمام ببديهيات الدين الإسلامي وحفظ بعض الآيات القرءآنية والأحاديث النبوية التي يمكن لوي عنقها لتناسب الحالة أو الحدث المزمع الإفتاء فيه، ومهما كان نوع الفتوى والمقصود منها.
إن طبيعة هذه الفتاوي لا يمكن أن يكون القصد منها توعية الشعوب بقدر ما هو تخريب عقولها وإشغالها بأمور ثانوية بدلا من تركيز اهتمامها على محو أميتها الدينية والارتقاء بمستواها التعليمي والفكري. وهذا ما يمكن تسميته (التخريب عن طريق الدين) وهو أسهل وسائل التخريب وأسرعها، لأن كل ما يغلف بمسحة من الدين يجد طريقه سريعا لقلوب الجماهير وقناعاتهم العاطفية وليس العقلية – قال رسول الله.. !.
" وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " يا سادة يا كبراء الأمة ويا فقهاءها، الله السميع العليم يًذكركم بالنعمة التى أنعمها عليكم ، ألم تقرؤا قول الله سبحانه:
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 8:53
ثم قال فى سورة النحل كمثال وعبرة لمن يتعظ ويتأمل ويتدبر فى قول الله سبحانه:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (16:112
نظرة محايدة بعيدة عن القيل والقال أو حدثنا وأخبرنا ، نظرة بعين الحق فى واقعنا على أرض الواقع، لباس الجوع وعدم الآمان ويصحبه الخوف كما ذكر فى الآية الكريمة. ألم يحدث هذا وذاك على أرض الواقع يا سادة يا كرام. متى سنفوق من الغفلة ، الغفلة عن آيات الله الكريمات الغفلة عن الأمثلة فى القرآن الكريم الذى يجب دراستها بعناية وإستنباط الدروس والعبر. أين عقولكم يا أولى الألباب إن كان لكم عقول تعقلون بها وإن كان لكم أعين تبصرون بها وإن كان لكم آذان تسمعون بها، الم تعلموا أن كل هذه النعم مسؤوله ، فإقرؤا قول الله سبحانه:
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (17:36
سوف نستعرض بإختصار بعض من هذه الفتاوى النكدية وكيف إستعملها هؤلاء للتخريب بإستخدام هذه الفتاوى والتأثير على مشاعر وقلوب العامة من المسلمين فتنافة مع ما قاله رب العباد " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ " فما هذه النعمة كما سبق قولنا بأنها نعمة الإسلام، نعمة الدين ... !
من فتاوى ابن باز
" ليس للمرأة التخصص فيما ليس من شأنها , وأمامها الكثير من المجالات التي تتناسب معها مثل الدراسات الإسلامية وقواعد اللغة العربية أما تخصصات الكيمياء والهندسة والعمارة والفلك والجغرافيا فلا تناسبها، وينبغي أن تختار ما ينفعها وينفع مجتمعها ،كما أن الرجال يعدون لها ما يخصها مثل الطب النسائي والولادة وغيره ".
نستشف من كلمات هذه الفتوى انها ذكورية الفهم الموروث فنجد فى أولها، ليس للمرأة التخصص فيما ليس من شأنها، ولا يناسبها إلا دراسات إسلامية ودراسة اللغة العربية، والذى يحدد لها ما يخصها هم " الرجال يعدون لها ما يخصها ". هذا كلام فيه إضطهاد صريح للمرأة وتقييد بعض من حقوقها المشروعة فى العمل والكسب وان هذا المكسب من حقها شرعا ان يكون لها نصيب منه إن لم يكن كله ملك لها إلا إذا دعت الحاجة للمساعدة مع الزوج. وهل الرجال الذين هم يحددوا لها ما يخصها أمر شرعى أو من بنات أفكارهم الذكورية التى أهدرت حقوق المرأة طوال أربعة عشر قرنا. هؤلاء وضعوا أنفسهم أولياء على المرأة والتى يقول رب العزة فى كتابه الكريم فى سوزرة النساء: "... لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ .... " 4:32
أقول هنا لقد فقدنا الحكمة.... !
فتوى ابن عثيمين في تحريم تعلم اللغة الإنجليزية
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم " :( فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، ولايصح لمسلم التكلم بغيره ... )
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الدعاء في الصلاة بالفارسية ؟ فكرهه . وقال: لسان سوء ولايصح الحلف بها ولا الصلاة ولاسائر العبادات.
وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي حدثنا إسحق بن إبراهيم البلخي حدثنا عمر بن هارون البلخي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق )
ومعلوم أن اعتياد التكلم بغير العربية حتى يكون عادة أمر غير مشروع لأن يورث محبة أهل تلك اللغة من الكفرة وهو مخالف لعقيدة الولاء والبراء من الكفار.
و لماذا اللغة الفارسية لغة سوء ؟
هذه الكلمات و هذه الطريقة في تناول المسائل تكشف عن عقول أصحابها ، الأنسب أن يقال أن الأمة الإسلامية ينبغي لها أن تحب اللغة العربية لأنها لغة القرءآن، و بها يصير المسلم أقرب الى فهم الإسلام وعيش حقائقه و دعاءه و مواعظه و آثاره ، و بهذه اللغة يتحقق التقارب و التآلف السريع بين المسلمين. و لعلنا بمثل هذا الفهم السيئ للمواضيع الخارجية و التشخيص غير الدقيق للواقع ، و الإفراط بمسألة سد باب الذرائع يصل البعض الى الإسلام السطحى الجامد و الغير واقعي .
أنظر ماذا يقول الله سبجانه: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (30:22
"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم" أي لغاتكم من عربية وعجمية وغيرها "وألوانكم" من بياض وسواد وغيرهما وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة "إن في ذلك لآيات" دلالات على قدرته تعالى "للعالمين" بفتح اللام وكسرها أي : ذوي العقول وأولي العلم.
ويقول سبحانه فى سورة الحجرات آية 13: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13
أقول هنا لقد فقدنا الحكمة .....!
الآن أصبح وضعنا وضعاً رهيباً جداً ، ومؤسفاً جداً ، الآن ليس هناك رؤية في الساحة ، ليس هناك موقف في الساحة للعرب ، هاهم مستسلمين الآن ، ونرى مع الأيام كل مرة إنجاز لأمريكا وإسرائيل في سياستهم ، كل مرة إنجاز ، كل مرة يسوقون العرب إلى تنازلات ، إلى تقديم استسلام أكثر وأشياء من هذه ، وبقيت الأمة كلها مستسلمة، هل هذا موقف حكيم؟ بالطبع ليس من الحكمة فى شيئ، ولكنها تخريب عقول البسطاء وإستغلال الناحية العاطفية بأنهم فى كل ما يقولونه لابد أن ينسبوه للرسول الكريم وبهذا يرسخ فى ذهن العوام بأن كل ما يقولونه هو من الدبن... وا حسرتاه.
هذا نوع من أنواع التخريب عن طريق الدين...
نحن إذا ما انطلقنا من الأساس وعنوان ثقافتنا أن نتثقف بالقرآن الكريم ، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا يسمو بنا ، يمنحنا الله به الحكمة ، يمنحنا القوة ، يمنحنا كل القيم ، كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين ، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جداً لنا ، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم ، " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " .
ما الذي أوصل العرب إلى هذا ؟ أحياناً الإنسان إذا ما تُرك على فطرته يدرك أشياء كثيرة ، لكنه أحياناً بعض الثقافات تمسخه عن الإنسانية وتحطه ، تقدم له الجبن ديناً ، تقدم له الخضوع للظلم ديناً يدين الله به.
العربي يوم كان جاهلي ، يوم كان على فطرته ما كان يمكن إطلاقاً أن يقبل مثل هذا ، لكن لما قُدِّمت لـه المسألة باسم دين ، لما قُدِّم -الآن ..وفى آخر الفتوى أو الحديث نقرأ " قال رسول الله أو عن رسول الله " وبذلك يعتقد المسلم أن كل ما تقدم هو قول الرسول فإذن هو من الدين ولا يمكن مخالفته، اقولها مرة ومرات هذا ما أسميه الخريب عن طريق الدين.
الآن في هذا الظرف- السكوت والخضوع بأنه هو الحكمة ،هو السياسة ، هو الرؤية الحكيمة لفلان أو فلان ، وقُدِّمَ السكوت من أجل أن لا تثير الآخرين علينا ، من أجل كذا ، من أجل كذا. عندما يثقف الإنسان ثقافة مغلوطة هذه هي الضربة القاضية.
الإنسان بطبيعته هو مُنح كما مُنحت بقية الحيوانات كل حيوان له وسيلة للدفاع عن نفسه ،له مشاعره التي تجعله ينطلق يدافع عن نفسه ليرهب خصمه ،لأن قضية الدفاع عن النفس ، الدفاع عن الكرامة ، الدفاع عن البلد ، الدفاع حتى عن الثقافة القائمة لدى الناس هي فطرة هي غريزة، ألم ينطلق العرب ليواجهوا الإسلام ويغضبون لآلهتهم (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) (صّ:6) قاتلوا من أجلها ، جاهدوا من أجلها ،ضحوا من أجلها ، قريش سخروا الأموال التي جاءت من أموال القافلة أيام غزوة بدر ، سخروها في تمويل جيش ضد محمد عليه السلام.
فكانوا هكذا في تلك الفترة يوم كانوا لا زالوا أناساً ، إنساناً يغضب يثور لتقاليده لثقافته ، يغضب على من يظلمه، وأصبحنا هكذا بالثقافة المغلوطة ، بالفتاوى المحرفة ، بالحكمة التي تُقَدِّم الخنوع والجمود.
أقول هنا لقد فقدنا الحكمة .....!
لاحظ عندما يقول الله سبحانه في القرآن الكريم أن من مهام رسول الله عليه السلام أن يعلمنا الكتاب والحكمة، ما هي الحكمة الآن في مواجهة أمريكا وإسرائيل ، ومؤامراتهم وخططهم والتي أصبحت علنيّة ومكشوفة، وأصبحت أيضاً هجمة ليس معها ولا أي ذرة من احترام لهذه الأمة ولا حتى لزعماء هذه الأمة، سخرية، احتقار ، امتهان بشكل عجيب ، ربما لم يحصل مثل هذا في التاريخ، ما هي الحكمة الآن؟ تجد أنها الحكمة التي يرفضها القرآن التي يهدد القرآن على من تمسك بها، ما هي الحكمة؟. السكوت ، تسكت وتخضع ، ولا أحد يتحدث بكلمة ، لا شعار يرَدد ،ولا تتكلم في أمريكا.
وهكذا نحن إذا لم نتثقف بثقافة القرآن الكريم فسنفقد كل شيء، وسنعود إلى أُمية كانت الأمية الأولى أفضل منها، الأمية التي قال الله عنها بأنها (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(آل عمران: من الآية164)سنعود إلى مرحلة من الضلال أسوأ أسوأ بكثير مما كان عليه أولئك الذين قال عنهم (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)؛لأننا فقدنا أن نلتزم بديننا ، أن نتمسك بقيمه ، وفقدنا أيضاً قيمنا الإنسانية الطبيعية والتي هي للإنسان كأي حيوان آخر. أليس الإنسان يتمتع بمشاعر الغضب فيغضب أحياناً؟ هذا شيء فطري وغريزي ،حب الانتقام ، حب التضحية من أجل شيء عزيز عليه؟. سنصبح أُميين أسوأ من الأمية التي كان عليها العرب ، حينها لا يبقى لدينا دين ،ولا يبقى لدينا نجدة ،ولا كرامة ،ولا شجاعة، ولا أي شيء آخر.
عندما يقرأ الإنسان صفات المؤمنين في القرآن الكريم يجدها صفات راقية وعندما تعود إلى المجتمع تجدها صفات مفقودة، أليس هذا حاصل؟ وكأن القرآن يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة؟
إذاً فعندما أنت تقول - وهذا من الخداع للنفس ، الإنسان قد يخدع نفسه- أنا أريد أن أعرف مالي وما عليّ ، ولا أرى أن مما عليّ هو أن أكون ممن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه وللمؤمنين من عباده في القرآن الكريم فأنا أخدع نفسي؛ لأن الجنة أعدت لمن ؟ أعدت للمؤمنين ، أعدت للمتقين ، أعدت لأولياء الله ، العزة في الدنيا أعدت للمؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (المنافقون: من الآية8)الرفعة ،الشرف ، القوة ، التمكين هو للمؤمنين. وفي الآخرة الحساب اليسير لمن ؟ لأولياء الله :
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ{(يونس:62) ألم يقل الله هكذا ؟ (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)يونس 63
فعندما يظن الإنسان أن بإمكانه أن يقرأ كتاباً فقهياً ، وهو يعلم أنه عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين ، أن بينه وبينها مسافات، ويرى الناس من حوله ،يرى زملاءه، يرى أسرته، يرى المجتمع كله من حوله بعيد عن هذه فاعرف بأنك تمشى على طريق هي غير الطريق التي رُسمت للمؤمنين.
والقضية أسوأ من هذه القضية ، من جانب آخر أسوأ إذا لم يكن الإنسان الذي ينطلق للتعليم، الذي يحمل اسم (مسلم) إذا لم ينطلق وفقاً للمواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنسان المسلم ، فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أكثر مما يخدم الحق ، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً .
نحن نقول أكثر من مرة: اليهود يستطيعون أن يُسَيِّروا علماء لخدمتهم ، أن يسيروا عباداً لخدمتهم ، إذا لم نعد إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد فإنهم يستطيعون أن يسيروا إنساناً يتعبد ليله ونهاره لخدمتهم، عالم قد يخدمهم.
قد تتعلم وتتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر ، لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة ، ليس لديك رؤية حكيمة ، لا تتمتع بالمواصفات الإيمانية المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم ، التي تمنحهم القوة ، وتمنحهم الحكمة ، وتمنحهم زكاء النفس فتضل وأنت تحمل القرآن وهذا من أسوأ الأشياء ، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم ، أن تتعلم القرآن الكريم أو تُعلم القرآن الكريم وفي نفس الوقت تبدو إنساناً هزيلاً ضعيفاً في مواقفك من أعداء الله.
القرآن الكريم كله قوة، كله عزة ،كله شرف ،كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم ، فالذي يحمل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته ـ وإن كان يتلوه ليله ونهاره ـ هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله ، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف بأنه بمعزل عن القرآن الكريم وبعيد عن القرآن الكريم ، وأنه يسيء إلى القرآن.
نعم .. قد يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{(البقرة: من الآية109) ماذا يعني الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقف كل شيء ، أم أنه كان ينطلق ويتحرك باستمرار ؟ ينطلق ويتحرك باستمرار ، إنما ربما المنطلق هذا من أجل يهود معينين لازالوا مستضعفين ، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن ، أو قبيلة معينة منهم فأتركهم لا تنشغل بهم ، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الاشتغال بهؤلاء بمفردهم.
الثقة بالله تنطلق ثقة واعية ، وليست ثقة عمياء ، لأن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ وهو يتحدث عن أوليائه ـ ذكر أنهم كيف كانوا ينطلقون على أساس الثقة به ، وذكر في القرآن كيف أنه كان يمنحهم الرعاية لأنهم كانوا يثقون به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ) (المائدة: من الآية11) فكف أيديهم عنكم....
فمن يثق بالله ، إذا ما بلغ الناس إلى درجة الوثوق القوي بالله سبحانه وتعالى فإنه من سيجعل الأشياء البسيطة ذات فاعلية ، ذاتَ فاعلية كبيرة ،عصا موسى كانت ترهب فرعون ، كانت تتحول إلى حية ، كانت تُرهب آل فرعون جميعاً ، قضت على كل ذلك الإفك ، على كل ما عمله السحرة ، أوحى الله إليه (أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)(الأعراف: من الآية117) تلتهمه جميعاً ،وقضت على كل تلك الحبال والعِصِيّ التي كان يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى ، هذه العصا كانت تشكل سلاحاً فعالاً ، إنها عبارة عن سلاح ،وعبارة عن آية ، وعبارة عن وسيلة للفرج ، لها أدوار متعددة ، ضاعت كل قوة فرعون وجبروته وجيوشه وآلياته العسكرية وحصونه أمامها، تلك العصا التي قال عنها موسى: (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ). (طـه: من الآية18)
وتجد أنه إذا افتقد الناس الثقة بالله قد يصل الناس إلى حالة من الكفر لا يشعرون بها ، كيف ؟. مثلاً تجد آيات صريحة عندما يقول الله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: من الآية40) (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم )(محمد: من الآية7) (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (التوبة:14)(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(آل عمران:111)وكم لهذه الآيات من نظائر. ولكن عندما ترجع إلينا ، إلى الناس فتقول: أعداء الله يعملون كذا ، يتحركون في كذا ، ما لنا لا نفعل؟. فيقال: والله ما نستطيع ،نحن مستضعفون ، ما بأيدينا شيء ، وماذا نستطيع أن نعمل؟
وتلك الوعود التي في داخل القرآن أين نأتي بها؟. ماذا يعني هذا؟. أنه في الأخير أنني أقرأ تلك الآيات ، وأقرأ قوله تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وأنا في واقعي ، ونحن في واقعنا جميعاً نحكم على الله بأنه فقط أنت تستطيع أن تنصر ،وأنت قوي وأنت عزيز ، لكن إذا كان هناك أعداء مثل قريش ،مثل أولئك الذين كانوا في مواجهة محمد ، أما أمريكا أما إسرائيل ،أما ما تمتلك من أسلحة هذه القوى والله ما تستطيع ، هذا واقع ، أي نحن في نظرتنا إلى الله على هذا النحو من يقول نحن أمام أمريكا لا نستطيع أن نعمل شيئاً بعد أن قال الله لـه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) بهذه العبارات .......قَوِيٌّ عَزِيز.
ونسمع على المنابر .. الله أكبرو الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل و اللعنة على اليهود و النصر للإسلام.
معنى هذا في الأخير أنه والله صح أنت قوي ، أنت عزيز لكن أما أمام أمريكا فلا، أنت غالب على أمرك ،قاهر فوق عبادك لكن أمام هؤلاء فلا، هكذا الواقع ، نظرة الناس هي هكذا في الواقع ، أليس هذا من الكفر الفظيع؟ كفر فظيع في داخلنا ونحن لا نشعر.
ثقة الإنسان بالله نتيجة لمعرفته المغلوطة بالله أو ضعف كثير في معرفته بالله سيصل إلى هذه الحالة بدلاً من أن يكون قوياً على أولياء الشيطان يصبح عبداً لأولياء الشيطان ، بدلاً من أن يتشرف بأن يهتدي بهدي الله ، وتكون قوته امتداداً لقوة الله يصبح هو من يبحث عن الحلول من عند أولياء الشيطان ، ليقدموا لـه حلولاً ، وهل يمكن للشيطان أن يقدم حلاً للإنسان المؤمن ؟ لا يمكن أبداً ، (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)(فاطر: من الآية6) حزبه الذين قد والوه وأطاعوه ، هل هو يريد أن يجعلهم على أرقى مستوى ويسوقهم إلى أفضل غاية ؟ لا. (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاصبح أولئك هم الملجأ للناس ،للعرب ،للمسلمين بدلاً من الالتجاء إلى الله رب العالمين.
التَزمُّت الديني ودوره في التخريب عن طريق الدين...
هناك تأثيرت مباشرة على سلوك الفرد بحيث تدفع به إلى إرتكاب أفعال لا أخلاقية بحيث تصبح سلوكاً ملازماً أو متلازماً له بمرور الزمن وتفاقم الحالة كما يمكن أن يكون للفقر نتائج أيجابية كحث الفرد على العمل والمثابرة والدراسة والبحث والنشاطات السياسية والإجتماعية للتخلص من حالة الفقر على الصعيد الشخصي للفرد أو المجتمع في حال كان الفقر منتشراً في وسط إجتماعي واسع. وكذلك يمكن أن تكون للعوامل السياسية مثل الأنظمة الدكتاتورية والأستبدادية والقمعية على تنوع أشكالها وأغراضها. فالممارسات القمعية والأستبدادية مثل الأضطهاد والأعتقال والتعذيب والقتل والتشريد تتسبب في مشاكل أجتماعية ونفسية وبدنية خطيرة ويمكن أن تؤدي إلى ردود أفعال فردية أو جماعية مقابلة وتشكيل قوى مناهضة وثورات ومقاومة قد تبدو في شكلها العام أيجابية ولكنها لا تخلو من ممارسات عنف وقتل وتدابير توصف بالذكاء والحنكة إلا أنها بالنتيجة تولد لدى الكثير من الأفراد القدرة على ممارسة أساليب وطرق تتصف بالغش واالحيلة والكذب وربما تعد كممارسات ملحة للتخلص من مثل هذه الأنظمة القمعية .
العامل الديني والذي لم يحظى ربما بالإهتمام الذي يستحقه في المجال السلوكي والنفسي النقدي في مجتمعاتنا. من المعلوم أن معظم الأديان تركز وتتبنى وتهتم بالجانب الأخلاقي عند الفرد بصورة رئيسية ومباشرة لذا فهي تتعامل مع مناطق حساسة في البناء الشخصي للفرد ومما هو معلوم أيضاً أن الأديان تسعى في مبادئها الأساسية إلى بناء الشخصية الأنسانية السليمة وتقويم ما أعوج منها بفعل أسباب أخرى وتعتمد معظم الأديان في ذلك على عملية ترسيخ الأعتقاد بالله والمعاد والحساب من خلال الثواب والعقاب ولترسيخ هذا الأعتقاد تستخدم كتب سماوية وسنن ووصايا تركها الأنبياء والرسل ومن تلاهم من حملة الرسالات والمؤمنون بها وكذلك مناهج ونصوص منها ماهو من أصل هذه الرسالات والكتب والسنن ومنها ماهو مستنتج منها كتفاسير أو كنصوص صريحة متخذين منها أحكام وقوانين وتعاليم وطقوس وعبادات تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع ويمكن ملاحظة تأثير هذه الأديان على سلوك بعض الأفراد والمجتمعات بصورة واضحة بحيث يمكن تمييز بعض أتباع هذه الديانات من خلال رموز أو ممارسات دينية تعبر عن هوية هذه الجماعات الدينية حسب تنوعها الديني أو المذهبي ويمكن أن تتحول بعض هذه التأثيرات إلى عادات وتقاليد أو تندمج مع عادات وتقاليد هذه المجتمعات بحيث يصعب التمييز بينها وبالنتيجة تكون هذه المجتمعات صفات ومزايا معينه تتميز بها عن بعضها.
كما أن معظم هذه الأديان قد مر على أنبعاثها وأنتشارها قرون عديدة تجاوز البعض منها آلآف السنين وقد أعتنقتها أجيال متعددة كثيرة ومر الكثير منها بتغييرات وأنعطافات وتطورات خطيرة ومتعددة حسب ما تنقله كتب التأريخ وشواهده أو ما تعاقبت على ممارسته المجتمعات الدينية من تعاليم وطقوس تختلف كثيراً أو قليلاً عن مجتمعات مثيلة لها في الأعتقاد بدين معين واحد أو عن مجتمعات تعتقد بأديان أخرى مختلفة إلى يومنا هذا.
وبالنظر إلى البعد الزمني التي أتخذته هذه الأديان وما نتج عنها من مذاهب ومدارس وأتجاهات دينية يفترض بها أن تكون قد بلغت الذروة في الترسيخ والتطبيق والتأثير لمبادئها وقيمها الأساسية . ولتسليط الضوء على مجتمعاتنا الشرقية المعاصرة والتي تتصدر المجتمعات الأخرى في هذه الأيام بالتعبير عن هوياتها الدينية وتبنيها المناهج والأطروحات الدينية كنموذج واضح في تجسيد الثقافات الدينية وتأثيراتها.والوقوف على تناقضات واضحة بين المنهج والسلوك في مجتمعاتنا ومحاولة فهم أسبابها. فبعد هذا الأنغماس الواضح في المسائل الدينية وممارستها لابد أن نحصل على مجتمعات شبه مثالية في السلوك والممارسات الأخلاقية كالصدق والأمانة والأمن وأنعدام الفقر والأستقرار والرفاه الأجتماعي بجميع أشكاله كأهداف وأطروحات دينية تتشارك فيها معظم الأديان.
ولكننا في الحقيقة على النقيض تماماً من كل ذلك. بل أننا نلاحظ وبشكل عام أن المجتمعات التي تصطبغ بالصبغة الدينية هي أكثر المجتمعات المصابة بالأمراض الأخلاقية بأستثناء المظاهر التي هي بحد ذاتها من أعراض مرض نفسي خطير آخر يسمى بالأزدواجية. في الحقيقة أن المبالغة والإفراط في فرض التطبيقات الدينية والدعوة إلى الكمال والمثالية التي تدعو لها معظم الأديان الرئيسية والأستفادة من المُثل العليا كربط هذه التعاليم والقوانين الأخلاقية بالذات الألهية وبالرسل والأنبياء بالأضافة إلى أنتشار بعض الطقوس والعادات الدينية السيئة هي التي تكمن وراء هذه الأنحرافات كعوامل رئيسية في مجتمعاتنا.
إن الأستبداد والقمع والفقر والعادات الأجتماعية والعنف بكل أشكاله له آثارنفسية وأخلاقية واضحة يمكن أن يكون للدين آثار مماثلة ولكن بتأثير أكبر وأخطر من العوامل الأخرى. فمطالبة الفرد بتطبيقات وممارسات ثبت عدم قدرة الكثيرعلى ممارستها عملياً وفعلياً عبر التأريخ بأستثناء التظاهر بممارستها تخلق صراعات نفسية خطيرة لدى الفرد كالشعور بالذنب والأضطراب العام في السلوك خصوصاً في ظروف تكون فيه المجتمعات غارقة في التدين أو في حال أن المجتمع تحكمه سلطات دينية ويتعذر فيه على الفرد التعبير عن الرفض أو التمرد على الوضع والثقافة الدينية القائمة وبمرور الزمن يموت الأحساس بالذنب كشعور أنساني سليم يسمى بالضمير.
وبالتالي يكون الفرد قادر على ممارسة أي سلوك سئ دون تأنيب للضمير ويتحول الأضطراب النفسي إلى نوع من الأزدواجية المستقرة في النفس يصاحبه رياء لتجميل الصورة أجتماعياً وقدرة عالية على النفاق المقبول لدى الفرد أو ربما تتحول كل هذه الأمراض الأخلاقية إلى سلوك غير مدرك حتى من قبل الفرد نفسه بسبب ماتمرس عليه من قدرة فائقة على أرتكاب الأخطاء وتبريرها وتفننه في أظهار الصورة المخالفة تماماً لما في داخله من مشاعر وأحاسيس وبالنتيجة التطبع على ممارسة السلوك الغير سليم بشكل عام.
خطورة العامل الديني لهذه الحالة التي يمكن أن تنتج بسبب عوامل أخرى أيضاً هو في ربطها بالمُثل العليا والذات الألهية، فتمرد الفرد ولجوءه إلى الحيلة والكذب على سلطة الأسرة والمجتمع والحاكم المستبد أو أي نظام قسري ووضعي يمكن معالجته بالأضافة إلى كونه يبقى محدوداً بسبب محدودية المسبب أصلاً وأرتباطه بظروف زمانية ومكانية كذلك. أما قدرة الفرد على ممارسة مثل هذه الأساليب الملتوية مع المُثل العليا والمقدسات والذات الألهية التي ترسخ أيمانه بها بمرور الزمن تخلق منه شخصية خطيرة جداً فمن يستسهل التجاوز على ما يعتقد أنه الأعلى والأفضل والأقوى والمطلق في في كل شئ يهون عليه كل ما هو دون ذلك.
فمثل هكذا فرد يسهل عليه ممارسة كل أنوع الفساد الأخلاقي وببراعة عالية في التبرير والأخفاء والتمويه ولا يتوانى من ممارسة الكذب والخيانة مع أقرب الناس إليه أبتداءً من الأسرة التي أنجبته ثم الشريك والأطفال إلى المجتمع بأكمله. وأخيراً فلاضير من الأشارة إلى الآثار الدينية الأخرى رغم أنها بحاجة إلى موضوع مستقل آخر فما هوشائع عن أنتشار الكثير من النصوص الدينية التي تنص على أن أداء بعض المراسم والطقوس الدينية يمكن لها أن تغفر للفرد جميع أفعاله أو أضعاف ما أقترفه من سيئات مقابل أداءها يمكن أن تعمق السلوك الأزدواجي واللاأخلاقي المنحرف وتبريرها بممارسة وأداء بعض هذه الطقوس كما أن إضفاء صفة القدسية والرهبة ودفع الفرد الى ممارسة التذلل والخضوع والتملق وتقبيل الأيادي لبشر عاديين مثله ولايختلفون عنه بشئ سوى الزي وربما معرفة بعض المعلومات والنصوص التي يمكن لأي أنسان تعلمها والتحدث بها وممن لم ينزل الله بهم من سلطان لها أنعكاسات خلقية وسلوكية خطيرة في أستعباد الأفراد ومسخ شخصيتهم بالكامل ونشر التخلف في كامل المجتمع والحقيقة أن رغم خطورة هذه الممارسات وتعدد تأثيراتها ونتائجها الواسعة التي لايمكن أستيعابها في مقال يبقى الخطر الأعظم هو الحظر المفروض في مجتمعاتنا على تناول مثل هذه المواضيع مما يعمل على تعميق وتعقيد هذه المشاكل .
ولا يسعنى فى هذا المقام إلا أن أقول حسبى اللــه ونعم الوكيل...