كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل العاشر : خالد وعمرو عملاء لأبى سفيان
أولا: مكر أبى سفيان الذى تزول منه الجبال
1 ـ : كان ابوسفيان قائد قريش الحربى والسياسى ، وقائد تجارتها فى رحلة الشتاء والصيف . ولهذا تزعم العداء للاسلام حرصا على تجارة قريش ، فلما ظهر له أن مصلحته ومصلحة قريش تستوجب الدخول فى الاسلام لاستغلاله بدلا من استغلال المسجد الحرام لم يتردد فى الدخول فى الاسلام قبيل دخول النبى مكة فاتحا . وحرص على أن يستبقى مكانته بعد دخوله الاسلام . ومن مكره أنه حين كان النبى فى مكة قام بزرع عملاء له زعموا الدخول فى الاسلام ، وصاروا من مشاهير المهاجرين . واستمر فى زرع هؤلاء العملاء حيث كانوا يهاجرون للمدينة بزعم الاسلام . ثم تنوع عملاء ابى سفيان فكان منهم أعراب إفتعلوا المشاكل للنبى والمسلمين ، ونزل الوحى بتشريعات التعامل معهم . وبتولى ابى بكر الخلافة اشعل أبو سفيان فى وجهه حرب الردة ، واستغلها فى إكراه أبى بكر على تعيين ابنه يزيد قائدا يتصدر المسلمين بعد مدة وجيزة من دخوله الاسلام . ثم بمكر أبى سفيان ارتكب أبو بكر جريمة الفتوحات التى كانت أكبر عمل إجرامى طبقا لتشريعات الاسلام ، وبها لم يعد أبوسفيان بحاجة لرحلة الشتاء والصيف لأن الشام صارت تحت حكم ابنه معاوية . ولكن المفاجأة الكبرى أن أهم قواد أبى بكر فى الفتوحات كانا من عملاء أبى سفيان ، وهما خالد بن الوليد وعمرو بن العاص .
ثانيا : بين ( عمرو ) و ( خالد )
1 ـ يلفت النظر أن خالدا وعمرا بادرا معا وفجأة وفى قمة عدائهما للاسلام بالدخول معا فى الاسلام . ويلفت النّظر أيضا أن قريش لم تحتجّ على هجرتهما ، برغم ما يمثله اسلامهما من خسارة كبرى ظاهرية لقريش. هذا لو كانت على نفس القدر من العداء للاسلام والنبى عليه السلام ونفس التصميم على حرب الاسلام والمسلمين . ولكن توقيت إسلام خالد وعمر معا توافق مع علو شأن الاسلام والمسلمين وأنحدار نفوذ قريش وحاجتها للاسلام لتستعيد به ما ضاع من مكانتها ، وبالتالى بدء مرحلة جديدة رأى فيها أبوسفيان ضرورة السيطرة من الداخل على المسلمين ودولة الاسلام بارسال أعظم قائد قرشى ( خالد ) وأمهر دهاة الشباب القرشى (عمرو )، يهاجران معا للنبى يعلنان اسلامهما . ثم فيما بعد يصيران ـ وفق تخطيط أبى سفيان من أسس الفتوحات التى حقت آمال أبى سفيان .
2 ـ عمرو بن العاص كانت أمه ( النابغة ) من بغايا قريش المشهورات ، وهناك تنازع فى نسبه ، وقد اختارت أمه أن تنسبه الى العاص لأنه كان الأرفق بأولادها . فحمل عمرو إسم ( العاص بن وائل السهمي)، فهو ليس من الأمويين بل من بنى سهم ، وإن كان ابو سفيان يعتقد أنّ عمرا إبنه . ولعل هذا يفسر العلاقة الحميمة بين معاوية وعمرو . ومع نسبه المشكوك فيه ، فقد وصل عمرو بدهائه وبمساعدة أبى سفيان الى موقع الصدارة . فهو الذي أرسلته قريش إلى النجاشي ليسلّم إليهم من عنده من المسلمين: جعفر بن أبي طالب ومن معه، فلم يفعل، فرجع عمرو الى قريش ، فأرسله أبو سفيان مباشرة مهاجراً إلى النبي عليه السلام فى المدينة . وكان إسلامه في صفر سنة ثمان قبل فتح مكة بستة أشهر. و ( عمرو بن العاص ) أحد دهاة العرب ، وقد إنكشف دوره فيما بعد فى الفتوحات والفتنة الكبرى خادما للأمويين ومعاوية بالذات..
4 ـ ويختلف عنه رفيقه خالد . فأبوه( الوليد بن المغيرة ) أحد طغاة قريش وأشرافها ، فهو ينتمى الى بنى مخزوم الذين يلون بنى أمية فى ترتيب الشرف القرشى ،وأضاف خالد الى نسبه لبنى مخزوم أنه كان أعظم قائد عسكرى فى قريش، تقول الروايات عنه : ( أحد الأشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه القبة وأعنّة الخيل في الجاهلية، أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنّة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحرب . ) ومع هذا تركته قريش يهاجر علنا الى خصمها ( محمد )!!. وقبيل اسلامه كان خالد قائد جيش المشركين القرشيين يوم الحديبية لمنع النبى والمسلمين من الحج .وبعدها أرسله أبوسفيان عميلا له داخل المدينة بمهمة أخرى .
5 ـ خالد وعمرو ، كل منهما ( أسلم فجأة ) وقبيل اسلامه المفاجىء كان يقود عملا عدائيا ضد المسلمين . كان عملا عسكريا لدى خالد ، وكان عملا سياسيا لدى عمرو . وفى كل الاحوال كانا يخدمان قريش ، وقائد قريش أبا سفيان .
6 ـ ولكنّ الاختلاف بين شخصيتى خالد وعمرو كان له التأثير الأكبر فى مصيرهما . فعمرو بدهائه ظل يحافظ على ولائه لأبى سفيان ثم معاوية فعاش وحكم مصر مرتين ، ومات على فراشه واليا لمصر ، وقد ترك لأولاده قناطير من الذهب . أما خالد فبرغم عبقريته العسكرية فقد كان ينقصه الدهاء ممّا جعله مصدر خطر يمكن أن يفضح أبا سفيان . هذا مع إعتداده بنسبه المخزومى وعبقريته العسكرية . فأصبحت عبقريته العسكرية وبالا عليه، إذ خشى أبو سفيان ورفاقه من طموحه ومن سُمعته وشهرته وحّب الجند له وإفتتانهم به ، لذا كان عزله وإهانته وموته المفاجىء فى خلافة عمر .!! .
ثالثا : عمرو بن العاص :
تقول الروايات إن النبى عليه السلام بعثه قائدا على سرية إلى ذات السلاسل يدعوهم إلى الإسلام، ويستنفرهم إلى الجهاد، فسار في ذلك الجيش وهم ثلاثمائة، فلما دخل بلادهم طلب من النبى مددا فبعث له النبى بمدد من الجند يقوده أبو عبيدة بن الجراح ، ومعه رهط من المهاجرين منهم ابو بكر وعمر ، وصمم عمرو على أن يظل هو قائد الجميع فأذعنوا له . ويقولون أن النبى جعله واليا على عمان ( ربما ليبعده عن المدينة ) فظل فيها الى ان تولى أبو بكر . ثم أصبح من قواد الفتوحات فى الشام ، وهو الذى فتح مصر لعمر بن الخطاب فتولاها . ولم يزل والياً عليها إلى أن مات عمر، فأمّره عليها عثمان أربع سنين، أو نحوها، ثم عزله عنها ، فاعتزل عمرو بفلسطين، وكان يأتي المدينة أحياناً، وصار خصما لعثمان ويطعن عليه ، فلما قتل عثمان تحالف مع معاوية وشهد معه صفين، وهو الذى أنقذ معاوية من الهزيمة فيها بخدعة رفع المصاحف ، ثم هو الذى مكّن لمعاوية فى خدعة التحكيم . ثم سيره معاوية إلى مصر فاستنقذها من يد محمد بن أبي بكر الذى كان واليا لمصر فى خلافة ( على بن أبى طالب ) ، ومقابل هذا التحالف أعطى معاوية مصر ( طُّعمة ) لعمرو ، أى يأخذ دخلها لنفسه ، من الجزية والخراج وكل ما يغتصبه من كتوز وأموال . وظل عمرو واليا على مصر إلى أن مات فى خلافة معاوية عام 43 على الأصحّ . وترك عمرو بن العاص عند موته سبعين بهارا من الذهب ، أي 210 قنطارا او 140 اردبا من الذهب ، واثناء موته عرض هذه الاموال علي اولاده فرفضوا وقالوا : حتي تعطي كل ذي حق حقه ،أي اعتبروها سُحتا ، فلما مات عمرو صادر معاوية هذا المال وقال ( نحن نأخذه بما فيه ) أي بما فيه من سحت وظلم. ( خطط المقريزي 1/ 140 ، 564 ).
رابعا : خالد بن الوليد بن المغيرة
1 ـ الروايات التاريخية التى يرد فيها ذكر النبى عليه السلام حتى مع إفتراض صحتها تظل تاريخا ، وليست جزءا من الاسلام ؛ فالاسلام هو قرآن فقط . ميزان الصحة فى هذه النوعية من الروايات هو عدم تناقضها مع القرآن ، فإن إتّفقت معه ولم تتعارض معه فهى حقيقة تاريخية وليست دينية ، أى حقيقة نسبية رواها بشر وليست كلام الله جل وعلا ، وبالتالى فإن تصديقها أو تكذيبها لا يدخل فى دائرة الايمان ولكن فى مجال البحث العلمى التاريخى . ونعطى منها نموذجين فيما يخصّ خالد بن الوليد :
2 ـ . يروى الطبرى أن النبى انتهى إلى تبوك، و(.. أتاه يوحنه بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله وأعطاه الجزية، وأهل جرباء وأذرع أعطوه الجزية. وكتب رسول الله لكل كتابا فهو عندهم . ثم إن رسول الله دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبدالملك ، رجل من كندة، كان ملكا عليها ،وكان نصرانيا. فقال رسول الله لخالد :" إنك ستجده يصيد البقر". فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين . وفي ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امراته فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله .! . قالت : فمن يترك هذا؟ قال : لا أحد. فنزل ، فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخ له يقال له حسان ، فركب وخرجوا معه ليطاردهم . فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله، فأخذته ، وقتلوا أخاه حسان. وقد كان عليه قباء له من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد ، فبعث به إلى رسول الله قبل قدومه عليه . حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال : رأيت قباء أكيدر حين قدم به إلى رسول الله فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه. فقال رسول الله : أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا . حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله، فحقن له دمه وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته . ).
الذى يصدق هذه الرواية هو عدو لله ورسوله ، ورواتها أعداء لله ورسوله . فهى رواية ساقطة كاذبة قرآنيا ، لسببين، لأن تشريع الجزية يكون تبعا للقتال الدفاعى ، أى حين يهجم العدو معتديا ويهزمه المسلمون فجزاؤه ليس إحتلال أرضه وليس بإكراهه فى الدين، ولكن فقط دفع الجزية ( جزاءا ) لعدوانه. وهذه الرواية تزعم أن النبى هو الذى اعتدى على بلاد لم تقم بالهجوم على المدينة . ولا يمكن للنبى أن يخالف شرع الله دون أن ينزل عليه الوحى يصحّح ويلوم ويوبّخ . وقد كان عليه السلام حين يقع فى أى مخالفة ضئيلة ينزل عليه الوحى بالتأنيب ، فكيف بجريمة كبرى مثل هذه ؟ . ثم لأن النبى لا يعلم الغيب ، ولا يعرف أن البقر سيأتى ساعة كذا على باب ( أكيدر )، ولا يعرف أن سعد ابن معاذ فى الجنة او فى النار، بل إن الجنة والنار ليستا بعد فى حُكم الوجود لأنهما سيوجدان بعد قيام الساعة . وهذا الكلام ( الكوميدى ) عن مناديل سعد وعن تآمر البقر مع الجيش الغازى للإيقاع بأكيدر المسكين هو من أحاديث القُصّاص وخرافاتهم التى يهيم بها العوام ، ولا يزالون .!
وهناك رواية أخرى بطلها خالد تقول : ( حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين قال : بعث رسول الله حين افتتح مكة خالد بن الوليد داعيا ولم يبعثه مقاتلا ، ومعه قبائل من العرب سليم ومدلج وقبائل من غيرهم . فلما نزلوا على الغميصاء وهي ماء من مياه بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة على جماعتهم. وكانت بنو جذيمة قد اصابوا في الجاهلية عوف أبا عبدالرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة ، وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما . فلما كان الإسلام وبعث رسول الله خالد بن الوليد سار حتى نزل ذلك الماء، فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال لهم خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا .) هنا رواية قابلة للتصديق ، لأن الرسول بعث خالدا لا للقتال ولكن للدعوة السلمية . ولكنّ هؤلاء القوم كانوا من قبل قد قتلوا عمّ خالد وأبا عبد الرحمن بن عوف . لذا خشوا من ان يوقع بهم خالد فحملوا السلاح ، فطمأنهم خالد وخدعهم وقال لهم (ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا .). المشكلة فى أن خالد بن الوليد برغم إسلامه المزعوم كان على جاهليته وغدره بالعهود . تمضى الرواية الأخرى وتحكى عن رجل من أولئك القوم بنى جذيمة : ( حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني بعض أهل العلم عن رجل من بني جذيمة قال : لما أمرنا خالد بوضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد .! والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ثم ما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبدا . قال فأخذه رجال من قومه فقالوا : يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس .! فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه. ووضع القوم السلاح لقول خالد . فلما وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكُتّفُوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم. فلما انتهى الخبر إلى رسول الله رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . ثم دعا علي ابن أبي طالب ...، فقال : يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج حتى جاءهم . ومعه مال قد بعثه رسول الله به . فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى إنه ليدي ميلغة الكلب . حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وأداه ، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم عليّ ..حين فرغ منهم : هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم ؟ قالوا : لا . قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون. ففعل . ثم رجع إلى رسول الله فأخبره الخبر ،فقال : أصبت وأحسنت . ثم قام رسول الله فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى بياض ما تحت منكبيه ، وهو يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات . )
هذه الرواية تتفق مع القرآن ودعوة الاسلام السلمية ، وتتفق مع وقتها حين دخل الناس فى الاسلام سلميا ، وحين عمّ السلام العرب جميعا قبيل موت النبى عليه السلام . وكان تصرف خالد ( الجاهلى ) ردّة للتشريع القرشى الجاهلى فى هذا الوقت المضىء . وتقول رواية أخرى أن خصومة نشأت بين خالد وعبد الرحمن بن عوف بسبب ما فعله خالد . إذ إحتج عبد الرحمن على خالد ، فبرّر خالد فعلته بأنه أراد الثأر منهم لأنهم قتلوا أب عبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن إنه أراد الثأر لعمّه الفاكه بن المغيرة . تقول الرواية : ( كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف فيما بلغني كلام في ذلك ، فقال له : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام.! فقال : إنما ثأرت بأبيك . فقال عبدالرحمن بن عوف : كذبت قد قتلت قاتل أبي ولكنك إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ...). !
3 ـ بهذا نتعرف على شخصية خالد الذى كان على خيل المشركين يوم الحديبية. وعندما دخل فى الاسلام ظاهريا بأوامر من أبى سفيان فقد ظلّ وفيا لثقافته الجاهلية . ونتصوّر أنه بعد جريمته وغدره بأولئك الناس وتبرؤ النبى عليه السلام منه أنه ظل مُبعدا فى حياة النبى . ولكن أشعل أبو سفيان حرب الردّة فاحتاج أبو بكر لمهارة خالد العسكرية ، وطبقا لتخطيط أبى سفيان عاد خالد الى الصفّ الأول بقوة فى خلافة أبى بكر ، فكان أكبر قائد فى قتال المرتدين وفى الفتوحات التى كرّست انتهاك الأشهر الحُرُم .
4 ـ وفى حرب الردة ارتكب خالد جرائم ، منها قتل مالك بن نويرة زعيم بنى تميم بعد أسره واستسلامه وإعلانه الاسلام ، وزواج خالد بامراة مالك فى نفس الليلة ، ومنها حرق الأسرى تقول الرواية : ( وكانت في بني سليم ردة فبعث ابو بكر رضيالله تعالى عنه خالد بن الوليد فجمع منهم رجالا في حضائر ثم احرقهم بالنار . فجاء عمرالى ابي بكر رضي الله تعالى عنه فقال : انزع رجلا عذّب بعذاب الله ) . ورفض ابو بكر، بل جعله أبو بكر قائدا لأكبر جيش ووجهه الى قتال مسيلمة الكذّاب . تقول الرواية تبرّر جريمة خالد وتمدحه : ( ثم إن أبا بكر أمّره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين، منهم: مسيلمة الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الأثر العظيم، ومنهم مالك بن نويرة، في بني يربوع من تميم وغيرهم، إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة، فقيل: إنه قتل مسلما لظن ظنه خالد به، وكلام سمعه منه، وأنكر عليه أبو قتادة وأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ). وسنعرض بالتفصيل للعلاقة المعقدة بين خالد وعمر وابى بكر وأبى سفيان ، وكيف انتهت حياة خالد ميتا فجأة بحمص من الشام، سنة إحدى وعشرين، في خلافة عمر بن الخطاب .
أخيرا :
1 ـ من الملاحظ أن صحابة الفتوحات قد تمتعوا بألقاب التكريم ، بينما حرموا منها ( على بن أبى طالب ) لأنه لم يشارك فى الفتوحات . فأبو بكر لقبه ( الصديق ) وعمر لقبه ( الفاروق ) وعثمان ( ذو النورين ) والزبير بن العوام هو ( حوارىّ رسول الله ) وخالد هو ( سيف الله المسلول ).
2 ـ ولا يمكن أن يلقب النبى عليه السلام خالدا بسيف الله المسلول ، لأنّه عليه السلام يستحيل أن يفتئت على الله جل وعلا وينسب له مثل هذا الوصف ، أو أن يجعل من شخص ما صلة برب العزّة تزكّيه طيلة حياته وتجعله معصوما بسيفه مهما قتل من الناس ظلما وعدوانا . لا يمكن أن يجعل النبى من خالد سيفا لله جل وعلا ومسلولا على الناس ، فلقد سلّ خالد سيفه هذا على النبى والمسلمين فى معركة ( أحد ) و ( الأحزاب ) وحتى قبيل دخوله المزعوم فى الاسلام وهو يواجه النبى فى رحلته السلمية للحج ليمنعه من دخول مكة . ثم سلّ خالد سيفه يقتل الأسرى فى حرب الردة ، ثم قتل بسيفه مباشرة وبطريق غير مباشر عشرات الألوف من جنود ومواطنى البلاد المفتوحة . خالد ليس سيف الله المسلول . خالد هو سيف أبى سفيان المسلول . لذا ، لم ننته من خالد بعدُ ، فسنصاحبه فى غزواته ونزواته ، وكيف كان خالد محور خلاف بين عمر وأبى بكر . والسبب أن ( عمر بن الخطاب ) كان أكبر عميل سرّى لأبى سفيان ..
4 ـ انتظرونا .!