نهض الفلاح قائماً وهو ينوي أن يزور أحد أقاربه في قريته المجاورة،وكان الحمار هو وسيلته للسفر.. حينها لم يكن هناك داعٍ لتجهيز الحمار لجرّ العربة، فقام على رداء الحمار المعروف عند الفلاح ب.."البردعة"..وألبسه للحمار ، ثم سحبه من لِجامه وامتطاه وانصرف به إلى أقاربه..وما إن وصل الفلاح حتى استقبله أهله وجلسوا سوياً يتحدثون ثم دار هذا الحوار:
الفلاح: عاملين إيه إزيكم والأولاد؟
أحد الأقارب إسمه محمد:الحمد لله كلنا كويسين
الفلاح: أنا جاي من على أول البَلَد وكان فيه جنازة...جنازة مين دي يابا محمد.
الحاج محمد: دي جنازة أبو لويس المسيحي
الفلاح مُستنكراً:استغفر الله العظيم..مسيحي؟!...ربنا يجحمه ماطرح ما راح.
الحاج محمد: ليه كده ياابو السيد بس حرام عليك..بدل ما تدعي له ان ربنا يرحمه ويغفر له؟!..كلنا ولاد بَلَد واحدة وهو كان راجل طيب والله وما كانش بيسيب أي حد غلبان في البلد إلا ما يقف جنبه ويساعده.
الفلاح: آه..هو بيعمل كده علشان نحبهم ولكن احنا لازم نكرههم..
هنا هب واقفاً أحد الحضور وقال :طب أنا هاستأذن بقى ياجماعة سلامو عليكم
الحاج محمد: ليه كده ياابو جرجس ما لسّه بدري..
هنا شعر الفلاح بالصدمة أن الرجل ذم المسيحيين في حضور أحدهم وهو لا يعلم..كان حينها الحمار يستمع لهذا الحوار وقال في نفسه.
لو أن الفلاح يعلم أن المصريون متدينين جميعاً لا فرق فيهم بين مسلم ومسيحي ما نطق بشِقّ كلمة في حق أحدهم..ولعَرِف أن المسلم والمسيحي في مصر جميعهم يؤمنون بالله وبيوم القيامة والجنة والنار والقضاء والقدر واحترام الموتى وزيارة قبورهم..وبالقسمة والنصيب والرزق المكتوب..وقتها سيعلم أن ما فعله ليس إلا مجرد كراهية لأسماء دون مسميات.
أنتم أيها البشر تتكبرون على أنفسكم من أجل ماذا؟..أسماء...أديان؟...وهل لو كان الميت اسمه أحمد ولكنه كان شريراً هل كان سيترحم عليه؟!..ولماذا تفعلون الخير وأنتم تعلمون أنكم في النار ؟!
نحمد الله أن الحمير لا يُسمّون أنفسهم بأسماء...فكلنا حَمير..فإذا ذكرنا مخلوق بسوء فهو يذكرنا جميعاً...كلنا نجتمع في السرّاء والضرّاء..ليس منا لويس ومحمد..ولا جرجس ولا أحمد...إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم الأولين.