دكتاتورية العراق الجديدة

د. شاكر النابلسي في الخميس ١٨ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

ظننتُ وظنَّ معي كثيرون، في التاسع من نيسان/ إبريل 2003، أن الحملة العسكرية على العراق سوف تقتلع الدكتاتورية العراقية متمثلةً بصدام حسين نهائياً. وأن الدكتاتورية لن تعود إلى العراق مرة أخرى، متمثلةً بأي مسئول سياسي عراقي، أو بأي زعيم طائفة ديني أو غير ديني. وكنتُ في عام 2003 كنتُ أتصوَّر، أن العراق يمكن أن يكون النمسا، أو هولندا، أو أي بلد متقدم وحضاري، لِما كنا نقرأه في أدب جبرا إبراهيم جبرا، وأشعار نازك الملائكة، وبدر شاكر السيّاب، وعبد الوهاب البياتي، وروايات عبد الرحمن الربيعي، وتاريخ جواد علي، وتحليلات علي الوردي الاجتماعية، ولوحات الفنان التشكيلي العراقي أحمد السوداني، وأوتار عود نصير شمَّة، وسعد محمود جواد، وإزميل النحات العراقي علاء بشير، وغيرهم من علماء الطبيعة، والفقهاء، والأطباء، والمهندسين، وأساتذة الجامعات، والإعلاميين، والعسكريين، وغيرهم من نخب المجتمع العراقي الأفذاذ.


                                                               -2-
لم يدُر في خلدي، أن في العراق شخصيات قد شربت من حليب دكتاتورية صدام حسين، وارتوت، حتى وهي في المنافي بعيدة عن العراق. وتتحفز لحكم العراق ليست بقبضة حديدية ولكن بقبضة حريرية أقوى وأشد فتكاً من القبضة الحديدية، التي خنق بها صدام حسين العراق مدة تزيد على 22 عاماً، خَنْق أفعى “الكوبرا” لعصفور دوري.
فصدام حسين كان يخنق العراق، ويُعلن أنه دكتاتور قاسٍ لا يرحم أحداً. وهو في عام 1979 وفي بداية حكمه أعدم رفاقه الذين كان يظنُ في خيانتهم، وتمَّ ذلك علناً، وتسجيله تلفزيونياً. وهو صاحب المقابر الجماعية، ومجزرة "حلبجة".

فصدام الدكتاتور، لم يكن يخجل ولم يخفِ من دكتاتوريته، أو يخشى منها. وكان يقول في مجالسه الخاصة:

" أن الشعب العراق لا يُسام إلا بالدكتاتورية، وبالقسوة."

                                                                -3-

ويبدو أن هذا الدرس، هو الدرس الوحيد الذي تعلمه من حكموا العراق من العراقيين(حكام العراق الجُدد) بعد صدام حسين، إلا أنهم تفوّقوا على صدام حسين بالمميزات التالية، التي شكَّلت في النهاية أصول الدكتاتورية العراقية الجديدة، التي "ينعم" العراق بخيراتها الآن:
1-  اكتشاف قوة ونفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط. فإذا كان صدام قد حارب إيران مدة ثمانية سنوات 1980-1988، فإن حكام العراق من العراقيين صادقوها، وتحالفوا معها ، مدة تزيد على تلك. وهم بذلك، قد قدموا اعتذاراً عراقياً تاريخياً فريداً لإيران على سنوات الحرب المريرة، والمليون قتيل عراقي، الذين ذهبوا ضحية هذه الحرب. ففي الوقت الذي حارب فيه صدام إيران، قام (حكام العراق الجُدد) بالتحالف مع إيران تحالفاً استراتيجياً، لا شبيه له.
2-  من المعروف أن إيران دولة، يحكمها شخص واحد (المرشد الأعلى) فقط. وهذه "الدكتاتورية الحريرية"، وافقت هوى الحكام العراقيين الطامحين إلى الدكتاتورية الحريرية وليست الحديدية، لكي لا يتعرّض العراق لغزو آخر كما تم في 2003. وفي التفاصيل السياسية ، فإن حكام العراق الجُدد قد أصبحوا نسخة كربونية من المرشد الأعلى، ويديرون العراق بالطريقة نفسها التي تدار بها إيران. ويتصرَّفون نحو المعارضة، ونحو الوزراء والمسئولين بالطريقة نفسها التي يتصرَّف بها المرشد الإيراني.
3- ومما ساعدهم على هذا “التماهي” مع شخصية المرشد الأعلى ، أن المرشد الأعلى سياسي ورجل دين في وقت واحد، وهم كذلك. فمنهم من هو الأمين العام لـ “حزب الدعوة” الديني الذي يحكم العراق منذ 2004 برئاسة إبراهيم الجعفري (رجل دين ورئيس للوزراء)، ثم برئاسة المالكي (رجل دين ورئيس للوزارء)، منذ 2005، وحتى الآن، ولغاية 2015 ، وربما بعد ذلك، فيما لو جاء حساب الحقل مطابقاً لحساب البيدر!
4- سعى حكام العراق الجُدد إلى صداقة إيران لعلمهم- على عكس ما فعل صدام - بأن مفتاح سوريا في جيب إيران، ومفتاح لبنان، وكذلك فلسطين. وهو ما لم يدركه صدام، ولم يفهمه. وأن إيران هي الكفيلة بتهدئة الحدود السورية - العراقية، وحماية عهد الحكام العراقيين الجدد، من الإرهابيين المتدفقين من سوريا. وهو ما تمَّ فعلاً. وما التفجيرات التي سمعنا بها بعد ذلك، ومن حين لآخر، غير ألاعيب سياسية تمويهيّة، وتغطية بوليسية لما يدور في الظلام.
5- استطاع حكام العراق الجُدد، أن يجمعوا بحلفهم الاستراتيجي مع إيران الطائفية العراقية المتحالفة مع إيران كلها حولهم، يحيطونها كما يحيط السوار بالمعصم. فهم قد كسبوا ولاء هذه الطائفة في العراق، وكسبوا في لبنان (حزب الله، وحركة أمل) وكسبوا العلويين في سوريا، وكسبوا غيرهم في أنحاء متفرقة من العالم العربي، وكسبوا على رأس كل هؤلاء إيران.

                                                         -4-
ولعل هذه هي أهم ملامح الدكتاتورية العراقية الجديدة، التي يلبس قفازاتها الآن حكام العراق الجُدد، ويستعيرون كثيراً قفازات المرشد الأعلى الإيراني، في كثير من المناسبات، ويتصرَّفون من خلال قرارات سلفية، وأصولية دينية مختلفة، كما يقول لنا المحلل السياسي العراقي الشجاع عدنان حسين في مقالات عدة ـ وكأن حكام العراق الجُدد، قد أصبحوا ملالي العراق الجديد. إضافة إلى ذلك، فالدكتاتور العراقي الجديد، يحكم العراق الآن، من خلال رئاسة الوزارة، ومن خلال عدة وزارات لم يرَ ، ولم يجد في العراق من يصلح لها، غيره هو.

وتلك هي مهزلة المهازل، وفضيحة الفضائح في العراق الجديد الحزين.

اجمالي القراءات 7450