كتاب الحج ب 4 ف 8 : مكر قريش وراء حرب الردّة

آحمد صبحي منصور في السبت ١٣ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل الثامن : مكر قريش وراء حرب الردّة

اولا :  الهدوء الذى يسبق العاصفة

1 ـ خلافا لما يقوله ابن اسحاق ومن نقل عنه ، فإنه قبيل موت النبى شهدت الجزيرة العربية هدوءا سلميا مسالما كان اشبه بالهدوء الذى يسبق العاصفة ، ثم بموت النبى إستيقظت المدينة على ضجيج حركة الردة ، التى هبت عاصفتها مرة واحدة وفى أماكن متفرقة ، بما ينبىء عن مؤامرة محبوكة ، جرى الاعداد لها على مهل ، وكانت ساعة الصفر هى موت النبى ، لتهب عاصفة الردة برعاع يزعمون النبوة .  2 ـ قبيل موته عليه السلام إنتشر الاسلام فى الجزيرة العربية . نحن هنا نتحدث عن الاسلام الظاهرى بمعنى السلام ، وهو غير الاسلام الحقيقى القلبى الذى يحكم عليه رب العزة الذى يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور .

3 ـ على السطح الظاهرى كانت تبدو المدينة فى عهد النبوة تشعّ بالاسلام الظاهرى بمعنى المسالمة ، ولكن الاسلام القلبى الخالص شىء مختلف فضحه الوحى القرآنى فى حديثه عن المنافقين والمؤمنين خصوصا من المهاجرين الموالين لقريش . وللتوضيح نستشهد بقوله جل وعلا : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) الفتح ). فمن حيث المظهر الخارجى ( تراهم ) ركعا وسجدا ، وترى سيماء السجود على جباههم . ولكن من حيث سريرتهم الحقيقية التى يعلمها رب العزة فليسوا كلهم من أصحاب الجنة ، فقد وعد رب العزة بعضهم فقط بالجنة ، فقال (  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ). لم يقل ( وعدهم جميعا ) ، بل قال ( منهم ) . أى البعض وليس الكل.

4 ـ نفس الاسلام الظاهرى الذى ( تراه ) فى المدينة والذى لا يدل دائما على صدق الايمان ( تراه ) أيضا على مستوى الجزيرة العربية ، حين دخلت كلها فى الاسلام الظاهرى قبيل موت النبى، حيث ( رأى ) النبى بعينيه الناس يدخلون فى دين الله أفواجا ، ونزل قوله جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر )، أى على مستوى الجزيرة العربية دخل العرب أفواجا فى هذا الاسلام الظاهرى بمعنى المسالمة . هذا هو الذى رآه النبى ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)). لم يكن عليه السلام يعلم غيب القلوب ولم يكن يرى غير الظاهر على السطح ، وهى هذه الوفود وتلك الأفواج التى جاءت اليه بناء على رسائله السلمية لهم تدعوهم للاسلام والمسالمة . أى خلافا لما قاله ابن اسحاق فقد عمّ السلام الجزيرة العربية قبيل موت النبى عليه السلام . وكان الهدوء الذى يسبق العاصفة . عاشت فى هذه الفترة القصيرة من السلام مكة والمدينة والطائف والأعراب فى الصحراء . ثم هبّ إعصار الردّة مرة واحدة ، وكان مكر قريش الذى تزول منه الجبال وراء هذا الاعصار .  

ثانيا ـ قريش تستغل الاسلام لإعادة هيمنتها بعد أن فقد الكعبة أهميتها التجارية  

1 ـ فى البداية لا بد أن نتذكر أن الملأ القرشى كان يعرف أن القرآن هدى ، ولكنه كذّب بالقرآن حرصا على مصالحه فى استخدام البيت الحرام إقتصاديا فى التجارة القرشية . قال جل وعلا يورد مقالة الملأ القرشى عن القرآن الكريم : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )(57)القصص ). ولهذا يؤكّد رب العزّة أنهم يكذّبون بالقرآن بدافع إقتصادى: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)(الواقعة ) . وعندما كان النبى يحزن بسبب عنادهم وإفتراءاتهم فإن رب العزّة كان يذكّره بأنهم فى واقع الأمر لا يكذبونه ولكن يجحدون الحق ، أى يعرفونه ثم يجحدونه: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)( الأنعام ).

2 ـ رأت قريش أن هزيمة الاسلام والمسلمين أضحت مستحيلة ، وأن عليهم التعايش مع هذا الواقع ، وإلا سيفقدون كل شىء . ورأت قريش أنّ هيمنتها الدينية قد زالت بعد انصراف العرب عن الأصنام والانصاب بتاثير الحرب الفكرية العقلية القرآنية والتنوير القرآنى ، وإدراك العرب كيف استغلتهم قريش فى تأمين قوافلها مقابل تقديس حجارة وعقائد خرافية . وبالتالى لم تعد للكعبة بالنسبة لقريش نفس الأهمية الاقتصادية التى كانت لها من قبل . لذا فالمنتظر من قادة قريش أن يفكروا فى مستقبلهم فى ظل الوضع الجديد ، كيف يعايشونه أولا ، ثم كيف يستغلونه ثانيا . وكانوا قد بادروا من قبل بارسال بعض دهاتهم يدخلون فى الاسلام  فى الفترة المكية  وقبل فتح مكة ، ثم كان إسلام  قادة قريش بعد فتح مكة ، أملا  فى الاستفادة من الاسلام وركوب موجته لاستعادة مكانتهم العتيدة ، خصوصا وأن النبى منهم ، وأن أكابر أصحابه منهم ، وأن المهاجرين لهم إنتماء قرشى ، بل وكان بعضهم يوالى قريش على حساب الاسلام ورسول الاسلام . كما إستخدمت علاقات الامويين بالقبائل ، واستخدمت مكرها لاحتواء المسلمين ، واستغلت سذاجة البدو وسهولة استغلالهم بالمكر القرشى الذى تزول منه الجبال . أى إنهم بعد ان فقد البيت الحرام أهميته الاقتصادية تحولت قريش لاستغلال الاسلام نفسه  لمصلحتها . ولتتزعم المسلمين رسمت خطة محكمة ، هى إثارة حرب الردة لتضع المسلمين فى مأزق تفوز فيه قريش بعودتها زعيمة لانقاذ الموقف . وبهذا تحولت غارات الاعراب البدو المعتادة الى حركة ردّة تزعم النبوة ، وهذا غريب عن أفهام البدو الأعراب مما يؤكد أن قريش المتخصصة فى التجارة بالدين هى التى وجهتهم لهذا الطريق ، وجعلتهم يجعلون غطاء دينيا لثورتهم يضاهئون به النبوة لخاتم المرسلين .

3 ـ واستغل المكر القرشى أدواته بمهارة .  تحت السطح كانت قريش تمتلك تحالفا سريا مع الاعراب ومع المنافقين داخل وخارج المدينة ، ويدين لها بالولاء طوائف من المهاجرين ، وهناك عملاء لها يحيطون بالنبى أصبحوا من كبار صحابته ، ومن المنتظر أن يتولوا الأمر بعده . ولكن هذا كله لا يكفى لأن تعود قريش للصدارة ، لا يكفى لأن يتصدر الأمويون وابناء أبى سفيان الذين أسلموا قبيل موت النبى قيادة المسلمين . لا بد من زلزال قوى ( حركة الردة ) ليضع المسلمين فى موقف صعب وبائس لكى تتقدم قريش كالمُنقذ ، وعندها لن يكون هناك إعتراض . وبمجرد أن يتولى عملاء قريش وابناؤها قيادة جيوش المسلمين ضد المرتدين  فسيأتى الوقت سريعا الذى تتحول فيه القيادة العسكرية الى حكم وتملك . ومن هنا لا بد من استمرار الحرب كى تترسّخ القيادة القرشية التى أسلمت حديثا . أى تتطور الحرب ضد المرتدين بعد هزيمتهم والصلح معهم الى حرب فتوحات خارجية ، وبها يتم تغيير التشريع الاسلامى فى القتال الدفاعى ليكون هجوما على الآخرين وتخييرهم ( وبمعنى أصح إرغامهم ) على قبول واحد من ثلاث : الاسلام أو الجزية أو الحرب  ، وتكون النتيجة فى أغلب الأحيان الحرب . وبعدها يتم الاحتلال ، وتكوين امبراطورية قريش ، والتى آلت فى النهاية للأمويين ، وهم قريش التى نقصدها .

ثالثا : شواهد من التاريخ المكتوب :

1 ـ التأريخ أهمل وتجاهل كثيرا من الوقائع التى اشاراليها القرآن الكريم لأن الرواة فى المرحلة الشفهية كانوا من أبناء وأحفاد الصحابة ، فتجاهلوا الوقائع التى تُدين آباءهم والتى ذكرها القرآن الكريم . ومنها مثلا التفاصيل التى ذكرها القرآن الكريم عن المنافقين ، و هجوم قريش المتكرر على المسلمين فى المدينة قبل ان ينزل الإذن بالقتال ، والهجوم الأخير الذى قام به متطرفو قريش بعد فتح مكة ، وكادوا أن يخرجوا النبى منها ، ونزلت فيهم سورة ( التوبة ) بالبراءة منهم وإعطائهم مهلة ألشهر الحُرم ليتوبوا . وبين هذا وذاك تآمر الصحابة على النبى وإساءتهم له ، وغير ذلك مما سبقت الاشارة اليه . فى كل هذا نقرأ آيات للقرآن تتحدث عن أفعال وحركات وتآمرات ، ونذهب للسيرة فلا نجد ما يشفى الغليل . ثم كان تدوين ابن اسحاق للسيرة فى أوائل العصر العباسى مما شاع من روايات متناقلة وصلت اليه وسجلها ، وبالطبع أضفى عليها ما يريد زاعما أنه سمع من ابن شهاب الزهرى ، مع أنه لم يلق ولم ير ابن شهاب الزهرى . وبهذا تظل ( سيرة ابن اسحاق ) مجرد اخبار ( وهذه هى تسميتها الأصلية ) ، والخبر يحتمل الصدق والكذب ، والأحداث التاريخية لو صدقت طبقا للمنهج التاريخى البحثى تظل حقيقة نسبية وليست مطلقة . ولكن يمكن تجلية بعض الحقائق التاريخية عن عصر النبى عليه السلام فى ضوء القرآن الكريم . وهذا هو منهجنا ، أن نبدأ بالقرآن الكريم نتدبر آياته ، وبعده نقرأ فى ضوء القرآن ما كتبه مؤرخو السيرة  ، ومن السهولة حينئذ أن نميّز بين الباطل منها والصادق . و حين نتحدث عن مؤامرة قرشية مُحكمة فإن من الصعب تتبع آثارها فى تاريخ مكتوب ، تمت كتابته بعدها بعشرات السنين . ويظل ما نقوله ضمن الاجتهاد الذى يقبل النقد .  ونبدأ بما قيل عن حركة الردة . ونقول إنها حدثت بعد وفاة النبى ، وليس قبيل وفاته . وننقل بعض ما كتبه عنها المؤرخون :

2 ـ عن تحرّج وضع المسلمين بين منافقى الداخل وهجوم الاعراب المرتدين من الخارج وظهور قريش كمنقذ يقول المؤرخون : (  .. ارتدت العرب وتضرمت الأرض ناراً وارتدت كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشاً وثقيفاً، واستغلظ أمر مسيلمة وطليحة، واجتمع على طليحة عوام طيء وأسد، وارتدت غطفان تبعاً لعيينة بن حصن، فإنه قال: نبي من الحليفين، يعني أسداً وغطفان، أحب إلينا من نبي من قريش، وقد مات محمد وطليحة حي، فاتّبعه ، وتبعته غطفان ) . أى كانت مفاجأة أن يرتد جميع العرب سوى قريش فى مكة وثقيف فى الطائف ، وأن عوام الأعراب صاروا عماد حركة الردة .

3 ـ وعن المستوى الثقافى لأولئك الأنبياء المزعومين ، ننقل هذا الخبر عن إشتداد الحرب بين المسلمين وجيش المرتدين بزعامة المتنبىء طليحة : ( و كان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالاً شديداً ، وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحر كرّ عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا، فرجع فقاتل، ثم كرّ على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ والله بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالاً شديداً ثم كرّ على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن لك رحاً كرحاه، وحديثاً لا تنساه. فقال عيينة: قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس.).!! وانتهى أمر طليحة بالهرب ، ثم أسلم ، ثم صار من أبطال الفتوحات فى فارس .!!. يقول المؤرخون عن نفس المعركة بعد هروب القائد العسكرى عيينة بن حصن : ( وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها ، وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسداً وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيماً في كلب حتى مات أبو بكر. وكان خرج معتمراً في إمارة أبي بكر ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: ما أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتى عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ والله لا أحبك أبداً! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما! فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان بالكير. ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق. ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر، فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول: والله ما آمنت بالله طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه.) . وعن تخريفات طليحة الأسدى ووحيه الشيطانى أنه كان يقول :( والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. ).

4 ـ وعن المتنبئة سجاح ، قالوا إنها كانت تريد ( غزو أبي بكر، فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة، فأجابها وردها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابته وقالت: أنا امرأة من بني يربوع، فإن كان ملك فهو لكم. )  (  واجتمع مالك ووكيع وسجاح ، فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب. ).  ( ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة ، وقالت: عليكم باليمامه، ودفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامه، لا يلحقكم بعدها ملامه. ) .هذا هو وحى سجاح !!

5 ـ وتحالفت سجاح مع مسيلمة الكذاب ، أشهر المرتدين . بدأت هى بالاستعداد لحربه ، فاستمالها ، (  فأهدى لها ، ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها، فآمنته، فجاءها في أربعين من بني حنيفة، فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد الله عليك النصف الذي ردّت قريش. ) .. ونعتذر مقدما عن ايراد شعر بذىء لمسيلمة قاله لسجاح ، جاء فى هذا النّص التاريخى ، ونضطر لايراده للتأكيد على أنهم كانوا من حُثالة الأعراب .فقد اجتمع بها فى خلوة: ( فقال لها: أبعدي أصحابك. ففعلت، وقد ضرب لها قُّبّة وخمّرها لتذكّر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها، فقالت له: ما أوحى إليك ربك؟  فقال : ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمةً تسعى، بين سفاق وحشىً . قالت: وماذا أيضاً؟ قال : إن الله خلق للنساء أفراجاً، وجعل الرجال لهن أزواجاً، فتولج فيهن قعساً إيلاجاً، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجاً، فينتجن لنا سخالاً إنتاجاً. قالت : أشهد أنك نبي. قال: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب ؟ قالت: نعم. قال:

ألا قومي إلى النيك ** فقد هييء لك المضجع  

فإن شئت ففي البيت ** وإن شئت ففي المخدع

وإن شئت سلقناك ** وإن شئت على أربع

وإن شئت بثلثيه ** وإن شئت به أجمع


قالت: بل به أجمع فإنه أجمع للشمل. قال: بذلك أوحي إلي. فأقامت عنده ثلاثاً ثم انصرفت إلى قومها، فقالوا لها: ما عندك؟ قالت: كان على الحق فتبعته وتزوجته. قالوا: هل أصدقك شيئاً؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق؛ فرجعت. فلما رآها أغلق باب الحصن وقال: ما لك؟ قالت: أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، فدعاه وقال له: ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد: صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة. فانصرفت ومعها أصحابها، منهم: عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي، فقال عطارد بن حاجب:

أمست نبينا أنثى نطوف بها ** وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا ).

 وفى النهاية قالوا إنها أسلمت وحسّن إسلامها ، وانتقلت إلى البصرة وماتت بها وصلى عليها سمرة ابن جندب وهو والى  البصرة فى خلافة معاوية .   
وذكروا من تخاريف مسيلمة :( وكان مما جاء به وذكر أنه وحي: يا ضفدع بنت ضفدع ،  نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين. وقال أيضاً: والمبديات زرعاً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً ، إهالة وسمناً؛ لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المذر؛ ريقكم فامنعوه، والمعيي فأووه، والباغي فناوئوه . وقيل: جاءه طلحة النمري فسأله عن حاله، فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنك الكاذب، وأن محمداً صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر. ).!!

أخيرا

1 ـ إستغلت قريش سذاجة البدو وسّرعتهم الى التقاتل ، فأغرتهم من طرف خفى بحرب ردّة ، فظهر أولئك المتنبئون ، وساندهم فرسان مشهورون مثل عيينة بن حصن المشهور بلقب ( الأحمق المّطاع ) ، وعمرو بن معدى يكرب . وانتهى أمرهم بعد أن قاموا بدورهم الذى رسمته لهم قريش ، فرجعوا الى الاسلام ، وصاروا جند قريش فى الفتوحات . وبعد توطيد الفتوحات صحا أولئك الاعراب على حقيقة مؤلمة هى إستئثار بنى أمية فى خلافة عثمان بأفضل الأموال ، فثاروا وقتلوا عثمان ، ثم أصبحوا شيعة على ، ثم قتلوا عليا وأصبحوا خوارج يقاتلون الأمويين . كل هذا خلال جيل واحد . كان فيه الأعراب مسلمين ثم مرتدين ثم فاتحين ثم منشقين على عثمان ثم شيعة ثم خوارج . وفى كل الاحوال هم ناقمون على قريش ، وتستخدمهم وتتلاعب بهم قريش بمكرها الذى تزول منه الجبال .!!

2 ـ إستخدمتهم قريش فى تاسيس مُلكها ، ثم إستغنت عنهم عند أول محطة . ونفس الحال مع عبد العزيز آل سعود ، قام بتعليم الوهابية لشباب الأعراب وجعلهم ( الاخوان ) ، واستخدمهم فى تأسيس دولته ، ثم حاربهم وتخلص منهم . وهو ما يفعله الإخوان ( المجرمون ) فى مصر ، يستخدمون الرعاع ، ويضحّون بهم فى أقرب فرصة طبقا لمصلحة مكتب الارشاد . يصعدون على جثث أتباعهم سلالم الطموح السياسى ، درجة درجة . هو الصعود للهاوية ، لو كنتم تعلمون .!!

3 ـ وهذا هو ما نتعلمه من القرآن الكريم وتاريخ قريش . سيقول جل وعلا لهم يوم القيامة  إنهم ساروا   على دأب فرعون ومن سبقه:( وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45)) وهنا إشارة مسبقة الى انهم لن يتعظوا بالقصص القرآنى عن فرعون وغيره ، بل  سيقيمون مُلكا مُستبدا ودولة دينية ، وبه يعيشون نفس طريقة الفراعنة ، ولكن تحت شعار الاسلام.!! . وهذا مكر لا مثيل له فى تاريخ البشر، لذا يقول رب العزة بعدها  للنبى عليه السلام يصف مكرهم الجهنمى : ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)، ويطمئنه جلّ وعلا  فيقول له :( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)، ويخبر جل وعلا بموعد الانتقام منهم ، وأنه يوم القيامة ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)، يومها كيف سيكون حال أولئك المستبدين المجرمين؟ :(  وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51). ولتكون موعظة لنا فإن الله جل وعلا يقول لنا يختم السورة :( هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52) ( ابراهيم ) .

4 ـ فماذا فعل المسلمون بهذا البلاغ ؟ أنظر الى حال المسلمين اليوم .!!

اجمالي القراءات 14229