بسم الله الرحمن الرحيم
ألا يكون هناك شرك بالله ؟
ومن عيار غليظ ؟
انطلق النشيد عبر المذياع ، وكانت له أنغام جميلة ، خفيفة، وفيما أنا مسترخ ، موزع بين متابعة الإستماع وبين مغالبة النوم، إذا بي أنتبه إلى المطرب وإلى تلك المجموعة التي تليه وهم ينادون بكل حماس بما يلي :
يا محمد، يا رسول الله ، المدد ، المدد، يا حبيب الله .
وفجأة تراجعت مقدمات النوم وانسحبت ، ولم أصدق ما سمعت وما وعيت، بل لقد تمنيت لو كنت حقا غارقا في نوم ، وتمنيت لو أن ما سمعته كان حلما، ولكن المديح استمر واسترسل كأنه تفطن إلى حيرتي وتساؤلي تحديا أو حرصا منه ليشعرني أني في يقظة . ولقد تأكدت فعلا أكثر من مرة من ما يتلفظ به المطرب أو المادح وما تكرره مجموعته بكل حماس، وهم يصيحون بكل إخلاص :
المــدد المدد، يا محمد ، يا رسول الله ، ويا حبيب الله ، المدد المدد .. وما إلى ذلك مما يدرج في باب " صدق أو لا تصدق " أو في باب " شئ لا يصدق ولكنه حقيقة " لأني كنت وما زلت أعتقد أن السيد محمد هو عبد الله ورسوله ، ليس إلا .
ولأني أعتقد أن ياء النــداء يجب أن يوجهها محمد معنا جميعا إلى المنادى الله العلي العظيم .
وهكذا ، وبعد أن خفت وطأة الذهول مما سمعت وقف أمامي تساؤل:
هل تلك الكتب التي تعتبر صحاحا هي وحدها التي تعج بما لا يرضاه الله من أكاذيب وافتراءات عليه سبحانه وتعالى وعلى عبده ورسوله ؟ أم أن هناك كل ذلك ومثله من ألغام مزروعة في تلك الآلاف المؤلفة من القصائد المادحة لعبد الله ورسوله؟
ثم قلت لنفسي ، لعل لجوءنا إلى مدح محمد بن عبد الله النبئ والرسول ( عليه الصلاة والتسليم ) بهذه الكيفية وبهذا الأسلوب المسرف فيه إلى درجة تجريد الرجل من إنسانيته على الرغم من تعاليم الخالق بأن محمدا ما هو إلا عبده ورسوله ، وما هو إلا بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، نعم لعل لجوءنا إلى ارتكاب هذا الفعل المادح وهذا الخطأ الفادح ، لعله يرجع إلى عدم تدبرنا الآية حيث يخبرنا فيها الله بأنه هو وملائكته يصلون على النببئ ، ويأمرنا فيها بأمرين اثنين : بأن نصلي عليه بدورنا ونسلم تسليما !?
ثم قالت لي نفسي : هل يعقل أن نكون مغفلين إلى هذا الدرك الأسفل؟ حيث نعتقد أننا مستجيبون لأمر الله ؟ في حين أن تصريحنا الواضح الصريح يجعلنا نقترف ذلك الذنب الهائل الفظيع الذي صرح الله الرحمن الرحيم الغفور بأنه هو الذنب الذي لا ولن يغفره ؟ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ).
وأخيرا، يبدو أن الثابت هو أن الله يأمرنا بأن نصلي على النبئ محمد ونسلم تسليما ، فإذا بنا نرتبك ويختلط علينا الفهم (هل المطلوب منا أن نسليم عليه تحية أم نسلم تسليما بالمهمة التي كلفه بها الخالق ؟ ) وأصبحنا نكرر ما حصل من طرف الخالق حيث نقول : صلى الله عليه وسلم ، لأن فعل صلى هو فعل ماض ، والفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، علما أن تعليمة الله أو أمره هو لنكون نحل الفاعـل ، ثم بمزيد من التحديق في الجملة يتضح لنا أن الله صلى على النبئ ولم يسلم لا هو ولا ملائكته وهذا على الأقل ما يفهم من ظاهر هذه الجملة . ثم هل نحن نطلب من الله أن يسلم على النبي ( تحية ) أم ( تسليما ) فكيف نتصور أن الله يسلم تسليما على عبده ؟ وبماذا يسلم ؟ - والله أعلم-
بل إننا لم نكتف بما يسمى بتحصيل الحاصل عندما نقول ( صلى الله عليه ) فنضيف ما لم نؤمر به بقولنا - وسلم - نعم نحن لم نكتف بذلك ، بل لقد أصبحنا نحن نرسل الأمر أو الأمنية أو الرجاء إلى الله نفسه بقولنا : اللهم صلّ أنت عليه وسلم ، بل صل عليه وعلى آله وصحبه ثم سلم تسليما !?. والمهم هو : الرجاء أن لا ننسى وأن لا يغيب عن القارئ أن هذا كان ويبقى مجرد أسئلة ونساؤلات تتسول تفسيرا وتوضيحا للإطمئنان تم إطلاق سراحها .
اما عن تلك الرواية التي تقول بأن الناس سألوا رسول الله عندما كان على قيد الحياة عن كيفية الإستجابة إلى أمر الله وهو الصلاة عليه والتسليم، فمهما صحت الرواية فإن الثابت وبكل جزم وبكل رهان أن محمدا النبئ عندما سئل لا يمكن أن يتصور أنه قال للسائلين إن استجابتكم لأمر الله هي في مديحكم لي وإطرائكم وبكل إسراف ولا عليكم حتى إن جنح بكم الحماس المفرط المتولد عن الغباء ، وحتى إذا نسيتم أني مثلكم بشر لا حول لي ولا قوة ، وأن تطلبوا مني أنا البشر المدد .
وفي الحقيقة كان المعتقد أن الأكوام الهائلة من الأنقاض ذات الأحجام المروعة ، كان المعتقد أنها مصنوعة ومشكلة من كتب التراث مما يطلق عليه الدين الأرضي ومن تلك الإفتراءات على الله وعلى عبده ورسوله ، فإذا بالواقع يلفت الإنتباه إلى أن هناك مثل تلك الأحجام المروعة من الأنقاض ، وهي في كل ما ألف من شعر ومن نثر مديحيين .
ومن الغريب أو من المفارقات التي تبكي ، أن الله العلي العظيم بعث عبده رسولا إلى العالمين لينفوا أي إلـه ما عدا الإله الأحد الصمد ، فإذا بنا نبدأ بذلك الإنسان نفسه الرسول ونجرده من إنسانيته ، بل ونتجاوز ذلك إلى أن نشرك به الله العزيز الحكيم . ( ويا لغباوتنا ولبلادتنا حيث أننا بدأنا بالرسول نفسه متسولين منه ومنتظرين أن يمدنا بالمدد فأشركنا به الله) .
ثم من الغريب أننا نتلو وننسى أو حتى لا نتدبر أو نتدبر ولا نفهم معنى التعليمات ، ومنها :
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم).
(قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ )(9) (الأحقاف)
(أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ).
ولنحدق في الموضوع بكل ما أوتينا من شجاعة وجدية وإنصاف ، وأرجو أن أكون مخطئا على طول الخط عندما أتساءل :
ألا يمكن أن يكون هناك ضلال ؟ ألا يمكن أن يكون هناك شرك بالله من عيار غليظ عندما نتوجه إلى محمد ابن عبد الله فنمد له الأيدي متوسلين منه هو لا غيره بأن يمدنا بالمدد ؟