إن القوة هي أن نعيش في الآخرين ، أما الضعف فهو أن نفتى فيهم ..
آراء ووجهات تظر للتأمــل

يحي فوزي نشاشبي في الجمعة ٢٢ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

آراء  ووجهات  نظر  للتأمــل

III

       41) إن العلم  خَـلق ،  فإذا  لم يصبح  التعليم  أو  المتعلم  خالقا  فما  الذي  أعطاه  التعليم  وما  الذي  ربحه  المتعلمون ؟

        إن التعليم بلا  خَـلق ضرب من التلقيح الميت ، ومن الملء  للفراغ الذي كان من الممكن أن يمتلئ  بمعنى من معاني  الحياة، فامتلأ  بمعنى من معاني الموت .

        42) المطلوب أن يكون التعليم في المتعلمين فيضاً من الوعي والطاقة والمقاومة والسفر البعيد – أن يكون وسيلة مواصلات حديثة وسريعة للسفر  الحضاري الدائم إلى الآفاق الحضارية المجهولة النائية ، بل  وسيلة مقاومة  عنيفة للتعليم  نفسه.

        إن طبيعة التلقي طبيعة  اتكالية ، والمتعلمون – في الغالب – متوكلون أي متلقون، إنهم مقابر توضع  فيها جثث  قديمة، وإذا أصبح  التعليم  توكلا أصبح نوعا من الاعتقادات  الكبرى التي تجمد  مواهب  الحياة واحتمالاتها ، وتدافع عن المذاهب والآلام التاريخية  التي قاسى منها الإنسان كل  العذاب  والجهل  والهوان.

        43) إن بضعة علماء  مغيرين  للحياة ، وواهبين  لها شيئا  جديدا  لأفضل  من جميع المعاهد والجامعات التي  تعد  لتعطي  أفواجا  هائلة متلاحقة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيرا دون أن يعرفوا  أن الكلام  لا  يساوي دائما  الفهم والذكاء –

 إن  الكلام  الكثير لا يساوي دائما  الفهم  أو  الذكاء  الكثير،  وإن الكلام  بلغة  العلماء  لا  يساوي  العلم  دائما.

        44) ...  والذين يعلمون ثم  لا يخلقون ،  أو  يرفضون ، أو يتغيرون ، ليسوا أفضل من الذين يتعلمون ثم لا  يعلمون.

        وما أسوأ الحمل الذي لا  ينتهي بولادة، وأسوأ  الولادة  التي  لا  تنتهي بحياة فيها صحة وجمال  وذكاء وظروف  اجتماعية  وإنسانية  جيدة ، وما أسوأ التعليم  الذي  لا  يكون فيه  علم ،  وأسوأ  العلم  الذي  لا  يكون فيه  خَـلق وتغيير ورفض وتجاوز.

        والمعرفة التي لا  تتحول  إلى  كينونة  أفضل، هي  نوع من الجوع  الأليم ، ومن النظر بلا  رؤية ،  ومن الرؤية  بلا  مشهد .

        45)  .. قد نتعلم  لنكون أكثر جهلا ،  وقد  نعلم  لنكون أكثر عجزاً.

        46) كان الإنسان  كينونة فقط  دون أن يريد أو يعرف ، حتى معرفته  لقد حدثت بدون معرفته .

        لقد كان لا  يعرف ولا  يعرف  كيف  يعرف  أو  كيف يريد أن يعرف ، بل  وكان لا  يريد  أن  يعرف، أو  كان يريد  ألا  يعرف.  ولكنه مع هذا  أصبح يعرف

        47) ... ولهذا فإن ما يتعلمون لا يغيرهم أو يرتفع بهم إنسانيا لأنهم لا يعيشونه وإنما يمرّ من  خلالهم  كما  تمرّ الأشياء السائلة  من  خلال  الأنابيب.

        إن الحضارة  تهاجم جهازهم  العصبي وتبهر أبصارهم وترفع أصواتهم  فقط .

        48) أن يتعلم البشر البلادة والعبودية والجهل شئ  فظيع،  وألا  يتعلموا شيئا هل  يمكن أن  يكون شيئا  غير فظيع  ؟

        49)  إن القوة  هي  أن  نعيش  في  الآخرين،  أما  الضعف  فهو  أن  نفنى  فيهم .

        50) ...  والخوف  من التفكير قد  يكون  مريحا  ،  كالإقتناع  بالتفكير.

        51)  ... وإذا  كنا  لا  نجد  ذنبا  أو كفرا  في  أن نستشفي من كل عاهات  التاريخ وعيوبه  الجسيمة، فلماذا نجد  كل  الذنب  والكفر في الاستشفاء من عيوب وعاهات  التاريخ المذهبية ، والعقلية ،  والدينية ، والأخلاقية ؟

        نحن نحمل في أعماق عقولنا وعواطفنا وسلوكنا حشوداً هائلة من المقابرالضخمة ، من مقابر المعلمين والطغاة والدعاة والقادة  القتلة والزعماء  الكذبة . إن أصوات هؤلاء وتعاليمهم لتهيب بنا دائما من وراء القبور المنادية  لنا :

        أن كونوا عبيدا وأغبياء، ومتعادين متشاتمين، ومغلقين متعصبين، ورافضين  للتقدم  والحياة والأشياء  الجديدة.

        52) ... إننا بالأسلوب الذي به  نزيل الأحياء غير الكريمة والأكواخ  القديمة الصادمة للرؤية يجب أن نزيل أكواخنا الروحية وأحياءنا التاريخية المظلمة ، لنشيد مكانها أفكارا وتطورا وفنا وحياة جديدة  ومستقبلا  أذكى وأفضل ،  أو  لنشيد مكانها منظرا لا  تشوبه  الدمامات  والأخطاء  المتراكمة في مخازن التاريخ

        ... نحن نغير الأثاث  والمنازل  التي نرثها  عن آبائنا  بلا  شعور  بالذنب أو بالتحقير لأولئك  الآباء،  بل  بالشعور الضاج  بالتفاخر والكبرياء،  فلماذا لا  نغير الأفكار والتعاليم التي ورثناها عنهم بنفس الأسلوب والشعور؟

        53) إنه لا أحد أسوأ من الذي يرفض تغيير المتجر أو المسكن أو الملابس أو الحياة  التي انتقلت إليه  بالوراثة  إلا  الذي  يرفض تغيير الفكر أو المذهب الذي انتقل  إليه  أيضا  بالوراثة.

        54) إن الذين لا يتناقضون هم  قوم  يرفضون الاستجابة لأنفسهم ، لأنهم يخافون ، أو ينافقون ، أو يتحرجون ، أو لا يعرفون  كيف  يفعلون، أو لا يريدون أن يكونوا شرفاء،  أو أن يسيئوا  إلى مصالحهم أو مغانمهم أو إلى  جاههم  الأناني الذي  اكتسبوه ،  بتحولهم  إلى صيغة واحدة  جامدة  في  المجتمع  لخداعه. 

        55)  إنه  لن  يكون  الوقوف  عند  الرأي، أو وقوف  الرأي  فضيلة ،  إلا إذا  كان  وقوف  القلب  فضيلة .

        56)  ولو وجدت كل  الأجوبة على  كل الأشياء لظل الإنسان  يسأل ويلحف في الأسئلة أيضا . ولعله يرفض أن يعرف  كل  الأجوبة  لو كان ممكنا أن يعرف إذا كان ذلك يعني أن يتوقف عن الإستمرار في السؤال دون جواب ، ودون انتظار جواب !ولهذا  فإن  الذين يعرفون  يظلون أكثر سؤالا من الذين لا يعرفون  لأن الذين يعرفون يكونون أقوى مزاجا  تساؤليا  من الذين لا  يعرفون وليس لأن المعرفة  تحوجنا  إلى المعرفة  أكثر أو تشعرنا بجهلنا أكثر .

        57)...  إني متشائم  :

        لأني  علمت أن أحترم  الإنسان ،  وأن  أؤمن بحريته  وذكائه  وتفوقه ، وأن أؤمن بالعدل ، والعبقرية ، والحب  المغدق  بلا حدود .

        لقد  علمت  الإيمان ، ولكني  لم  أجد  ما يمنح  الإيمان .

        لقد  وجدت  دائما  ما  علمت  الإيمان ضده !

         58) فللعقل صوت  قلّما  نُصغي  إليه ...  وإن نحن فعلنا  سرعان  ما  نخالف  أمره  وندوس  على صوته  بأقدامنا .

        59)  إن الإنسان هو عاصمة  الوجود  وبذرة الحياة ومركز الدنيا ، والعقل هو المتحكم في هذه  العاصمة  وهو المولـّـد  لتلك  البذور وهو المدبر لذلك  المركز والأمين عليه .

        فالأكيد استناداً إلى ذلك، أن التفاوت  في  استخدام العقل هو  الذي أنتج عالماً غير متكافئ  القوى . عالماً  متصدعاً  يضج  بالصراعات  والسباقات  التي  سببها استصغار ذوي العقل الضعيف أمام من لهم القدرة على إدراك حقيقة العقل والاستفادة من وظائفه .

        هناك احتمال واحد  يفيد  أن  العقل  إن  كنت له  كان لك ، ويكون عليك حين تكون عليه .

        وإن أمة بدون عقل أشبه  ما  تكون  بالزبد  الذي يذهب  جفاء .

        60) ...  كان  بديهيا  إذاً  أن  يتخلف  الإنسان المسلم – لا سيما العربي- وتتخلف الأنظمة والمجتمعات ( المسلمة العربية ) نتيجة  تخلف العقل وفتوره  وركونه إلى الخمول فخمدت شرارته وخبا  بريقه  ولم  يعد  ممكناً  أن  يتجاوز  في  تفكيره  حدود  البطن  وما  جاورها،  فصار  يعمل  وفق  اختيار عقل  الآخر وهديه ، ويترقب  أوامره ويطبق  نهجه  ويكرر خطابه ...

        فضاعت بذلك  الهوية  العربية المسلمة  التي  فقدت  ذاكرتها  بإهمال العقل  وفقدت  حتى وسيلة  الربط  علما  وعملا  بين ماضيها وحاضرها  حين  فقدتعلاقتها  بالعقل  فتعتمت  الرؤيا  وأعميت  البصائر وغدا  مستقبلها  مغشيا  عليه  وقد  ضعفت  الأمة  العربية  وهزلت  فنكست  أعلام  أعلامها  وبيع  رصيدها  الفكري  وثرواتها  التراثية  في  المزاد  العلني  بأبخس الأثمان لمن شاء تشويهها أو إحراقها وإتلافها أو العبث بما كان منها مقدما.     

        61)  فكيف  يـُحيــي  العقلُ  عقـلـَـه  في  أبدان  جافة  تجترّ موتها وتشرب نخب أعراس الآخرين ؟ كيف يستعيد  العقل  عزيمته ويسترجع  قواه  في  أجسام مريضة ينخرها القلق ويسكنها الفزع وقد غالبها الترهل  وموت الإحساس فشاخت وتقوقعت وأصبحت ترفض الغيرة على كرامتها والثورة على واقعها المثقل  بالمهانة والمذلة وأتعاب التخلف وسلبياته ، وترفض  الانبعاث والتجدد  ولا  تسعى  إلى أي تطور يعيد إليها وعيها وحياتها وحياءها ويبذرالأمل بين أوصالها وأواصرها  وأجيالها ؟؟؟

        62) إن العقل مركز وحي ومصدر إلهام وأداة تعبير عن الوجود  والوجدان

        ... لكنه في نفس  الآن :  مسؤولية  الإنسان ...

        فعلى من تقع  مسؤولية من خذل عقله وخانه ؟  مــَن  المتهم في تغييب العقل  وإنكار  وظيفته ؟

        لا شك  أنه  العقل  العربي  المسلم ...  فهو العقل المضاد للعقل ...  وهو  الإدارة  المناقضة  للإرادة .. وهو  الغائب  المغيّب ،  الذي  ترك  للعاطقة  أمر  تسيير  الذات  العربية  وفرض  سلطانها  عليها  فنزع  عنها  ثوب  العقل وأفقدها  مضمونها  وغدت  خاوية  إلا  من لحم  وعظم  ودم ...

*************************

اجمالي القراءات 7894