من المفارقات العجيبة والتناقضات المقذذة التي نتمتع بها في مجتمعاتنا الشرقية هو موضوع الحرية الدينية .. فمع أن الحرية الدينية منصوص عليها في القرآن الكريم في أكثر من مائة أية قرآنية منها ........
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 256)
وفي موضع آخر يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)يونس ..
وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) الكهف
هذه الآيات القرآنية التي تجعل من الحرية الدينية شريعه دينية وأهم جزء في التكليف هو اعطاء الحريةفي الإيمان والكفر ،وذلك تكون نتيجته إما استخقاقا لعذاب أو لثواب ..
ومع ذلك نجد أن المسلمين في جل تاريخهم وثقافتهم كان تطبيقهم عكس آيات القرآن الكريم في تحد واضح للنص القرآني والمشيئة الالهية بجعل الحرية الدينية شريعه دينية فأصبحت المجتمعات التي تسمى بالإسلامية هي أكثر شعوب الأرض انتهاكاً للحرية الدينية ! ولا يحتاج لإثبات هذاالأمر للجان الحريات الدينية ، وتقاريرها التي نبتت في المجتمعات الليبرالية ،وشربت من ثفافتها, فيكفي أن تكون نصف متابع للصحف السيارة أو الفيس بوك لتجد ان انتهاك الحرية الدينية يتم بشكل يومي !
عاشت المجتمعات الإسلامية غارقة في وحل الأكراه في الدين إلى أن استيقظت على لجان الحريات من الدول التي يطلقون عليها كافرة ! ترصد هذه الانتهكات وتطالب بإصلاح ملف الحرية الدينية اللهم لا اعتراض ..
الغريب أن معظم النخبة انقسمت إلى قسمين رئيسيين ..
الأولوهم ذوي الخلفية الدينية الشائعه :يرى أن الحرية الدينية التي يطالب بها الغرب هى ضد الدين وأنها دعاوى صليبية هدفها القضاء على الإسلام .. وكأن الإكراه في الدين هو مايربط المسلمين بالاسلام .. ويحفظ للمسلمين إسلامهم !
الثاني يرى هذه اللجان وتقاريرها بأنها تدخل في الشئون الداخلية واملاءات غربية تهدف لزعزعة الاستقرار وبلبلة الشعوب ..
وأصبحت برامج التوك شو والبرامج الدينية تبث السم في عقول المتابعين..
هذا على صعيد النخب أما المتلقي العادي الذي هو صنيعة هذه النخبة فقد جمع بين الفكرتين فأصبح يكره الحرية الدينية كراهيته للغرب ..
نسي الفريق الأول صاحب الخلفية الدينية ان القرآن الكريم ملئ بالآيآت التي تحث على ترك الدين لحرية الفرد واختياره الحر ..
ونسي الفريق الثاني أن يوجه سهامه للقضاء على انتهاكات الحرية الدينية بأن يجعل المجتمع خاليًا من هذه الآفة بدلا من لوم الآخرين .. فإن كنت لا تريد للآخرين أن يتدخلوا في شئونك فعليك بإصلاح بيتك ..
في ظل هذا الجدل يضيع كل من يحاول استخدام عقله ويأتي بجديد يختلف عن الشائع أو حتى يناقشه والأسلحة معروفة ومعدة سلفا ومجربة كثيرا وهي التكفير أو التخوين أو كلاهما .. وتكون النتيجة اما اغتيالا معنويا أو اغتيالا جسديا أو كلاهما..
ومع ضياع الحرية الدينية تضيع الحرية السياسية وتقبع الشعوب تحت وطأة الاستبداد الديني والسياسي ..